الفتوحات المكية

في معرفة النفس بفتح الفاء

وهو الباب 198 من الفتوحات المكية

[أن الطبيعة في المرتبة الثالثة من وجود العقل الأول‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[21] - [أن الطبيعة في المرتبة الثالثة من وجود العقل الأول‏]

اعلم أن الطبيعة في المرتبة الثالثة عندنا من وجود العقل الأول وهي معقولة الوجود غير موجودة العين فمعنى قولنا مخلوقة أي مقدرة لأن الخلق التقدير وما يلزم من تقدير الشي‏ء وجوده قال الشاعر

ولأنت تفري ما خلقت *** وبعض الناس يخلق ثم لا يفري‏

وهو من الثلاثي لأنه قصد المدح وليس من الرباعي فإن الرباعي لا يقال إلا في معرض الذم والهجاء فما كل من قدر أمرا أوجده ومن هذه الحقيقة الإلهية ظهر في الوجود النظري عند العلماء فرض المحال في العلوم فهو يقدر ما لا يصح وجوده وقد يقدر ما يصح وجوده ولا يوجد وكذلك قال هذا العربي وبعض الناس يعد بالخير ولا يفعله وأنت أيها الملك ما ترى مصلحة إلا وتفعلها فالخالق له معنيان المقدر والموجد فمن خلق فقد قدر أو أوجد فقدر سبحانه مرتبة الطبيعة أنه لو كان لها وجود لكان دون النفس فهي وإن لم تكن موجودة العين فهي مشهودة للحق ولهذا ميزها وعين مرتبتها وهي للكائنات الطبيعية كالاسماء الإلهية تعلم وتعقل وتظهر آثارها ولا تجهل ولا عين لها جملة واحدة من خارج كذلك الطبيعة تعطي ما في قوتها من الصور الحسية المضافة إليها الوجودية ولا وجود لها من خارج فما أعجب مرتبتها وما أعلى أثرها فهي ذات معقولة مجموع أربع حقائق يسمى أثر هذه الأربع في الأجسام المخلوقة الطبيعية حرارة ويبوسة وبرودة ورطوبة وهذه آثار الطبيعة في الأجسام لا عينها كالحياة والعلم والإرادة والقول في النسب الإلهية وما في الوجود العيني سوى ذات واحدة فالحياة تنظر إلى الحرارة والعلم ينظر إلى البرودة والإرادة تنظر إلى اليبوسة والقول ينظر إلى الرطوبة ولهذا وصفه باللين فقال فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً فهو يقبل اللين والخشونة والإرادة يبوسة فإنه يقول فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ وقال وجدت برد أنامله‏

فعلمت فلهذا جعلنا العلم للبرودة في الطبيعة وكذلك الحياة للحرارة فإن الحي الطبيعي لا بد من وجود الحرارة فيه‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!