الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الحادي والسبعون في أسرار الصوم]

و قال في البابالحادي والسبعين في أسرار الصوم إنما قال تعالى: الصوم لي غيرة إلهية أن يتلبس العبد بصفته تعالى فإن الصوم صفة صمدانية ولذلك ورد في الصوم أنه لا مثل له أي من العبادات وذلك لأنه وصف سلبي إذ هو ترك المفطرات فلا عين له تتصف بالوجود الذي هو يعقل فهو على الحقيقة لا عبادة ولا عمل وإن أطلق ذلك عليه فهو مجاز وإن وصف العبد به فهو مقيد لا مطلق ذلك عليه كالحق لأن الحق منزه عن الغذاء مطلقا والعبد إنما هو منزه عنه في وقت مخصوص وأطال في ذلك وقال في حديث: «لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من ريح المسك» لم يبلغنا أن اللّه تعالى أعطى أحدا من الخلق إدراك شم رائحة الخلوف كالمسك ولا سمعنا بذلك عن أحد ولا ذقناه في نفوسنا بل المنقول عن الكمل من الناس والملائكة التأذي بالروائح الخبيثة.

(قال) : وما انفرد بإدراكها أطيب من ريح المسك إلا الحق تعالى على أن أفعل التفضيل في جانب الحق محال لتساوي الروائح كلها عنده إذ اختلاف الروائح تابع للمزاج والحق منزه عن ذلك، قال: ولا أدري هل الحيوان أن يدرك رائحة الخلوف متغيرة أم لا لأني ما أقامني الحق تعالى في صور حيوان غير إنسان كما أقامني في أوقات في صورة الملائكة فتأمله وحرره واللّه عليم حكيم. وقال في حديث: «يدع طعامه وشرابه من أجلي» إنما قدم الطعام على الشراب في الذكر لأن الطعام هو الأصل في الغذاء وأما الشراب فيمكن تركه لأن العطش من الشهوات الكاذبة فمن عود نفسه الإمساك عن الماء وإن عطشت أقام واللّه الشهور والسنين، لا يشتهيه من غير تأثير في المزاج ولا في البدن وتقنع الطبيعة بما تستمد من الرطوبات التي في الطعام وأطال في ذلك الكلام على آداب الخلوة. وقال في حديث: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين» وجه مناسبة الصوم لفتح أبواب الجنان  كون الصائم دخل في عمل مستور ليس له عين وجودية كما مر أول البابفيظهر للبصر ولا هو بعمل للجوارح على ما مر والجنة مأخوذة من الستر، والخفاء. وأما وجه مناسبة غلق أبواب النار للصائم فإن النار إذا غلقت أبوابها تضاعف حرها وأكل بعضها بعضا وكذلك الصائم إذا صام غلق أبواب نار طبيعته فوجد للصوم حرارة زائد لعدم استعمال المرطبات ووجد ألم ذلك في باطنه فقويت نار شهوته بغلق باب تناول الأطعمة والأشربة وصفدت الشياطين التي هي صفات البعد عن اللّه لقربه حينئذ من الصفة الصمدانية وأطال في ذلك.

(و قال) : الذي أقول به: وهو مذهب ابن الشخير أيضا إذا غم علينا شهر رمضان أن لا نعمل بأكبر المقدارين وإنما نسأل أهل التسيير عن منزلة القمر فإن كان على درج الرؤية وغم علينا عملنا عليه وإن كان على غير درج الرؤية كملنا العدة ثلاثين. وقال: وجه من قال بكراهة الصوم مع الجنابة الصوم أن يوجب القرب من صفات اللّه والجنابة بعد عن حضرته فكما لا يجتمع القرب والبعد كذلك لا يجتمع الصوم والجنابة ووجه من قال بعدم الكراهة أنه راعى حكم الطبيعة وقال: الصوم نسبة إلهية فأثبت كل أمر في موضعه. وقال في الكلام على كفارة الجماع قال بعضهم: الذي يترجح في خصال الكفارة ما كان أشق على النفس لأن المقصود بالحدود والعقوبات إنما هو الزجر. قال الشيخ: والذي أقول به: إنه يفعل الأهون من الكفارة لأن الدين يسر ولكن إن فعل الأشق من قبل نفسه كان حسنا لأن كون الحدود وضعت للزجر ما فيه نص من اللّه، ولا رسوله، وإنما اقتضاه النظر الفكري وقد يصيب في ذلك وقد يخطئ وبعض الكبائر لم يشرع فيها حد مطلقا فلو كانت الحدود زواجر لكانت العقوبة تزيد بحسب كثرة الضرر في العالم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!