الفتوحات المكية

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الخاتمة]

(قلت) : فقد كذب واللّه وافترى من نقل عن الشيخ محيي الدين أنه كان يقول: إن أهل النار يتلذذون بدخولهم النار وأنهم لو أخرجوا منها تعذبوا بذلك الخروج وإن وجد نحو ذلك في شيء من كتبه فهو مدسوس عليه، فإني مررت على كتابه «الفتوحات المكية» جميعه فرأيته مشحونا بالكلام على عذاب أهل النار وهذا الكتاب من أعظم كتبه وآخرها تأليفا، وأنا أسأل باللّه العظيم، كل ناظر في هذه الخاتمة إذا وجد دليلا لكلام الشيخ من الكتاب والسنة فليلحقه بموضعه ودليلا على ضد كلامه فليكتبه كذلك في موضعه فإن كلام أهل الكشف لا يتمشى كله على ظاهر النقول، على أن أكثر اختلاف أهل النقل وأهل الكشف إنما هو في الكيفيات والعلل، وأما الأحكام فلا خلاف عندهم فيها إذ الكشف الصحيح لا يجيء قط إلا مؤيدا للشريعة ولا يقبل من صاحبها إن قدر مخالفته لها. واعلم يا أخي أني لم أذكر عن الشيخ رحمه اللّه في هذه الخاتمة إلا بعض الأمور التي تحتملها العقول وأما ما لا تحتمله العقول فتركناه حتى يشاهده أهل الجنة إذا دخلوها وأهل النار إذا دخلوها والحمد للّه رب العالمين.

والحمد للّه الذي هدانا إلى هذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، وقد جاء بحمد اللّه تعالى كتابنا نفيسا يخضع له عنق كل مصنف ترك التعصيب والحمية للنفس، فإن الشيخ رضي اللّه عنه كان من أكبر الوارثين كما ذكرنا ذلك في خطبة الكتاب، وقد أخبرني شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين الحنبلي الفتوحي رحمه اللّه بعد أن اطلع عليه وكتب عليه وبعد حلفه باللّه عز وجل أنه طول عمره ما مر على خاطره حكم واحد مما فيه ولا مما في «الجواهر والدرر» فرضي اللّه عن أهل الإنصاف، وأرجو من مدد اللّه ثم من مدد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكون جميع ما رقمناه بأناملنا منقوشا في نفوسنا ومحفوظا في أرواحنا ليكون ذلك وسيلة إلى العمل ببعض ما فيه من الأخلاق المحمدية والآداب الشرعية، ونسأل اللّه تعالى أن يخلصنا من الدنيا على الرضا والتسليم وأن يخلص أهلها منا بالنظر إلى عوراتنا دون عوراتهم وأن لا يفضحنا بظنوننا ودعوانا ولا بما خفي علمه علينا من عظيم زلاتنا وقبيح إرادتنا ودقيق خطراتنا وكيف لنا بذلك في هذا الزمان الذي هو محل ظهور العجائب والأحوال الرديئة، وقد استوفينا غالب الأعمال التي أهلك اللّه بها الأمم السالفة والقرون الماضية وحلت بنا نبأتنا وتحكمت عما لنا فينا بأعمالنا، وقد قرب انشقاق الفجر الأخروي بقوة عسكر الظلم والصلال وقبض العلوم عن العمل بها وفيض الصلال، فلا تختم الدنيا إلا على حثالة كما لا يرتفع في منخل التحليل إلا النخالة وقد وصف بعض أهل المائة السادسة زمانه فقال: قد صارت حكماء أهل زماننا ذبابا وعلماؤنا ذئابا وقروده فضلاء وفهوده عقلاء وتجاره حوفية وفجاره صوفية وثعالبه زهادا وثعابينه عبادا وأتقياؤه فصاحا وأشقياؤه نصاحا وعقاربه وعاظا وحيّاته حفاظا، استغنوا بالفضائح عن النصائح وعن المعارف بالمغارف وعن الطيبة بالغيبة وعن أسرار الغيوب بأشرار العيوب فلا الآيات السماوية تذكرهم ولا الآيات النفسانية تحجبهم. فلا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

أقول قولي هذا وأستغفر اللّه تعالى من كل خطأ وزلل وقع من جوارحي الظاهرة والباطنة إلى وقتي هذا عدد كل ذرة في الوجود، قال ذلك وكتبه مؤلفه العبد الفقير إلى عفو ربّه ومغفرته ومسامحته عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني عفا اللّه عنه وعن والديه وعن مشايخه وجميع المسلمين.

وكان الفراغ من تأليفه في يوم الأحد حادي عشر شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة من الهجرة الشريفة وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين وحسبنا اللّه ونعم الوكيل، وأنا أستغفر اللّه العظيم وأتوب إليه من الأقوال والأفعال والحمد للّه رب العالمين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!