الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب التاسع والستون في معرفة أسرار الصلاة وعمومها]

(و قال) في الباب التاسع والستين: اعلم أن الصلاة مشتقة من المصلى وهو الذي يلي السابق في الحلبة والسابق هنا التوحيد، والمصلي الصلاة ويشهد لهذا الترتيب حديث: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأن محمدا رسول اللّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» ، ولما علم الصحابة ما يدخل الواو من الاحتمال وأن الشارع راعى الترتيب أنكروا على من روى والحج وصوم رمضان وقالوا له: قل صوم رمضان والحج إشارة إلى أن الشارع أراد الترتيب في القواعد والصلاة ثانية في القواعد قال: وإنما جعل الزكاة تلي الصلاة لأن الزكاة تطهر قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا ( 9 ) [الشمس: 9] أي طهرها بالطاعات يعني النفس قال: ولما كانت الصلاة المشروعة من شرطها الطهارة جعلت الزكاة إلى جانبها لكونها طهارة للأموال التي يكون بها جل قوتهم وملبسهم وجعل الصوم يلي الزكاة دون الحج لكون زكاة الفطر مشروعة عند قضاء الصوم فلما كان الصوم أقرب نسبة إلى الزكاة جعل إلى جانبها فلم يبق للحج مرتبة إلا المرتبة الخامسة فكان فيها. (قلت) : وسيأتي في الكلام على صلاة الجنازة تفسير قوله تعالى: إِنَّ اَلصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ واَلْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45] فراجعه.

(و قال) : من شأن العارف أن يعبد ربه من حيث أولية ربه في خلقه المخلوقات لا من حيث أوليته هو عن أوليات كثيرة قبله وأعني بذلك الأسباب، فهذه هي الصلاة لأول الوقت فإذا عبده العارف في تلك الأولية المنزهة عن أن يتقدمها أولية شيء انسحبت عبادة هذا العارف من هناك على كل عبادة مخلوق خلقه اللّه من أول المخلوقات بين لي حين وجوده ومن جمع هذا وبين الصلاة لأول وقتها المعروف فقد حاز الفضيلتين وقال فيه: إنما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن المغرب وتر صلاة النهار قبل أن يزيدنا اللّه وتر صلاة الليل فإنه قال إن اللّه قد زادكم صلاة إلى صلاتكم وذكر صلاة الوتر فشبهها بالفرائض وأمر بها ولهذا جعلها أبو حنيفة واجبة دون الفرض وفوق السنة وأثم من تركها ونعم ما نظر وتفقه رضي اللّه عنه لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يلحقها بصلاة النافلة بل قال: «زادكم صلاة إلى صلاتكم» يعني الفرائض فشرع تعالى لنا وترين ولينفرد تعالى بالوترية الواحدة قال تعالى: ومِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَيْنِ [الذاريات: 49] فافهم. وقال فيه: رأيت قولا غريبا لا أدري من قاله ولا أين رأيته أن وقت صلاة العشاء ما لم تتم ولو سهرت إلى وقت الفجر وقال فيه: ما عرفت مستند من كره قول المؤذن حي على خير العمل فإنه روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر بها يوم حفر الخندق والصلاة خير موضوع كما ورد فما أخطأ من جعلها في الآذان بل اقتدى إن صح هذا الخبر وأطال في ذلك.

(و قال فيه) : مذهبنا أن للواعظ أخذ الأجرة على وعظه الناس وهو من أجل ما يأكله وإن كان ترك ذلك أفضل وإيضاح ذلك أن مقام الدعوة إلى اللّه يقتضي الأجرة فإنه ما من نبي دعا اللّه إلا قال: إِنْ أَجرِيَ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ [هود: 29] فأثبت الأجر على الدعاء ولكن اختار أن يأخذه من اللّه لا من المخلوقين وأطال في ذلك. وسيأتي أيضا في الباب السابع عشر وأربعمائة فراجعه.

وقال فيه: مذهبي أن الأذان قبل الفجر ليس بأذان حقيقة وإنما هو ذكر اللّه عز وجل بصورة الأذان تحريضا للناس على الانتباه لذكر اللّه تعالى فإذا طلع الفجر فهناك الأذان المشروع إعلاما بدخول وقت الصلاة، قال: ولهذا ابتدع السلف الصالح للمؤذنين الدعاء والتذكير بآيات القرآن والمواعظ وإنشاد الشعر الحاث على قيام الليل وعلى الزهد في الدنيا ليعلموا الناس أن الأذان الأول ما كان إلا لغرض الإيقاظ للقائمين لا لدخول الوقت. وقال فيه: معنى قول المؤذن قد قامت الصلاة إنما قال: قامت بلفظ الماضي مع أن الصلاة بشرى من اللّه لعباده لمن جاء إلى المسجد ينتظر الصلاة وكان في الطريق آتيا إليه وكان في حال الوضوء بسببه وكان في حال القصد إلى الوضوء قبل الشروع فيه ليصلي بذلك الوضوء فيموت في بعض هذه المواطن قبل وقوع الصلاة منه فبشره اللّه بأن الصلاة قد قامت له في هذه المواطن كلها فله أجر من صلاها إن كانت ما وقعت منه فلذلك جاء بلفظ الماضي ليحقق الحصول، فإذا حصلت بالفعل أيضا فله أجر الحصول كذلك، وقد ورد أن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة. (قلت) : وقد ذكر الشيخ أيضا في أواخر كتاب الحج في الكلام على نحر البدن قائمة إنما قال صلى اللّه عليه وسلم: «قد قامت» بلفظ الماضي قبل قيام العبد لها تنبيها على قيام صلاة اللّه على العبد ليقوم العبد إلى الصلاة فيقوم بقيامه نشأتها كما قال تعالى: هُوَ اَلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [الأحزاب: 43] قال: فالقيام معتبر في سائر العبادات كالوقوف بعرفة ورمي الجمار وغير ذلك واللّه أعلم.

(و قال فيه) : لو لا أن الإجماع سبقني لم أقل أن التوجه إلى الكعبة شرط في صحة الصلاة لأن قوله تعالى: فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ [البقرة: 115] نزلت بعد قوله: وحَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:144] فهي آية محكمة غير منسوخة ولكن انعقد الإجماع على هذا، وجاء قوله: فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللّٰهِ [البقرة: 115] محكما في الحائر الذي جهل القبلة فيصلي حيث يغلب على ظنا باجتهاده بلا خلاف انتهى. فليتأمل ويحرر واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!