الفتوحات المكية

مناسبة تأليف كتاب الفتوحات المكية

الفصول الستة لكتاب الفتوحات المكية

انتقادات وردود على الفتوحات المكية

كان الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي يعرف منذ البداية أنَّ الكثير من الناس لن يستسيغوا علومه ولن يفهموا كلامه، ولذلك نراه قدَّم لهذا الكتاب بخطبة ومقدمة تشتمل على بيان مراتب العلوم ومراتب العقيدة، وبيَّن عقيدته الخالصة، حتى لا يكون هناك أيُّ حجَّة للمنكرين. وهو نفسه لم يفرض على أحد قبول أقواله وما أتى به من العلوم الذوقية، بل وزاد على ذلك أنه كان يستغفر لمن كان يسبّه، وقد خرج في جنازة أحدهم ثم قرأ له سبعين ألف تهليلة حتى يغفر الله له، كما رأينا في فصل العشاء من كتاب شمس المغرب. فالشيخ الأكبر يحترم اختلاف الأذواق والمذاهب، وحتى اختلاف الأديان، مع أنه لا يشكّ في صحّة مذهبه ودينه، ولكن الاختلاف سنّة الله في الكون، والله وحده هو الذي سيحاسب الناس، ولذلك نجد أن الشيخ قد ناقش أقوال وآراء الكثير من العلماء ورجّح بعضها على بعض وخطّأ بعضها وصحّح بعضها الآخر بأسلوب جميل ومن غير تجريح أو لعن أو سبّ أو تكفير.

ليس من الغريب أن ينتقد بعض الناس مثل هذه المعارف الذوقية، وذلك لاختلاف أذواقهم ومشاربهم، ولكن بعض الذين لم يستطيعوا فهم هذا الكتاب العظيم استنكروه وكفّروا كاتبه، فكان الشيخ برهان الدين البقاعي مثلاً يسمي هذا الكتاب "القبوحات الهلكية"، وهذه هي بالتحديد مشكلة الكثير من الذين ينتقدون الشيخ محي الدين وغيره من الصوفية؛ فالنقد بحد ذاته أمرٌ جيدٌ ومقبولٌ ولكن الأسلوب والكلام المستخدم هو الذي يعكس حالة الناقد ومستواه النفسي والروحي وعلاقته مع الخلق ومع الخالق. قد يدّعي بعض من يجرّح العلماء أنه إنما يريد فضحهم أمام المسلمين لأنه يعتقد أنهم علماء سوء وينبغي الحذر منهم وصدّ المسلمين عنهم بشتى السبل! فليس هذا من الإسلام في شيء، وليس من الأخلاق، وليس هناك أي مبرر للسبّ والكلام الجارح مهما كان الخصم مخطئاً خاصة إن كان مشهوداً له بالإسلام. وإن كان لا بدّ من النقد فليكن ذلك بأسلوب سليم وبعد دراسة كلام هذا العالم وعدم الحكم عليه من مجرّد ما يُنقل عنه أو من مجرّد تصفّح بعض كتبه، دون أن يستوعب مراميها ومحتواها.

إنَّ التحليل الكمِّي (قبل التحليل الكيفي) لردود ومؤلفات المنتقدين للشيخ محي الدين عبر القرون، سواء من حيث عددُها أو من حيث حجمُها، يعطي من أوّل وهلة أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة كتبه أبداً، إلا ربما على سبيل التصفُّح أو المرور عليها مرور الكرام، أو ربما اكتفوا بما سمعوه عنها نقلاً عن نقل، وإلا فكيف يُنتقد كتاب يزيد حجمه عن عشرة آلاف صفحة برسالة لا تزيد عن عشرين صفحة، والنقد يحتاج عادة إلى تحليل عميق لكل كلمة من كلمات النص موضوع النقد. وإذا أحصينا عدد المؤلفات التي تنتقد الشيخ محي الدين نجده أقل بكثير من مؤلفاته أو من المؤلفات التي تشرح كتبه.

كذلك فإن التحليل الكيفي البسيط يؤدي إلى نفس النتيجة السابقة، حيث إنَّ الكثير من المنتقدين أسندوا إلى الشيخ كلاماً لم يقله، أو عبارات غير مكتملة المعنى مقتطعة من كلامه، أو في أحسن الأحول حملوا كلامه على أسوأ تأويل، ثم بنوا على نتائج تأويلاتهم الباطلة.

كتب الشيخ ابن تيمية

أخذ الشيخ أحمد بن عبد الحليم، المعروف بابن تيمية الحرّاني (661 ه / 1263 م – 728 ه / 1328 م)، على عاتقه الرد على ما ورد في كتب الشيخ محي الدين مما يعدُّه مخالفاً للعقيدة والشريعة الإسلامية، وقد ألف عدداً من الكتب والرسائل في ذلك، مثل: "الرد على ابن العربي والصوفية" و" كتاب المسائل الإسكندرانية في الرد على الاتحادية والحلولية" بالإضافة إلى فتاويه المعروفة. ولقد ناقشنا انتقادات الشيخ ابن تيمية للشيخ محي الدين بالتفصيل في الفصل السابع من كتاب شمس المغرب، ونحن نلخص منها هنا ما يتعلق بكتاب الفتوحات المكية.

كان لابن تيمية مذهب خاص خالف به علماء المذاهب الأربعة وقال بآراء تقرب من آراء المجسّمة والحشوية، وذلك بسبب نفيه للمجاز ومحاولته تفسير بعض آيات القرآن الكريم بشكل حرفي، ومن أجل ذلك ثار العلماء ضده في مصر والشام وسجن عدة مرات. ولكن الحقيقة أن ابن تيمية بذل جهداً كبيراً في محاولة تصحيح بعض العقائد وكان يحاول الالتزام بالنصوص من الآيات والأحاديث التي ثبتت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه لم يستطع أن يرفع إشكالية هذه النصوص عندما حاول تفسيرها بشكل حرفي من خلال فتاوٍ ورسائل قصيرة وبشكلٍ مباشر ومن غير شروحات شافية ولا دلائل مقنعة، ولم يراعِ في ذلك كيفية تقبُّل الناس وفهم العلماء لها، مما أدى إلى انتقاده ومحاكمته. في حين إنَّ ابن العربي نثر عقيدته العميقة في كتبه الكثيرة وتحليلاته الطويلة حتى لا يطّلع عليها إلا من له القدرة على فهمها، وأظهر فقط عقيدته العامة البسيطة كما صرَّح في بداية الفتوحات المكية، وهما ليستا عقيدتان مختلفتان وإنما وجهان لشيء واحد.

لجأ أكثر العلماء إلى المجاز من أجل فهم الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تصف الله تعالى بصفات المحدثات، ولكنَّ هذا التفسير كثيراً ما فرّغها من معانيها، حيث إنَّ الله سبحانه وتعالى قد شبّه نفسه بشكل صريح في القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فإبطال هذا التشبيه فيه تعطيل للقرآن وتعطيل لقول الرسول عليه الصلاة والسلام، في حين إنَّ التشبيه الحرفي بالمحدثات كذلك يؤدي إلى تقييد الله بالزمان والمكان وصفات المحدثات، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيرا.

إنَّ السبيل للخروج من هذا التناقض الظاهري يكون في أحد طريقين لا ثالث لهما: الأول أن نلتزم الإيمان المطلق من غير سؤال، وهذا هو طريق العامة من المسلمين، وهو ما اشتهر عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو طريق سليم بلا شك. والطريق الثانية هي طريق التحقيق التي اتبعها الصوفية حيث الْتزموا التقوى حتى آتاهم الله تعالى من لدنه علماً وفرقانا يفرّقون به بين الحقِّ والباطل، فاستطاعوا بذلك العلم الذوقي الخروج من التناقض الظاهري بين صريح آيات التشبيه وحقيقة التنزيه الذي يليق بجلال الله سبحانه، من غير أن يعطّلوا الآيات ومن غير أن يقيّدوا الذات الإلهية بعالم التشبيه والأجسام.

من المؤكَّد أن ابن تيمية لم يدرس كتب الشيخ محي الدين، ولو درسها بشكل جيِّدٍ لكان بلا شكّ من المدافعين عنه بأشدّ مما هاجمه واتَّهمه، فهو يتفق معه تماماً على مبدأ نفي المجاز حيث يقول بوضوح: "فإنّا ننفي أن يكون في القرآن مجاز، بل في كلام العرب"، ويقول أيضاً: "فما وقع الإعجاز (في القرآن الكريم) إلا بتقديسه عن المجاز". ولكن الواقع أن ابن تيمية كان من أكثر العلماء الذين استنكروا كلام ابن العربي، فوصفه بالكفر والضلال، من غير أية بيّنة، بل وحتى من غير أن يكلّف نفسه قراءة كتبه والبحث فيها، وذلك واضح وجليّ من خلال ما نسب إليه من الأقوال التي لم يقلها وأساء فهم أقواله بأقرب تأويل من غير بحث ولا تمحيص ولا تدقيق يوضح له معانيها التي لا تجانب الإسلام قيد أنملة، ثم إن ذلك انطلى على أتباعه المقلدين الواثقين بشيخهم واعتبروه من الحقائق المسلّمة. وساعد على هذا كلّه صعوبة فهم الشيخ الأكبر نظراً لعمق الموضوعات التي يتطرق إليها والتي يصعب استخراج مكنوناتها إلا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

اختار ابن تيمية بعض الموضوعات التي وصلته من غريب كلام ابن العربي فأنكرها وكتب حولها الكتب والفتاوى من غير أدنى بحث ولا استبيان، فما زال ينسب إليه القول بالاتحاد والحلول، واستخدم في الردّ عليه عبارات ساخرة استهزاءً به في غير موضع من كتابه "الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان" وغيره، في حين صرَّح الشيخ الأكبر رضي الله في مواضع كثيرة، فقال: "وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد." وفي الباب الثامن والأربعين ومائتين من الفتوحات قال: "ومن قال بالحلول فهو معلول". وفي الباب الثالث عشر وثلاثمائة قال: "والحق تعالى منزّه الذات عن الحلول في الذوات". ولقد فصلنا القول في هذه الادعاءات وغيرها في الفصل السابع من كتاب شمس المغرب، فلينظر هناك.

تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي

ألف الشيخ برهان الدين البقاعي كتاب "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي"، وذكر فيه أسماء جماعة من الذين صرّحوا بكفر الشيخ الأكبر حسب ادّعائه، وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة السنة المحمدية في القاهرة سنة 1372 ه، ثم نشرته إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالرياض سنة 1415 ه بتحقيق عبد الرحمن الوكيل، وصور في دار الكتب العلمية بيروت سنة 1400 ه، ضمن كتاب يسمى "تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد" أو ما يعرف بـ"مصرع التصوف" ويحوي كتابين هما: تنبيه الغبي إلى تكفير ابن العربي، وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد.

ويقول برهان الدين البقاعي في مقدمة كتابه:

فإني لما رأيت الناس مضطربين في ابن عربي المنسوب إلى التصوف الموسوم عند أهل الحق بالوحدة ولم أر من شفى القلب في ترجمته، وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره، أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهرا، حتى يعلم حاله، فيهجر مقاله، ويعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآبه ومآله.

والشيخ برهان الدين البقاعي هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّباط البقاعي الشافعي، ولد سنة 809 ه / 1407 م، تعلم القرآن والفقه وأخذ عن ابن ناصر الدين وابن حجر، وتوفي في سنة 885 ه / 1480 م. وقد ردَّ عليه الشيخ العلامة جلال الدين السيوطي في كتاب "تنبيه الغبي في تبرئة ابن العربي"، وذكر آراء كبار العلماء بالشيخ محي الدين.

فساد عقيدة ابن العربي، لأحمد الناشري

كتاب فساد عقيدة ابن العربي، لأحمد بن أبي بكر بن علي الناشري (٧٤٢ ه / ١٣٤١ م – ٨١٥ ه / ١٤١٢ م)، غير مطبوع.

كتاب ابن العربي الصوفي في ميزان البحث والتحقيق

كتاب ابن عربي الصوفي في ميزان البحث والتحقيق، تأليف الشيخ العلامة عبد القادر بن حبيب الله السندي، طبع في دار البخاري بريدة في المدينة المنورة، سنة 1411 ه.

فاضحة الملحدين، لمحمد البخاري

كتاب فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين، تأليف الشيخ علاء الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد البخاري الحنفي (توفي سنة 841 ه)، وقد حقق هذا الكتاب كرسالة جامعية قدمت لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، سنة 1414 ه، دراسة وتحقيق محمد بن إبراهيم العوضي، بإشراف الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي والشيخ بركات عبد الفتاح دويدار.

نعمة الذريعة، لإبراهيم الحلبي

نعمة الذريعة في نصرة الشريعة، تأليف إبراهيم بن محمد الحلبي القسطنطيني. طبع هذا الكتاب في دار المسير في الرياض سنة 1998 م، بتحقيق علي رضا.

رسائل بدر الشافعي

كتب محمد بن بدر الدين الشافعي عدة رسائل في الرد على الشيخ محي الدين ابن العربي.

الفتوحات المكية وما وراءه من أياد خفية، لكمال عون

طبع هذا الكتاب في دار البشير في طنطا في مصر سنة 1989 م، وهو من تأليف تأليف الشيخ كمال أحمد عون، وهو من المعاصرين، ويأتي هذا الكتاب كرد فعل على نشر تحقيق عثمان يحيى للفتوحات المكية في مصر.

مؤلف هذا الكتاب متخرج من الأزهر، ويقول إنَّه استعرض الكثير من نصوص الفتوحات المكية فوجد فيها إفساد التوحيد، وتصحيح التثليت، وعدَّ الكفَّار أولياءً، واعتبار فرعون والنمرود مؤمنين، وتشويه المعاني الإسلامية، وإباحة المنكرات للأولياء، وسقوط التكليف، ودعوة الأمة إلى الإباحية. وهو يدَّعي فيه أنَّ كتاب الفتوحات المكية ما هو إلا حلقة في سلسلة الغارات المستمرة على العالم العربي!

والحقيقة أنَّ من يتصفح هذا الكتاب يدرك بسهولة ركاكة أسلوبه وافتقاره لأدنى مقومات البحث العلمي والتحقيق، لأنه يكيل التهم دون تحقق وينسب النصوص دون ذكر المصادر، ويشوه الحقائق بشكل كبير. فمثلاً يكرر المؤلف فهمه كلام الشيخ محي الدين عن موضوع ثلاثية الأسماء والصفات الإلهية وتصنيفها على ثلاث مراتب: أسماء الذات، أسماء الأفعال، أسماء الصفات، أو عن تخصيص الأسماء: الله، الرحمن، الرحيم، في البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم"، أو تخصيص ذكر الأسماء: الرب، الملك، الإله، في سورة الناس؛ فهو يفهم هذا على أن الشيخ محي الدين يدعو إلى التثليث وتعدد الآلهة، وقد سبق بذلك كل المنكرين على الشيخ، حتى الإمام ابن تيمية. كذلك ينكر المؤلف (في الصفحة 76) مثلاً نقل الشيخ محي الدين عن الجنيد قوله: ما يبلغ أحد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق، فيقول الشيخ عون: إن الجنيد فيما يعلم أجلّ من أن ينطق بمثل هذا! مع العلم أن هذا الكلام عن الجنيد قول مشهور ومذكور في الكثير من المراجع، والشيخ محي الدين يشرح هذا الكلام بطريقة جميلة ويعطيه معنى رائقاً لا يتعارض من الذوق السليم.



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!