الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الثامن والتسعون في معرفة مقام السهر]

و قال في الباب الثامن والتسعين: من شرط الولي الكامل أن لا ينام له قلب بحكم الأرث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وذلك لأن الكامل مطالب بحفظ ذاته الباطنة عن الغفلة كما يحفظ باليقظة ذاته الظاهرة.

(قلت) : ذكر الشيخ في الباب الحادي والتسعين أنه يجب على الورع أن يجتنبه في خياله كما يجتنبه في ظاهره لأن الخيال تابع للحس. قال: ولهذا كان المريد إذا وقع له احتلام فلشيخه معاقبته على ذلك لأن الاحتلام برؤيا في النوم وفي التصور وفي اليقظة لا يكون إلا من بقية شهوة في خياله فإذا احتلم صاحب كمال فإنما ذلك لضعف أعضائه الباطنة لمرض طرأ في مزاجه لا عن احتلام لا في حلال ولا في حرام انتهى. فتأمله واللّه أعلم. وقال: في الباب الثامن ومائة فتنة العبد باتساع الدنيا عليه وانقياد الوجود له أعظم من فتنة الضيق وعصيان الخلق له فإن الشهوة آلة للنفس تعلو بعلو المشتهي وتسفل باستفاله وحقيقة الشهوة إرادة الالتذاذ بما يطلب أن يلتذ به قال: والذي أقول به إن صحبة المريدين للأحداث حرام عليهم لاستيلاء الشهوة الحيوانية عليهم بسبب ضعف العقل الذي جعله اللّه مقابلا لها بخلاف الكمل من الرجال الذين ارتقوا عن عالم طبيعتهم فإن الكامل إذا رأى الأمرد أملس لا نبات بعارضيه تذكر مقام تجريده وأنه حديث عهد بربه كالمطر بخلاف الكبير فيراعي ذلك الأمرد كما راعى ذلك المطر من حيث قربه من التكوين هذا مشهد الكمل. قال: ويجب على كل مؤمن ومدع لطريق اللّه إن لم يكن من أهل الكشف والوجد أن يجتنب كل أمر يؤدي إلى تعلق القلب بغير اللّه فإنه فتنة في حقه وكذلك يجتنب مواضع التهم وصحبة المبتدعين في الدين ما لا يقبله الدين وكذلك يجتنب مجالسة النسوان وأخذ الأرفاق فإن القلوب تميل إلى كل من أحسن إليها بحكم الطبع وليس هناك قوة إلهية على دفع الشهوات النفسية والمعرفة معدومة من هذا الصنف الذي ذكرناه قال: ولا يخفى أن من كان من المريدين تحت حكم شيخ ناصح فهو بحكم شيخه فيه وإن كان لا شيخ له فعليه الحرج من اللّه في صحبته لكل من يردى به كما على الشيوخ الذين ليس لهم قدم صدق في الطريق اللوم في ذلك قال: ثم الذي ينبغي للمريد إذا دعي أنه ما صحب الأحداث والنسوان إلا للّه أن يزن حاله فإن وجد ألما ووحشة عند فقده إياهم، وهيجانا إلى لقائهم وفرحا بإقبالهم، فليعلم أن صحبته لهم معلولة وإن وقعت المنفعة لذلك الحدث منه سعد وشقي هذا المحب قال: وإن كانت محبة المريد قد تعلقت بجميع المخلوقات على حد سواء، ومن جملتهم الأحداث والنسوان، فلا ينبغي له الركون فقد يكون خديعة نفسية وميزانه أن لا يستوحش عند مفارقة أحد من الخلق لتساويهم عنده من حيث إنهم خلق اللّه حتى الحائط فمحبوب هذا على دعواه لا يفارقه فلماذا نستوحش انتهى. (قلت) : فالواجب على من بلغ مبلغ الرجال عدم صحبة النساء والأحداث جملة واحدة، ثم إذا بلغ أيضا فشرطه على ما قالوه: أن لا يكون مقتدى به الاقتداء العام فإن أصحاب النفوس الغوية ربما تبعوه واحتجوا به في ذلك واللّه أعلم. وقال: الفرق بين الشهوة والإرادة، أن الإرادة تتعلق بكل مراد للنفس والعقل سواء كان ذلك المراد محبوب وغير محبوب، وأما الشهوة فلا تتعلق إلا بما للنفس في نيله لذة خاصة، وأيضا فإن محل الشهوة النفس الحيوانية ومحل الإرادة الروح ذكره في الباب التاسع، ومائة. وقال في الباب الثاني عشر ومائة: تكون مخالفة النفس في ثلاثة أمور فقط. في المباح والمكروه، والمحظور لا غير. وأما إذا وقعت لها لذة في طاعة مخصوصة وعمل مقرب فهنالك علة خفية فيخالفها بطاعة أخرى وعمل مقرب فإن استوى عندها جميع التصرفات في فنون سلمنا لها تلك اللذة بالطاعة الخاصة وإن وجدت المشقة في العمل المقرب الآخر الذي هو خلاف هذا العمل فالعدول إلى الشاق واجب لأنها إن اعتادت المساعدة في مثل هذا أثرت في المساعدة في المحظور، والمكروه، والمباح وقال في الباب الخامس عشر ومائة، في قوله صلى اللّه عليه وسلم: لا غيبة في فاسق» الذي فهمته من هذا الحديث أنه نهي لا نفي وعلى ذلك جرى أهل الورع في فهم هذا الحديث أي: لا تغتابوا الفاسق المعين وعرضوا بالغيبة على وجه المصلحة لغير معين كما كان صلى اللّه عليه وسلم، يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» قال: ومع كون الغيبة محمودة في مواضع مذكورة في كتب الفقه فعدم التعيين أولى فيها من التعيين إلا إن ترتب على ذلك حكم شرعي. وقال في الباب السادس عشر ومائة القناعة عندنا على بابها في اللسان وهي المسألة والقانع هو السائل ولكن من اللّه تعالى، لا من غيره وهو قوله تعالى في الظالمين: «يوم القيامة مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ [إبراهيم: 43] إلى اللّه يسألونه المغفرة عن جرائمهم. فعلم أن من سأل غير اللّه فليس بقانع ويخاف عليه من الحرمان والخسران. فإن السائل موصوف بالركون إلى من سأله واللّه تعالى يقول: ولاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّٰارُ [هود:113] ومن ركن إلى جنسه فقد ركن إلى ظالم. لأن اللّه تعالى قال في الإنسان: إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب: 72] انتهى. وهو كلام نفيس. وقال في الباب الرابع والعشرين ومائة في قوله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام، قال: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ اَلْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّٰى تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ [ص:32] . الآية. معناه: أحببت الخير عن ذكر ربي الخير بالخيرية فأحببته لذلك والخير هي الصافنات الجياد من الخيل وأما قوله: فطفق مسحا.

أي: يمسح بيده على أعرافها وسوقها، فرحا، وإعجابا بخير ربه، لا فرحا بالدنيا لأن الأنبياء منزهون عن ذلك وهذه تشبه ما وقع لأيوب عليه السلام، حين أرسل اللّه له جرادا من ذهب فصار يحثو في ثوبه منه ويقول: لا غنى لي عن بركتك يا رب انتهى. فما أحب سليمان الخير إلا لكونه تعالى أحب حب الخير ولذلك اشتاق إليها لما توارت بالحجاب يعني: الصافنات الجياد لكونه فقد المحل الذي أوجب له حب الخير عن ذكر ربه فقال: ردوها عليّ وقال: وليس للمفسرين الذين جعلوا التواري للشمس دليل فإن الشمس ليس لها هنا ذكر ولا الصلاة التي يزعمون ومساق الآية. لا يدل على ما قالوه بوجه ظاهر ألبتة، قال: وأما استرواحهم فيما فسروه بقوله تعالى: ولَقَدْ فَتَنّٰا سُلَيْمٰانَ [ص: 34] فالفتنة هي الاختبار يقال: فتنت الذهب والفضة إذا اختبرتهما بالنار فلا ينافي ذلك ما قلناه إذ كان متعلقه الخيل ولا بد يكون اختياره إذ رآها هل أحبها عليه السلام، عن ذكر اللّه لها، وأحبها لعينها، فأخبر عليه السلام أنه إنما أحبها عن ذكر ربه إياها لا لعينها مع حسنها وكمالها وحاجته إليها فإنها جزء من الملك الذي طلب أن لا يكون لأحد من بعده فأجابه الحق إلى ما سأل في المجموع ورفع الحرج عنه بقوله: كِتٰابٌ أَنْزَلْنٰاهُ إِلَيْكَ مُبٰارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيٰاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ ( 29 ) ووَهَبْنٰا لِدٰاوُدَ سُلَيْمٰانَ نِعْمَ اَلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ اَلصّٰافِنٰاتُ اَلْجِيٰادُ ( 31 ) فَقٰالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ اَلْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّٰى تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ ( 32 ) رُدُّوهٰا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ واَلْأَعْنٰاقِ (33) ولَقَدْ فَتَنّٰا سُلَيْمٰانَ وأَلْقَيْنٰا عَلىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنٰابَ ( 34 ) قٰالَ رَبِّ اِغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهّٰابُ ( 35 )فَسَخَّرْنٰا لَهُ اَلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخٰاءً حَيْثُ أَصٰابَ (36) واَلشَّيٰاطِينَ كُلَّ بَنّٰاءٍ وغَوّٰاصٍ ( 37 ) وآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي اَلْأَصْفٰادِ ( 38 ) هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ وأَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ ( 39 ) وإِنَّ لَهُ عِنْدَنٰا لَزُلْفىٰ وحُسْنَ مَآبٍ ( 40 ) [ص: 29 ، 40] . أي: ما ينقصه هذا الملك من ملك الآخرة شيئا كما يقع لغيره.

(قلت) : هذا تفسير غريب لم أره لغير الشيخ فليتأمل ويحرر واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!