Mekkeli Fetihler: futuhat makkiyah

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


119. الموقف التاسع عشر بعد المائة

قال تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾[ق: 50/ 15].

قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[القمر: 54/ 50].

قال: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: 54/ 49].

في قراءة من رفع "كل" وقال: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾[الكهف: 18/ 109].

وورد في الخبر عنه (صلى الله عليه وسلم) : ((أنا من نور ربّي، والمؤمنون من نوري)) وورد ((أول ما خلق الله نور نبيك، يا جابر)).

اعلم أن الحق تعالى ـ، قد أشهدني معاني هذه الآيات والأخبار، في مشهد أقدسي ذاتي من وجه، قدسي صفاتي من وجه، بمثال ضربه لي:

شهدت نوراً شبه المنارة ممتداً إلى عنان السماء، وفي مقابلته شمعة، شبه المنارة ممتدة إلى عنان السماء، ومنارة النور متسلطة على الشمعة، ومنقضة عليها، وطالبة لها، وعند وصول النور بشدته وقوته تنطفئ الشمعة، فإذا جازت قوة النور وسورته انقدت الشمعة من أثر النور، ثم يندفع النور بقوّته وتنطفئ الشمعة، ثم تتّقد من أثره وبقيته... وهكذا على الدوام. وكنت أعلم حين ذلك الشهود أن الشمعة مثال الحقيقة المحمّدية المسماة بحضرة الإمكان، وبهيولي العالم، وغير ذلك. فهي تقبل الإضاءة و الانطفاء والإيجاد والإعدام. وأنَّ منارة النور باعتباره قوتها وسورتها مثال الأحدية، وباعتبار آخر: هي (أي الشمعة) مثال مرتبة الألوهية، فالأحدية بمقتضى حقيقتها تطلب نفي ما يشفعها وإعدامه، حتى تصحّ الأحدية الحقيقية، وتنتفي الغيرية المجازية. فهي تعدم نور الشمعة بظهورها، فلا يبقى غير. و الألوهية هي استتار الذات الأحدية، بظهورها بصورة الغير. فالألوهية مرتبة الذات الأخذية، ليس لها رتبة العينية، ولا رتبة الغيرية، و المخلوقات دائماً بين هذين المقتضيين مقتضى الأحدية، ومقتضى الألوهية، فهي دائماً بين إيجاد وإعدام، وهذا معنى الخلق الجديد، الذي الناس في لبس منه. وورود ا لنور بقوّته على الشمعة، وإطفاؤها ثم اتقادها، ثم عوده كذلك، ليس له زمان، ولا يظهر له ترتيب إلاَّ في التعقل، وإلاَّ فزمان هذا هو زمان هذا، كلمعان البرق، زمان لمعانه زمان انصباغ الهواء به. وزمان انصباغ الهواء به زمان انكشاف الأشياء به، وزمان انكشاف الأشياء به زمان تعلق الإدراك البصري ووقعه عليها، ولا ترتيب بين هذه الأمور في الحسّ وإنما يدرك ترتيبها بالعقل. هكذا هو الأمر الإلهي وهو معنى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[القمر: 54/ 50].

وأمره، صفته، وصفته عين ذاته، ثم إن النور الذي يوجد في الشمعة باتقادها، وينعدم بانطفائها، هو عين النور المتوجّه عليها بالإيقاد والإطفاء، ماهو غيره، إذ حقيقة النوريّة فيهما واحدة. وإنما تعدّد بحسب المظهر والتعّين، كما يوقد مصباح من مصباح في الحس، فالمصباح الثاني عين الأول، ظهر في فتيلة أخرى لا غيره، فهو يوجد نسه في مظهر، ويعدم نفسه في مظهر، وهذا معناه: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: 54/ 49].

ثم إنَّ هذا الاشتعال المتعاقب على الدوام هو كلمات الله التي لا ت تقد، فانظر إلى هذا التعريف، والمثال المنيف: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت: 29/ 43].

فالأمثال لا تضرب إلاَّ للناس، أي الذين فيهم صفة الإنسانية ل لمطلق الحيوان. وما يعقل تلك الأمثلة ويعرفها أنها ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي سلاليم يرقى بها إلى المقصود، حتى يصير المعقول محسوساً، إلاَّ العالمون بالعلم الحقيقيّ، فيعبّرون من ظاهرها إلى باطنها، وهم العلماء على الحقيقة، الذين عرفوا: أن العلم والعالم والمعلوم عين واحدة تعدّدت أسماؤها لتعددّ نسبها ، لا العلماء الذين يقولون: العالم حقيقة، والمعلوم حقيقة أخرى غيرها، و العلم حقيقة أخرى تغاير العالم والمعلوم!! وما هو هذا علم، ولكنه وهم.

قيل لي في واقعة من الوقائع: "مطلب علم التصوف هو ما لا يقف التحقيق عند مسألة من مسائله"، بمعنى أنَّ الطالب لمسألة من مسائله إذا حققه بجعله ذلك التحقق مستعداً لما وراءها، فإذا تحقق بما استعدَّ له ممّا وراء تلك المسألة استعد كذلك، وهكذا فلا نهاية لمسائل التصوف ومطالبه، دون الذات البحت الغيب المطلق، وهنالك منتهى العبارات، ومنقطع الإشارات، وبحر الظلمات، ثم بعد انقضاء هذا المشهد ألقى الحق تعالى إلي قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾[الإنسان: 76/ 21].

يعني أنَّ الحق تعالى ـ، لما أدخل من أدخل جنة معرفته، سقاهم شراب العلم، و الكشف عن الحقائق، طهوراً من قذرات التلبيس والشكوك، صافياً من دنس الأفكار،  غير مكدّر بأوساخ الطبيعة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Bazı içeriklerin Arapçadan Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!