الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء الله تعالى |
ما اكتسبه من العلم بالله وتحلت به نفسه من نظره العقلي فيكون التجلي تابعا لهذا الاستعداد الخاص وفيه يقع التفاضل [دين الأنبياء واحد]ومن ذلك دين الأنبياء واحد ما ثم أمر زائد وإن اختلقت الشرائع فثم أمر جامع الدين عند الأنبياء وحيد *** ومقامه بين الأنام شديد فإذا الرجال تفطنوا لرحيله *** عنهم وقام لهم بذاك شهيد جاءوا إليه مهطعين لعله *** يوما بقصدهم إليه يعود قال هو إقامة الدين وأن لا يتفرق فيه ما خلق الله حلالا أبغض إليه من الطلاق وهو بيد من أخذ بالساق فلما ذا يقصد إلى البغيض مع هذا التعريض نكاح عقد وعرس شهدوا بتنا ببكر صهيا في لجة عمياء نفوس زوجت بأبدانها ولم يكن ناكحها غير أعيانها ثم إنه مع التكدر والانتقاص لاتَ حِينَ مَناصٍ ثم مع هذا يدعو ويجاب إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وأعجب من ذلك جبال سيرت فَكانَتْ سَراباً وسماء فتحت فَكانَتْ أَبْواباً ذات حبك وبروج وأرواح لها فيها نزول وعروج وما لَها من فُرُوجٍ فأين الولوج وأين الخروج وأين النزول وأين العروج هذا موضع الاعتبار فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ والله إن أمرا نحن فيه لمريج وأن زوجا زوجنا به لبهيج سقف مرفوع ومهاد موضوع ووتد مفروق ووتد مجموع ظلمة ونور وبيت معمور وبحر مسجور ومياه تغور ومراجل تفور فار التنور واتضحت الأمور نجوم مشرقة ورجوم محرقة شهب ثواقب وشهب ذات ذوائب كلما نجمت ذهبت يا ليت شعري ما الذي أنارها وما الذي أوجب شرارها وأخواتها ثوابت لا تزول في طلوع وأفول ليل عسعس فظهرت كواكبه وصباح تنفس فضحه راكبة جوار خنس في مجاريها وظبا كنس لتحفظ ما فيها ليل ونهار أنجاد وأغوارا بدار وسرار يا أهل الأفكار أقسم نجيكم قسما لا لغو فيه ولا ثنيا إن الذي جاء بهذا كله لصادق يؤمن به لا بل يعلمه الظالم لنفسه والمقتصد والسابق شخص من الجنس أيد بروح القدس قيل له بلغ فبلغ وذكر فأبلغ وقذف بالحق على الباطل فدمغ فزهق الباطل وتحلى العاطل نشأة الآخرة رده في الحافرة كيف يكون التجسد مع التقيد إن كان في نفس الأمر انقلاب العين فقد جهل الكون وإن كان في النظر فهو من مغالط البصر فإذا انبهم الأمر وأشكل فما لك إلا أن تتوكل فأسلم وجهك إلى الله وأنت محسن تكن ممن اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى فإنه خير لك وأبقى وكن مع الرعيل الذي خوطب بقوله والله خَيْرٌ وأَبْقى تكن السعيد الذي لا يشقى فإن نزلت عن هذه الدرجة فأنزل إلى الآخرة خير وأبقى فإنهم وإن كانوا سعداء فإنه لا يستوي المؤمنون الميتون على فرشهم والشهداء فلكل علم رجال ولكل مقام حال ولكل بيت أهل ومع كل صعب سهل وهذا القدر كاف في هذا الباب لمن علم فطاب وأوتي الحكمة وفصل الخطاب انتهى الباب بانتهاء المجلدة الخامسة والثلاثين من هذا الكتاب والحمد لله وصلى الله على محمد رسوله بخط يد منشئ هذا الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم (الباب الموفي ستين وخمسمائة في وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء الله تعالى)وصى الإله وأوصت رسله فلذا *** كان التأسي بهم من أفضل العمل لو لا الوصية كان الخلق في عمه *** وبالوصية دار الملك في الدول فاعمل عليها ولا تهمل طريقتها *** إن الوصية حكم الله في الأزل ذكرت قوما بما أوصى الإله به *** وليس إحداث أمر في الوصية لي فلم يكن غير ما قالوه أو شرعوا *** من السلوك بهم في أقوم السبل فهدى أحمد عين الدين أجمعه *** وملة المصطفى من أنور الملل لم تطمس العين بل أعطته قوتها *** حتى يقيم الذي فيه من الميل وخذ بسرك عنه من مراكزه *** علوا إلى القمر العالي إلى زحل إلى الثوابت لا تنزل بساحتها *** وانهض إلى الدرج العالي من الحمل ومنه للقدم الكرسي ثم إلى *** العرش المحيط إلى الأشكال والمثل إلى الطبيعة للنفس النزيهة للعقل *** المقيد بالأعراض والعلل إلى العماء الذي ما فوقه نفس *** منه إلى المنزل المنعوت بالأزل وانظر إلى الجبل الراسي على الجبل *** وقد رآه فلم يبرح ولم يزل لو لا العلو الذي في السفل ما سفلت *** وجوهنا تطلب المري بالمقل لذلكم شرع الله السجود لنا *** فنشهد الحق في علو وفي سفل هذي وصيتنا إن كنت ذا نظر *** فإنها حيلة من أحسن الحيل ترى بها كل معلوم بصورته *** على حقيقة ما هو لا على البدل حتى ترى المنظر الأعلى وليس له *** سواك مجلى فلا تبرح ولا تزل فإن دعاك إلى عين شربها *** فلا تجبه وكن منه على وجل إنا إناث لما فينا يولده *** فلنحمد الله ما في الكون من رجل إن الرجال الذين العرف عينهم *** هم الإناث وهم نفسي وهم أملي فمن ذلك وصية قال الله تعالى في الوصية العامة شَرَعَ لَكُمْ من الدِّينِ ما وَصَّى به نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا به إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ فأمر الحق بإقامة الدين وهو شرع الوقت في كل زمان وملة وأن يجتمع عليه ولا يتفرق فيه فإن يد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب القاصية وهي البعيدة التي شردت وانفردت عما هي الجماعة عليه وحكمة ذلك أن الله لا يعقل إلها إلا من حيث أسماؤه الحسنى لا من حيث هو معرى عن هذه الأسماء الحسنى فلا بد من توحيد عينه وكثرة أسمائه وبالمجموع هو الإله فيد الله وهي القوة مع الجماعة أوصى حكيم أولاده عند موته وكانوا جماعة فقال لهم ائتوني بعصي فجمعها وقال لهم اكسروها وهي مجموعة فلم يقدروا على ذلك ثم فرقا فقال لهم خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها فقال لهم هكذا أنتم بعدي لن تغلبوا ما اجتمعتم فإذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فأبادكم وكذلك القائمون بالدين إذا اجتمعوا على إقامة الدين ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو وكذلك الإنسان في نفسه إذا اجتمع في نفسه على إقامة دين الله لم يغلبه شيطان من الإنس ولا من الجن بما يوسوس به إليه مع مساعدة الايمان والملك بلمته له وصية إذا عصيت الله تعالى بموضع فلا تبرح من ذلك الموضع حتى تعمل فيه طاعة وتقيم فيه عبادة فكما يشهد عليك إن استشهد يشهد لك وحينئذ تنتزح عنه وكذلك ثوبك إن عصيت الله فيه فكن كما ذكرته لك اعبد الله فيه وكذلك ما يفارقك منك من قص شارب وحلق عانة وقص أظفار وتسريح شعر وتنقية وسخ لا يفارقك شيء من ذلك من بدنك إلا وأنت على طهارة وذكر الله عز وجل فإنه يسأل عنك كيف تركك وأقل عبادة تقدر عليها عند هذا كله إن تدعو الله في أن يتوب عليك عن أمره تعالى حتى تكون مؤديا واجبا في امتثالك أمر الله وهو قوله وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فأمرك أن تدعوه ثم قال في هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي يعني هنا بالعبادة الدعاء أي من يستكبر عن الذلة إلي والمسكنة فإن الدعاء سماه عبادة والعبادة ذلة وخضوع ومسكنة سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أي أذلاء فإذا فعلوا ما أمروا به جازاهم الله بدخول الجنة أعزاء ولقد دخلت يوما الحمام لغسل طرا علي سحرا فلقيت فيه نجم الدين أبا المعالي ابن اللهيب وكان صاحبي فاستدعى بالحلاق يحلق رأسه فصحت به يا أبا المعالي فقال لي من فوره قبل أن أتكلم إني على طهارة قد فهمت عنك فتعجبت من حضوره وسرعة فهمه ومراعاته الموطن وقرائن الأحوال وما يعرفه مني في ذلك فقلت له بارك الله فيك والله ما صحت بك إلا لتكون على طهارة وذكر عند مفارقة شعرك فدعا لي ثم حلق رأسه ومثل هذا قد أغفله الناس بل يقولون إذا عصيت الله في موضع فتحول عنه لأنهم يخافون عليك إن تذكرك البقعة بالمعصية فتستحليها فتزيد ذنبا إلى ذنب فما ذكروا ذلك إلا شفقة ولكن فاتهم علم كبير فأطع الله فيه وحينئذ تتحول عنه فتجمع بين ما قالوه وبين ما وصيتك به وكلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عنها عقيب ذكرك إياها واستغفر الله منها واذكر الله عندها بحسب ما كانت تلك المعصية فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول اتبع السيئة الحسنة تمحها وقال تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ولكن يكون لك ميزان في ذلك تعرف به مناسبات السيئات والحسنات التي تزنها وصية حسن الظن بربك على كل حال ولا تسيء الظن به فإنك لا تدري هل أنت على آخر أنفاسك في كل نفس يخرج منك فتموت فتلقى الله على حسن ظن به لا على سوء ظن فإنك لا تدري لعل الله يقبضك في ذلك النفس الخارج إليه ودع عنك ما قال من قال بسوء الظن في حياتك وحسن الظن بالله عند موتك وهذا عند العلماء بالله مجهول فإنهم مع الله بأنفاسهم وفيه من الفائدة والعلم بالله إنك وفيت في ذلك الحق حقه فإن من حق الله عليك الايمان بقوله ونُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُونَ فلعل الله ينشئك في النفس الذي تظن أنه يأتيك نشأة الموت والانقلاب إليه وأنت على سوء ظن بربك فتلقاه على ذلك وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما رواه عن ربه أنه عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا وما خص وقتا من وقت واجعل ظنك بالله علما بأنه يعفو ويغفر ويتجاوز وليكن داعيك الإلهي إلى هذا الظن قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله فنهاك وما نهاك عنه يجب عليك الانتهاء عنه ثم أخبر وخبره صدق لا يدخله نسخ فإنه لو دخله نسخ لكان كذبا والكذب على الله محال فقال إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وما خص ذنبا من ذنب وأكدها بقوله جَمِيعاً ثم تمم فقال إِنَّهُ هُوَ فجاء بالضمير الذي يعود عليه الْغَفُورُ الرَّحِيمُ من كونه سبقت رحمته غضبه وكذلك قال الَّذِينَ أَسْرَفُوا ولم يعين إسرافا من إسراف وجاء بالاسم الناقص الذي يعم كل مسرف ثم إضافة العباد إليه لأنهم عباده كما قال الحق عن العبد الصالح عيسى عليه السلام إنه قال إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ فأضافهم إليه تعالى وكفى شرفا شرف الإضافة إلى الله تعالى وصية عليكم بذكر الله في السر والعلن وفي أنفسكم وفي الملإ فإن الله يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فجعل جواب الذكر من العبد الذكر من الله وأي ضراء على العبد أضر من الذنب وكان يقول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حال الضراء الحمد لله على كل حال وفي حال السراء الحمد لله المنعم المفضل فإنك إذا أشعرت قلبك ذكر الله دائما في كل حال لا بد أن يستنير قلبك بنور الذكر فيرزقك ذلك النور الكشف فإنه بالنور يقع الكشف للأشياء وإذا جاء الكشف جاء الحياء يصحبه دليلك على ذلك استحياؤك من جارك وممن ترى له حقا وقدرا ولا شك أن الايمان يعطيك تعظيم الحق عندك وكلامنا إنما هو مع المؤمنين ووصيتنا إنما هي لكل مسلم مؤمن بالله وبما جاء من عنده والله يقول في الخبر المأثور الصحيح عنه الحديث وفيه وأنا معه يعني مع العبد حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وقال تعالى والذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً والذَّاكِراتِ وأكبر الذكر ذكر الله على كل حال وصية ثابر على إتيان جميع القرب جهد الاستطاعة في كل زمان وحال بما يخاطبك به الحق بلسان ذلك الزمان ولسان ذلك الحال فإنك إن كنت مؤمنا فلن تخلص لك معصية أبدا من غير أن تخالطها طاعة فإنك مؤمن بها إنها معصية فإن أضفت إلى هذا التخليط استغفار أو توبة فطاعة على طاعة وقربة إلى قربة فيقوي جزء الطاعة التي خلط به العمل السيئ والايمان من أقوى القرب وأعظمها عند الله فإنه الأساس الذي أنبنى عليه جميع القرب ومن الايمان حكمك على الله بما حكم به على نفسه في الخبر الذي صح عنه تعالى الذي ذكر فيه وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة وسبب هذا التضعيف من الله والأقل من العبد والأضعف فإن العبد لا بد له أن يتثبت من أجل النية بالقربة إلى الله في الفعل وأنه ي مأمور بأن يزن أفعاله بميزان الشرع فلا بد من التثبط فيه وإن أسرع ووصف بالسرعة فإنما سرعته في إقامة الميزان في فعله ذلك لا في نفس الفعل فإن إقامة الميزان به تصح المعاملة وقرب الله لا يحتاج إلى ميزان فإن ميزان الحق الموضوع الذي بيده هو الميزان الذي وزنت أنت به ذلك الفعل الذي تطلب به القربة إلى الله فلا بد من هذا نعته أن يكون في قربه منك أقوى وأكثر من قربك منه فوصف نفسه بأنه يقرب منك في قربك منه ضعف ما قربت منه مثلا بمثل لأنك على الصورة خلقت وأقل خلافة لك خلافتك على ذاتك فأنت خليفته في أرض بدنك ورعيتك جوارحك وقواك الظاهرة والباطنة فعين قربه منك قربك منه وزيادة وهي ما قال من الذراع والباع والهرولة والشبر إلى الشبر ذراع والذراع إلى الذراع باع والمشي إذا ضاعفته هرولة فهو في الأول الذي هو قربك منه وهو في الآخر الذي هو قربه منك ف هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ وهذا هو القرب المناسب فإن القرب الإلهي من جميع الخلق غير هذا وهو قوله ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ فما أريد هنا ذلك القرب وإنما أريد القرب الذي هو جزاء قرب العبد من الله وليس للعبد قرب من الله إلا بالإيمان بما جاء من عند الله بعد الايمان بالله وبالمبلغ عن الله (وصية) ألزم نفسك الحديث بعمل الخير وإن لم تفعل ومهما حدثت نفسك بشر فاعزم على ترك ذلك لله إلا أن يغلبك القدر السابق والقضاء اللاحق فإن الله إذا لم يقض عليك بإتيان ذلك الشيء الذي حدثت به نفسك كتبه لك حسنة وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن ربه عز وجل إنه يقول إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها وكلمة ما هنا ظرفية فكل زمان يمر عليه في الحديث بعمل هذه الحسنة وإن لم يعملها فإن الله يكتبها له حسنة واحدة في كل زمان يصحبه الحديث بها فيه بلغت تلك الأزمنة من العدد ما بلغت فله بكل زمان حديث حسنة ولهذا قال ما لم يعملها ثم قال تعالى فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها ومن هنا فرض العشر فيما سقت السماء إن علمت فإن كانت من الحسنات المتعدية التي لها بقاء فإن الأجر يتجدد عليها ما بقيت إلى يوم القيامة كالصدقة الجارية مثل الأوقاف والعلم الذي يبثه في الناس والسنة الحسنة وأمثال ذلك ثم تمم نعمه على عباده فقال تعالى وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها وما هنا ظرفية كما كانت في الحسنة سواء والحكم كالحكم في الحديث والجزاء بالغا ما بلغ ثم قال فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها فجعل العدل في السيئة والفضل في الحسنة وهو قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ وهو الفضل وهو ما زاد على المثل ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنها تقول بحكم الأصل عليها الذي نطقها في حق أبينا آدم بقولها أَ تَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ فما ذكرت إلا مساوينا وما تعرضت للحسن من ذلك فإن الملأ الأعلى تغلب عليه الغيرة على جناب الله أن يهتضم وعلمت من هذه النشأة العنصرية أنها لا بد أن تخالف ربها لما هي عليه من حقيقتها وذلك عندها بالذوق من ذاتها وإنما هي في نشأتنا أظهر ولو لا إن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ما ذكر الله عنهم أنهم يَخْتَصِمُونَ والخصام ما يكون إلا مع الأضداد وما ذكر الله عن الملائكة في حقنا أنهم يقولون ذاك عبدك يريد أن يعمل حسنة فانظر قوة هذا الأصل ما أحكمه لمن نظر ومن هنا تعلم فضل الإنسان إذا ذكر خيرا في أحد وسكت عن شره أين تكون درجته مع القصد الجميل من الملائكة فيما ذكروه ولكن نبهتك على ما نبهتك عليه من ذلك لتعرف نشأتهم وما جبلوا عليه ف كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ كما قال تعالى وأخبر أن الملائكة تقول ذاك عبدك فلان يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنه إنما تركها من جرائي أي من أجلي فالملائكة المذكورة هنا هم الذين قال الله لنا فيهم إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ فالمرتبة والتولية أعطتهم أن يتكلموا بما تكلموا به فلهم كتابة الحسن من غير تعريف بما تقدم الله إليهم به في ذلك ويتكلمون في السيئة لما يعلمونه من فضل الله وتجاوزه ولو لا ما تكلموا في ذلك ما عرفنا ما هو الأمر فيه عند الله مثل ما يقولونه في مجالس الذكر في الشخص الذي يأتيها إلى حاجته لا لأجل الذكر فأطلق الله للجميع المغفرة وقال هم القوم لا يشقى جليسهم فلو لا سؤالهم وتعريفهم بهم ما عرفنا حكم الله فيهم فكلامهم عليه السلام تعليم ورحمة وإن كان ظاهرة كما يسبق إلى الأفهام القاصرة مع الأصل الذي نبهناك عليه وقد قال الله في الحسنة والسيئة من جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وأزيد ومن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وأغفر بعد الجزاء لقوم وقبل الجزاء لقوم آخرين فلا بد من المغفرة لكل مسرف على نفسه وإن لم يتب فمن تحقق بهذه الوصية عرف النسبة بين النشأة الإنسانية والملكية وأن الأصل واحد كما أن ربنا واحد وله الأسماء المتقابلة فكان الوجود على صورة الأسماء (وصية) ثابر على كلمة الإسلام وهي قولك لا إله إلا الله فإنها أفضل الأذكار بما تحوي عليه من زيادة علم وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله فهي كلمة جمعت بين النفي والإثبات والقسمة منحصرة فلا يعرف ما يحوي عليه هذه الكلمة إلا من عرف وزنها وما تزن كما ورد في الخبر الذي نذكره في الدلالة عليها فاعلم أنها كلمة توحيد والتوحيد لا يماثله شيء إذ لو ماثله شيء ما كان واحد أو لكان اثنين فصاعدا فما ثم ما يزنه فإنه ما يزنه إلا المعادل والمماثل وما ثم مماثل ولا معادل فذلك هو المانع الذي منع لا إله إلا الله أن تدخل الميزان فإن العامة من العلماء يرون أن الشرك الذي هو يقابل التوحيد لا يصح وجود القول به من العبد مع وجود التوحيد فالإنسان إما مشرك وإما موحد فلا يزن التوحيد إلا الشرك فلا يجتمعان في ميزان وعندنا إنما لم يدخل في الميزان لما ورد في الخبر لمن فهمه واعتبره وهو خبر صحيح عن الله يقول الله لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله فما ذكر إلا السموات والأرض لأن الميزان ليس له موضع إلا ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة من السدرة المنتهى التي ينتهي إليها أعمال العباد ولهذه الأعمال وضع الميزان فلا تتعدى الميزان الموضع الذي لا يتعداه الأعمال ثم قال وعامرهن غيري وما لها عامر إلا الله فالخبير تكفيه الإشارة وفي لسان العموم من علماء الرسوم يعني بالغير الشريك الذي أثبته المشرك لو كان له اشتراك في الخلق لكانت لا إله إلا الله تميل به في الميزان لأن لا إله إلا الله الأقوى على كل حال لكون المشرك يرجح جانب الله تعالى على جانب الذي أشرك به فقال فيهم إنهم قالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى فإذا رفع ميزان الوجود لا ميزان التوحيد دخلت لا إله إلا الله فيه وقد تدخل في ميزان توحيد العظمة وهو توحيد المشركين فتزنه لا إله إلا الله وتميل به فإنه إذا لم يكن العامر غير الله فلا تميل وعينه ما ذكره إنما هو الله قال أين تميل وما ثم إلا واحد في الكفتين وأما صاحب السجلات فما مالت الكفة إلا بالبطاقة لأنها هي التي حواها الميزان من كون لا إله إلا الله يلفظ بها قائلها فكتبها الملك فهي لا إله إلا الله المكتوبة المخلوقة في النطق ولو وضعت لكل أحد ما دخل النار من تلفظ بتوحيد وإنما أراد الله أن يرى فضلها أهل الموقف في صاحب السجلات ولا يراها ولا توضع إلا بعد دخول من شاء الله من الموحدين النار فإذا لم يبق في الموقف موحد قد قضى الله عليه أن يدخل النار ثم بعد ذلك يخرج بالشفاعة أو بالعناية الإلهية عند ذلك يؤتى بصاحب السجلات ولم يبق في الموقف إلا من يدخل الجنة ممن لا حظ له في النار وهو آخر من يوزن له من الخلق فإن لا إله إلا الله له البدء والختام وقد يكون عين بدئها ختامها كصاحب السجلات [إن الله وضع في العموم أفضل الأشياء وأعمها منفعة]ثم اعلم أن الله ما وضع في العموم إلا أفضل الأشياء وأعمها منفعة وأثقلها وزنا لأنه يماثل بها أضدادا كثيرة فلا بد أن يكون في ذلك الموضوع في العامة من القوة ما يقابل به كل ضد وهذا لا يتفطن له كل عارف من أهل الله إلا الأنبياء الذين شرعوا للناس ما شرعوا ولا شك أنه قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وقد قال ما أشارت إلى فضله من ادعى الخصوص من الذكر بكلمة الله الله وهو هو ولا شك أنه من جملة الأقوال التي لا إله إلا الله أفضل منها عند العلماء بالله فعليك يا ولي بالذكر الثابت في العموم فإنه الذكر الأقوى وله النور الأضوى والمكانة الزلفى ولا يشعر بذلك إلا من لزمه وعمل به حتى أحكمه فإن الله ما وسع رحمته إلا للشمول وبلوغ المأمول وما من أحد إلا وهو يطلب النجاة وإن جهل طريقها فمن نفى بلا إله عينه أثبت بإلا الله كونه فتنفى عينك حكما لا علما وتوجب كون الحق حكما وعلما والإله من له جميع الأسماء وليست إلا لعين واحدة وهي مسمى الله عامر السموات والأرض الذي بيده ميزان الرفع والخفض فعليك بلزوم هذا الذكر الذي قرن الله به وبالعلم به السعادة فعم (وصية) وإياك ومعاداة أهل لا إله إلا الله فإن لها من الله الولاية العامة فهم أولياء الله وإن أخطئوا وجاءوا بقراب الأرض خطايا لا يشركون بالله لقيهم الله بمثلها مغفرة ومن ثبتت ولايته فقد حرمت محاربته ومن حارب الله فقد ذكر الله جزاءه في الدنيا والآخرة وكل من لم يطلعك الله على عداوته لله فلا تتخذه عدوا وأقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره فإذا تحققت أنه عدو لله وليس إلا المشرك فتبرأ منه كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام في حق أبيه آزر قال الله عز وجل فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ هذا ميزانك يقول الله تعالى لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ من حَادَّ الله ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ كما فعل إبراهيم الخليل أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ومتى لا تعلم ذلك فلا تعاد عباد الله بالإمكان ولا بما ظهر على اللسان والذي ينبغي لك أن تكره فعله لا عينه والعدو لله إنما تكره عينه ففرق بين من تكره عينه وهو عدو الله وبين من تكره فعله وهو المؤمن أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت واحذر قوله تعالى في الصحيح من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب فإنه إذا جهل أمره وعاداه فما وفى حق الحق في خلقه فإنه ما يدري علم الله فيه وما بينه الله له حتى يتبرأ منه ويتخذه عدوا وإذا علم حاله الظاهر وإن كان عدوا لله في نفس الأمر وأنت لا تعلم فواله لإقامة حق الله ولا تعاده فإن الاسم الإلهي الظاهر يخاصمك عند الله فلا تجعل لله عليك حجة فتهلك فإن فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فعامل عباد الله بالشفقة والرحمة كما إن الله يرزقهم على كفرهم وشركهم مع علمه بهم وما رزقهم إلا لعلمه بأن الذي هم فيه ما هم فيه بهم بل وهم فيه بهم لما قد ذكرناه بلسان العموم فإن الله خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وكفرهم وشركهم مخلوق فيهم وبلسان الخصوص ما ظهر حكم في موجود إلا بما هو عليه في حال العدم في ثبوته الذي علمه الله منه فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ على كل أحد مهما وقع نزاع ومحاجة فيسلم الأمر إليه واعلم أنك على ما كنت عليه وعم برحمتك وشفقتك جميع الحيوان والمخلوقين ولا تقل هذا نبات وجماد ما عندهم خبر نعم عندهم أخبار أنت ما عندك خبر فاترك الوجود على ما هو عليه وارحمه برحمة موجدة في وجوده ولا تنظر فيه من حيث ما يقام فيه في الوقت حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ فيتعين عليك عند ذلك أن تتخذهم أعداء لأمر الله لك بذلك حيث نهاك أن تتخذ عدوه وليا تلقي إليه بالمودة فإن اضطرك ضعف يقين إلى مداراتهم فدارهم من غير أن تلقي إليهم بمودة ولكن مسالمة لدفع الشر عنك ففوض الأمر إليه واعتمد في كل حال عليه إلى أن تلقاه (وصية) وعليك بملازمة ما افترضه الله عليك على الوجه الذي أمرك أن تقوم فيه فإذا أكملت نشأة فرائضك وإكمالها فرض عليك حينئذ تتفرغ ما بين الفرضين لنوافل الخيرات كانت ما كانت ولا تحقر شيئا من عملك فإن الله ما احتقره حين خلقه وأوجده فإن الله ما كلفك بأمر إلا وله بذلك الأمر اعتناء وعناية حتى كلفك به مع كونك في الرتبة أعظم عنده فإنك محل لوجود ما كلفك به إذ كان التكليف لا يتعلق إلا بأفعال المكلفين فيتعلق بالمكلف من حيث فعله لا من حيث عينه [إن العبد إذا ثابر على أداء الفرائض فإنه تقرب إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه]واعلم إنك إذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه وإذا كنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق وبصره فلا يسمع إلا بك ولا يبصر إلا بك فيد الحق يدك إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وأيديهم من حيث ما هي يد الله هي فوق أيديهم من حيث ما هي أيديهم فإنها المبايعة اسم فاعل والفاعل هو الله فأيديهم يد الله فبأيديهم بايع تعالى وهم المبايعون والأسباب كلها يد الحق التي لها الاقتدار على إيجاد المسببات وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد وبصره كما كان الأمر بالعكس في حب أداء الفرائض ففي الفرض عبودية الاضطرار وهي الأصلية وفي الفرع وهو النفل عبودية الاختيار فالحق فيها سمعك وبصرك ويسمى نفلا لأنه زائد كما أنك بالأصالة زائد في الوجود إذ كان الله ولا أنت ثم كنت فزاد الوجود الحادث فأنت نفل في وجود الحق فلا بد لك من عمل يسمى نفلا هو أصلك ولا بد من عمل يسمى فرضا وهو أصل الوجود وهو وجود الحق ففي أداء الفرض أنت له وفي النفل أنت لك وحبه إياك من حيث ما أنت له أعظم وأشد من حبه إياك من حيث ما أنت لك وقد ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى ما تقرب إلى عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فكنت سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصر ويده التي يبطش ورجله التي بها يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته فانظر إلى ما تنتجه محبة الله فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض وفي النفل عينه فروض ونوافل فبما فيه من الفروض تكمل الفرائض ورد في الصحيح أنه يقول تعالى انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة وإن كان انتقص منها شيئا قال انظروا هل لعبدي من تطوع فإن كان له تطوع قال الله أكملوا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم وليست النوافل إلا ما لها أصل في الفرائض وما لا أصل له في فرض فذلك إنشاء عيادة مستقلة يسميها علماء الرسوم بدعة قال الله تعالى ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها وسماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم سنة حسنة والذي سنها له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ولما لم يكن في قوة النفل أن يسد مسد الفرض جعل في نفس النفل فروضا لتجبر الفرائض بالفرائض كصلاة النافلة بحكم الأصل ثم إنها تشتمل على فرائض من ذكر وركوع وسجود مع كونها في الأصل نافلة وهذه الأقوال والأفعال فرائض فيها (وصية) وعليك بمراعاة أقوالك كما تراعي أعمالك فإن أقوالك من جملة عملك ولهذا قال بعض العلماء من عد كلامه من عمله قل كلامه [أن الله عند لسان كل قائل]واعلم أن الله راعي أقوال عباده وأن الله عند لسان كل قائل فما نهاك الله عنه إن تتلفظ به فلا تتلفظ به وإن لم تعتقده فإن الله سائلك عنه روينا أن الملك لا يكتب على العبد ما يعمله حتى يتكلم به قال تعالى ما يَلْفِظُ من قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يريد الملك الذي يحصي عليك أقوالك يقول تعالى إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ وأقوالك من أفعالك انظر في قوله تعالى ولا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبِيلِ الله أَمْواتٌ فنهاك عن القول فإنه كذب الله من قال مثل هذا القول فإن الله قال فيهم إنهم أحياء أ لا ترى إلى قوله تعالى حيث يقول ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقال لا يُحِبُّ الله الْجَهْرَ بِالسُّوءِ من الْقَوْلِ وقال لا خَيْرَ في كَثِيرٍ من نَجْواهُمْ وهو القول فإذا تكلمت فتكلم بميزان ما شرع الله لك أن تتكلم به وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يمزح ولا يقول إلا حقا فعليك بقول الحق الذي يرضى الله فما كل حق يقال يرضى الله فإن النميمة حق والغيبة حق وهي لا ترضي الله وقد نهيت أن تغتاب وإن تنم بأحد ومن مراعاة الله الأقوال ما رويناه في صحيح مسلم عن الله تعالى لما مطرت السماء قال عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب فراعى أقوال القائلين وكان أبو هريرة يقول إذا مطرت السماء مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ من رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ولو كنت تعتقد أن الله هو الذي وضع الأسباب ونصبها وأجرى العادة عندنا بأنه يفعل الأشياء عندها لا بها ومع هذا كله لا تقل ما نهاك الله عنه أن تقوله وتتلفظ به فإنه كما نهاك عن أمور نهاك عن القول وإن كان حقا وانظر ما أحكم قول الله عز وجل في قوله مؤمن بي كافر بالكوكب وكافر بي مؤمن بالكوكب فإنه مهما قال بفضل الله فقد ستر الكوكب حيث لم ينطق باسمه ومن قال بالكوكب فقد ستر الله وإن اعتقد أنه الفاعل منزل المطر ولكن لم يتلفظ باسمه فجاء تعالى بلفظ الكفر الذي هو الستر فإياك والاستمطار بالأنواء أن تتلفظ به فأحرى إن تعتقده فإن اعتقادك إن كنت مؤمنا أن الله نصبها أدلة عادية وكل دليل عادي يجوز خرق العادة فيه فاحذر من غوائل العادات ولا تصرفنك عن حدود الله التي حد لك فلا تتعداها فإن الله ما حدها حتى راعاها وذلك في كل شيء ورد في الخبر الصحيح أن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين حريفا وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين فلا تنطق إلا بما يرضى الله لا بما يسخط الله عليك وذلك لا يتمكن لك إلا بمعرفة ما حده لك في نطقك وهذا باب أغفله الناس قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم وقال الحكيم لا شيء أحق بسجن من لسان وقد جعله الله خلف بابين الشفتين والأسنان ومع هذا يكثر الفضول ويفتح الأبواب (وصية) وإياك أن تصور صورة بيدك من شأنها أن يكون لها روح فإن ذلك أمر يهونه الناس على أنفسهم وهُوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ فالمصورون أشد الناس عذابا يوم القيامة يقال للمصور يوم القيامة أحي ما خلقت أو انفخ فيها روحا وليس بنافخ وقد ورد في الصحيح عن الله تعالى أنه قال ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة وإن العبد إذا راعى هذا القدر وتركه لما ورد عن الله فيه ولم يزاحم الربوبية في تصوير شيء لا من حيوان ولا من غير حيوان فإنه يطلع على حياة كل صورة في العالم فيراه كله حيوانا ناطقا يسبح بحمد الله وإذا سامح نفسه في تصوير النبات وما ليس له روح في الشاهد في نظر البصر في المعتاد فلا يطلع على مثل هذا الكشف أبدا فإنه في نفس الأمر لكل صورة من العالم روح أخذ الله بأبصارنا عن إدراك حياة ما يقول عنه إنه ليس بحيوان وفي الآخرة يتكشف الأمر في العموم ولهذا سماها بالدار الحيوان فما ترى فيها شيئا إلا حيا ناطقا بخلاف حالك في الدنيا كما روى في الصحيح أن الحصى سبح في كف رسول الله ص فجعل الناس خرق العادة في تسبيح الحصى وأخطئوا وإنما خرق العادة في سمع السامعين ذلك فإنه لم يزل مسبحا كما أخبر الله إلا أن يسبح بتسبيح خاص أو هيأة في النطق خاصة لم يكن الحصى قبل ذلك يسبح به ولا على تلك الكيفية فحينئذ يكون خرق العادة في الحصى لا في سمع السامع والذي في سمع السامع كونه سمع نطق من لم تجر العادة أن يسمعه (وصية) وعليك يا أخي بعيادة المرضى لما فيها من الاعتبار والذكرى فإن الله خلق الإنسان من ضَعْفٍ فينبهك النظر إليه في عيادتك على أصلك لتفتقر إلى الله في قوة يقويك بها على طاعته وأن الله عند عبده إذا مرض أ لا ترى إلى المريض ما له استغاثة إلا بالله ولا ذكر إلا الله فلا يزال الحق بلسانه منطوقا به وفي قلبه التجاء إليه فالمريض لا يزال مع الله أي مريض كان ولو تطبب وتناول الأسباب المعتادة لوجود الشفاء عندها ومع ذلك فلا يغفل عن الله وذلك لحضور الله عنده وإن الله يوم القيامة يقول يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك أو أنت رب العالمين قال أ ما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أ ما أنك لو عدته لوجدتني عنده الحديث وهو صحيح فقوله لوجدتني عنده هو ذكر المريض ربه في سره وعلانيته وكذلك إذا استطعمك أحد من خلق الله أو استسقاك فأطعمه واسقه إذا كنت موجدا لذلك فإنه لو لم يكن لك من الشرف والمنزلة إلا إن هذا المستطعم والمستسقي قد أنزلك منزلة الحق الذي يطعم عباده ويسقيهم وهذا نظر قل من يعتبره انظر إلى السائل إذا سأل ويرفع صوته يقول بالله أعطني فما نطقه الله إلا باسمه في هذه الحال وما رفع صوته إلا ليسمعك أنت حتى تعطيه فقد سماك بالاسم الله والتجأ إليك برفع الصوت التجائه إلى الله ومن أنزلك منزلة سيده فينبغي لك أن لا تحرمه وتبادر إلى إعطائه ما سالك فيه فإن في هذا الحديث الذي سقناه آنفا في مرض العبد إن الله يقول يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أ ما علمت إن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه أ ما لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال أ ما علمت إن عبدي فلانا استسقاك فلم تسقه أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي خرج هذا الحديث مسلم عن محمد بن حاتم عن بهز عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص فأنزل الله نفسه في هذا الخبر منزلة عبده فالعبد الحاضر مع الله الذاكر الله في كل حال في مثل هذه الحال يرى الحق أنه الذي استطعمه واستسقاه فيبادر لما طلب الحق منه فإنه لا يدري يوم القيامة لعله يقام في حال هذا الشخص الذي استطعمه واستسقاه من الحاجة فيكافئه الله على ذلك وهو قوله لوجدت ذلك عندي أي تلك الطعمة والشربة كنت أرفعها لك وأربيها حتى تجيء يوم القيامة فاردها عليك أحسن وأطيب وأعظم مما كانت فإن لم تكن لك همة أن ترى هذا الذي استسقاك قد أنزلك منزلة من بيده قضاء حاجته إذ جعلك الله خليفة عنه فلا أقل أن تقضي حاجة هذا السائل بنية التجارة طلبا للريح وتضاعف الحسنة فكيف إذا وقفت على مثل هذا الخبر ورأيت أن الله هو الذي سألك ما أنت مستخلف فيه فإن الكل لله وقد أمرك بالإنفاق مما استخلفك فيه فقال وأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ وعظم الأجر فيه إذا أنفقت فلا ترد سائلا ولو بكلمة طيبة وألقه طلق الوجه مسرورا به فإنك إنما تلقى الله وكان الحسين أو الحسن عليه السلام إذا سأله السائل سارع إليه بالعطاء ويقول أهلا والله وسهلا بحامل زادي إلى الآخرة لأنه رآه قد حمل عنه فكان له مثل الراحلة لأن الإنسان إذا أنعم الله عليه نعمة ولم يحمل فضلها غيره فإنه يأتي بها يوم القيامة وهو حاملها حتى يسأل عنها فلهذا كان الحسن يقول إن السائل حامل زاده إلى الآخرة فيرفع عنه مئونة الحمل (وصية) وإياكم ومظالم العباد فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وظلم العباد إن تمنعهم حقوقهم التي أوجب الله عليك أداءها إليهم وقد يكون ذلك بالحال فيما تراه عليه من الاضطرار وأنت قادر واجد لسد خلته ودفع ضرورته فيتعين عليك أن تعلم أن له بحاله حقا في مالك فإن الله ما أطلعك عليه إلا لتدفع إليه حقه وإلا فأنت مسئول فإن لم يكن لك قدرة بما تسد خلته [إن الله يريد من العبد أن تعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسد خلته]فاعلم إن الله ما أطلعك على حاله سدى فاعلم أنه يريد منك أن تعينه بكلمة طيبة عند من تعلم أنه يسد خلته فإن لم تعمل فلا أقل من دعوة تدعو له ولا يكون هذا إلا بعد بذل المجهود والياس حتى لا يبقى عندك إلا الدعاء ومهما غفلت عن هذا القدر فأنت من جملة من ظلم صاحب هذا الحال هذا كله إن مات ذلك المحتاج من تلك الحاجة فإن لم يمت وسد خلته غيرك من المؤمنين فقد أسقط أخوك عنك هذه المطالبة من حيث لا يشعر فإن المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه وإن لم ينو المعطي ذلك ولكن هكذا هو في نفس الأمر وكذا يقبله الله فإذا أعطيت أنت سائلا بالحال ضرورته فانو في ذلك أن تنوب عن أخيك المؤمن الأول الذي حرمه وتجعل ذلك منه إيثارا لجنابك عليه بذلك الخير الذي أبقاه من أجلك حتى تصيبه إذ لو أعطاه اقتنع بما أعطاه ولم تكن تجد أنت ذلك الخير فبهذه النية عطاء العارفين أصحاب الضرورات السائلين بأحوالهم وأقوالهم وأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وسواء كان ذلك في القوت المحسوس أو المعنوي فإن العلم من هذا الباب والإفادة فإن الضال يطلب الهداية والجائع يطلب الإطعام والعاري يطلب الكسوة التي تقيه برد الهواء وحره وتستر عورته والجاني العالم بأنك قادر على مؤاخذته يطلب منك العفو عن جنايته فاهد الجيران وأطعم الجائع واسق الظمآن واكس العريان واعلم إنك فقير لما يفتقر إليك فيه والله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ومع هذا يجيب دعاءهم ويقضي حوائجهم ويسألهم أن يسألوه في دفع المضار عنهم وإيصال المنافع إليهم فأنت أولى أن تعامل عباد الله بمثل هذا لحاجتك إلى الله في هذه الأمور خرج مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي عن مروان بن محمد الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي أنتم تخطئون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم والحق تعالى يعطيكم هذا كله من غير سؤال منك إياه فيه ولكن مع هذا أمرك أن تسأله فيعطيك إجابة لسؤالك ليريك عنايته بك حيث قبل سؤالك وهذه منزلة أخرى زائدة على ما أعطاك وإذا كان سؤالك عن أمره وقد علم منك أنك تسأله ولا بد من ضرورة أصل ما خلقت عليه من الحاجة والسؤال لتكون في سؤالك مؤديا أمرا واجبا فتجزى جزاء من امتثل أمر الله فتزيد خيرا إلى خير فما أمرك إلا رحمة بك وإيصال خير إليك ولينبهك على إن حاجتك إليه لا إلى غيره فإنه ما خلقك إلا لعبادته أي لتذل له فالذي أوصيك به الوقوف عند أوامر الحق ونواهيه والفهم عنه في ذلك حتى تكون من العلماء بما أراده الحق منك في أمره ونهيه إياك ومن لم يسأل ربه فقد بخله هذا في حق العموم فإن فرطت فيما أوصيتك به فلا تلومن إلا نفسك فإنك إن كنت جاهلا فقد علمتك وإن كنت ناسيا ونافلا فقد نبهتك وذكرتك فإن كنت مؤمنا فإن الذكرى تنفعك فإني قد امتثلت أمر الله بما ذكرتك به وانتفاعك بالذكرى شاهد لك بالإيمان قال الله عز وجل في حقي وفي حقك وذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فإن لم تنفعك الذكرى فاتهم نفسك في إيمانك فإن الله صادق وقد أخبر بأن الذكرى تنفع المؤمنين ومن تمام هذا الخبر الإلهي الذي أوردناه بعد قوله اغفر لكم أن قال يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ومعلوم أنه سبحانه لا يتضرر ولا ينتفع فإنه الغني عن العالمين ولكن لما أنزل نفسه منزلة عبده فيما ذكرناه من الاستطعام والاستسقاء نبهنا بالعجز عن بلوغ الغاية في ضر العباد له أو في نفعهم فمن المحال بلوغ الغاية في ذلك ولكون الله قد قال في حق قوم بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله وهو في الظاهر ضرر نزه نفسه عن ذلك وكذلك من فعل فعلا يرضي الله به ويفرحه كالتائب في فرح الله بتوبة عبده فكان هذا الخبر كالدواء لما يطرأ من المرض من ذلك في بعض النفوس الضعيفة في العلم بالله التي لا علم لها بما يعطيه قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثم من تمام هذا الخبر قوله يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل في البحر وهذا كله دواء لما ذكرناه من أمراض النفوس الضعيفة فاستعمل يا ولي هذه الأدوية يقول الله إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أو فيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ومن سأل عن حاجة فقد ذل ومن ذل لغير الله فقد ضل وظلم نفسه ولم يسلك بها طريق هداها وهذه وصيتي إياك فألزمها ونصيحتي فأعلمها وما زال الله تعالى يوصي عباده في كتابه وعلى ألسنة رسله فكل من أوصاك بما في استعماله سعادتك فهو رسول من الله إليك فاشكره عند ربك (وصية) إذا رأيت عالما لم يستعمله علمه فاستعمل أنت علمك في أدبك معه حتى توفي العالم حقه من حيث ما هو عالم ولا تحجب عن ذلك بحاله السيئ فإن له عند الله درجة علمه فإن الإنسان يحشر يوم القيامة مع من أحب ومن تأدب مع صفة إلهية كسيها يوم القيامة وحشر فيها وعليك بالقيام بكل ما تعلم أن الله يحبه منك فتبادر إليه فإنك إذا تحليت به على طريق التحبب إليه تعالى أحبك وإذا أحبك أسعدك بالعلم به وبتجليه وبدار كرامته فينعمك في بلائك والذي يحبه تعالى أمور كثيرة اذكر منها ما تيسر على جهة الوصية والنصيحة فمن ذلك التجمل لله فإنه عبادة مستقلة ولا سيما في عبادة الصلاة فإنك مأمور به قال الله تعالى يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وقال في معرض الإنكار قُلْ من حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ من الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا في الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وأكثر من هذا البيان في مثل هذا في القرآن فلا يكون ولا فرق بين زينة الله وزينة الحياة الدنيا إلا بالقصد والنية وإنما عين الزينة هي هي ما هي أمر آخر فالنية روح الأمور وإنما لامرئ ما نوى فالهجرة من حيث ما كانت هجرة واحدة العين فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه وكذلك ورد في الصحيح في بيعة الإمام في الثلاثة الذين لا يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وفيه ورجل بايع أما ما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف فالأعمال بالنيات وهي أحد أركان بيت الإسلام وورد في الصحيح في مسلم أن رجلا قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يا رسول الله إني أحب أن يكون نعلي حسنا وثوبي حسنا فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله جميل يحب الجمال وقال إن الله أولى من يتجمل له (و من هذا الباب) كون الله تعالى لم يبعث إليه جبريل في أكثر نزوله عليه إلا في صورة دحية وكان أجمل أهل زمانه وبلغ من أثر جماله في الخلق أنه لما قدم المدينة واستقبله الناس ما رأته امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها فكان الحق يقول يبشر نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بإنزال جبريل عليه في صورة دحية يا محمد ما بيني وبينك إلا صورة الجمال يخبره تعالى بما له في نفسه سبحانه بالحال فمن فاته التجمل لله كما قلناه فقد فاته من الله هذا الحب الخاص المعين وإذا فاته هذا الحب الخاص المعين فاته من الله ما ينتجه من علم وتجل وكرامة في دار السعادة ومنزلة في كثيب الرؤية وشهود معنوي علمي روحي في هذه الدار الدنيا في سلوكه ومشاهده ولكن كما قلنا ينوي بذلك التجمل لله لا للزينة والفخر بعرض الدنيا والزهو والعجب والبطر على غيره (و من ذلك) الرجوع إلى الله عند الفتنة فإن الله يحب كل مفتن تواب كذا قال رسول الله ص قال الله عز وجل خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا والبلاء والفتنة بمعنى واحد وليس إلا الاختبار لما هو الإنسان عليه من الدعوى إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي اختبارك تُضِلُّ بِها من تَشاءُ أي تحيره وتَهْدِي بها من تَشاءُ أي تبين له طريق نجاته فيها (و أعظم الفتن) النساء والمال والولد والجاه هذه الأربعة إذا ابتلى الله بها عبدا من عباده أو بواحد منها وقام فيها مقام الحق في نصبها له ورجع إلى الله فيها ولم يقف معها من حيث عينها وأخذها نعمة إلهية أنعم الله عليه بها فردته إليه تعالى وإقامته في مقام حق الشكر الذي أمر الله نبيه عليه السلام موسى به فقال له يا موسى اشكرني حق الشكر قال موسى يا رب وما حق الشكر قال له يا موسى إذا رأيت النعمة منى فذلك حق الشكر ذكره ابن ماجة في سننه عن رسول الله ص ولما غفر الله لنبيه محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبشره ذلك بقوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ قام حتى تورمت قدماه شكر الله تعالى على ذلك فما فتر ولا جنح إلى الراحة ولما قيل له في ذلك وسئل في الرفق بنفسه قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أ فلا أكون عبدا شكورا وذلك لما سمع الله يقول إن الله يحب الشاكرين فإن لم يقم في مقام شكر المنعم فاته من الله هذا الحب الخاص بهذا المقام الذي لا يناله من الله إلا الشكور فإن الله يقول وقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ وإذا فاته فاته ما له من العلم بالله والتجلي والنعيم الخاص به في دار الكرامة وكثيب الرؤية يوم الزور الأعظم فإنه لكل حب إلهي من صفة خاصة علم وتجل ونعيم ومنزلة لا بد من ذلك يمتاز بها صاحب تلك الصفة من غيره (فأما فتنة النساء) فصورة رجوعه إلى الله في محبتهن بأن يرى أن الكل أحب بعضه وحن إليه فما أحب سوى نفسه لأن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصيري فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الإنسان الكامل عليها وهي صورة الحق فجعلها الحق مجلى له وإذا كان الشيء مجلى للناظر فلا يرى الناظر في تلك الصورة إلا نفسه فإذا رأى في هذه المرأة نفسه اشتد حبه فيها وميلة إليها لأنها صورته وقد تبين لك أن صورته صورة الحق التي أوجده عليها فما رأى إلا الحق ولكن بشهوة حب والتذاذ وصلة يفنى فيها فناء حق بحب صدق وقابلها بذاته مقابلة المثلية ولذلك فنى فيها فما من جزء فيه إلا وهو فيها والمحبة قد سرت في جميع أجزائه فتعلق كله بها فلذلك فنى في مثله الفناء الكلي بخلاف حبه غير مثله فاتحد بمحبوبه إلى أن قال أنا من أهوى ومن أهوى أنا وقال الآخر في هذا المقام أنا الله فإذا أحببت مثلك شخصا هذا الحب ردك إلى الله شهودك فيه هذا الرد فأنت ممن أحبه الله وكانت هذه الفتنة فتنة أعطتك المهداة وأما الطريقة الأخرى في حب النساء فإنهن محال الانفعال والتكوين لظهور أعيان الأمثال في كل نوع ولا شك أن الله ما أحب أعيان العالم في حال عدم العالم إلا لكون تلك الأعيان محل الانفعال فلما توجه عليها من كونه مريدا قال لها كن فكانت فظهر ملكه بها في الوجود وأعطت تلك الأعيان لله حقه في الوهته فكان إلها فعبدته تعالى بجميع الأسماء بالحال سواء علمت تلك الأسماء أو لم تعلمها فما بقي اسم لله إلا والعبد قد قام فيه بصورته وحاله وإن لم يعلم نتيجة ذلك الاسم وهو الذي قال فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه بأسماء الله أو استأثرت به في علم غيبك أو علمته أحدا من خلقك يعني من أسمائه أن يعرف عينه حتى يفصله من غيره علما فإن كثيرا من الأمور في الإنسان بالصورة والحال ولا يعلم بها ويعلم الله منه أن ذلك فيه فإذا أحب المرأة لما ذكرناه فقد رده حبها إلى الله تعالى فكانت نعمة الفتنة في حقه فأحبه الله برجعته إليه تعالى في حبه إياها وأما تعلقه بامرأة خاصة في ذلك دون غيرها وإن كانت هذه الحقائق التي ذكرناها سارية في كل امرأة فذلك لمناسبة روحانية بين هذين الشخصين في أصل النشأة والمزاج الطبيعي والنظر الروحي فمنه ما يجري إلى أجل مسمى ومنه ما يجري إلى غير أجل بل أجله الموت والتعلق لا يزول كحب النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عائشة فإنه كان يحبها أكثر من حبه جميع نسائه وحبه أبا بكر أيضا وهو أبوها فهذه المناسبات الثواني هي التي تعين الأشخاص والسبب الأول هو ما ذكرناه ولذلك الحب المطلق والسماع المطلق والرؤية المطلقة التي يكون عليها بعض عباد الله ما تختص بشخص في العالم دون شخص فكل حاضر عنده له محبوب وبه مشغول ومع هذا لا بد من ميل خاص لبعض الأشخاص لمناسبة خاصة مع هذا الإطلاق لا بد من ذلك فإن نشأة العالم تعطي في آحاده هذا لا بد من تقييد والكامل من يجمع بين التقييد والإطلاق فالإطلاق مثل قول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء وما خص امرأة من امرأة ومثل التقييد ما روى من حبه عائشة أكثر من سائر نسائه لنسبة إلهية روحانية قيدته بها دون غيرها مع كونه يحب النساء فهذا قد ذكرنا من الركن الواحد ما فيه كفاية لمن فهم وأما الركن الثاني من بيت الفتن وهو الجاه المعبر عنه بالرياسة يقول فيه الطائفة التي لا علم لها منهم آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فالعارفون من أصحاب هذا القول ما يقولون ذلك على ما تفهمه العامة من أهل الطريق منهم وإنما ذلك على ما نبينه من مقصود الكمل من أهل الله بذلك وذلك أن في نفس الإنسان أمورا كثيرة خبأها الله فيه وهو الذي يُخْرِجُ الْخَبْءَ في السَّماواتِ والْأَرْضِ ويَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ أي ما ظهر منكم وما خفي مما لا تعلمونه منكم فيكم فلا يزال الحق يخرج لعبده من نفسه مما أخفاه فيها ما لم يكن يعرف أن ذلك في نفسه كالشخص الذي يرى منه الطبيب من المرض ما لا يعرفه العليل من نفسه كذلك ما خبأه الله في نفوس الخلق أ لا تراه يقول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه وما كل أحد يعرف نفسه مع أن نفسه عينه لا غير ذلك فلا يزال الحق يخرج للإنسان من نفسه ما خبأه فيها فيشهده فيعلم من نفسه عند ذلك ما لم يكن يعلمه قبل ذلك فقالت الطائفة الكثيرة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة فيظهر لهم إذا خرج فيحبون الرئاسة بحب غير حب العامة لها فإنهم يحبونها من كونهم على ما قال الله فيهم إنه سمعهم وبصرهم وذكر جميع قواهم وأعضاءهم فإذا كانوا بهذه المثابة فما أحبوا الرئاسة إلا بالله إذ التقدم لله على العالم فإنهم عبيده وما كان الرئيس إلا بالمرءوس وجودا وتقديرا فحبه للمرءوس أشد الحب لأنه المثبت له الرئاسة فلا أحب من الملك في ملكه لأن ملكه المثبت له كونه ملكا فهذا معنى آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة لهم فيرونه ويشهدونه ذوقا لا أنه يخرج من قلوبهم فلا يحبون الرئاسة فإنهم إن لم يحبوها فما حصل لهم العلم بها ذوقا وهي الصورة التي خلقهم الله عليها في قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله خلق آدم على صورته في بعض تأويلات هذا الخبر ومحتملاته فاعلم ذلك والجاه إمضاء الكلمة ولا أمضى كلمة من قوله إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فأعظم الجاه من كان جاهه بالله فيرى هذا العبد مع بقاء عينه فيعلم عند ذلك أنه المثل الذي لا يماثل فإنه عبد رب والله عز وجل رب لا عبد فله الجمعية وللحق الانفراد (و أما الركن الثالث) وهو المال وما سمي المال بهذا الاسم إلا لكونه يمال إليه طبعا فاختبر الله به عباده حيث جعل تيسير بعض الأمور بوجوده وعلق القلوب بمحبة صاحب المال وتعظيمه ولو كان بخيلا فإن العيون تنظر إليه بعين التعظيم لتوهم النفوس باستغنائه عنهم لما عنده من المال وربما يكون صاحب المال أشد الناس فقرا إليهم في نفسه ولا يجد في نفسه الاكتفاء ولا القناعة بما عنده فهو يطلب الزيادة مما بيده ولما رأى العالم ميل القلوب إلى رب المال لأجل المال أحبوا المال فطلب العارفون وجها إلهيا يحبون به المال إذ ولا بد من حبه وهنا موضع الفتنة والابتلاء التي لها الضلالة والمهداة فأما العارفون فنظروا إلى أمور إلهية منها قوله تعالى وأَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً فما خاطب إلا أصحاب الجدة فأحبوا المال ليكونوا من أهل هذا الخطاب فيلتذوا بسماعه حيث كانوا فإذا أقرضوه رأوا أن الصدقة تقع بيد الرحمن فحصل لهم بالمال وإعطائه مناولة الحق منهم ذلك فكانت لهم وصلة المناولة وقد شرف الله آدم بقوله لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فمن يعطيه عن سؤاله القرض أتم في الالتذاذ بالشرف ممن خلقه بيده فلو لا المال ما سمعوا ولا كانوا أهلا لهذا الخطاب الإلهي ولا حصل لهم بالقرض هذا التناول الرباني فإن ذلك يعم الوصلة مع الله فاختبرهم الله بالمال ثم اختبرهم بالسؤال منه وأنزل الحق نفسه منزلة السائلين من عباده أهل الحاجة أهل الثروة منهم والمال بقوله في الحديث المتقدم في هذا الباب يا عبدي استطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني فكان لهم بهذا النظر حب المال فتنة مهداة إلى مثل هذا وأما فتنة الولد فلكونه سر أبيه وقطعة من كبده وألصق الأشياء به فحبه حب الشيء نفسه ولا شيء أحب إلى الشيء من نفسه فاختبره الله بنفسه في صورة خارجة عنه سماه ولدا ليرى هل يحجبه النظر إليه عما كلفه الحق من إقامة الحقوق عليه يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حق ابنته فاطمة ومكانتها من قلبه المكانة التي لا تجهل لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها وجلد عمر بن الخطاب ابنه في الزنا فمات ونفسه بذاك طيبة وجاد ماعز بنفسه والمرأة في إقامة الحد عليهما الذي فيه إتلاف نفوسهما وقال في توبتهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأي توبة أعظم من أن جادت بنفسها والجود بإقامة الحق المكروه على الولد أعظم في البلاء يقول الله في موت الولد في حق الولد ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا عندي جزاء إلا الجنة فمن أحكم هذه الأركان التي هي من أعظم الفتن وأكبر المحن وآثر جناب الحق ورعاه فيها فذلك الرجل الذي لا أعظم منه في جنسه (و من وصيتي إياك) إنك لا تنام إلا على وتر لأن الإنسان إذا نام قبض الله روحه إليه في الصورة التي يرى نفسه فيها إن رأى رؤيا فإن شاء ردها إليه إن كان لم ينقض عمره وإن شاء أمسكها إن كان قد جاء أجله فالاحتياط إن الإنسان الحازم لا ينام إلا على وتر فإذا نام على وتر نام على حالة وعمل يحبه الله ورد في الخير الصحيح أن الله وتر يحب الوتر فما أحب إلا نفسه وأي عناية وقرب أعظم من أن أنزلك منزلة نفسه في حبه إياك إذا كنت من أهل الوتر في جميع أفعالك التي تطلب العدد والكمية وقد أمرك الله تعالى على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال أوتروا يا أهل القرآن وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته وكذلك إذا اكتحلت فاكتحل وترا في كل عين واحدة أو ثلاثة فإن كل عين عضو مستقل بنفسه وكذلك إذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وكذلك شربك الماء في حسواتك إياه اجعله وترا وإذا أخذك الفواق اشرب من الماء سبع حسوات فإنه ينقطع عنك هذا جربته بنفسي وإذا تنفست في شربك فتنفس ثلاث مرات وأزل القدح عن فيك عند التنفس هكذا أمرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه أبرأ وأمرأ وأروى وإذا تكلمت بالكلمة لتفهم السامع فأعدها عليه ثلاث مرات وترا حتى تفهم عنك فهكذا كان يفعل رسول الله ص فإني ما أوصيك إلا بما جرت السنة الإلهية عليه وهذا هو عين الاتباع الذي أمرك الله تعالى به في القرآن فقال إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله فهذه محبة الجزاء وأما محبته الأولى التي ليست جزاء فهي المحبة التي وفقك بها للاتباع فحبك قد جعله الله بين حبين إلهيين حب منة وحب جزاء فصارت المحبة بينك وبين الله وترا حب المنة وهو الذي أعطاك التوفيق للاتباع وحبك إياه وحبه إياك جزاء من كونك اتبعت ما شرعه لك لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وبهذه الآية ثبتت عصمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه لو لم يكن معصوما ما صح التأسي به فنحن نتأسى برسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في جميع حركاته وسكناته وأفعاله وأحواله وأقواله ما لم ينه عن شيء من ذلك على التعيين في كتاب أو سنة مثل نكاح الهبة خالِصَةً لَكَ من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ومثل وجوب قيام الليل عليه والتهجد فهو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقومه فرضا ونحن نقومه تأسيا وندبا فاشتركنا في القيام يقول أبو هريرة أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بثلاث فأوتر في وصيته وفيها إن لا أنام إلا على وتر وورد في الحديث الصحيح أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة فإن الله وتر يحب الوتر وقد تقدم في هذا الكتاب في باب سؤالات الترمذي الحكيم وهو آخر أبواب فصل المعارف في حب الله التوابين والمتطهرين والشاكرين والصابرين والمحسنين وغيرهم مما ورد أن الله يحب إتيانه كما وردت أشياء لا يحبها الله قد ذكرناها في هذا الكتاب فأغنى عن إعادتها (وصية) عليك بمراقبة الله عز وجل فيما أخذ منك وفيما أعطاك فإنه تعالى ما أخذ منك إلا لتصبر فيحبك فإنه يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وإذا أحبك عاملك معاملة المحب محبوبه فكان لك حيث تريد إذا اقتضت إرادتك مصلحتك وإذا لم تقتض إرادتك مصلحتك فعل بحبه إياك معك ما تقتضيه المصلحة في حقك وإن كنت تكره في الحال فعله معك فإنك تحمد بعد ذلك عاقبة أمرك فإن الله غير متهم في مصالح عبده إذا أحبه فميزانك في حبه إياك أن تنظر إلى ما رزقك من الصبر على ما أخذه منك ورزأك فيه من مال أو أهل أو ما كان مما يعز عليك فراقه وما من شيء يزول عنك من المألوفات إلا ولك عوض منه عند الله إلا الله كما قال بعضهم لكل شيء إذا فارقته عوض *** وليس لله إن فارقت من عوض فإنه لا مثل له وكذلك إذا أعطاك وأنعم عليك ومن جملة ما أنعم به عليك وأعطاك الصبر على ما أخذه منك فأعطاك لتشكر كما أخذ منك لتصبر فإنه تعالى يحب الشاكرين وإذا أحبك حب الشاكرين غفر لك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في رجل رأى غصن شوك في طريق الناس فنحاه فشكر الله فعله فغفر له فإن الايمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وهو ما ذكرناه وأرفعها قول لا إله إلا الله فالمؤمن الموفق يبحث عن شعب الايمان فيأتيها كلها وبحثه عن ذلك من جملة شعب الايمان فذلك هو المؤمن الذي حاز الصفة وملأ يديه من الخير وما شكرك الله بسبب أمر أتيته مما شرع لك الإتيان به إلا لتزيد في أعمال البر كما أنك إذا شكرته على ما أنعم به عليك زادك من نعمه لقوله لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ووصف نفسه بأنه يشكر عباده فهو الشكور فزاده كما زادك لشكرك ومع هذا فاعتقد إن كل شيء عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ وكل شيء في الدنيا يجري إلى أجل مسمى عند الله فما ثم شيء في العالم إلا وهو لله فإن أخذه منك فما أخذه إلا إليه وإن أعطاك فما أعطاك إلا منه فالأمر كله منه وإليه وكفى بك إذا علمت إن الأمر على ما أعلمتك أن تكون مع الله تشهده في جميع أحوالك من أخذ وعطاء فإنك لن تخلو في نفسك من أخذ وعطاء في كل نفس أول ذلك أنفاسك التي بها حياتك فيأخذ منك نفسك الخارج بما خرج من ذكر بقلب أو لسان فإن كان خيرا ضاعف لك أجره وإن كان غير ذلك فمن كرمه وعفوه يغفر لك ذلك ويعطيك نفسك الداخل بما شاءه وهو وارد وقتك فإن ورد بخير فهو نعمة من الله فقابلها بالشكر وإن كان غير ذلك مما لا يرضى الله فاسأله المغفرة والتجاوز والتوبة فإنه ما قضى بالذنوب على عباده إلا ليستغفروه فيغفر لهم ويتوبوا إليه فيتوب عليهم وورد في الحديث لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ويتوبون فيغفر الله لهم ويتوب عليهم حتى لا يتعطل حكم من الأحكام الإلهية في الدنيا ورد في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فإذا انتهى أجله انقضى وجاء غيره وإنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هذا معرفا إيانا بما هو الأمر عليه لنسلم الأمر إليه فنرزق درجة التسليم والتفويض مع بذل المجهود فيما يحب منا أن نرجع إليه فيه بحسب الحال إن كان في المخالفة فبالتوبة والاستغفار وفي الموافقة بالشكر وطلب الإقامة على طاعة الله وطاعة رسوله ونجد عزاء في نفوسنا بمعرفتنا إن كل شيء عند الله في الدنيا يجري إلى أجل مسمى وللصابرين حمد يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وللشاكرين حمد يخصهم وهو الحمد لله المنعم المفضل كذا كان يحمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ربه عز وجل في حالة السراء والضراء والتأسي برسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ذلك أولى من أن تسنبط حمدا آخر فإنه لا أعلى مما وضعه العالم المكمل الذي شهد الله له بالعلم به وأكرمه برسالته واختصاصه وأمرنا بالاقتداء به واتباعه فلا تحدث أمرا ما استطعت فإنك إذا سننت سنة لم يجيء مثلها عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهي حسنة فإن لك أجرها وأجر من عمل بها وإذا تركت تسنينها اتباعا لكون رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لم يسنها فإن أجرك في اتباعك ذلك أعني ترك التسنين أعظم من أجرك من حيث ما سننت بكثير فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يكره كثرة التكليف على أمته وكان يكره لهم أن يسألوا في أشياء مخافة أن ينزل عليهم في ذلك ما لا يطيقونه إلا بمشقة ومن سن فقد كلف وكان النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أولى بذلك ولكن تركه تخفيفا فلهذا قلنا الاتباع في الترك أعظم أجرا من التسنين فاجعل بالك لما ذكرته لك ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه ما أكل البطيخ فقيل له في ذلك فقال ما بلغني كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يأكله فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه وبمثل هذا تقدم علماء هذه الأمة على سائر علماء الأمم هكذا هكذا وإلا فلا لا فهذا الإمام علم وتحقق معنى قوله تعالى عن نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وقوله لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ والاشتغال بما سن من فعل وقول وحال أكثر من أن نحيط به فكيف أن نتفرغ لتسن فلا نكلف الأمة أكثر مما ورد (وصية) عليك بأداء الأوجب من حق الله وهو أن لا تشرك به شيئا من الشرك الخفي الذي هو الاعتماد على الأسباب الموضوعة والركون إليها بالقلب والطمأنينة بها وهي سكون القلب إليها وعندها فإن ذلك من أعظم رزية دينية في المؤمن وهو قوله والله أعلم من باب الإشارة وما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهُمْ مُشْرِكُونَ يعني والله أعلم به هذا الشرك الخفي الذي يكون معه الايمان بوجود الله والنقض في الايمان بتوحيد الله في الأفعال لا في الألوهة فإن ذلك هو الشرك الجلي الذي يناقض الايمان بتوحيد الله في ألوهته لا الايمان بوجود الله ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال أ تدرون ما حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا فأتى بلفظة شيء وشيء نكرة فدخل فيه الشرك الجلي والخفي ثم قال أ تدرون ما حقهم على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم فاجعل بالك من قوله أن لا يعذبهم فإنهم إذا لم يشركوا بالله شيئا لم يتعلق لهم خاطر إلا بالله إذ لم يكن لهم توجه إلا إلى الله وإذا أشركوا بالله الشرك الناقض للإسلام أو الشرك الخفي الذي هو النظر إلى الأسباب المعتادة فإن الله قد عذبهم بالاعتماد عليها لأنها معرضة للفقد ففي حال وجودها يتعذبون بتوهم فقدها وبما ينقص منها وإذا فقدوها تعذبوا بفقدها فهم معذبون على كل حال في وجود الأسباب وفقدها وإذا لم يشركوا بالله شيئا من الأسباب استراحوا ولم يبالوا بفقدها ولا بوجودها فإن الذي اعتمدوا عليه وهو الله قادر على إتيان الأمور من حيث لا يحتسبون كما قال تعالى ومن يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ويَرْزُقْهُ من حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ولقد قال في ذلك بعضهم نظما وهو ومن يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ *** كما قال من أمره مَخْرَجاً ويَرْزُقْهُ من غير حسبانه *** وإن ضاق أمر به فرجا فمن علامة التحقق بالتقوى أن يأتي رزقه من حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وإذا أتاه من حيث يحتسب فما تحقق بالتقوى ولا اعتمد على الله فإن معنى التقوى في بعض وجوهه أن تتخذ الله وقاية من تأثير الأسباب في قلبك باعتمادك عليها والإنسان أبصر بنفسه وهو يعلم من نفسه بمن هو أوثق وبما تسكن إليه نفسه ولا يقول إن الله أمرني بالسعي على العيال وأوجب على النفقة عليهم فلا بد من الكد في الأسباب التي جرت العادة أن يرزقهم الله عندها فهذا لا يناقض ما قلناه فنحن إنما نهيناك عن الاعتماد عليها بقلبك والسكون عندها ما قلنا لك لا تعمل بها ولقد نمت عند تقييدي هذا الوجه ثم رجعت إلى نفسي وأنا أنشد بيتين لم أكن أعرفهما قبل ذلك وهما لا تعتمد إلا على الله *** فكل أمر بيد الله وهذه الأسباب حجابه *** فلا تكن إلا مع الله فانظر في نفسك فإن وجدت أن القلب سكن إليها فاتهم إيمانك واعلم إنك لست ذلك الرجل وإن وجدت قلبك ساكنا مع الله واستوى عندك حالة فقد السبب المعين وحالة وجوده ولكن مع الفقد يكون ذلك فاعلم إنك ذلك الرجل الذي آمن ولم يشرك بالله شيئا وإنك من القليل فإن رزقك من حيث لا تحتسب فذلك بشرى من الله إنك من المتقين ومن سر هذه الآية إن الله وإن رزقك من السبب المعتاد الذي في خزانتك وتحت حكمك وتصريفك وأنت متق أي قد اتخذت الله وقاية فإنه الواقي إنك مرزوق من حيث لا تحتسب فإنه ليس في حسبانك إن الله يرزقك ولا بد مما بيدك ومن الحاصل عندك فما رزقك إلا من حيث لا تحتسب وإن أكلت وارتزقت من ذلك الذي بيدك فاعلم ذلك فإنه معنى دقيق ولا يشعر به إلا أهل المراقبة الإلهية الذين يراقبون بواطنهم وقلوبهم فإن الوقاية ليست إلا لله تمنع العبد من أن يصل إلى الأسباب بحكم الاعتماد عليها لاعتماده على الله عز وجل وهذا هو معنى قوله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً فهذا مخرج التقوى في هذه الآية وهي وصية الله عبده وإعلامه بما هو الأمر عليه (وصية) احذر يا ولي أن تريد علوا في الأرض والزم الخمول وإن أعلى الله كلمتك فما أعلى إلا الحق وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه عز وجل والذي يلزمك التواضع والذلة والانكسار فإنه إنما أنشاك من الأرض فلا تعلوا عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين حرام ثم إنه قد ورد في الحديث أن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه فإن كنت أنت ذلك الشيء فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا إن الله تعالى إذا وضعه يضعه في النار وذلك إذا رفع ذلك الشيء نفسه لا إذا رفعه الله فذلك ليس إليه إلا أنه لا بد أن يراقب الله فيما أعطاه من الرفعة في الأرض بولاية وتقدم يخدم من أجله ويغشى بابه ويلزم ركابه فلا يبرح ناظرا في عبوديته وأصله فإنه خلق من ضعف ومن أصل موصوف بأنه ذلول ويعلم أن تلك الرفعة إنما هي للرتبة والمنصب لا لذاته فإنه إذا عزل عنها لم يبق له ذلك الوزن الذي كان يتخيله وينتقل ذلك إلى من أقامه الله في تلك المنزلة فالعلو للمنزلة لا لذاته فمن أراد العلو في الأرض فقد أراد الولاية فيها وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الولاية إنها يوم القيامة حسرة وندامة فلا تكن من الجاهلين فالذي أوصيك به أنك لا تريد علوا في الأرض وإن أعطاك الله لا تطلب أنت من الله إلا أن تكون في نفسك صاحب ذلة ومسكنة وخشوع فإنك لن تحصل ذلك إلا أن يكون الحق مشهودا لك وليس مدار الخلق والأكابر إلا على أن يحصل لهم مقام الشهود فإنه الوجود المطلوب (وصية) وعليك بالاغتسال في كل يوم جمعة واجعله قبل رواحك إلى صلاة الجمعة وإذا اغتسلت فانو فيه إنك تؤدي واجبا فإنه قد ورد في الصحيح أن غسل الجمعة واجب على كل مسلم وقد ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام فيجمع بين الحديثين بغسل الجمعة وذلك أن الله خلق سبعة أيام وهي أيام الجمعة فإذا انقضت جمعة دارت الأيام فهي الجديدة الدائرة فلا تنصرف عنك دورة إلا عن طهارة تحدثها فيها إكراما لذاتها وتقديسا وتنظيفا كما جاء في السواك أنه مطهرة للفم ومرضاة للرب وكذلك الغسل في الأسبوع مطهرة للبدن ومرضاة للرب أي العبد فعل فعلا يرضي الله به من حيث إن الله أمره بذلك فامتثل أمره (وصية) إياك والمراء في شيء من الدين وهو الجدال فلا يخلو من أحد أمرين إما أن تكون محقا أو مبطلا كما يفعل فقهاء زماننا اليوم في مجالس مناظراتهم ينوون في ذلك تلقيح خواطرهم فقد يلتزم المناظر في ذلك مذهبا لا يعتقده وقولا لا يرتضيه وهو يجادل به صاحب الحق الذي يعتقد فيه أنه حق ثم تخدعه النفس في ذلك بأن تقول له إنما نفعل ذلك لتلقيح الخاطر لا لإقامة الباطل وما علم إن الله عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده إنه فقيه عمل العامي المقلد على ذلك الباطل لما رأى من ظهوره على صفة الحق وعجز صاحب الحق عن مقاومته فلا يزال إلا ثم يتعلق به ما دام هذا السامع يعمل بما سمع منه ولهذا ورد في الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الثابت أنه قال أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ومنه المراء في الباطل وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يمزح ولا يقول إلا حقا (وصية) وعليك بحسن الأخلاق وإتيان مكارمها وتجنب سفسافها فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وإنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد ضمن بيتا في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ولما كانت الأخلاق الحسنة عبارة عن أن نفعل مع المتخلق معه الذي يصرف أخلاقه معه في معاملته إياه وعلمنا إن أغراض الخلق متقابلة وإنه إن أرضى زيدا أسخط عدوه عمرا ولا بد من ذلك فمن المحال أن يقوم في خلق كريم يرضى جميع الخلائق ولما رأينا أن الأمر على هذا الحد وأدخل الله نفسه مع عباده في الصحبة كما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال لربه أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وقال إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنا وقال إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى قلنا فلا نصرف مكارم الأخلاق إلا في صحبة الله خاصة فكل ما يرضي الله نأتيه وكل ما لا يرضيه نجتنبه وسواء كانت المعاملة والخلق مما يخص جانب الحق أو تتعدى إلى الغير وإنها وإن تعدت إلى الغير فإنها مما يرضى الله وسواء عندك سخط ذلك الغير أو رضي فإنه إن كان مؤمنا رضي بما يرضى الله وإن كان عدوا لله فلا اعتبار له عندنا فإن الله يقول إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وقال لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ فحسن الخلق إنما هو فيما يرضى الله فلا تصرفه إلا مع الله سواء كان ذلك في الخلق أو فيما يختص بجناب الله فمن راعى جناب الله انتفع به جميع المؤمنين وأهل الذمة فإن لله حقا على كل مؤمن في معاملة كل أحد من خلق الله على الإطلاق من كل صنف من ملك وجان وإنسان وحيوان ونبات وجماد ومؤمن وغير مؤمن وقد ذكرنا ذلك في رسالة الأخلاق لنا كتبنا بها إلى بعض إخواننا سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وهي جزء لطيف غريب في معناه فيه معاملة جميع الخلق بالخلق الحسن الذي يليق به وحسن الخلق بحسب أحوال من تصرفها فيه ومعه هذا أمر عام والتفصيل فيه لك بالواقع فانظر فيه فإنه أكثر من أن تحصى آحاده لما في ذلك من التطويل والله الموفق لا رب غيره وكذلك تجنب سفساف الأخلاق ولا تعرف مكارم الأخلاق من سفسافها إلا حتى تعرف مصارفها فإذا علمت مصارفها علمت مكارمها وسفسافها وهو علم خفي شريف فلا يفوتنك علم مصارف الأخلاق فإن ذلك يختلف باختلاف الوجوه (وصية) وعليك بالهجرة ولا نقم بين أظهر الكفار فإن في ذلك إهانة دين الإسلام وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله فإن الله ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة الله هي العليا وكَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم لا حظ له في الإسلام فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد تبرأ منه ولا يتبرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من مسلم وقد ثبت عنه أنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر المشركين فما اعتبر له كلمة الإسلام وقال الله تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ في الْأَرْضِ قال الله لهم أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وساءَتْ مَصِيراً ولهذا حجرنا في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس والإقامة فيه لكونه بيد الكفار فالولاية لهم والتحكم في المسلمين والمسلمون معهم على أسوإ حال نعوذ بالله من تحكم الأهواء فالزائرون اليوم البيت المقدس والمقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال الله فيهم ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً وكذلك فلتهاجر عن كل خلق مذموم شرعا قد ذمه الحق في كتابه أو على لسان رسوله ص (وصية) وعليك باستعمال العلم في جميع حركاتك وسكناتك فإن السخي الكامل السخاء من يسخي بنفسه على العلم فكان بحكم ما شرع الله له فعلم وعمل وعلم من لم يعلم وقد أثنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على من قبل العلم وعمل به وعلمه وذم نقيض ذلك فثبت عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلاء والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا وكذلك من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعمل وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا مثل القيعان التي لم تمسك ماء ولا أنبتت كلا فكن يا أخي ممن علم وعمل وعلم ولا تكن ممن علم وترك العمل فتكون كالسراج أو كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسك فإنك إذا عملت بما علمت جعل الله لك فرقانا ونورا وورثك ذلك العمل علما آخر لم تكن تعلمه من العلم بالله وبما لك فيه منفعة عند الله في آخرتك فاجهد أن تكون من العلماء العاملين المرشدين (وصية) وعليك بالتودد لعباد الله من المؤمنين بإفشاء السلام وإطعام الطعام والسعي في قضاء حوائجهم [أن المؤمنين أجمعهم جسد واحد]واعلم أن المؤمنين أجمعهم جسد واحد كإنسان واحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى كذلك المؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنه هو الذي أصيب بها فيتألم لتالمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبتت أخوة الايمان بينه وبينهم فإن الله قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان وبهذا وقع المثل من النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الحديث الثابت وهوقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مثل المؤمنين في توددهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سار الجسد بالحمى والسهر [من أسمائه الحسنى المؤمن]واعلم أن المؤمن كثير بأخيه وأن المؤمن لما كان من أسماء الله مع ما ينضاف إلى ذلك من خلقه على الصورة ثبت النسب والمؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله فمن كان مؤمنا بالله من حيث ما هو الله مؤمن فإنه يصدقه في فعله وقوله وحاله وهذه هي العصمة فإن الله من كونه مؤمنا يصدقه في ذلك ولا يصدق الله إلا الصادق فإن تصديق الكاذب على الله محال فإن الكذب عليه محال وتصديق الكاذب كذب بلا شك فمن ثبت إيمانه بالله من كون الله مؤمنا فإن هذا العبد لا شك أنه من الصادقين في جميع أموره مع الله لأنه مؤمن بالله مؤمن به أيضا فتنبه لما دللتك عليه ووصيتك به في الايمان بالله من كونه مؤمنا تنتفع فإني قد أريتك الطريق الموصل إلى نيل ذلك واعتصم بالله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم فإن الله عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وليس إلا ما شرعه لعباده (وصية) لا تكترث لما يصيبك الله به من الرزايا في مالك ومن يعز عليك من أهلك مما يسمى في العرف رزية ومصابا وقل إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عند نزولها بك وقل فيها كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصابتني من مصيبة إلا رأيت أن لله علي فيها ثلاث نعم النعمة الواحدة حيث لم تكن المصيبة في ديني والنعمة الثانية حيث لم يكن ما هو أكبر منها فدفع الله بها ما هو أعظم منها والنعمة الثالثة ما جعل الله فيها من الأمر بالكفارة لما كنا نتوقاه من سيئات أعمالنا [أن المؤمن في الدنيا كثير الرزايا]واعلم أن المؤمن في الدنيا كثير الرزايا لأن الله يحب أن يطهره حتى ينقلب إليه طاهرا مطهرا من دنس المخالفات التي كتب الله عليه في الدنيا أن يقام فيها فلا يزال المؤمن مرزأ في عموم أحواله وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ذلك مثل المؤمن كمثل الخامة من الرزغ تصرعها الريح مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج (وصية) عليك بتلاوة القرآن وتدبره وانظر في تلاوتك إلى ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله بها من أحبه من عباده فاتصف بها وما ذم الله في القرآن من النعوت والصفات التي اتصف بها من مقته الله فاجتنبها فإن الله ما ذكرها لك وأنزلها في كتابه عليك وعرفك بها إلا لتعمل بذلك فإذا قرأت القرآن فكن أنت القرآن لما في القرآن واجتهد أن تحفظه بالعمل كما حفظته بالتلاوة فإنه لا أحد أشد عذابا يوم القيامة من شخص حفظ آية ثم نسيها كذلك من حفظ آية ثم ترك العمل بها كانت عليه شاهدة يوم القيامة وحسرة وإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في أحوال من يقرأ القرآن ومن لا يقرءوه من مؤمن ومنافق فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب يعني بها التلاوة والقراءة فإنها أنفاس تخرج فشبهها بالروائح التي تعطيها الأنفاس وطعمها طيب يعني به الايمان ولذلك قال ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نبيا فنسب الطعم للإيمان ثم قال ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل الثمرة طعمها طيب من حيث إنه مؤمن ذو إيمان ولا ريح لها من حيث إنه غير تال في الحال التي لا يكون فيها تاليا وإن كان من حفاظ القرآن ثم قال ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب لأن القرآن طيب وليس سوى أنفاس التالي والقاري في وقت تلاوته وحال قراءته وطعمها مر لأن النفاق كفر الباطن لأن الحلاوة للإيمان لأنها مستلذة ثم قال ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها لأنه غير قارئ في الحال وعلى هذا المساق كل كلام طيب فيه رضي الله صورته من المؤمن والمنافق صورة القرآن في التمثيل غير إن القرآن منزلته لا تخفى فإن كلام الله لا يضاهيه شيء من كل كلام مقرب إلى الله فينبغي للذاكر إذا ذكر الله متى ذكره أن يحضر في ذكره ذلك ذكرا من الأذكار الواردة في القرآن فيذكر الله به ليكون قارئا في الذكر وإذا كان قارئا فيكون حاكيا للذكر الذي ذكر الله به نفسه وإذا كان كذلك فقد أنزل نفسه فيه منزلة ربه منه وهو قوله فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله وقوله إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده ويقال للقارئ يوم القيامة اقرأ وارق ورقية في الدنيا في أيام التكليف في قراءته أن يرقى من تلاوته إلى تلاوته بأن يكون الحق هو الذي يتلو على لسان عبده كما يكون سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصر ويديه اللتين بهما يبطش ورجليه اللتين بهما يسعى كذلك هو لسانه الذي به ينطق ويتكلم فلا يحمد الله ولا يسبحه ولا يهلله إلا بما ورد في القرآن عن استحضار منه لذلك فيرقى من قراءته بنفسه إلى قراءته بربه فيكون الحق هو الذي يتلو كتابه فيرتفع يوم القيامة في الآية التي ينتهي إليها في قراءته ويقف عندها إلى الدرجة التي تليق بتلك الآية التي يكون الحق هو التالي لها بلسان هذا العبد عن حضور من العبد التالي لذلك فإن أفضل الكلام كلام الله الخاص المعروف في العرف (وصية) وعليك بمجالسة من تنتفع بمجالسته في دينك من علم تشهده منه أو عمل يكون فيه أو خلق حسن يكون عليه فإن الإنسان إذا جالس من تذكره مجالسته الآخرة فلا بد أن يتحلى منها بقدر ما يوفقه الله لذلك وإذا كان الجليس له هذا التعدي فاتخذ الله جليسا بالذكر والذكر القرآن وهو أعظم الذكر قال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ يعني القرآن وقال أنا جليس من ذكرني وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وخاصة الملك جلساؤه في أغلب أحوالهم والله له الأخلاق وهي الأسماء الحسنى الإلهية فمن كان الحق جليسه فهو أنيسه فلا بد أن ينال من مكارم أخلاقه على قدر مدة مجالسته ومن جلس إلى قوم يذكرون الله فإن الله يدخله معهم في رحمته فهم القوم الذين لا يشقى جليسهم فكيف يشقى من كان الحق جليسه وقد ورد في الحديث الثابت أن الجليس الصالح كصاحب المسك إن لم يصبك منه أصابك من ريحه والجليس السوء كصاحب الكير إن لم يصبك من شرره أصابك من دخانه وهو أنه من خالط أصحاب الريب ارتيب فيه وذلك لما غلب على الناس من سوء الظن بالناس لخبث بواطنهم وهنا فائدة أنبهك عليها أغفلها الناس وهي تدعو إلى حسن الظن بالناس ليكون محلك طاهرا من السوء وذلك إنك إذا رأيت من يعاشر الأشرار وهو خير عندك فلا تسيء الظن به لصحبته الأشرار بل حسن الظن بالأشرار لصحبتهم ذلك الخير واجعل المناسبة في الخير لا في الشر فإن الله ما سأل أحدا قط يوم القيامة عن حسن الظن بالخلق ويسأله عن سوء الظن بالخلق ويكفيك هذا نصحا إن قبلت ووصية إن قلت بها والذاكر ربه حياته متصلة دائما لا تنقطع إلا بالموت فهو حي وإن مات بحياة هي خير وأتم من حياة المقتول في سبيل الله إلا أن يكون المقتول في سبيل الله من الذاكرين فهي حياة الشهيد وحياة الذاكر فالذاكر حي وإن مات والذي لا يذكر الله ميت وإن كان في الدنيا من الأحياء فإنه حي بالحياة الحيوانية وجميع العالم حي بحياة الذكر فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت كذا مثله رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأما ما ادعيته أن الذاكر أفضل من الشهيد الذي لا يذكر الله فلما صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في قوله أ لا أنبئكم أو كما قال بخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضرب رقابكم وتضربون رقابهم ذكر الله فذكر ضرب الرقاب وهو الشهادة وذكر العبد ربه أفضل من قتل الشهيد وثبت عنه إن الذاكر حي فخرج من ذلك أن حياة الذاكر خير من حياة الشهيد إذا لم يكن ذاكرا ربه عز وجل (وصية) وعليك بإقامة حدود الله في نفسك وفيمن تملكه فإنك مسئول من الله عن ذلك فإن كنت ذا سلطان تعين عليك إقامة حدود الله فيمن ولاك الله عليه فكلكم راع ومسئول عن رعيته وليس سوى إقامة حدود الله فيهم وأقل الولايات ولايتك على نفسك وجوارحك فأقم فيها حدود الله إلى الخلافة الكبرى فإنك نائب الله على كل حال في نفسك فما فوقها وقد ورد الحديث الثابت في الذي يقيم حدود الله والواقع فيها فمثلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بقوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم فقالوا إنا نخرق في نصيبنا لا نؤذي من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا فإذا خطر لك يا وليي خاطر يأمرك بالخير فذلك لمة الملك ثم يأتي بعد ذلك خاطر ينهاك عن ذلك الخير إن تفعله فذلك لمة الشيطان ولا تعرف الخير والشر إلا بتعريف الشرع وإذا خطر لك خاطر يأمرك بفعل الشر فذلك لمة الشيطان فإذا أعقبه خاطر ينهاك عن فعل ذلك الشر فذلك لمة الملك وأنت السفينة إن انخرقت هلكت وهلك جميع من فيك فعليك بعلم الشريعة فإنك لن تعلم حدود الله حتى تقوم بها أو تعرف من يقع فيها ممن قام بها إلا أن تعلم علم الشريعة فيتعين عليك طلب علم الشريعة لإقامة حدود الله (وصية) وعليك بالصدقة فإن الله قد ذكر الْمُتَصَدِّقِينَ والْمُتَصَدِّقاتِ وهي فرض ونفل فالفرض منها يسمى زكاة والنفل منها يسمى تطوعا وبالفرض منها يزول عنك اسم البخل وبصدقة التطوع منها تنال الدرجات العلى وتتصف بصفة الكرم والجود والإيثار والسخاء وإياك والبخل ثم إنه عليك في مالك حق زائد على الزكاة المفروضة وهو إذا رأيت أخاك المؤمن على حالة الهلاك بحيث إنك إذا لم تعطه من فضل مالك شيئا هلك هو وعائلته إن كانت له عائلة فيتعين عليك إن تواسيه إما بالهبة أو بالقرض فلا بد من العطاء وذلك العطاء صدقة حتى إني سمعت بعض علمائنا بإشبيلية يقول في حديث هل على غيرها يعني في الزكاة المفروضة قال لا إلا أن تطوع قال لي ذلك الفقيه فيجب عليك فاستحسنت ذلك منه رحمه الله وإنما سمي الله الإنسان متصدقا وسمي ذلك العطاء صدقة فرضا كان أو نفلا لأنه أعطى ذلك عن شدة لكونه مجبولا على البخل فإن الله يقول فيه وإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في فضل الصدقة وزمانها إن تصدق وأنت صحيح شحيح تخاف الفقر وتأمل الحياة والغني يقول الله تعالى ومن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الناجون لأن الإنسان إذا كان له مال ويأمل الحياة فإنه يخاف أن يفتقر ويذهب ما بيده من المال بطول حياته لنوائب الزمان وأمله بطول حياته فيؤديه ذلك إلى البخل بما عنده من المال والإمساك عن الصدقة والتوسعة على المحتاجين مما أتاه الله من الخير فهو يكنزه ولا ينفقه ولا يؤدي زكاته حتى يكوى به جنبه وجبينه وظهره كما قال تعالى فيهم يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ وظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ فلهذا العطاء عن شدة سميت صدقة يقال رمح صدق أي صلب وقد ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مثلا في البخيل والمتصدق فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عليه حتى تجن ثيابه وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها فإياك والبخل فإنه يرديك ويوردك الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة ولا يجعلك تتكرم وتتصدق إلا استعمال العلم فإنك إذا علمت إن رزقك لا يأكله ولا يقتات به ولا يحيى به غيرك ولو اجتمع أهل السموات والأرض على أن يحولوا بينك وبين رزقك ما أطاقوا وإذا علمت إن رزق غيرك فيما أنت مالكه لا بد أن يصل إليه حتى يتغدى به ويحيى وإن أهل السموات والأرض لو اجتمعوا على أن يحولوا بينه وبين رزقه الذي هو في ملكك ما أطاقوا فادفع إليه ماله إذا خطر لك خاطر الصدقة تتصف بالكرم والثناء الجميل وأنت ما أعطيته إلا ما هو له بحق في نفس الأمر عند الله وأنت محمود فإذا علمت هذا هان عليك إخراج ما بيدك ولحقت بأهل الكرم وكتبت في المتصدقين أن أخرجت ذلك عن تردد ومكابدة واتبعته نفسك ورأيت بذلك أن لك فضلا على من أوصلته تلك الراحة فإياك إن تجهل على أحد كما تحب أن لا يجهل عليك وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول في تعوذاته وأعوذ بك أن أجهل أو يجهل علي فمن حكم فيك بالعلم فقد أنصفك (وصية) وعليك بالجهاد الأكبر وهو جهادك هواك فإنه أكبر أعدائك وهو أقرب الأعداء إليك الذين يلونك فإنه بين جنبيك والله يقول سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من الْكُفَّارِ ولا أكفر عندك من نفسك فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها من بعد ما جاءتها فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ الله من فَضْلِهِ مستبشرين بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ من خَلْفِهِمْ وقد علمت فضل المجاهد في سبيل الله في حال جهاده حتى يرجع إلى أهله بما اكتسبه من أجر أو غنيمة إنه كالصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا من صيام حتى يرجع المجاهد وقد علمت بالحديث الصحيح أن الصوم لا مثل له وقد قام الجهاد مقامه ومقام الصلاة وثبت هذا عن رسول الله ص وهذا في الجهاد الذي فرضه الله تعالى المعين ويعصي الإنسان بتركه لا بد من ذلك ولا يزال العبد العالم الناصح نفسه المستبرئ لدينه في جهاد أبدا لأنه مجبول على خلاف ما دعاه إليه الحق فإنه بالأصالة متبع هواه الذي هو بمنزلة الإرادة في حق الحق فيفعل الحق ما يريده فإننا كلنا عبيده ولا تحجير عليه ويريد الإنسان أن يفعل ما يهوى وعليه التحجير فما هو مطلق الإرادة فهذا هو السبب الموجب في كونه لا يزال مجاهدا أبدا ولذلك طلب أصحاب الهمم أن يلحقوا بدرجات العارفين بالله حتى تكون إرادتهم إرادة الحق أي يريدون جميع ما يريده الحق وهو ما هم الخلق عليه فيريدونه من حيث إن الله أراد إيجاده ويكرهون منه بكراهة الحق ما كرهه الحق ووصف نفسه بأنه لا يرضاه فهو يريده ولا يرضاه ويريده ويكرهه في عين إرادته إن أراد أن يكون مؤمنا وإن لم يكن كذلك وإلا فقد انسلخ من الايمان نعوذ بالله من ذلك فإنه غاية الحرمان وهذا هو الحق الممقوت كما تقول في الغيبة إنها الحق المنهي عنه (وصية) وعليك بإسباغ الوضوء على المكاره وذلك في زمان البرد واحذر من الالتذاذ باستعمال الماء البارد في زمان الحر فتسبغ الوضوء لالتذاذك به في زمان الحر فتتخيل أنك ممن أسبغ الوضوء عبادة وأنت ما أسبغته إلا لوجود الالتذاذ به لما أعطاه الحال والزمان من شدة الحر فإذا أسبغته في شدة البرد صار لك عادة وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الخير عادة فأصحب تلك النية في زمان الحر فإن غلبتك النفس على الإسباغ بما تجده من اللذة المحسوسة في ذلك [إن الالتذاذ هنا إنما وقع بدفع ألم الحر وإزالته]فاعلم إن الالتذاذ هنا إنما وقع بدفع ألم الحر وإزالته فانو في ذلك دفع الألم عن نفسك أ لا ترى قاتل نفسه كيف حرم الله عليه الجنة فحق النفس على صاحبها أعظم من حق الغير عليه فكذلك يؤجر في دفع الألم عن نفسه وإن الله يرفع بإسباغ الوضوء على المكاره درجة العبد ويمح الله به الخطايا قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أ لا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره فهذا محو الخطايا فإنه تنظيف وتطهير ثم قال وكثرة الخطاء إلى المساجد فإنه سلوك في صعود ومشي ثم قال تمام الحديث وهو وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط والرباط الملازمة من ربطت الشيء وبالانتظار قد ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها في وقتها وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلاة يؤديها فيفرغ منها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى أن يفرغ اليوم ويأتي يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان لا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة لذلك أكده بقوله ثلاث مرات فانظر إلى علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالأمور حتى أنزل كل عمل في الدنيا منزلته في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوء ومشيا وانتظارا وذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاث لثلاث هذا يدلك على شهوده مواضع الحكم ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم (وصية) وعليك بمراعاة كل مسلم من حيث هو مسلم وساو بينهم كما سوى الإسلام بينهم في أعيانهم ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وكبير وهذا صغير وفقير وحقير ولا تحقر صغيرا ولا كبيرا في ذمته واجعل الإسلام كله كالشخص الواحد والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخص وكذلك هو الأمر فإن الإسلام ما له وجود إلا بالمسلمين كما إن الإنسان ما له وجود إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة وهذا الذي ذكرناه هو الذي راعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما ثبت عنه من قوله في ذلك المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من سواهم وقال المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ومع هذا التمثيل فأنزل كل واحد منزلته كما أنك تعامل كل عضو منك بما يليق به وما خلق له فتغض بصرك عن أمر لا يعطيه السمع وتفتح سمعك لشيء لا يعطيه البصر وتصرف يدك في أمر لا يكون لرجلك وهكذا جميع قواك فتنزل كل عضو منك فيما خلق له كذلك وإن اشترك المسلمون في الإسلام وساويت بينهم فأعط العالم حقه من التعظيم والإصغاء إلى ما يأتي به وأعط الجاهل حقه من تذكرك إياه وتنبيهه على طلب العلم والسعادة وأعط الغافل حقه بأن توقظه من نوم غفلته بالتذكر لما غفل عنه مما هو عالم به غير مستعمل علمه وكذلك الطائع والمخالف وأعط السلطان حقه من السمع والطاعة فيما هو مباح لك فعله وتركه فيجب عليك بأمره ونهيه أن تسمع له وتطيع فيعود لأمر السلطان ونهيه ما كان مباحا قبل ذلك واجبا أو محظورا بالحكم المشروع من الله في قوله وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وأعط الصغير حقه من الرفق به والرحمة له والشفقة عليه وأعط الكبير حقه من الشرف والتوقير فإن من السنة رحمة الصغير وتوقير الكبير ومعرفة شرفه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا وفي حديث ويوقر كبيرنا وعليك برحمة الخلق أجمع ومراعاتهم كانوا ما كانوا فإنهم عبيد الله وإن عصوا وخلق الله وإن فضل بعضهم بعضا فإنك إذا فعلت ذلك أوجرت فإنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد ذكر أنه في كل ذي كبد رطبة أجر أ لا ترى إلى الحديث الوارد في البغي أن بغيا من بغايا بنى إسرائيل وهي الزانية مرت على كلب قد حرج لسانه من العطش وهو على رأس بئر فلما نظرت إلى حاله نزعت خفها وملأته بالماء من البئر وسقت الكلب فشكر الله فعلها فغفر لها بكلب وأخبرني الحسن الوجيه المدرس بملطية الفارسي عن والي بخارى وكان ظالما مسرفا على نفسه فرأى كلبا أجرب في يوم شديد البرد وهو ينتفض من البرد فأمر بعض شاكريته فاحتمل الكلب إلى بيته وجعله في موضع حار وأطعمه وسقاه ودفى الكلب فرأى في النوم أو سمع هاتفا الشك مني يقول له يا فلان كنت كلبا فوهبناك لكلب فما بقي إلا أيام يسيرة ومات فكان له مشهد عظيم لشفقته على كلب وأين المسلم من الكلب فافعل الخير ولا تبال فيمن تفعله تكن أنت أهلا له ولتأت كل صفة محمودة من حيث ما هي من مكارم الأخلاق تتحلى بها وكن محلا لها لشرفها عند الله وثناء الحق عليها فاطلب الفضائل لأعيانها واجتنب الرذائل العرفية لأعيانها واجعل الناس تبعا لا تقف مع ذمهم ولا حمدهم إلا أنك تقدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون مع الحكماء المتأدبين بآداب الله التي شرعها للمؤمنين على ألسنة الرسل عليه السلام و [أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص]اعلم أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وما في العالم إلا مؤمن لأن ما في العالم إلا من هو ساجد لله إلا بعض الثقلين من الجن والإنس فإن في الإنسان الواحد منهم كثيرا ممن يسبح الله ويسجد لله وفيه من لا يسجد لله وهو الذي حق عليه العذاب انظر في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا فسماهم مؤمنين وأمرهم بالإيمان فالأول عموم الايمان فإن الله قال في حق قوم والَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ والثاني خصوص الايمان وهو المأمور به والأول إقرار منهم من غير إن يقترن به تكليف بل ذلك عن علم وأيسره في بنى آدم حين أشهدهم على أنفسهم كما قال وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنِي آدَمَ من ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فخاطبهم بالمؤمنين حين أيه بهم ثم أمرهم بالإيمان في هذه الحالة لأخرى وما تعرض للتوحيد المطلق رحمة بهم فإنه القائل وما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهُمْ مُشْرِكُونَ الشرك الخفي وقد ذكرناه فلذلك قال لهم آمِنُوا بِاللَّهِ ولم يقل بتوحيد الله فمن آمن بوجود الله فقد آمن ومن آمن بتوحيده فما أشرك فالإيمان إثبات والتوحيد نفي شريك ومن أسماء الله المؤمن وهو يشد من المؤمن المخلوق قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يرحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ وهو الاسم المؤمن فالمؤمن يشد من المؤمن فافهم (وصية) كن عمري الفعل فإن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول من خدعنا في الله نخدعنا له فاحذر يا أخي إذا رأيت أحدا يخدعك في الله وأنت تعلم بخداعه إياك فمن كرم الأخلاق أن تنخدع له ولا توجده إنك عرفت بخداعه وتباله له حتى يغلب على ظنه أنه قد أثر فيك بخداعه ولا يدري إنك تعلم بذلك لأنك إذا قمت في هذه الصفة فقد وفيت الأمر حقه فإنك ما عاملت إلا الصفة التي ظهر لك بها والإنسان إنما يعامل الناس لصفاتهم لا لأعيانهم أ لا تراه لو كان صادقا غير مخادع لوجب عليك إن تعامله بما ظهر لك منه وهو ما يسعد إلا بصدقه كما أنه يشقى بخداعه ونفاقه فإن المخادع منافق فلا تفضحه في خداعه وتجاهل له وانصبغ له باللون الذي أراده منك أن تنصبغ له به وادع له وارحمه عسى الله أن ينفعه بك ويجيب فيه صالح دعائك فإنك إذا فعلت هذا كنت مؤمنا حقا فإن المؤمن غر كريم لأن خلق الايمان يعطي المعاملة بالظاهر والمنافق خب لئيم أي لئيم على نفسه حيث لم يسلك بها طريق نجاتها وسعادتها كن رداء وقميصا لأخيك المؤمن وحطه من ورائه واحفظه في نفسه وعرضه وأهله وولده فإنك أخوه بنص الكتاب العزيز واجعله مرآة ترى فيها نفسك فكما تزيل عنك كل أذى تكشفه لك المرآة في وجهك كذلك فلتزل عن أخيك المؤمن كل أذى يتأذى به في نفسه فإن نفس الشيء وجهه وحقيقته (وصية) واحفظ حق الجار والجوار وقدم الأقرب دارا إليك فالأقرب وتفقد جيرانك مما أنعم الله به عليك فإنك مسئول عنهم وادفع عنهم ما يتضررون به كان الجيران ما كانوا وما سميت جارا له وجارا لك إلا لميلك إليه بالإحسان وميلة إليك ودفع الضرر مشتق من جار إذا مال فإن الجور الميل فمن جعله من الجور الذي هو الميل إلى الباطل والظلم في العرف فهو كمن يسمى اللديغ سليما في النقيض وفي هذا فغلبت حق الجوار كان الجار ما كان كأنه يقول وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل بشرك أو كفر فلا يمنعنك ذلك منه عن مراعاة حقه فكيف بالمؤمن فحق الجار إنما هو على الجار وأعجب ما رويته في ذلك عن بعض شيوخنا فذكر من مناقب بعض الأعراب أن جراد أنزل بفناء بيته فخرجت الأعراب إليه بالعدد ليقتلوه ويأكلوه فقال لهم صاحب البيت ما تبتغون فقالوا له نبتغي قتل جارك يريدون الجراد فقال لهم بعد أن سميتموه جاري فو الله لا أترك لكم سبيلا إليه وجرد سيفه يذب عنه مراعاة لحق الجوار فهذا كما سئل مالك بن أنس عن أكل خنزير البحر فقال هو حرام فقيل له إنه سمك من حيوان البحر الذي أحل الله أكله لنا فقال لهم مالك أنتم سميتموه خنزيرا ما قلتم ما تقول في سمك البحر فاهجر ما نهاك الله عنه وقد نهاك عن أذى الجار فاهجر أذاه وادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وفيما روينا من الأخبار في سبب نزول هذه الآية إن أعرابيا جاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من المشركين من فصحاء العرب وقد سمع أن الله قد أنزل عليه قرآنا عجز عن معارضته فصحاء العرب فقال له يا رسول الله هل فيما أنزل عليك ربك مثل ما قلته فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وما قلت فقال الأعرابي قلت وحي ذوي الأضغان تسبى عقولهم *** تحيتك القربى فقد ترقع النفل وإن جهروا بالقول فاعف تكرما *** وإن ستروا عنك الملامة لم تبل فإن الذي يؤذيك منه استماعه *** وإن الذي قد قيل خلفك لم يقل فأنزل الله تعالى ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فقال الأعرابي هذا والله هو السحر الحلال والله ما تخيلت ولا كان في علمي أنه يزاد أو يؤتى بأحسن مما قلته أشهد أنك رسول الله والله ما خرج هذا إلا من ذي إل فمثل هؤلاء عرفوا إعجاز القرآن أ ترى يا وليي يكون هذا الأعرابي فيما وصف به نفسه بأكرم من الله في هذا الخلق في تحمل الأذى وإظهار البشر والمخالفات عن العقوبة والعفو مع القدرة وتهوين ما يقبح على النفس والتغافل عمن أراد التستر عنك بما يشينه لو ظهر به بل والله أكرم منه وأكثر تجاوزا وعفوا وحلما وأصدق قيلا فإن هذا القول من العربي وإن كان حسنا فما يدري عند وقوع الفعل ما يكون منه والحق صادق القول بالدليل العقلي فما يأمر بمكرمة إلا وهي صفته التي يعامل بها عباده ولا ينهى عن صفة مذمومة لئيمة إلا وهو أنزه عنها لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الغفور الرحيم انصر أخاك ظالما أو مظلوما فنصرة الظالم من حيث ما هو مظلوم فإن الشيطان ظلمه بما وسوس إليه به في صدره من ظلم غيره فتنصره بأن تعينه على دفع ما ألقى الشيطان عنده من تزيينه ظلم الغير حتى سمي بظالم فما نصرته إلا لكونه مظلوما لمن وسوس في صدره وحال بينه وبين الهدى الذي هو له ملك فابتاعه منه الشيطان بالضلالة فاشترى الضلالة بالهدى فسمي ظالما فإذا أبنت له أنت بنصحك وأفتيته إن هذا البيع مفسوخ لا يجوز شرعا فلا ينعقد وأن صفقته خاسرة وتجارته بائرة فقد نصرته مع كونه ظالما فرجع عن ظلمه وتاب وذلك هو فسخ البيع يقول الله في مثل هؤلاء أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ فإياك إن تخذل من استنصر بك وقد قال مع غناه عنك إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ فطلب منكم أن تنصروه وما هو إلا هذا ولا تظلمه فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ومن كان سعيه في ظلمة لا يدري متى يقع في مهواة أو ما يؤذيه في طريقه من هوام يكون في أذاه هلاكه وأوصيك لا تحقر أحدا من خلق الله فإن الله ما احتقره حين خلقه لا تحقرن عباد الله أن لهم *** قدرا ولو جمعت لك المقامات فلا يكون الله يظهر العناية بإيجاد من أوجده من عدم وتحقره أنت فإن في ذلك تسفيه من أوجده واحتقاره نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فإن هذا من أكبر الكبائر فالكل نعم الله يتغذى بها عباد الله كانوا ما كانوا قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا تحقرن أحدا كن ما تهديه لجارتها ولو فرسن شاة فإن الاحتقار جهل محض ولا تكن لعانا ولا سبابا ولا سخابا فإن لعن المؤمن مثل قتله سواء لقي عيسى عليه السلام خنزيرا فقال له أنج بسلام فقيل له في ذلك فقال عليه السلام ما أريد أن أعود لساني إلا قول الخير كن حديثا حسنا وفي ذلك قلت إنما الناس حديث كلهم *** فلتكن خير حديث يسمع وإذا شاكتك منهم شوكة *** فلتكن أقوى مجن يدفع وإذا ما كنت فيهم هكذا *** أنت والله إمام ينفع إنما الشمعة تؤذي نفسها *** وهي للناظر نور يسطع إنما اللؤم الذي تعرفه *** نعمة في يد شخص يمنع (وصية) إياك والخيلاء وارفع ثوبك فوق كعبك أو إلى نصف ساقك روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال إزرة المؤمن إلى نصف ساقه أو كما قال ولعلي ابن أبي طالب في ذلك تقصيرك الثوب حقا *** أنقى وأبقى وأتقى فأما قوله أنقى فلارتفاعه عن القاذورات التي تكون في الطرق والنجاسات وأما قوله أبقى فإن الثوب إذا طال حك في الأرض بالمشي فيسارع إليه التقطيع فيقل عمر الثوب فإنه يخلق بالعجلة إذا طال بما يصيب الأرض منه وأما قوله أتقى فإنه مشروع أعني تقصير الثوب إلى نصف الساق والمتقي من جعل الشرع له وقاية وجنة يتقي به ما يؤذيه من شياطين الإنس والجن وإن الله لا ينظر لمن يجر ثوبه خيلاء وإياك أن تسأل الناس تكثرا وعندك ما يغنيك في حال سؤلك فإن المسألة خدوش أو خموش في وجهك يوم القيامة فإذا اضطررت ولم تقدر على شغل فسل قوتك لا تتعداه إذا لم يرزقك الله يقينا وثقة به وكفارة ذلك السؤال عدم تكثرك واقتصارك في المسألة على بلغة وقتك فإن مسألة المؤمن حرق النار ومعنى ذلك أن المؤمن يجد عند سؤاله مخلوقا مثله في دفع ضرورته مثل حرق النار في قلبه من الحياء في ذلك حيث لم ينزل مسألته ودفع ضرورته بربه الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهو الذي يسخر له هذا السؤال منه حتى يعطيه ومن وجد ذلك تعززا وتكبرا حيث التجأ إلى مخلوق مثله فذلك من شرف همته من حيث لا يشعر وشرف الهمة أحسن من دناءة الهمة فإن العبد يتعزز على عبد مثله كما إن فخره وشرفه في فقره إلى سيده وسؤاله في دفع ضروراته وملماته وقضاء مهماته (وصية) إذا رأيت أنصار يا أو أنصارية وإن كان عدوا لك فلتحبه الحب الشديد واحذر أن تبغضه فتخرج من الايمان فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لقي امرأة من الأنصار في طريقه فقال لها إنكم لمن أحب خلق الله إلي وثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال آية الايمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار [أن كل من نصر دين الله في أي زمان كان فهو من الأنصار]واعلم أن كل من نصر دين الله في أي زمان كان فهو من الأنصار وهو داخل في حكم هذا الحديث واعلم أن الأنصار لدين الله رجلان الواحد نصر دين الله ابتداء من نفسه من غير إن يعرف وجوب ذلك عليه ورجل عرف نصرة الدين عليه بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ الله فأمرهم بنصرة الله فادى واجبا في نصرته فله أجر النصرة وأجر أداء الواجب بما نواه من امتثال أمر الله في ذلك وتعين عليه ولو كفاه غيره مئونة ذلك فلا يتأخر عن أمر الله ونصرة الله قد تكون بما يعطي من العلم المظهر للحق الدافع للباطل فهو جهاد معنوي محسوس فكونه معنويا لأن الباطن يقبله فإن العلم متعلقة النفس وأما كونه محسوسا فما يتعلق بذلك من العبارة عنه باللسان أو الكتابة فيحصل للسامع أو الناظر بطريق السمع من المتكلم أو بطريق النظر من الكتابة وجهاد العدو نصرة محسوسة ما هي معنوية فإنه ما نال العدو من المقاتل له شيئا في الباطن برده عن اعتقاده كما ناله من العالم إذا علمه وأصغى إليه وو فقه الله للقبول وفتح عين فهمه لما يورده عليه العالم في تعليمه وهي أعظم نصرة وهو أعظم أنصاري لله يقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وقد طلعت الشمس على كل عالم عامل بخير فأنت خير منه إذا نصرت بتعليم العلم دين الله في نفس هذا المخاطب وعليك بصدق الحديث وأداء الأمانة وصدق الوعد فاجتنب الكذب والخيانة وخلف الوعد وإذا خاصمت أحدا فلا تفجر عليه فإن علامة المنافق وآيته إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر وأعظم الخيانة أن تحدث أخاك بحديث يرى أنك صادق فيه وأنت على غير ذلك وإن الإنسان إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به وكذلك الشيطان إذ أمر ابن آدم بالمعصية فعصى تبرأ منه الشيطان خوفا من الله تعالى فاعمل على ذوق هذه الروائح المعنوية واستنشاقها فإن له حجبا على أنفك تمنعك من إدراك أنتن ذلك فلا يكن الشيطان مع كفره أدرك للأمور وأخوف من الله منك واعتبر في تبريه من ذلك فإنها خميرة من الله في قلبه إلى زمان ما يظهر حكمها فيه مع كونه مجبولا على الإغواء كما هو مجبول على التبري والخوف من الله أخبر الله عنه أنه يقول لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فإذا كفر يقول الشيطان إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ فما أخذ الشيطان قط يعلمه لشرف علمه وإنما يؤخذ لصدق الحق فيما قاله فيما شرعه فيمن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها فالشيطان يوم القيامة يحمل أثقال غيره فإنه في كل إغواء يتوب عقيبه ثم يشرع في إغواء آخر فيؤخذ بعمل غيره لأنه من وسوسته والإنسان الذي لا يتوب إذا سن سنة سيئة يحمل ثقلها وأثقال من عمل بها فيكون الشيطان أسعد حالا منه بكثير وإياك أن تخلف وعدك ولتخلف إيعادك ولكن سم إخلاف إيعادك تجاوزا حتى لا تتسمى بأنك مخلف ما أوعدت به من الشر وهذه شبهة المعتزلة وغاب عنها قوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه وما تواطئوا عليه أعني الأعراب إذا أوعدت أو وعدت بالشر التجاوز عنه وجعلت ذلك من مكارم الأخلاق فعاملهم الحق بما تواطئوا عليه فزلت هنا المعتزلة زلة عظيمة أوقعها في ذلك استحالة الكذب على الله تعالى في خبره وما علمت إن مثل هذا لا يسمى كذبا في العرف الذي نزل به الشرع فحجبهم دليل عقلي عن علم وضع حكمي وهذا من قصور بعض العقول ووقوفها في كل موطن مع أدلتها ولا ينبغي لها ذلك ولتنظر إلى المقاصد الشرعية في الخطاب ومن خاطب وبأي لسان خاطب وبأي عرف أوقع المعاملة في تلك الأمة المخصوصة يقول بعض الأعراب في كرم خلقه وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادى ومنجز موعدي لكن لا ينبغي أن يقال مخلف بل ينبغي أن يقال إنه عفو متجاوز عن عبده (وصية) وعليك بالبذاذة فإنها من الايمان وهي عدم الترفه في الدنيا وقد ورد قوله اخشوشنوا وهي من صفات الحاج وصفة أهل يوم القيامة فإنهم شعث غير حفاة فإن ذلك كله أنفى للكبر وأبعد من العجب والزهو والخيلاء والصلف وهي أمور ذمها الشرع وكرهها وهي مذمومة في العرف عند الناس وعند الله ولذلك جعل النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم البذاذة من الايمان وألحقها بشعبه فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول الايمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ولا شك أن الزهو والعجب والكبر أذى في طريق سعادة المؤمن ولا يماط هذا الأذى إلا بالبذاذة فلهذا جعلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من الايمان (وصية) وعليك بالحياء فإن الله حيي والحياء من الايمان والحياء خير كله وإن الله يستحي من ذي الشيبة يوم القيامة فإن العبد إذا اتصف بالحياء من الله ترك كل ما لا يرضى الله وما يشينه عند الله تعالى وعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم والحياء معناه الترك قال الله تعالى إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي يقول إن الله لا يترك أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها في الصغر لقول من ضل بهذا المثل من المشركين الذين تكلموا فيه فإن الله قال يُضِلُّ به أي بهذا المثل كَثِيراً ويَهْدِي به كَثِيراً وما يُضِلُّ به إِلَّا الْفاسِقِينَ فإنهم حاروا فيه والضلالة الحيرة ورأوا عزة الله وجلاله وكبرياءه وحقارة البعوضة في المخلوقات فاستعظموا جلال الله أن ينزل في ضرب المثل لعباده هذا النزول وذلك لجهلهم بالأمور فإنه لا فرق بين أعظم المخلوقات وهو العرش المحيط وبين الذرة في الخلق والبعوضة وإخراجها من العدم إلى الوجود فما هي حقيرة إلا من صغر جسمها إذا أضفته إلى ذي الجسم الكبير بل الحكمة في البعوضة أتم والقدرة أنفذ فإن البعوضة على صغرها خلقها الله على صورة الفيل على عظمه فخلق البعوضة أعظم في الدلالة على قدرة خالقها من الفيل لأهل النظر والاعتبار ولهذا لم يصف نفسه بالحياء في ذلك لما فيها من الدلالة على تعظيم الحق ثم إن مواطن الحياء التي في الإنسان كثيرة فإن الحياء صفة يسرى نفعها ممن قامت به في أكثر الأشياء ولهذا قال الحياء خير كله والحيا لا يأتي إلا بخير وهو أن لا يفعل الإنسان ما يخجل فيه إذا عرف منه بأنه فعله وقد علم المؤمن أن الله يعلم ويرى كلما يتحرك فيه العبد فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك ولإيمانه أنه لا بد أن يقرره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤديه ذلك إلى ترك العمل فيه وذلك هو الحياء فمن هنا لا يأتي إلا بخير والله أحق أن يستحيي منه (وصية) وعليك بالنصيحة على الإطلاق فإنها الدين خرج مسلم في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم واعلم أن النصاح الخيط والمنصحة الإبرة والناصح الخائط والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو ما كان فينتفع به بتأليفه إياه وما ألفه إلا بنصحه والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله وبين ما فيه سعادتهم عند الله ويؤلف بين الله وبين خلقه وهو قوله النصيحة لله وفيه تنبيه في الشفاعة عند الله إذا رأى العبد الناصح أن الله يريد مؤاخذة العبد على جريمته فيقول لله يا رب إنك ندبت إلى العفو عبادك وجعلت ذلك من مكارم الأخلاق وهو أولى من جزاء المسيء بما يسوؤه وذكرت للعبد أن أجر العافين عن الناس فيما أساءوا إليهم فيه مما توجهت عليهم به الحقوق على الله فأنت أحق بهذه الصفة لما أنت عليه من الجود والكرم والامتنان ولا مكره لك فأنت أهل العفو والتكرم بالتجاوز عن هذا العبد المسيء المتعدي حدودك عن إساءته وإسبال ذيل الكرة عليه واتصاف الحق بالجود والعفو عن الجاني أعظم من المؤاخذة على الإساءة فإن المؤاخذة والعقوبة جزاء وما في الجزاء على الشر فضل إلا إذا كان في الدنيا لما في إقامة الحدود من دفع المضرة العامة وما في ذلك من المصالح التي تعود على الناس مثل قوله عز وجل ولَكُمْ في الْقِصاصِ حَياةٌ وأما في الآخرة فما ثم ما يندفع بجزاء المسيء ما يندفع به في الدنيا فكان العبد إذا قال هذا يوم القيامة أو حيث قاله لله بطريق الشفاعة كأنه ناصح للمقام الإلهي في أن يثني عليه إذا عفا عن المسيء بالكرم والطول والفضل فإن في ذلك عين الامتنان فهذا معنى قوله الدين النصيحة لله أي في حق الله فإنه يسعى في أن يثني على الله إذا عفا بما يكون ثناء حسنا ولا سيما وقد ورد في الحديث الثابت أنه لا شيء أحب إلى الله من أن يمدح فكما أنه مدح في الدنيا بما نصب من الحدود التي درأ بها المضار عن عباده إذا أقامها أئمة المسلمين على المذنبين كذلك يمدح بالعفو والتجاوز في الدار الآخرة لأنه هنالك ما تمشي هذه المصلحة التي نصبت من أجلها إقامة الحدود التي لا يتمكن الشفاعة فيها كحد السارق والزاني وحقوق الله على الإطلاق وأما ما هو حق للعبد فإن الله قد ندب فيه إلى العفو والتجاوز فالعفو من ولي الدم أو قبول الدية فإن المظلوم هو المقتول وقد مات فالطالب قد تقدم كالشاكي الذي يمشي إلى السلطان رافعا على من ظلمه فجعل الدية كالإحسان لولي الدم لعل ذلك الشاكي إذا بلغه إحسانه لذوي رحمه يسكت عنه ولا يطالبه عند الله الحكم العدل بشيء من دمه وأما النصيحة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ففي زمانه إذا رأى منه الصاحب أمرا قد قرر خلافه والإنسان صاحب غفلات فينبه الصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على ذلك حتى يواصل فعله بالقصد فيكون حكما مشروعا أو فعله عن نسيان فيرجع عنه فهذا من النصح لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مثل سهوه في الصلاة فالواجب عليه في الرباعية أن يصليها أربعا فسلم من اثنتين فقيل له في ذلك فهذه نصيحة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فرجع وأتم صلاته وسجد سجدتي السهو وكان ما قد روى في ذلك وأمثال هذا ولهذا أمر الله عز وجل نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بمشاورة أصحابه فيما لم يوح إليه فيه فإذا شاورهم تعين عليهم أن ينصحوه فيما شاورهم فيه على قدر علمهم وما يقتضيه نظرهم في ذلك أنه مصلحة كنز وله يوم بدر على غير ماء فنصحوه وأمروه أن يكون الماء في حيزه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ففعل ونصحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتل أسارى بدر حين أشار بذلك وأما بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلم تبق له نصيحة ولكن إذا كانت هذه اللام لام الأجلية بقيت النصيحة فهذا قد بينا ما في نصيحة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن المشير الناصح قد جمع بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وبين الرأي الذي فيه المصلحة كما يجمع الناصح الذي هو الخائط بالخياطة بين قطعة الكم والبدن في الثوب وأما النصيحة لأئمة المسلمين وهم ولاة الأمور منا القائمون بمصالح عباد الله الدينية والحكام وأهل الفتاوى في الدين من العلماء يدخلون في أئمة المسلمين أيضا فإن كان الحاكم عالما كان وإن لم يكن من العلماء بتلك المسألة سأل من يعلم عن الحكم فيها فيتعين على المفتي أن ينصح ويفتيه بما يراه أنه حق عنده ويذكر له دليله على ما أفتاه به فيخلصه عند الله فهذه هي النصيحة لأئمة المسلمين ولما لم تفرض العصمة لأئمة المسلمين وعلم أنهم قد يخطئون ويتبعون أهوائهم تعين على أهل الدين من العلماء بالدين أن ينصحوا أئمة المسلمين ويردوهم عن اتباع أهوائهم في الناس فيؤلفون بين ما هو الدين عليه وبينهم فمثل هذا هو النصح لأئمة المسلمين فيعود على الناس نفع ذلك وأما النصيحة لعامتهم فمعلومة وهي أن يشير عليهم بما لهم فيه المصلحة التي لا تضرهم في دينهم ولا دنياهم فإن كان ولا بد من ضرر يقوم من ذلك إما في الدين أو في الدنيا فيرجحوا في النصيحة ضرر الدنيا على ضرر الدين فيشيرون عليهم بما يسلم لهم فيه دينهم فإن الله يقول ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَجٍ وقال دين الله يسر وقال فَاتَّقُوا الله ما اسْتَطَعْتُمْ وإن أضر بدنياهم ومهما قدروا على دفع الضرر في الدين والدنيا معا بوجه من الوجوه وعرفوه تعين عليهم في الدين أن ينصحوه في ذلك ويبينوه والمستفتي بالخيار في ذلك بحسب ما يوفقه الله إليه والذي أقول به إن النصيحة تعم إذ هي عين الدين وهي صفة الناصح فتسري منفعتها في جميع العالم كله من الناصح الذي يستبرئ لدينه ويطلب معالي الأمور فيرى حيوانا قد أضر به العطش وقد حاد ذلك الحيوان عن طريق الماء فيتعين عليه أن يرده إلى طريق الماء ويسقيه إن قدر على ذلك فهذا من النصيحة الدينية وكذلك لو رأى من ليس على ملة الإسلام يفعل فعلا من سفساف الأخلاق تعين على الناصح أن يرده عن ذلك مهما قدر إلى مكارم الأخلاق وإن لم يقدر عليه تعين عليه أن يبين له عيب ذلك فربما انتفع بتلك النصيحة ذلك الشخص بما له في ذلك من الثناء الحسن وينتفع بتلك النصيحة من اندفع عنه ضرر هذا الذي أراد أن يضره وإن لم يكن مسلما ذلك المدفوع عنه فيتعين على صاحب الدين نصح عباد الله مطلقا ولهذا يتعين على السلطان أن يدعو عدوه الكافر إلى الإسلام قبل قتاله فإن أجاب وإلا دعاه إلى الجزية إن كان من أهل كتاب فإن أجاب إلى الصلح بما شرط عليه قبل منه يقول الله وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلَى الله فيبقى على المسلمين إن كانت المنفعة للمسلمين في ذلك فإن أبوا إلا القتال قاتلهم وأمر المسلمين بقتالهم على أن تكون كلمة الله هي العليا وكَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى إلا أنه من التزم النصح قل أولياؤه فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء ولذلك يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما ترك الحق لعمر من صديق وكذلك قال أويس القرني قولك الحق لم يترك لك صديقا ولنا في ذلك لما لزمت النصح والتحقيقا *** لم يتركا لي في الوجود صديقا ويحتاج الناصح إلى علم كثير من علم الشريعة لأنه العلم العام الذي يعم جميع أحوال الناس وعلم زمانه ومكانه وما ثم إلا الحال والزمان والمكان وبقي للناصح علم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان وكذلك كل واحد منها فينظر في الترجيح فيفعل بحسب ما يترجح عنده وذلك على قدر إيمانه مثال ذلك أن يعلم أن الزمان قد أعطى بحاله في أمرين هما صالحان في حق شخص وضاق الزمان عن فعلهما معا فيعدل إلى أولاهما فيشير به على المستشير وكذلك إذا عرف من حال شخص المخالفة واللجاج وإنه إذا دله على أمر فيه مصلحته يفعل بخلافه فمن النصيحة أنه لا ينصحه بل يشير عليه بخلاف ذلك إذا علم إن الأمر محصور بين أن يفعل ذلك أو هذا الذي فيه المصلحة وشأنه المخالفة واللجاج فيشير عليه بما لا ينبغي فيخالفه فيفعل ما ينبغي والأولى عندي تركه ولقد جرى لي مع أشخاص أظهرنا لهم أن في فعلهم ذلك الخير الذي نريده منهم نكايتنا وهم يريدون نكايتنا فأشرنا عليهم أن لا يفعلوا ذلك ولهم في فعله الخير العظيم لهم فلم يفعلوا وفعلوا ما نهيتهم عنه أن يفعلوه فهذه نصيحة خفية لا يشعر بها كل أحد وهذا يسمى علم السياسة فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها فلذلك قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم كثير وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وإن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطاء أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة ولنا فيه جزء سميناه كتاب النصائح ذكرنا فيه ما لا يعول عليه وما يعول عليه ولكن أكثره فيما لا يعول عليه مما يعول الناس عليه ولكن لا يعلمون (وصية) وعليك بمراعاة حالك في الزمان بين الصلاتين وأنت لا تخلو أبدا أن تكون بين صلاتين فإن الأمر دور والزمان الذي بين الظهر والعصر زمان بين صلاتين وكذلك بين العصر والمغرب وبين المغرب والعشاء وبين العشاء والصبح وبين الصبح والظهر ودار الدور وجاء الكور وإذا خرج وقت صلاة دخل وقت صلاة لأخرى إلا صلاة الصبح فإنه لا يدخل وقت صلاة الظهر بخروج وقت صلاة الصبح بلا خلاف وكذلك العتمة والصبح بخلاف إلا أنه لا يدخل وقت الظهر إلا بعد خروج وقت الصبح لا بد من ذلك فلا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت التي قبلها فالداخلة أبدا على أثر الخارجة وقد يكون بعد طلوع الشمس وقت أداء الصبح بوجه إلى أن تزول الشمس فيدخل وقت الظهر وذلك أن الإنسان قد يصلي الركعة الأولى من الصبح مثلا قبل طلوع الشمس ويقول الشارع فيه إنه أدرك الصبح فتطلع الشمس عليه وقد شرع في الركعة الثانية من الصبح فلو أطالها إلى حد الزوال لجاز وذلك وقتها وهو مؤد لها فما خرج وقت صلاة الصبح في حق هذا حتى دخل وقت الظهر وهكذا في جميع الصلوات فإن أوقات هذه الصلوات فيها خلاف بين العلماء فلهذا ذكرناها تنبيها على إن فيها خلافا فيجوز على هذا أن تكون صلاة على أثر صلاة ولا لغو بينهما فقد جعل أن بين الصلاتين زمانا لا صلاة فيه ذلك الزمان هو زمان اللغو أو تركه وإنما قلنا زمان اللغو أو تركه للحديث الثابت صلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ويدخل في هذا الحديث صلاة النافلة بعد النافلة والنافلة بعد الفريضة والفريضة بعد النافلة والفريضة بعد الفريضة واللغو من الكلام هو الساقط لا دخول له في الميزان وهو المباح فيقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الرجل يصلي الصلاة ثم يتبعها بصلاة أخرى ولم يفعل بين هاتين الصلاتين في الزمان الذي لا يكون فيه مصليا فعلا مباحا من قول وعمل بل كان مشتغلا بما يدخل الميزان من أمر مندوب إليه من ذكر أو غير ذكر ثم يصلي الصلاة الأخرى فإن ذلك كتاب في عليين لأنه لم يفعل بين الصلاتين لغوا أصلا وهذا عزيز الوقوع فإن أحمد أحوال الناس اليوم من يتصرف في المباح فلا عليه ولا له والغالب من أحوال الناس التصرف في المكروه أو المحظور فلهذا أوصيتك بمراعاة الزمان الذي بين الصلاتين وما رأيت أحدا نبه عليه إلا إن كان وما وصل إلينا إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ومنه أخذنا ذلك (وصية) وعليك بالصلاة المكتوبة حيث ينادى بها مع الجماعة فإن المساجد ما اتخذت إلا لإقامة الصلاة المكتوبة فيها وما ينادى إلا إلى الإتيان إليها فإن ذلك سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم والمراد بذلك الاجتماع على إقامة الدين وأن لا نتفرق فيه ولهذا اختلف الناس في صلاة الفذ المكتوبة إذا قدر على الجماعة هل تجزيه أم لا ومن ترك سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ضل بلا شك لأنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما سن إلا ما هو المهداة فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ فحافظ على المكتوبة في الجماعات والأرض كلها مسجد فحيث ما قامت الجماعة من الأرض فما قامت إلا في مسجد ولهذا ينبغي لمن صلى في جماعة في مسجد بيته أن يؤذن لها وإن كانت الإقامة أذانا وإنما سميت إقامة لقيام المصلي إلى الصلاة عند هذا الأذان الخاص ففرق بين الأذانين بالإقامة والأذان معناه الإعلام وأبقوا اسم الأذان على الأول المعلم بدخول الوقت فالأذان الأول للاعلام بدخول الوقت والأذان الثاني الذي هو الإقامة للاعلام بالقيام إلى الصلاة فزاد على الأذان بقوله قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة (وصية) وعليك بالمحافظة على صلاة الأوابين وهي الصلاة في الأوقات المغفول عنها عند العامة وهي ما بين الضحى إلى الزوال وما بين الظهر والعصر وما بين المغرب والعشاء الآخرة والتهجد وهو أن ينام من أول الليل بعد صلاة العشاء الآخرة ثم يقوم إلى الصلاة ثم ينام ثم يقوم إلى الصلاة إلى أن يطلع الفجر فإذا طلع الفجر فاركع ركعتي الفجر ثم اضطجع على شقك الأيمن من غير نوم ثم قم إلى صلاة الصبح واجعل وترك ثلاث عشرة ركعة في تهجدك فإن هذا كان وتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأطل الركعتين الأوليين من التهجد ثم اللتين بعدهما أقل منهما في الطول والركعة الأولى من كل ركعتين على قدر الثانية من اللتين تقدمتهما والركعة الثانية من كل ركعتين على النصف من الركعة الأولى منهما أو قريب من ذلك إلى أن توتر بركعة واحدة إن شئت أن لا تجلس إلا في آخر ركعة من وتر صلاتك وهي الأحدي عشر وإن شئت جلست في كل ركعتين ولا تسلم إلا في آخر ركعة مفردة وإن شئت خمست وسبعت وتسعت كل ذلك مباح لك ولا تثلث من أجل التشبه بصلاة المغرب وقد ورد في النهي عن ذلك خبر وكذلك في الركعة الواحدة وتسمى البتيراء فاجتنب مواقع الخلاف ما استطعت واهرب إلى محل الإجماع مع أنه ثبت أنه أوتر بثلاث فإن أوترت بثلاث فلا تجلس إلا في آخرها وتسلم حتى تفرق في الشبه بينها وبين المغرب وإذا قمت إلى الصلاة بالليل وتوضأت فاركع ركعتين خفيفتين ثم بعدهما اشرع في صلاة الليل كما رسمت لك وعند قيامك للتهجد امسح عينيك من النوم بيديك ثم اتل إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الآيات بكمالها ثم قم فتوضأ واستفتح صلاتك بركعتين خفيفتين ثم اشرع في قيام الليل على ما وصفته لك في باب الصلاة من هذا الكتاب وأذكاره فانظره فيه وانظر اعتباره إن شاء الله وقد ثبت أن صلاة الأوابين حين ترمض الفصال واجتنب الصلاة عند الاستواء ويعد العصر حتى تغربها الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس وحافظ على الصلاة في جماعة فإنها تزيد على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وحافظ على أربع ركعات في أول النهار عند الإشراق كما قال يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ والْإِشْراقِ والسبحة صلاة النافلة بقول عبد الله بن عمر وهو عربي في النافلة في السفر لو كنت مسبحا أتممت ثم صلاة الضحى ثمان ركعات بعد صلاة الإشراق ثم أربع ركعات قبل الظهر وبعد الزوال ثم أربع ركعات بعد صلاة الظهر ثم أربع ركعات قبل صلاة العصر ثم ست ركعات بعد المغرب ثم ثلاث عشرة ركعة وترك من الليل فيها ركعتي الفجر وتبقي إحدى عشرة ركعة هي صلاة الليل هذا لا بد منه لمن يريد اتباع السنة والاقتداء وفي رواية ركعتين قبل المغرب ثم إن زدت فأنت وذلك فإن الصلاة خير موضوع فمن شاء فليستقلل ومن شاء فليستكثر فإنه يناجي ربه والحديث مع الله والاستكثار منه أشرف الأحوال وأما الوصية بالصدقة والصوم فقد تقدم في باب الزكاة وباب الصيام وكذلك الحج من هذا الكتاب (وصية) وعليك بالورع في المنطق كما تتورع في المأكل والمشرب والورع عبارة عن اجتناب الحرام والشبهات وأما الشبهة فما حاك في صدرك ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال الإثم ما حاك في صدرك قال بعض العلماء من أهل الله ما رأيت أسهل علي من الورع كل ما حاك له في نفسي شيء تركته وقد ورد في الخبر دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وورد أيضا استفت قلبك وإن أفتاك المفتون يعني بالحل وتجد أنت في نفسك وقفة في ذلك فاجتنبه فهو أولى بك ولا تحرمه وعليك بالهدى الصالح وهو هدى الأنبياء وهو اتباع آثارهم الذي أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم باتباعهم في قوله أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وكذلك السمت الصالح والاقتصاد في أمورك كلها فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد ثبت عنه إن الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة وتحفظ من العجلة إلا في المواطن التي أمرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالعجلة فيها والمسارعة إليها مثل الصلاة لأول ميقاتها وإكرام الضيف وتجهيز الميت والبكر إذا أدركت بل وكل عمل للآخرة فالمسارعة إليه أولى من التؤدة فيه واجعل التسويف والتؤدة في أمور الدنيا فإنه ما فاتك من الدنيا ما تندم عليه بل تفرح بفوته وما فاتك من أمور الآخرة فإنك تندم عليه وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة وقد ذكر مسلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال للاشج أشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله قال وما هما يا رسول الله قال الحلم والأناة أراد الحلم عمن جنى عليك والأناة في أمور الدنيا وأغراض النفس وإن كان لك عائلة فكد عليهم فإن الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكن خير الرعاة في كل ما استرعاك الله فيه على الإطلاق فالسلطان راع وكل راع مسئول عن رعيته ما فعل فيهم هل اتقى الله فيهم أو لم يتق والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده والعبد راع على مال سيده ولا تغفل عن الصلاة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا ذكرته أو ذكر عندك تأمن من البخل فإنه ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ولو لم يكن في ذلك إلا إطلاق البخل عليك وهو من أذم الصفات وأرداها ومعنى البخيل هنا بخله على نفسه فإنه قد ثبت فيمن صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم مرة صلى الله عليه عشرا فمن ترك الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقد بخل على نفسه حيث حرمها صلاة الله عليه عشرا إذا صلى هو واحدة فما زاد (وصية) الله الله أن تعود في شيء خرجت عنه لله تعالى ولا تعقد مع الله عقدا ولا عهدا ثم تنقضه بعد ذلك وتحله ولا تفي به ولو تركته لما هو خير منه فإن ذلك من خاطر الشيطان فافعله وافعل الخير الآخر الذي أخطره لك الشيطان حتى لا تفي بالأول فإن غرضه أن توصف بوصف الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله من بَعْدِ مِيثاقِهِ وعليك بصلة الرحم فإنها شجنة من الرحمن وبها وقع النسب بيننا وبين الله فمن وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله وإذا استشرت في أمر فقد أمنك المستشير فلا تخنه فإن كان في نكاح فإن شئت أن تذكر ما تعرفه فيمن سألت عنه مما يكرهه لو سمعه فإن ذلك الذكر ليس بغيبة يتعلق بها ذم فإن كنت من أهل الورع الأشداء فيه ويحوك في نفسك شيء من هذا الذكر فلا تذكر ما تعرف فيه من القبيح وقل كلاما مجملا مثل أن تقول ما تصلح لكم مصاهرته من غير تعيين ويكفي هذا القدر من الكلام فإن كنت تعلم من قرائن الأحوال إن هذا الأمر الذي تذمه به في نظرك لا يقدح عند القوم الذين يطلبون نكاحه فما خنتهم إذا لم تذكر لهم ما يقبح عندك فإنه ليس بقبيح عندهم وهم مقدمون عليه وهذا موقوف على معرفة أحوال الناس ومثل هذا الكلام في الأسانيد في حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان أحمد بن حنبل يقول ليحيى بن معين تعال نعتب في الله والمستشار مؤتمن وإياك والأكل والشرب في أواني الذهب والفضة وإياك والجلوس على مائدة يدار عليها الخمر ولا حرام أصلا واجتنب لباس الحرير والذهب إن كنت رجلا وهو حلال للمرأة وإذا رأيت رؤيا تحزنك واستيقظت فاتفل عن يسارك ثلاث مرات وقل أعوذ بالله من شر ما رأيت وتحول عن جنبك الذي كنت عليه في حال رؤياك إلى الجنب الآخر ولا تحدث بما رأيت فإنها لا تضرك فحافظ على مثل هذا تر برهانه فإن كثيرا من الناس وإن استعاذوا يتحدثون بما رأوه وقد ورد أن الرؤيا معلقة من رجل طائر فإذا قالها سقطت لما قيلت له وعليك باستعمال الطيب فإنه سنة واستعمل منه إن كنت ذكرا ما ظهر ريحه وخفي لونه وإن كنت امرأة فاستعمل منه ما ظهر لونه وخفي ريحه فإن الحديث النبوي بهذا ورد وعليك بالسواك لكل صلاة وعند كل وضوء وعند دخولك إلى بيتك فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب وقد ورد أن صلاة بسواك تفضل سبعين صلاة بغير سواك ذكره ابن زنجويه في كتاب الترغيب في فضائل الأعمال وإياك واليمين الغموس فإنها تغمس صاحبها في الإثم فإن الناس اختلفوا في كفارتها فمنهم من ألحقها في الكفارة بالإيمان ومنهم من قال إنها لا كفارة فيها وهي اليمين التي تقطع بها حقا للغير وجب عليك وفي هذا فقه عجيب دقيق لمن نظر وتفقه في وجوب الحق متى بكون وبأي صفة يكون وما منعني أن أبينه للناس الأسد الذريعة حتى لا يتأول فيه الجاهل فيجاوز القدر الذي نذكره فيقع في الإثم وهو لا يشعر فإن الفقهاء أغفلوا هذا الوجه الذي أومأنا إليه وما ذكروه وإياك والمراء في القرآن فإنه كفر بنص الحديث وهو الخوض فيه بأنه محدث أو قديم أو هل هذا المكتوب في المصاحف والمتلو المتلفظ به عين كلام الله أو ما هو عين كلام الله فالكلام في مثل هذا والخوض فيه هو الخوض في آيات الله وهذا هو المراء والجدال في القرآن الداخل في قوله تعالى وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ فسماه حديثا وليس إلا القرآن فلو أراد آيات غير القرآن لقال فيها بضمير الآية أو الآيات فليس للذكورية هنا دخول إلا إذا أراد آيات القرآن والقرآن خبر الله والخبر عين الحديث وقال ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ وإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ والذكر الحديث (وصية) اكظم التثاؤب ما استطعت فإنه من الشيطان وإياك أن تصوت فيه فإن ذلك صوت الشيطان والعطاس في الصلاة من الشيطان أيضا وفي غير الصلاة العطاس ليس من الشيطان وإياك والطرق وهو الضرب بالحصى قال الشاعر لعمرك ما يدري الضوارب بالحصى *** ولا زاجرات الطير ما الله صانع وكذلك العيافة والطيرة وعليك بالفال والطيرة شرك وإياك والبصاق في المسجد فإن غفلت فادفنها فذلك كفارتها وإياك أن تستقبل القبلة ببصاقك ولا بخلائك ولا تستدبرها أيضا ببول ولا غائط فإن ذلك من آداب النبوة وإذا أردت أن تأكل فاغسل يديك قبل الأكل وبعده وزد المضمضة منه في الغسل بعده وعليك بالإحسان إذا ملكت يمينك من جارية وغلام ولا تكلفهما فوق طاقتهما وإن كلفتهما فأعنهما فإنهما من إخوانكم وإنما الله ملككم رقابهم الكل بنو آدم فهم إخوتنا فراع الله فيهم واعلم إنك مسئول عنهم يوم القيامة وإذا عاقبت أحدهم على جناية [إن الله يوم القيامة يوقف العبد ويحاسبه على جنايته]فاعلم إن الله يوم القيامة يوقف العبد وسيده بين يديه ويحاسبه على جنايته وعلى عقوبته على ذلك فإن خرجت رأسا برأس كان وإن كانت العقوبة أكثر من الجناية اقتص للعبد من السيد فتحفظ ولا تزد في العقوبة على ثلاثة أسواط فإن كثرت فإلى عشرة ولا تزد إلا في إقامة حد من حدود الله فذلك حد الله لا تتعداه وإن عفوت عن العبد في جنايته فهو أولى بك وأحوط لك وإذا جئت إلى بيت قوم فاستأذن ثلاث مرات فإن أذن لك وإلا فارجع ولا تنظر في بيت أخيك من حيث لا يعرف بك فإنك إذا نظرت فقد دخلت وإنما جعل الأذن من أجل البصر قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وقال فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا وثبت في الحديث الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع وإياك أن تتخذ الجرس في عنق دابتك فإن الملائكة تنفر منه وقد ورد بذلك الحديث النبوي وكان بمكة رجل من أهل الكشف يقال له ابن الأسعد من أصحاب الشيخ أبي مدين صحبه ببجاية فكان يوما بالطواف وهو يشاهد الملائكة تطوف مع الناس فنظر إليهم وإذا هم قد تركوا الطواف وخرجوا من المسجد سراعا فلم يدر ما سبب ذلك حتى بقيت الكعبة ما عندها ملك وإذا بالجمال بالأجراس في أعناقها قد دخلت المسجد بالروايا تسقى الناس فلما خرجوا رجعت الملائكة وقد ثبت أن الجرس مزامير الشيطان والذي أوصيك به أن تحافظ على أن تشتري نفسك من الله بعتق رقبتك من النار بأن تقول لا إله إلا الله سبعين ألف مرة فإن الله يعتق رقبتك بها من النار أو رقبة من تقولها عنه من الناس ورد في ذلك خبر نبوي ولقد أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن ميمون بن أبو التوزري عرف بالقسطلاني بمصر قال في هذا الأمر إن الشيخ أبا الربيع الكفيف المالقي كان على مائدة طعام وكان قد ذكر هذا الذكر وما وهبه لأحد وكان معهم على المائدة شاب صغير من أهل الكشف من الصالحين فعند ما مد يده إلى الطعام بكى فقال له الحاضرون ما شأنك تبكي فقال هذه جهنم أراها وأرى أمي فيها وامتنع من الطعام فأخذ في البكاء قال الشيخ أبو الربيع فقلت في نفسي اللهم إنك تعلم أني قد هللت بهذه السبعين ألفا وقد جعلتها عتق أم هذا الصبي من النار هذا كله في نفسي فقال الصبي الحمد لله أرى أمي قد خرجت من النار وما أدري ما سبب خروجها وجعل الصبي يبتهج سرورا وأكل مع الجماعة قال أبو الربيع فصح عندي هذا الخبر النبوي بكشف هذا الصبي وصح عندي كشف هذا الصبي بالخبر وقد عملت أنا على هذا الحديث ورأيت له بركة في زوجتي لما ماتت وعليك بإصلاح ذات البين وهو الفراق فإن الإصلاح بين الناس من الخبر المعين في الكتاب وإذا كان الله قد رغب بل أمر المسلمين إذا جنح الكفار إلى السلم أن يجنحوا لها فأحرى الصلح بين المتهاجرين من المسلمين وإياك وإفساد ذات البين فإنها الحالقة والبين هنا هو الوصل ومعنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الحالقة إنها تحلق الحسنات كما يحلق الحلاق الشعر من الرأس قال الله تعالى لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ بالرفع يعني الوصل والبين في اللسان من الأضداد كالجون يا ولى أطعم عبدك مما تأكل وألبسه مما تلبس وراع قدره وانظر فيما ثبت فيهم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بقوله إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس واغتنم صحة البدن والفراغ من شغل الدنيا واستعن بهاتين النعمتين اللتين أنعم الله عليك بهما على طاعة الله فإنه ما أصح بدنك ولا فرغك من هموم الدنيا إلا لطاعته والقيام بحدوده وإلا كانت الحجة عليك لله فاحذر إن يكون الله خصمك ولتقل في كل يوم عند كل صباح مائة مرة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فإن هذا الذكر لا يبقى عليك ذنبا (وصية) عليك بحفظ جوارحك فإنه من أرسل جوارحه أتعب قلبه وذلك أن الإنسان لا يزال في راحة حتى يرسل جوارحه فربما نظر إلى صورة حسنة تعلق قلبه بها ويكون صاحب تلك الصورة من المنعة بحيث لا يقدر هذا الناظر على الوصول إليها فلا يزال في تعب من حبها يسهر الليل ولا يهنأ له عيش هذا إذا كان حلالا فكيف به إن كان أرسله فيما لا يحل له النظر إليه فلهذا أمرنا بتقييد الجوارح فإن زنا العيون النظر وزنا اللسان النطق بما حرم عليه وزنا الأذن الاستماع إلى ما حجر عليه وزنا اليد البطش وزنا الرجل السعي وكل جارحة تصرفت فيما حرم عليها التصرف فيه فذلك التصرف منها على هذا الوجه الحرام هو زناها فاللسان يقول بعضهم هو الذي أوردني الموارد المهلكة وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم قال الله تعالى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني بها فتقول اليد بطش بي في كذا يعني في غير حق فيما حرم عليه البطش فيه وتقول الرجل كذلك واللسان والبصر وجميع الجوارح كذلك إِنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا خرج مسلم عن محمد بن أبي عمر عن سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم فيلقي العبد فيقول أي قل أ لم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب فيقول أ فظننت إنك ملاقي فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا أذن قال ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم علي فيه ويقال لفخذه انطقي فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه وقد ورد في الحديث الثابت في أمر الدنيا أن الساعة لا تقوم حتى تكلم الرجل بما فعل أهله فخذه وعذبة سوطه وقد قيل في التفسير إن الميت الذي أحياه الله في بنى إسرائيل في حديث البقرة في قوله اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها قال ضرب بفخذها وإن الله ما عين ذلك البعض فاتفق إن ضربوه بالفخذ فاحذر يا أخي يوما تشهد فيه عليك الجلود والجوارح وأنصف من نفسك وعامل جوارحك بما تشكرك به عند الله ولقد رأينا ذلك عيانا في الدنيا في زمان الأحوال التي كنا فيها أعني نطق الجوارح إذا أراد العبد أن يصرفها فيما لا يجوز شرعا تقول له الجارحة يا هذا لا تفعل لا تجبرني على فعل ما حجر عليك فعله فإني شهيد عليك يوم القيامة فاجعلني شاهدا لك لا عليك واصحبني بالمعروف وهو في غفلة لا يسمع فإذا وقع منه الفعل تقول الجارحة يا رب قد نهيته كما نهيته فلم يسمع اللهم إني أبرأ إليك مما وصل إليه من مخالفتك بي وعلى كل حال فارسال الجوارح يؤدي إلى تعب القلب فإن الله خلقك لك واصطفى منك لنفسه قلبك وذكر أنه يسعه إذا كان مؤمنا تقيا ذا ورع فإذا شغلته بما تصرفت فيه جوارحك كنت ممن غصب الحق فيما ذكر أنه له منك وأي ظلم أعظم من ظلم الحق فلا تجعل الحق خصمك فإن لله الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ كما ذكر عن نفسه وبكل وجه أشهدني الله حجته على خلقه كيف تقوم وذلك في أن العلم يتبع المعلوم إن فهمت فأكثر من هذا التصريح ما يكون (وصية) وعليك بالأذان لكل صلاة أو تقول ما يقول المؤذن إذا أذن وإذا أذنت فارفع صوتك فإن المؤذن يشهد له يوم يوم القيامة مدى صوته من رطب ويابس ولو علم الإنسان ما له في الأذان ما تركه قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا فإن لم يؤذن وسمع الأذان فليقل مثل ما يقول المؤذن سواء وإن قال ذلك عند كل كلمة إذا فرغ المؤذن منها قالها هذا السامع بحضور وخشوع ولقد أذنت يوما فكلما ذكرت كلمة من الأذان كشف الله عن بصري فرأيت ما لها مد البصر من الخير فعاينت خيرا عظيما لو رآه الناس العقلاء لذهلوا لكل كلمة وقيل لي هذا الذي رأيت ثواب الأذان وإنما ارتضينا ووصينا أن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن عند فراغ كل كلمة لما رويناه من حديث الترمذي عن ابن وكيع عن إسماعيل بن محمد بن حجادة يبلغ به النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال من قال لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه وقال لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال لا إله إلا الله وحده يقول الله لا إله إلا أنا وأنا وحدي وإذا قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال الله لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي قال وكان يقول من قالها في مرضه لم تطعمه النار ويكفي العاقل في الأمر بالأذان أمر النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من سمع المؤذن يؤذن أن يقول مثل قوله فهو أذان فما رغبة فيه إلا وله أجره فإنه معلم لذلك نفسه وذاكر ربه بصورة الأذان فما أمره إلا بما له فيه خير كثير وليؤذن على أكمل الروايات وأكثرها ذكرا فإن الأجر يكثر بكثرة الذكر قال تعالى والذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً والذَّاكِراتِ وقال اذْكُرُوا الله ذِكْراً كَثِيراً وقد ورد أن الإنسان إذا كان بأرض فلاة فدخل الوقت وليس معه أحد قام فاذن فإذا أذن صلى خلفه من الملائكة كأمثال الجبال ومن كانت جماعته مثل أولئك يؤمنون على دعائه كيف يشقى وإنما وصينا بمثل هذا لغفلة الناس عن مثله فالعاقل من لا يغفل عن فعل ما له فيه الخير الباقي عند الله عز وجل فإن ذلك من رحمتك بنفسك فإن الله جعل رحمتك بنفسك أعظم من رحمتك بغيرك كما جعل أذاك نفسك أعظم في الوزر من أذاك غيرك قال في قاتل الغير إذا لم يقتل به أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء أخذه وقال في القاتل نفسه حرمت عليه الجنة وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الراحمون يرحمهم الرحمن فمن رحم نفسه يسلك بها سبيل هداها ويحول بينها وبين هواها فرحمه الله رحمة خاصة خارجة عن الحد والمقدار فإنه رحم أقرب جار إليه وهي نفسه ورحم صورة خلقها الله على صورته فجمع بين الحسنيين مراعاة قرب الجوار ومراعاة الصورة وأي جار سوى نفسه فهو أبعد منها ولذلك أمر الداعي إذا دعا أن يبدأ بنفسه أولا مراعاة لحقها والسر الآخر أن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فربما يدخله زهو وعجب بنفسه لذاك وهو داء عظيم فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يبدأ لنفسه بالدعاء فتحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة على الغير وفي أثر ذلك يدعو للغير على افتقار وطهارة فلهذا ينبغي للعبد أن يبدأ بنفسه في الدعاء ثم يدعو لغيره فإنه أقرب إلى الإجابة لأنه أخلص في الاضطرار والعبودية ومثل هذا النظر مغفول عنه لا أحد أعظم من الوالدين وأكبر بعد الرسل حقا منهما على المؤمن ومع هذا أمر الداعي أن يقدم في الدعاء نفسه على والديه فقال نوح عليه السلام رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ولِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ وقال الخليل إبراهيم عليه السلام في دعائه واجْنُبْنِي وبَنِيَّ فقدم نفسه رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ فبدأ بنفسه وقال أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وإنما أوصيتك بالأذان لما فيه عند الله يوم القيامة فإن المؤذنين أطول الناس أعناقا في ذلك اليوم يقول تمتد أعناقهم دون الناس لينظروا ما أثابهم الله به وما أعطاهم من الجزاء على أذانهم هذا إن كان من الطول فإن كان من الطول الذي هو الفضل والعنق الجماعة فهم أفضل الناس جماعة ومن رواه بكسر الهمزة فهو أفضلهم سيرا لما يرونه من الخير الذي لهم على الأذان فإن المؤذن يحافظ على الأوقات فهو يسرع إلى الإعلام بدخول وقت الصلاة فإنه مراع ذلك (وصية) وإن كنت واليا فاقض بالحق بين الناس ولا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ الله وسبيل الله هو ما شرعه لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ يعني به والله أعلم يوم الدنيا حيث لم يحاسبوا نفوسهم فيه فإن النسيان الترك يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ولقد أشهدني الله في هذا مشهدا عظيما بإشبيلية سنة ست وثمانين وخمسمائة ويوم الدنيا أيضا هو يوم الدين أي يوم الجزاء لما فيه من إقامة الحدود لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وهذا عين الجزاء وهو أحسن في حق العبد المذنب من جزاء الآخرة لأن جزاء الدنيا مذكر وهو يوم عمل والآخرة ليست كذلك ولهذا قال في الدنيا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني إلى الله بالتوبة فيوم الجزاء أيضا يوم الدنيا كما هو يوم الآخرة وهو في يوم الدنيا أنفع فاقض بالحق فإن الله قد قضى في الدنيا بالحق بما شرعه لعباده وفي الآخرة بما قال فإن القضاة في الدنيا ثلاث واحد في الجنة واثنان في النار والذي أوصيك به إذا فتح الله عين بصيرتك ورزقك الرجوع إليه المسمى توبة فانظر أي حالة أنت عليها من الخير لا تزل عنها إن كنت واليا أثبت على ولايتك وإن كنت عزبا أثبت على ذلك وإن كنت ذا زوجة فلا تطلق واثبت على ذلك مع أهلك واشرع في العمل بتقوى الله في الحالة التي أنت عليها من الخير كانت ما كانت فإن لله في كل حال باب قربة إليه تعالى فاقرع ذلك الباب يفتح لك ولا تحرم نفسك خيره وأقل الأحوال إنك في الحال التي كنت عليها في زمان مخالفتك إذا ثبت عليها عند توبتك تحمدك تلك الحالة فإن فارقتها كانت عليك لا لك فإنها ما رأت منك خيرا وهذا معنى دقيق لطيف لا ينتبه له كل أحد فإنها لا تشهد لك إلا بما رأته منك فإذا رأت منك خيرا شهدت لك به ولا يفوتك ما ذكرته لك من نيل ما فيها من الخير المشروع وأعني بذلك كل حال أنت عليها من المباحات فإن توبتك إنما كان رجوعك عن المخالفات وإياك أن تتحرك بحركة إلا وأنت تنوي فيها قربة إلى الله حتى المباح إذا كنت في أمر مباح فانو فيه القربة إلى الله من حيث إيمانك به أنه مباح ولذلك أتيته فتؤجر فيه ولا بد حتى المعصية إذا أتيتها انو المعصية فيها فتؤجر على الايمان بها إنها معصية ولذلك لا تخلص معصية المؤمن أبدا من غير أن يخالطها عمل صالح وهو الايمان بكونها معصية وهم من الذين قال الله فيهم وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً فهذا معنى المخالطة فالعمل الصالح هنا الايمان بالعمل الآخر السيئ أنه سيئ وعسى من الله واجبة فترجع عليهم بالرحمة فيغفر لهم تلك المعصية بالإيمان الذي خلطها به فمتعلق عسى هنا رجوعه سبحانه عليهم بالرحمة لا رجوعهم إليه فإنه ما ذكر لهم توبة كما قال في موضع آخر ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا وهنا جاء بحكم آخر ما فيه ذكر توبتهم بل فيه توبة الله تعالى عليهم والذي أوصيك به إنك لا تنقل مجلسا ولا تبلغ ذا سلطان حديثا إلا خير أخرج الترمذي حديثا عن حذيفة أو غيره أنا الشاك إن رجلا مر عليه فقيل له عنه إن هذا يبلغ الأمراء الحديث فقال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لا يدخل الجنة قتات قال أبو عيسى والقتات النمام وإذا حدثك إنسان وتراه يلتفت يمينا وشمالا يحذر أن يسمع حديثه أحد فاعلم إن ذلك الحديث أمانة أودعك إياه فاحذر أن تخونه في أمانته بأن تحدث بذلك عند أحد فتكون ممن أدى الأمانة إلى غير أهلها فتكون من الظالمين وقد ثبت أن المجالس بالأمانة وأما وصيتي لك أن لا تبلغ ذا سلطان حديثا بشر فإن ذلك نميمة قال تعالى في ذمه مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ومن الوصايا الحذر من الطعن في الأنساب فلا تحل بين شخص وبين أبيه صاحب الفراش فإن ذلك كفر بنص الشارع فيه وعليك بمراعاة الأوقات في الدعاء مثل الدعاء عند الأذان وعند الحرب وعند افتتاح الصلاة فإن المطلوب من الدعاء إنما هو الإجابة فيما وقع السؤال فيه من الله وأسباب القبول كثيرة وتنحصر في الزمان والمكان والحال ونفس الكلمة التي تذكر الله بها من الذكر حين تدعوه في مسألته فإنه إذا اقترن واحد من هذه الأربعة بالدعاء أجيب الدعاء وأقوى هذه الأربعة الاسم ثم الحال وعليك بمراعاة حق الله وحق الخلق أن توجه لهم عليك حق فإن الله يؤتيك أجرك مرتين من حيث ما أديته من حقه ومن حيث ما أديت من حق من تعين عليك له حق من خلق الله وإن كانت لك جارية فأدبتها وأحسنت أدبها فإن لك في ذلك أجرا عظيما ثم إن أعتقتها فلك في العتق الأجر العظيم العام لذاتك فإن تزوجت بها فلك أجر آخر أعظم من أنك لو تزوجت بغيرها فإذا رأيت غازيا فأعنه بطائفة من مالك وكذلك المكاتب وكذلك الناكح يريد بنكاحه عصمة دينه والعفاف فإنك إذا فعلت ذلك وأعنتهم فإنك نائب الله في عونهم فإن عون هؤلاء حق على الله بنص الخبر فمن أعانهم فقد أدى عن الله ما أوجبه الله على نفسه لهم فيكون الله يتولى كرامته بنفسه فما دام المجاهد في سبيل الله مجاهدا بما أعنته عليه فإنك شريكه في الأجر ولا ينقصه شيء وكذلك إعانة الناكح حتى أنه لو ولد له ولد فكان صالحا فإن لك في ولده وفي عقبه أجرا وافرا تجده يوم القيامة عند الله وهو أعظم من المكاتب والمجاهد فإن النكاح أفضل نوافل الخيرات وأقربه نسبة إلى الفضل الإلهي في إيجاده العالم ويعظم الأجر بعظم النسب [أن الإنسان مجبول على الفاقة والحاجة]واعلم أن الإنسان مجبول على الفاقة والحاجة فهو مجبول على السؤال فإن رزقك الله يقينا فلا تسأل إلا الله تعالى في طلب نفع يعود عليك أو دفع ضرر نزل بك فإذا سألك أحد بالله لا بقرابة ولا بشيء غير الله عز وجل فأعطه مسألته بحيث لا يعلم بذلك أحد إلا هو خاصة ولا بد لك في مثل هذه الأعطية أن تعرفها له فإنه ينجبر في نفسه ما انكسر منها عند سؤاله فإذا لم يعلم أن سؤاله نفع انكسر فلا بد أن تجيبه إلى مسألته على علم منه فإن علمت بحاله من غير سؤال منه فمثل هذا تعمل أن تعطيه مسألته بالحال من غير أن يعلم أنك أعطيته فإنه يخجل بلا شك ولا سيما إن كان من أهل المروءات والبيوت وممن لم تتقدم له عادة بذلك وفرق بين الحالتين فإن الفرق بينهما دقيق فإن السائل الأول يخجل إذا لم يعلم أنك أعطيته والثاني يخجل إذا علم أنك أعطيته والمقصود رفع الخجل عن صاحب الفاقة [ذكر الله على كل حال]وعليك بذكر الله بين الغافلين عن الله بحيث لا يعلمون بك فتلك خلوة العارف بربه وهو كالمصلي بين النائمين وإياك ومنع فضل الماء من ذي الحاجة إليه واحذر من المن في العطاء فإن المن في العطاء يؤذن بجهل المعطي من وجوه منها رؤيته نفسه بأنه رب النعمة التي أعطى والنعمة إنما هي لله خلقا وإيجاد أو الثاني نسيانه منة الله عليه فيما أعطاه وملكه من نعمه وأحوج هذا الآخر لما في يده والثالث نسيانه أن الصدقة التي أعطاها إنما تقع بيد الرحمن والآخر ما يعود عليه من الخير في ذلك فلنفسه أحسن ولنفسه سعى فكيف له بالمنة على ذلك الآخر إنه ما أوصل إليه إلا ما هو له إذ لو كان رزقه ما أوصله إليه فهو مؤد أمانة من حيث لا يشعر فجهله بهذه الأمور كلها جعله يمتن بالعطاء على من أوصل إليه راحة وأبطل عمله فإن الله يقول لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والْأَذى وقال الله يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وإياك أن تتقدم قوما في الصلاة إماما وهم يكرهون تقدمك عليهم في صلاة وفي غيرها غير إن هنا دقيقة وهي أن تنظر ما يكرهون منك فإن كرهوا منك ما كره الشرع منك فهو ذاك وإن كرهوا منك ما أحبه الشرع منك فلا تبال بكراهتهم فإنهم إذا كرهوا ما أحب الشرع فليسوا بمؤمنين وإذا لم يكونوا مؤمنين فلا مراعاة لهم ولتتقدم شاءوا أم أبوا فمن ذلك الصلاة إذا كنت أقرأ القوم فأنت أحق بالإمامة بهم أو ذا سلطان فإن الله قدمك عليهم ومع هذا فينبغي للناصح نفسه أن لا يتصف بصفة يكره منها تقدمه في أمر ديني وليسع في إزالة تلك الصفة عن نفسه ما استطاع وحافظ على الصلاة لأول ميقاتها ولا تؤخرها حتى يخرج وقتها وإياك أن تتعبد حرا وتسترقه بشبهة ولا ترى أن لك فضلا على أحد فإن الفضل لله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وتعبد الحر على نوعين إما أن تأخذ من هو حر الأصل فتبيعه وإما أن تعتق عبد أو لا تمكنه من نفسه وتتصرف فيه تصرف السيد لعبده وليس لك ذلك إلا بإذنه أو إجازته فإني رأيت كثيرا من الناس من يعتق المملوك ولا يمكنه من كتاب عتقه ويستعبده مع حريته والسيد إذا أعتق عبده ما له عليه حكم إلا الولاء فإذا أعتقت عبدا فلا تستخدمه إلا كما تستخدم الحر إما برضاه وإما بالإجازة كالحر سواء فإنه حر ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الوعيد الشديد فيمن تعبد محرره وفيمن اعتبد حرا وفيمن باع حرا فأكل ثمنه والذي أوصيك به إذا استأجرت أجيرا واستوفيت منه فأعطه حقه ولا تؤخره (وصية) إذا كنت جنبا ولم تغتسل فتوضأ إن كان لك ماء وإلا فتيمم وإذا أردت أن تعاود فتوضأ بينهما وضوءا وإذا أردت أن تنام وأنت جنب فتوضأ وإن لم تكن جنبا فلا تنم إلا على طهارة وإذا أردت أن تأكل أو تشرب وأنت جنب فتوضأ وإياك والتضمخ بالخلوق فإن الله لا يقبل صلاة أحد وعلى جسده شيء من خلوق وثبت أن الملائكة لا تقربه ولا تقرب الجنب إلا أن يتوضأ كما أنه قد ثبت أن الملائكة لا تقرب جيفة الكافر فإياك أن تنزل نفسك بترك الوضوء في الجنابة منزلة جيفة الكافر في بعد الملك منك فإنهم المطهرون بشهادة الله في قوله تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ في كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ يعني بالكتاب المكنون الذي هو صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ وإياك والغدر وهو أن تعطي أحدا عهدا ثم تغدر به فإن رسول الله قبل إسلام المغيرة وما قبل غدرته بصاحبه مع كون صاحبه كافرا فكيف حال من يغدر بمؤمن فإن الله قد أوعد على ذلك الوعد الشديد وليس من مكارم الأخلاق ولا مما أباحته الشريعة وإياك وعقوق الوالدين إن أدركتهما فأشقى الناس من أدرك والديه ودخل النار قال فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهُما وقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ من الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً وقال في الوالدين إذا كانا كافرين وصاحِبْهُما في الدُّنْيا مَعْرُوفاً وقال أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ ورجح الأم وقدمها في الإحسان والبر على أبيك ثبت أن رجلا قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من أبر قال له أمك ثم قال له من أبر قال أمك ثلاث مرات ثم قال في الرابعة من أبر قال أمك ثم أباك فقدم الأم على الأب في البر وهو الإحسان كما قدم الجار الأقرب على الأبعد ولكل حق وإن لم يكن لك أم وكانت لك خالة فبرها فإنها بمنزلة الأم فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أوصى ببر الخالة يا أخي وما أوصيتك في هذه الوصية بشيء أستنبطه من نفسي فإني لا أحكم على الله بأمر في حق أحد فما أوصيتك في هذه الوصية إلا بما أوصاك به الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إما معينا فاذكره على التعيين وإما مجملا فافصله لك غير ذلك ما أقول به وإياك يا أخي أن تزكي على الله أحدا فإن الله قد نهاك عن ذلك في قوله فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ أي أمثالكم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ولكن قل أحسبه كذا أو أظنه كذا كما أمرك به رسول الله ص قال ولا أزكي على الله أحدا فإنه من الأدب مع الله عدم التحكم عليه في خلقه إلا بتعريفه وإعلامه وما هذا من قوله قَدْ أَفْلَحَ من زَكَّاها فإن ذلك تحلية النفس وتطهيرها من مذام الأخلاق وإتيان مكارمها واعلم أن الايمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأعلاها لا إله إلا الله وما بينهما هو على قسمين من الله عمل وترك أي مأمور به ومنهي عنه فالمنهي عنه هو الذي يتعلق به الترك وهو قوله لا تفعل والمأمور به هو الذي يتعلق به العمل وهو قوله افعل وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما نهيتكم عنه فانتهوا وأطلق ولم يقيد وقال في الأمر وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فهذا من رحمته بأمته وهو لا ينطق عن الهوى فهذا من رحمة الله تعالى بعباده وأمره بما وجب به الايمان على نوعين فرض ومندوب والنهي على قسمين نهي حظر ونهي كراهة والفرض على نوعين فرض كفاية وفرض عين وكذلك الواجب أقول فيه واجب موسع وواجب مضيق فالواجب الموسع موسع بالزمان وموسع بالتخيير وهو الواجب المخير مثل كفارة المتمتع وإتيان ما يؤتى من هذا كله وترك ما يترك من هذا كله هو الايمان الذي فيه سعادة العباد فالبضع والسبعون من الايمان هو الفرض منه من عمل وترك وأما غير الفرض كالمندوبات والمكروهات فيكاد لا ينحصر عند أحد فابحث عليها في الكتاب والسنة فمن شعب الايمان الشهادة بالتوحيد وبالرسالة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والوضوء والغسل من الجنابة والغسل يوم الجمعة والصبر والشكر والورع والحياء والأمان والنصيحة وطاعة أولي الأمر والذكر وكف الأذى وأداء الأمانة ونصرة المظلوم وترك الظلم وترك الاحتقار وترك الغيبة وترك النميمة وترك التجسس والاستئذان وغض البصر والاعتبار وسماع الأحسن من القول واتباعه والدفع بالتي هي أحسن وترك الجهر بالسوء من القول والكلمة الطيبة وحفظ الفرج وحفظ اللسان والتوبة والتوكل والخشوع وترك اللغو والاشتغال بما يعني وترك ما لا يعني وحفظ العهد والوفاء بالعقود والتعاون على البر والتقوى وترك التعاون على الإثم والعدوان والتقوى والبر والقنوت والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح ذات البين وترك إفساد ذات البين وخفض الجناح واللين وبر الوالدين وترك العقوق والدعاء والرحمة بالخلق وتوقير الكبير ومعرفة شرفه ورحمة الصغير والقيام بحدود الله وترك دعوى الجاهلية فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول دعوها فإنها منتنة والتودد والحب في الله والبغض في الله والتؤدة والحلم والعفاف والبذاذة وترك التدابر وترك التحاسد وترك التباغض وترك التناجش وترك شهادة الزور وترك قول الزور وترك الهمز واللمز والغمز وشهود الجماعات وإفشاء السلام والتهادي وحسن الخلق والسمت الصالح وحسن العهد وحفظ السر والنكاح والإنكاح وحب الفال وحب أهل البيت وترك الطيرة وحب النساء وحب الطيب وحب الأنصار وتعظيم الشعائر وتعظيم حرمات الله وترك الغش وترك حمل السلاح على المؤمن وتجهيز الميت والصلاة على الجنائز وعيادة المريض وإماطة الأذى وأن تحب لكل مؤمن ما تحب لنفسك وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما وأن تكره أن تعود في الكفر وأن تؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله وبكل ما جاءت به الرسل من عند الله إلى ما لا يحصى كثرة يأتي إن شاء الله من ذلك في هذه الوصية ما يذكرني الله به ويجريه على خاطري وقلمي ومن تتبع كتاب الله وحديث رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يجد ما ذكرناه وزيادة مما لم نذكره وكلما ورد فله أوقات تخصه وأمكنة ومحال وأحوال والجامع للخير كله في ذلك أن تنوي في جميع ما تعمله أو تتركه القربة إلى الله بذلك العمل أو الترك وإن فاتتك النية فإنك الخير كله فكثير ما بين تارك بنية القربة إلى الله من حيث إن الله أمره بترك ذلك وبين تارك له بغير هذه النية وكذلك في العمل وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ والإخلاص هي النية والعبادة عمل وترك والإخلاص مأمور به شرعا (وصية) إذا كنت إمام قوم فدعوت فلا تخص نفسك بالدعاء دونهم فإنك إن فعلت ذلك فقد خنتهم وفيه من مذام الأخلاق بتبخيل الحق وتحجير الرحمة التي وسعت كل شيء وإيثار نفسك على غيرك وأن الله ما مدح في القرآن إلا من آثر على نفسه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رجلا من الأعراب يقول اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لقد حجر هذا واسعا يريد قوله تعالى ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ والذي أوصيك به إياك أن تصلي وأنت حاقن حتى تخفف وإذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة فابدأ بالطعام ثم تصلي بعد ذلك أن كنت ممن يتناوله بعد الصلاة فحينئذ تفعل ذلك وارغب في دعاء الوالدين ودعاء المسافر واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب وعليك بالاستحداد وهو حلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب وإعفاء اللحية ورد السلام وتشميت العاطس وإجابة الداعي وعليك بالعدل في أمورك كلها والمحافظة على عبادة الله وكسر الشهوتين وتعاهد المساجد للصلاة والبكاء من خشية الله والاعتصام بحبل الله وعليك بمحاب الله ومراضيه فاتبعها فمنها تعاهد المساجد وعليك بصيام داود عليه السلام فهو أحب الصيام إلى الله وأفضله وأعدله وهو صيام يوم وفطر يوم وقد ذكرنا ما يختص من الأسرار والفوائد بالصوم في باب الصوم من هذا الكتاب وكذلك في الطهارة والصلاة والزكاة والحج فلتنظر هناك وأحب الصلاة إلى الله بالليل صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وذلك هو التهجد وإن كان لك ولد فسمه عبد الله أو عبد الرحمن وكنه أبا محمد أو سمع محمدا وكنه بأبي عبد الله أو بأبي عبد الرحمن وإذا عملت عملا من الخير فداوم عليه وإن قل فهو أفضل فإن الله لا يمل حتى تملوا فإن في قطع العمل وعدم المداومة عليه قطع الوصل مع الله فإن العبد لا يعمل عملا إلا بنية القربة إلى الله وحينئذ يكون عملا مشروعا فمتى تركه فقد ترك القربة إلى الله ومن أراد أنه لا يزال في حال قربة من الله دائما فعليه بالحضور الدائم مع الله في جميع أفعاله وتروكه فلا يعمل عملا إلا وهواه مؤمن بما لله فيه من الحكم ولا يترك عملا إلا وهو مؤمن بما في تركه من الحكم لله فإذا كان هذا حاله فلا يزال في كل نفس مع الله وهو الذي يحرم ما حرم الله ويحل ما أحل الله ويكره ما كره الله ويبيح ما أباح الله فهو مع الله في كل حال واحذر من الإلحاد في آيات الله ومن الإلحاد في حرم الله إن كنت فيه والإلحاد الميل عن الحق شرعا ولذلك قال ومن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ فذكر الظلم وعليك بأفضل الصدقات وأفضل الصدقات ما كان عن ظهر غني ومعنى عن ظهر غني أن تستغني بالله عن ذلك الذي تعطيه وتصدق به وإن كنت محتاجا إليه فإن الله مدح قوما فقال ويُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وذلك أنهم لم يؤثروا على أنفسهم مع الخصاصة حتى استغنوا بالله فإن نزلت عن هذه الدرجة فلتكن صدقتك بحيث أن لا تتبعها نفسك فلتغن أولا نفسك بأن تطعمها فإذا استغنت عن الفاضل فتصدق بالفضل فإنك ما تصدقت إلا بما استغنيت عنه وتلك هي الصدقة عن ظهر غني في حق هذا والأول أفضل وعليك بصيام رجب وشعبان وإن قدرت على صومهما على التمام فافعل فإنه ورد أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم وهو رجب فإنه يقال له شهر الله هذا الاسم له دون الأشهر كلها وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يكثر صوم شعبان يقول الراوي ربما صامه كله وحافظ على صوم سرره ولا يفوتنك إن فاتك صومه وأفطر السادس عشر من شعبان ولا بد حتى تخرج من الخلاف فإنه أولى فإن فطره جائز بلا خلاف وصومه فيه خلاف فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال إذا انتصف شعبان فأمسكوا عن الصوم وعليك بقول الحق في مجلس من يخاف ويرجى من الملوك ولا يعظم عندك على الحق شيء إلا ما أمرك الله بتعظيمه وعليك بعمل البر في يوم النحر فإنه أعظم الأيام عند الله ورد في ذلك خبر نبوي فأكثر فيه من ذكر الله ومن الصدقة وكل فعل فيه لله رضي وتقدر عليه في هذا اليوم فلا تتخلف عنه فإنه أفضل من يوم عرفة ويوم عاشوراء وفيه خير كما قلنا أعط كل ذي حق حقه حتى الحق أعطه حقه ولا ترى أن لك على أحد حقا فتطلبه منه فانصف من نفسك ولا تطلب النصف من غيرك واقبل العذر ممن اعتذر إليك وإياك والاعتذار فإن فيه سوء الظن منك بمن اعتذرت إليه فإن علمت إن في اعتذارك إليه خيرا له وصلاحا في دينه فاعتذر إليه في حقه من غير سوء ظن به بل قضاء حق له تعين عليك وأحق الحقوق حق الله (وصية) وعليك بكثرة الدعاء في حال السجود فإنك في أقرب قربة إلى الله لما ثبت من قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ولا قرب أقرب من قرب السجود ولا دعاء إلا في القرب من الله فإذا دعوت في السجود فادع في دوام الحال الذي أوجب لك القرب المطلوب من الله فإنك تعلم أنه قريب من خلقه وهو معهم أين ما كانوا والمطلوب أن يكون العبد قريبا من الله وأن يكون مع الله في أي شأن يكون الله فيه فإن الشئون لله كالأحوال للخلق بل هي عين أحوال الخلق التي هم فيها وعليك بصلة أهل ود أبيك بعد موته فإن ذلك من أبر البر ورد في الحديث أن من أبر البر ان يصل الرجل أهل ود أبيه وإن ذلك من أحب الأعمال إلى الله وهو الإحسان إليهم والتودد بالسلام والخدمة وبما تصل إليه يدك من الراحات والسعي في قضاء حوائجهم وعليك بالتلطف بالأهل والقرابة ولا تعامل أحدا من خلق الله إلا بأحب المعاملة إليه ما لم تسخط الله فإن أرضاه ما يسخط الله فارض الله وابدأ بالسلام على من عرفت ومن لم تعرف فإن عرفت من الذي تلقاه أنه يسلم عليك فاتركه يبدأ بالسلام ثم ترد عليه فيحصل لك أجر الوجوب فإن رد السلام واجب والابتداء به مندوب إليه وأحب ما يتقرب به إلى الله ما افترضه على خلقه وإذا علمت من شخص أنه يكره سلامك عليه وربما تؤديه تلك الكراهة إلى أنه لو سلمت عليه لم يرد عليك فلا تسلم عليه ابتداء إيثارا له على نفسك وشفقة عليه فإنك تحول بينه وبين وقوعه في المعصية إذا لم يرد عليك السلام فإنه يترك أمر الله الواجب عليه ومن الايمان الشفقة على خلق الله فبهذه النية اترك السلام عليه وإن علمت من دينه أنه يرد السلام عليك فسلم عليه وإن كره واجهر بالسلام عليه وابدأ به فإنك تدخل عليه ثوابا برد السلام وتسقط من كراهته فيك بسلامك عليه بقدر إيمانه ونفسه الصالحة إن كان ممن جبل على خلق حسن وعليك بالنظر إلى من هو دونك في الدنيا ولا تنظر إلى أهل الثروة والاتساع خوفا من الفتنة فإن الدنيا حلوة خضرة محبوبة لكل نفس فإن النعيم محبوب للنفوس طبعا ولو لا النعيم الذي يجده الزاهد في زهده ما زهد والطائع في طاعته ما أطاع فإن أخوف ما خافه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم علينا ما يخرج الله لنا من زهرة الدنيا قال الله تعالى لنبيه ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا به أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ثم حبب إليه رزق ربه الذي هو خَيْرٌ وأَبْقى وهو الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت هو رزق ربه الذي رزقه فإنه تعالى لا يتهم في إعطائه الأصلح لعبده فما أعطاه إلا ما هو خير في حقه وأسعد عند الله وإن قل فإنه ربما لو أعطاه ما يتمناه لعبد طغى وحال بينه وبين سعادته فإن الدنيا دار فتنة وإذا كان لأحد عندك دين وقضيته فأحسن القضاء وزده في الوزن وأرجح تكن بهذا الفعل من خير عباد الله بأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهو من السنة وهو الكرم الخفي اللاحق بصدقة السر فإن المعطي إياه لا يشعر بأنه صدقة وهو عند الله صدقة سر في علانية ويورث ذلك محبة وودا في نفس الذي أعطيته وتخفي نعمتك عليه في ذلك ففي حسن القضاء فوائد جمة وعليك يا أخي بالذب والدفع عن أخيك المؤمن عن عرضه ونفسه وماله وعن عشيرتك بما لا تأثم به عند الله فلا تبرح من يدك ميزان مراعاة حق الله في جميع تصرفاتك ولا تتبع هواك في شيء يسخط الله فإنك لا تجد صاحبا إلا الله فلا تفرط في حقه وحقه أحق الحقوق وأوجبها علينا كما ثبت حق الله أحق أن يقضى وإن عزمت على نكاح فاجهد في نكاح القرشيات وإن قدرت على نكاح من هي من أهل البيت فأعظم وأعظم فإنه قد ثبت أنه خير نساء ركبن الإبل نساء قريش وعاشرهن بالمعروف واتق الله فيهن وأحق الشروط ما استحللت به فروجهن وأحسن إليهن في كل شيء وإياك أن تعذب ذا روح إذا كان في يدك حتى الأضحية إذا ذبحتها فحد الشفرة وأسرع وأرح ذبيحتك وادفع الألم عن كل من يتألم جهد استطاعتك كان ما كان الألم الحسي من كل حيوان وإنسان ومن النفسي ما تعلم أنه يرضي الله واعلم أنه مما يرضي الله ما أباحه لك أن تفعله وإذا رأيت أنصاريا من بنى النجار فقدمه على غيره من الأنصار مع حبك جميعهم وعليك بأحسن الحديث وهو كتاب الله فلا تزل تاليا إياه بتدبر وتفكر عسى الله أن يرزقك الفهم عنه فيما تتلوه وعلم القرآن تكن نائب الرحمن فإن الرحمن عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ وهو القرآن فإنه قال فيه هذا بيان للناس وهو القرآن وهُدىً ومَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ فعلم القرآن قبل الإنسان أنه إذا خلق الإنسان لا ينزل إلا عليه وكذلك كان فإنه نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو ينزل على كل قلب تال في حال تلاوته فنزوله لا يبرح دائما فعلم الله القرآن كما عمل الإنسان القرآن فخيركم من علم القرآن وعلمه واتق شح الطبيعة فإن المفلح عند الله من يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وكن شجاعا مقداما على إتيان العزائم التي شرع الله لك أن تأتيها فتكن من أولي العزم ولا تكن جبانا فإن الله أمرك بالاستعانة به في ذلك وإذ كان الله المعين فلا تبال فإنه لا يقاومه شيء بل هو القادر على كل شيء فما ثم مع الإعانة الإلهية قوة نقاوي قوة الحق فإن الله يقول فيمن سأله الإعانة ولعبدي ما سأل في الخبر الصحيح فإذا قال العبد إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول الله هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل وإذا قال اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة وهدايته من معونته يقول الله هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل وخبره صدق وقد قال ولعبدي ما سأل فلا بد من إعانته ولكن هنا شرط لا يغفل عنه العالم إذا تلا مثل هذا لا يتلوه حكاية فإن ذلك لا ينفعه فيما ذهبنا إليه وفيما أريد له وإنما الله تعالى ما شرع له أن يقرأ القرآن ويذكره بهذا الذكر إلا ليعلمه كيف يذكره فيذكره ذكر طلب واضطرار وافتقار وحضور في طلبه من ربه ما شرع له أن يطلبه فذلك هو الذي يجيبه الحق إذا سأله فإن تلا حكاية فما هو سائل وإذا لم يسأل وحكى السؤال فإن الحق لا يجيب من هذه صفته ولا جرم أن التالين الغالب عليهم الحكاية لأنه لا ثمرة عندهم فهم يقرءون القرآن بألسنتهم لا يجاوز تراقيهم وقلوبهم لاهية في حال التلاوة وفي حال سماعه فإذا رأيت من يقدم على الشدائد في حق الله فاعلم أنه مؤمن صادق وإذا رأيته قوي العزم في دين الله وفي غير دين الله فيعلم أنه قوي النفس لا قوي الايمان بالأصالة فإن المؤمن هو القوي في حق الله خاصة الضعيف في حق الهوى لا يساعد هواه في شيء إذا جاءه الهوى النفسي يطلب منه أن يعينه في أمر ما يريه من الضعف والخوف ما يقطع به يأسه منه فينقمع الهوى إذ لا يجد معونة من قبول المؤمن عليه فيعصم جوارحه من إمضاء ما دعاه إليه الهوى وسلطانه فإذا جاءه وارد الايمان وجد عنده من القوة والمساعدة بالله ما لا يقاومه شيء فإن الله هو المعين له فإن الإنسان خلق هلوعا من حيث إنسانيته وإن المؤمن له الشجاعة والإقدام من حيث ما هو مؤمن كما حكي عن بعض الصحابة وأظنه عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أخبره أنه لا بد له أن يلي مصر فحضر في حصار بلد فقال لأصحابه اجعلوني في كفة المنجنيق وارموا بي إليهم فإذا حصلت عندهم قاتلت حتى أفتح لكم باب الحصن فقيل له في ذلك فقال إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ذكر لي أني إلى مصر وإلى الآن ما وليتها ولا أموت حتى أليها فهذا من قوة الايمان فإن العادة تعطي في كل إنسان أن شخصا إذا رمى في كفة المنجنيق إنه يموت فالمؤمن أقوى الناس جأشا ومن أسمائه تعالى المؤمن وقد ورد أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا من كونه مؤمنا فالمؤمن المخلوق يستعين بالمؤمن الخالق فيشد منه ويقوي ما ضعف عنه من كونه مخلوقا فإن الله خلقه من ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ من بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً فهي إشارة وذلك أن كانت قوة الشباب تفسيرا فهي قوة الايمان بما أمر من الايمان به تنبيها فاعلم (وصية) كن فقيرا من الله كما أنت فقير إليه فهو مثل قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأعوذ بك منك ومعنى فقرك من الله أن لا يشم منك رائحة من روائح الربوبية بل العبودية المحضة كما أنه ليس في جناب الحق شيء من العبودية ويستحيل ذلك عليه فهو رب محض فكن أنت عبدا محضا فكن مع الله بقيمتك لا بعينك فإن عينك عليه روائح الربوبية بما خلقك عليه من الصورة بالدعوى وقيمتك ليست كذلك بهذا أوصاني شيخي وأستاذي أبو العباس العريبي رحمه الله فلقيمتك التصرف بالحال لا بالدعوى فكن أنت كذلك فمتى قالت لك نفسك كن غنيا بالله فقد أمرتك بالسيادة فقل لها أنا فقير إلى الله وإلى ما أفقرني الله إليه فإن الله أفقرني إلى الملح أن يكون في عجيني (وصية) عليك بالرباط فإنه من أفضل أحوال المؤمن فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمي له إلى يوم القيامة ويأمن فتان القبر ثبت هذا عن رسول الله ص والرباط أن يلزم الإنسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه أو يجعله في نفسه فإذا ربط نفسه بهذا الأمر فهو مرابط والرباط في الخير كله ما يختص به خير من خير فالكل سبيل الله فإن سبيل الله ما شرعه الله لعباده أن يعملوا به فما يختص بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة إنه رباط والله يقول في كتابه للمؤمنين اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا الله يعني في ذلك كله أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم وذلك معونته في قوله اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ واسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وقوله وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فهذا معنى اتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط وينبغي لك إذا ناجيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وذلك زمان قراءتك الأحاديث المروية عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن تقدم بين يدي نجواك صدقة أي صدقة كانت فإن ذلك خير لك وأطهر بهذا أمرت فإن الصدقات التي نص الشرع عليها كثيرة ولذلك ورد أنه يصبح على كل سلامي منا صدقة في كل يوم تطلع فيه الشمس ثم أخبر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن كل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة فانظر حالك عند ما تريد قراءة الحديث النبوي فهي التي بقيت في العامة من مناجات الرسول فالذي يعين لك حالك عند ذلك من الصدقات تقدمها بين يدي قراءتك الحديث كانت ما كانت فقد أوسع الله عليك في ذلك فلم يبق لك عذر في التخلف بعد أن أعلمك صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بأنواع الصدقات فقدم منها بين يدي نجواك ما أعطاه حالك بلغ ما بلغ وحينئذ تشرع في قراءة الحديث النبوي وإياك أن تحشر يوم القيامة مع المصورين الذين يصورون ذوات الأرواح من الحيوانات فإنك إن صورت صورة من صور الحيوانات تبعها روحها من عند الله من حيث لا تشعر بذلك في الدنيا فإذا كان في الآخرة يجعل الله لكل مصور في النار بكل صورة صورة نفسا تعذبه في نار جهنم فإن الخلق من اختصاص الله فمن نازعه في خلقه فإنه يعذبه بما خلق من ذلك والخلق لله لا إليه إذ لم يكن بإذن الله كخلق عيسى عليه السلام الطير من الطين بإذن الله ونفخ فيه الروح بإذن الله فلو أذن الله للمصور في ذلك لكان طاعة فعل ذلك فاعلم إن كل نفس بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (وصية) واحذر أن تكفر أحدا من أهل القبلة بذنب فقد ثبت أنه من قال لأخيه كافر فقد باء به أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ومعنى الرجوع عليه أنه هو الكافر فإنه من كفر مسلما لإسلامه فهو كافر يقول الله تعالى وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ فقال الله تعالى فيهم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ والسفيه هو الضعيف الرأي يقولون إنهم ما آمنوا إلا لضعف رأيهم وعقلهم فجاز ذلك عليهم لقول الله أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ أي هم الذين ضعفت آراؤهم فحال ذلك الضعف بينهم وبين الايمان ولكن لا يعلمون فتحفظ من الكلام القبيح وهو أن تنسب صفة مذمومة لأخيك المؤمن وإن كانت فيه لا في حضوره ولا في غيبته فإنك إن واجهته بذلك فقد عيرته فما تأمن أن يعافيه الله من تلك الصفة ويبتليك بها وقد ورد لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك وإن كان غائبا فهي غيبة وقد نهاك الله عن الغيبة فإنك إذا ذكرته بأمر هو فيه مما يسوؤه لو قابلته به فقد اغتبته وإن نسبت إليه من القبيح ما ليس فيه فذلك البهتان ولا بد أن تجني ثمرة غرسك إلا أن يعفو الله بإرضاء الخصم وإن يعود عليك وبال ما نسبته إلى أخيك المؤمن مما ليس هو عليه وكذلك خداع المؤمن فلا تكن ممن يخادع الله فإنك إن اعتقدت ذلك كنت من الجاهلين بالله حيث تخيلت إنك تلبس على الحق وأَنَّ الله لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ من الْخاسِرِينَ وإن خادعت المؤمن فما تخادع إلا نفسك كما قال تعالى يُخادِعُونَ الله والَّذِينَ آمَنُوا وما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وما يَشْعُرُونَ في خداعهم الذين آمنوا فإنهم مؤمنون أيضا بالباطل قال تعالى والَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فوصفهم بالإيمان بالباطل وقال في حديث الأنواء فيمن قال مطرنا بنوء كذا إنه كافر بي مؤمن بالكوكب فهذا قوله وما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ في خداعهم الذين آمنوا وأما في خداعهم الله فإن الله هُوَ خادِعُهُمْ بخداعهم أي هو خداع الله بهم لكونهم اعتقدوا أنهم يخادعون الله فإياك والجهل فإنه أقبح صفة يتصف بها الإنسان فإن كنت يا ولي ذا زوجة فأوصها بل لا تتركها ولا أختا ولا بنتا ولا أي امرأة كانت ممن تحكم عليها أو تعلم أنها تسمع منك فانصحها كانت من كانت أن لا تستعطر إذا خرجت بطيب يكون له ريح فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وقد ورد مقيدا في ذلك أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الاخيرة وذلك لأن الليل آفاته كثيرة والظلمة ساترة وما تدري إذا أصاب الرجل ريحها الطيب في طريق المسجد ما يلقي منه إذا لم يتق الله فلهذا نهاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن شهود العشاء الآخرة وبالجملة فلا ينبغي للمرأة أن تخرج بطيب له رائحة لا في ليل ولا في نهار وإياك والاستهزاء والسخرية بأهل الله استهزاء بدين الله ولا تتخذهم ضحكة فإن وبال ذلك يعود عليك يوم القيامة فيسخر الله منك ويستهزئ بك وهو أن يريك بالفعل ما فعلته أنت هنا أعني في الدنيا بالمؤمن إذا لقيته تقول أنا معك على طريق الهزء به والسخرية منه فإذا كان يوم القيامة يجازيك الله عدلا بقدر ما تراءيت به للمؤمنين من الإقبال عليهم والايمان بما هم عليه أهل الله عز وجل وقد رأينا على ذلك جماعة من المدرسين الفقهاء يسخرون بأهل الله المنتمين إلى الله المخبرين عن الله بقلوبهم ما يرد عليهم من الله فيها فيأمر من هذه صفته إلى الجنة حتى ينظر إلى ما فيها من الخير فيسرون كما يسر أهل الله في حال استهزاءهم بهم ويتخيلون أنهم صادقون فيما يظهرون به إليهم فإذا وفى الله جزاء عملهم وانفهقت لهم الجنة بخيرها أمر الله بهم أن يصرفوا عنها إلى النار فتصرفهم الملائكة إلى النار فذلك استهزاء الله بهم كما إن هؤلاء المنافقين لما رجعوا إلى أهليهم قالوا إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ وقال سَخِرُوا مِنْهُ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا من الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ كما كانوا في الدنيا يضحكون من المؤمنين لايمانهم وكذلك بعض المؤمنين يضحكون من أهل الله في الدنيا ولا سيما الفقهاء إذا رأوا العامة على الاستقامة يتحدثون بما أنعم الله عليهم في بواطنهم يضحكون منهم ويظهرون لهم القبول عليهم وهم في بواطنهم على خلاف ذلك فلا أقل يا أخي إذا لم يكن منهم أن تسلم لهم أحوالهم فإنك ما رأيت منهم ما ينكره دين الله ولا ما يرده العلم الصحيح النقلي والعقلي إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا من الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ هكذا والله رأيت فقهاء الزمان مع أهل الله يتغامزون عليهم ويضحكون منهم ويظهرون القبول عليهم وهم على غير ذلك فاحذر من هذه الصفة ومن صحبة من هذه صفته لئلا يسرقك الطبع فما أعظم حسرتهم يوم القيامة فهم الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى والْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ والْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ (وصية) واحذر يا أخي أن تكون من شرار الناس فيتقي الناس لسانك فإن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم وأنت أعرف بنفسك في ذلك أقبل رجل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيه قبل أن يصل إليه وقد رآه مقبلا بئس ابن العشيرة فلما وصل إليه بش في وجهه وضحك له فلما انصرف قالت له عائشة يا رسول الله قلت فيه ما قلت ثم بششت في وجهه فقال يا عائشة إن من شر الناس من أكرمه الناس اتقاء شره فاحذر أن تكون ممن هذه صفتهم فتكون من شر الناس بشهادة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وإن كانت لك زوجة فإياك إذا أفضيت إليها وكان بينك وبينها ما كان إن تنشر سرها فإن ذلك من الكبائر عند الله فإنه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن من شر الناس عند الله يوم القيامة الذي يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها فذلك من الكبائر وإياك أن تسب أبا أحد أو أمه فيسب أباك وأمك فإن ذلك من العقوق وكذلك إذا جالست مشركا فلا تسب من اتخذه إلها مع الله وإذا جالست من تعرف أنه يقع في الصحابة من الروافض فلا تتعرض ولا تعرض بذكر أحد من الصحابة التي تعلم أن جليسك يقع فيهم بشيء من الثناء عليهم فإن لجاجه بجعله يقع فيهم فتكون أنت قد عرضتهم بذكرك إياهم للوقوع فيهم يقول الله ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن شتم الرجل والديه فقيل له يا رسول الله وكيف يشتم الرجل والديه فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه وإن من الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق هذا هو الثابت عن رسول الله ص وعليك بشهود العتمة والصبح في جماعة فإنه من شهد العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليله ومن شهد الصبح في جماعة فكأنما قام ليله وعليك بالشفقة على عباد الله مطلقا بل على كل حيوان فإنه في كل ذي كبد رطبة أجر عند الله تعالى (وصية) احذر أن ترجح نظرك على علم الله في خلقه بمن قدمه من الولاة في النظر في أمور المسلمين وإن جاروا فإن لله فيهم سرا لا تعرفه وإن ما يدفع الله بهم من الشرور ويحصل بهم من المصالح أكثر من جورهم إن جاروا وهذا كثير ما يقع فيه الناس يرجحون نظرهم على ما فعل الله في خلقه ويأتيهم الشيطان فيعلق تسفيههم بالذين ولوه ويحول بينهم وبين الصحيح من كون الله ولاهم وينسيهم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن لا تخرج يدا من طاعة وأن لا تنازع الأمر أهله فيدخل عليهم الشيطان من التأويل في هذه الأحاديث وأمثالها بما يخرجهم بذلك من الإسلام وينسيهم قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإن جاروا فلكم وعليهم وإن عدلوا فلكم ولهم وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن لو لم يكن في هذه المسألة إلا اعتراض الملائكة على الله تعالى في خلافة آدم عليه السلام لكان كافيا وقد جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من تمام الزكاة أن ينقلب المصدق وهو العامل الذي على الزكاة راضيا عنك وإن ظلمك وهذا باب قد أغفله الناس وقد أغلقوه على أنفسهم فما يرى أحد إلا وله في ذلك نصيب ولا يعلم ما فيه عند الله وقد رأينا على ذلك براهين من الله كثيرة ومتى ذممت ولا بد فذم الصفة بذم الله ولا تذم الموصوف بها إن نصحت نفسك ومتى حمدت فاحمد الصفة والموصوف معا فإن الله يحمدك على ذلك (وصية) أوصيت بها في مبشرة أريتها سمعتها من كلام الله تعالى بلا واسطة في البقعة المباركة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام من بلة على قدر الكف كلاما لا يكيف ولا يشبه كلام مخلوق عين الكلام هو عين الفهم من السامع فمما فهمت منه كن سماء وحي وأرض ينبوع وجبل تسكين فإذا تحركت فلتكن حركة أحياء وسطينة بتحريك عن وحي سماوي ثم وقع في نفسي نظم فكنت أنشد جعلت في الذي جعلتا *** وقلت لي أنت قد عملتا وأنت تدري بأن كوني *** ما فيه غير الذي جعلتا فكل فعل تراه مني *** أنت إلهي الذي فعلتا (وصية) إذا قلت خيرا ودللت على خير فكن أنت أول عامل به والمخاطب بذلك الخير وأنصح نفسك فإنها آكد عليك فإن نظر الخلق إلى فعل الشخص أكثر من نظرهم إلى قوله والاهتداء بفعله أعظم من الاهتداء بقوله ولبعضهم في ذلك وإذا المقال مع الفعال وزنته *** رجح الفعال وخف كل مقال واجهد أن تكون ممن يهتدى بهديك فتلحق بالأنبياء ميراثا فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لأن يهتدي بهداك رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس يقول الله تعالى في نقصان عقل من هذه صفته أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ فإذا تلا الإنسان القرآن ولا يرعوي إلى شيء منه فإنه من شرار الناس بشهادة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإن الرجل يقرأ القرآن والقرآن يلعنه ويلعن نفسه فيه يقرأ أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ وهو يظلم فيلعن نفسه ويقرأ لَعْنَتَ الله عَلَى الْكاذِبِينَ وهو يكذب فيلعنه القرآن ويلعن نفسه في تلاوته ويمر بالآية فيها ذم الصفة وهو موصوف بها فلا ينتهي عنها ويمر بالآية فيها حمد الصفة فلا يعمل بها ولا يتصف بها فيكون القرآن حجة عليه لا له قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الثابت عنه القرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها فإذا كنت يا أخي ممن يجلس مع الله بترك الأسباب فتحفظ من السؤال فلا تسأل أحدا وإياك أن تقتدي بهؤلاء أصحاب الزنابل اليوم فإنهم من أدنى الناس همة وأخسهم قدرا عند الله وأكذبهم على الله فأما يقين صادق وإما حرفة فيها عز نفسك فإن ذلك خير لك عند الله وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال لأن يحتزم أحدكم خرمة من حطب على ظهر فيها خير له من أن يسأل رجلا وفي حديث أعطاه أو منعه فأما يقين صادق وإما شغل موافق (وصية) عليك بإكرام الضيف فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه فإن كان الضيف مقيما فثلاثة أيام حقه عليك وما زاد فصدقة فإن كان مجتازا فيوم وليلة جائزته ولشيخنا أبي مدين في هذه المسألة حكاية عجيبة كان رضي الله عنه يقول بترك الأسباب التي يرتزق بها الناس وكان قوي اليقين ويدعو الناس إلى مقامه والاشتغال بالأهم فالأهم من عباد الله فقيل له في ذلك أي في ترك الأسباب والأكل من الكسب وإنه أفضل من الأكل من غير الكسب فقال رضي الله عنه أ لستم تعلمون أن الضيف إذا نزل بقوم وجب بالنص عليهم القيام بحقه ثلاثة أيام إذا كان مقيما فقالوا نعم فقال فلو إن الضيف في تلك الأيام يأكل من كسبه أ ليس كان العار يلحق بالقوم الذين نزل بهم فقالوا نعم فقال إن أهل الله رحلوا عن الخلق ونزلوا بالله أضيافا عنده فهم في ضيافة الله ثلاثة أيام وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فنحن نأخذ ضيافته على قدر أيامه فإذا كملت لنا ثلاثة أيام من أيام الله من نزلنا عليه ولا نحترف ونأكل من كسبنا عند ذلك يتوجه اللؤم وإقامة مثل هذه الحجة علينا فانظر يا أحي ما أحسن نظر هذا الشيخ وما أعظم موافقته للسنة فلقد نور الله قلب هذا الشيخ فحق الضيف واجب وهو من شعب الايمان أعني إكرام الضيف وكذلك من شعب الايمان قول الخير أو الصمت عن الشر يقول الله لا خَيْرَ في كَثِيرٍ من نَجْواهُمْ إِلَّا من أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ هذا في النجوى ومخاطبة الناس وذكر الله أفضل القول والتلاوة أفضل الذكر ومن الايمان وشعبه اجتناب مجالس الشرب فإنه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر وعليك إذا عملت عملا مشروعا أن تحسنه فإنه من حسن عمله بلغ أمله وحسن العمل أن تعمله كما شرع الله لك أن تعمله وأن ترى الله تعالى في عملك إياه فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فسر الإحسان بما ذكرناه فقال في الثابت عنه الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وإذا أردت أن تأتي الجمعة فاغتسل لها فإن الغسل وإن كان واجبا عليك يوم الجمعة لمجرد اليوم فإنه قبل الصلاة للصلاة أفضل بلا خلاف فإذا توضأت كما ذكرت لك في باب الوضوء من هذا الكتاب فامش إلى الجمعة وعليك السكينة والوقار ولا تفرق بين اثنين إلا أن ترى فرجة فتاوى إليها وتقرب من الخطيب وأنصت لكلامه إذا خطب ولا تمسح الحصى فإن مسح الحصى لغو ولا تقل لمتكلم أنصت والإمام يخطب فإن ذلك من اللغو وفرغ قلبك لما يأتي به من الذكر فإن المؤمن ينتفع بالذكرى ولتلبس أحسن ثيابك وتمس من الطيب إن كان معك ولتهجر ما استطعت وإن أردت الخروج من الخلاف في التهجير فتسعى إليها في أول ساعة من النهار تكن من أصحاب البدن وتدنو من الإمام ما استطعت وإن كان لك أهل فلتجعلهم يغتسلون يوم الجمعة كما اغتسلت وإن كنت جنبا فاغتسل غسلين غسل الجنابة وغسل الجمعة فهو أولى فإن لم تفعل فاغتسل للجنابة فعسى يجزيك عن غسل الجمعة فإنه قد ثبت من غسل واغتسل وبكر وابتكر وعليك بالوضوء على الوضوء فإنه نور على نور ولقيت على ذلك جماعة من الشيوخ ببلاد المغرب يتوضئون لكل صلاة فريضة وإن كانوا على طهارة وأما التيمم لكل فريضة فالدليل في وجوب ذلك أقوى من قياسه على الوضوء وإليه أذهب فإن نص القرآن في ذلك ولو لا إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم شرع في الوضوء ما شرع من صلاة فريضتين فصاعدا بوضوء واحد لكان حكم القرآن يقتضي أن يتوضأ لكل صلاة وبالجملة فهو أحسن بلا خلاف فإن الوضوء عندنا عبادة مستقلة وإن كان شرطا في صحة عبادة أخرى فلا يخرجه ذلك عن أن يكون عبادة مستقلة في نفسه مرادا لعينه وتحفظ أن تؤذي شخصا قد صلى الصبح فإنه في ذمة الله فلا تحقر الله في ذمته وما رأيت أحدا يدعي هذا القدر في معاملته الخلق وقد أغفله الناس فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله فإياك إن يتبعك الله بشيء من ذمته وحافظ كل يوم على صلاة اثنتي عشرة ركعة فإنه قد ثبت الترغيب في ذلك عن رسول الله ص وحافظ على صلاة العصر فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وإذا قعدت في مسجد أو في مجلسك أو حيث كنت فاقعد على طهارة منتظرا دخول وقت الصلاة واجعل موضع جلوسك مسجدك فإن الأرض كلها مسجد بالنص وإن كان في المسجد المعروف في العرف كان أفضل فإنه من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهن تحط عنه خطيئة والأخرى ترفع له درجة وعليك من قيام الليل بما يزيل عنك اسم الغفلة وأقل ذلك أن تقوم بعشر آيات فإنك إذا قمت بعشر آيات لم تكتب من الغافلين هكذا ثبت عن المبلغ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن الله وحافظ في السنة كلها على القيام كل ليلة ولو بما ذكرت لك ولا تهمل الدعاء في كل ليلة واجعل من دعائك السؤال في العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة فإنك لا تدري متى تصادف ليلة القدر من سنتك فإني قد أريتها مرارا في غير شهر رمضان فهي تدور في السنة وأكثر ما يكون في شهر رمضان وأكثر ما تكون في ليلة وتر من الشهر وقد تكون في شفع وقد أريتها في ليلة الثامن عشر من الشهر وقد أريتها في العشر الوسط من رمضان فإن زدت على عشر آيات في قيام الليل فأنت بحسب ما تزيد فإن زدت إلى المائة كتبت من الذاكرين وإن زدت إلى ألف آية كتبت من المقسطين وعليك بصيام ستة أيام من شوال ولتجعلها من ثاني يوم من شوال متتابعات إلى أن تفرغ لتخرج بذلك من الخلاف وإذا قضيت أيام رمضان من مرض أو سفر فاقضه متتابعا كما أفطرته متتابعا تخرج بذلك من الخلاف فإن شهر رمضان متتابع الأيام في الصوم وإن قدرت أن تشارك في فطرك صائما أو تفطر صائما فافعل فإن لك أجره أي مثل أجره وعليك إن كنت مجاورا بمكة بكثرة الطواف فإن طواف كل أسبوع يعدل عتق رقبة فأعتق ما استطعت تلحق بأصحاب الأموال مع أجر الفقر واجهد أن ترمي بسهم في سبيل الله وإن تعلمت الرمي فاحذر أن تنساه فإن نسيان الرمي بعد العلم به من الكبائر عند الله وكذلك من حفظ آية من القرآن ثم نسيها إما من محفوظه وإما ترك العمل بها فإنه لا يعذب أحد من العالمين يوم القيامة بمثل عذابه لأنه لا مثل للقرآن الذي نسيه وعليك بتجهيز المجاهد بما أمكنك ولو برغيف إذا لم تكن أنت المجاهد واخلف الغزاة في أهلهم بخير تكتب معهم وأنت في أهلك واحذر إن لم تغز أن لا تحدث نفسك بالغزو فإنك إن لم تغز ولا تحدث نفسك بالغزو كنت على شعبة من نفاق وأجهد في إعطاء ما يفضل عنك لمعدم ليس ذلك من طعام أو شراب أو لباس أو مركوب وعليك بتعلم علم الدين إن عملت به عملت على علم أو علمته أحدا من الناس كان ذلك التعليم عملا من أعمال الخير قد أتيته وأسأل من الله ما تعلم أن فيه خيرا عند الله فإنه إن أعطاك ما سألت وإلا أعطاك أجر ما سألت فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما يؤيد ما ذكرناه وذلك أنه قال من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه وعليك بالإحسان إلى كل من تعول وادع إلى خير ما استطعت فإنك لن تدعو إلى خير إلا كنت من أهله ومن أجابك إليه فلك مثل أجره فيما أجابك من ذلك ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ولقد بلغني عن الشيخ أبي مدين أنه سن لأصحابه ركعتين بعد الفراغ من الطعام يقرأ في الأولى لإيلاف قريش وفي الآخرة قل هو الله أحد ومشت سنة في أصحابه وقد ثبت أنه من دل على خير فله مثل أجر فاعله وعليك بصلة الأرحام وحافظ على النسب الذي بينك وبين الله فإنه من الأرحام وعليك بإنظار المعسر إلى ميسرة فإن الله يقول وإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وإن وضعت عنه فهو أعظم لأجرك فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال من أنظر معسرا أوضع عنه أظله الله في ظله وإن الله يوم القيامة يتجاوز عمن يتجاوز عن عباده وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيضا أنه قال من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه واعلم أن من الايمان أن تسرك حسنتك وتسوءك سيئتك واحذر من الكبر والغل والرين واستر عورة أخيك إذا أطلعك الله عليها فإن ذلك يعدل أحياء موءودة هكذا ورد النص في ذلك عن رسول الله ص فإن مقادير الثواب لا يدرك بالقياس وعليك بالسعي في قضاء حوائج الناس وقد رأينا عل ذلك جماعة من الناس يثابرون عليه وهو من أفضل الأعمال وفرج عن ذي الكربة كربته واستر على مسلم إذا رأيته في زلة يطلب التستر بها ولا تفضحه وأقل عثرة أخيك المسلم وخذ بيده كلما عثر وأقله بيعته إذا استقالك فإن ذلك كله مرغب فيه مندوب إليه مأمور به شرعا وهو من مكارم الأخلاق وعليك بالزهد في الدنيا ولباس الخشن فإنه قد ورد أنه من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه كساه الله حلة الكرامة وهذا ثابت وكن من الكاظمين الغيظ إذا قدرت على إنفاذه فإن الله قد أثنى على الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا فمن الايمان كظم الغيظ وارحم أخاك المؤمن ممن يريد ضره ما استطعت وبما قدرت عليه من ذلك وإذا نزل بك ضر فلا تنزله إلا بالله ولا تسأل في كشفه إلا الله وإن قلت بالأسباب فلا يغب الله عن نظرك فيها فإن الله في كل سبب وجها فليكن ذلك الوجه من ذلك السبب مشهودا لك واعلم أنه ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الدجال وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يستعيذ من فتنة الدجال تعليما لنا أن نستعيذ من ذلك وفي الاستعاذة من فتنته وجهان الوجه الواحد الاستعاذة من فتنته حتى لا تصدقه في دعواه وأن تعصم منه ومن أراد أن يعصمه لله من ذلك فليحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف فإنه يعصم بها من فتنة الدجال والوجه الآخر أن تعصم من أن يقوم بك من الدعوى ما قام بالدجال فتدعى لنفسك دعوته فإنك مستعد لكل خير وشر يقبله الإنسان من حيث ما هو إنسان وثابر ما استطعت على إن تسأل الله الوسيلة لرسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد سأل منا ذلك فالمؤمن من أسعفه في سؤاله مع ما يعود عليه في ذلك من الخير أدناه وجوب الشفاعة له يوم القيامة إن اضطر إليها وإذا رأيت من يتعمل في تحصيل خير فأعنه على ذلك بما استطعت ولا تمنع رفدك ممن استرفدك وإياك أن تجلد عبدك فوق جنايته وإن عفوت فهو أحوط لك فإنك عبد الله ولك إساءة تطلب من الله العفو عنك لها فاعف عن عبدك ولا تأكل وحدك ما استطعت ولو لقمة تجعلها في فم خادمك من الطعام الذي بين يديك إذا لم يجبك إلى الأكل معك واستغن بالله صدقا من حالك فإن الله لا بد أن يغنيك فإن استغناك بالله من القرب إلى الله وقد ثبت أنه من تقرب إلى الله شبرا تقرب الله منه ذراعا الحديث وكذلك من يستعف بالله روى أن بعض الصالحين لم يكن له شيء من الدنيا فتزوج فجاءه ولد وما أصبح عنده شيء فأخذ الولد وخرج ينادي به هذا جزاء من عصى الله فقيل له زنيت فقال لا وإنما سمعت الله يقول في كتابه العزيز ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله من فَضْلِهِ فعصيت أمر الله وتزوجت وأنا لا أجد نكاحا فافتضحت فرجع إلى منزله بخير كثير وإن قدرت على العتق فأعتق رقبة وإن لم تجد مالا ويكون لك علم فاهديه رجلا منافقا أو كافرا أورد به مسلما عن كبيرة فإنك تعتقه بذلك من النار وهو أفضل من عتق رقبة ومن ملك أحد في الدنيا وفكاك العاني أولى من عتق العبد فإنه عتق وزيادة واعلم أن الفقير الذي لا يقدر على إحياء أرض ميتة فليحي أرض بدنه بما يعمل فيها من الطاعة لله تعالى وليحى مواضع الغفلة بذكر الله فيها وليحى العمل بالإخلاص فيه وإن أردت أن لا يضرك في يومك سحر ولا سم فلتصبح بسبع تمرات من العجوة أو تسحر بها إن أصبحت صائما فإنه كذا ثبت عن رسول الله ص وعليك بخدمة الفقراء إلى الله ومجالسة المساكين والدعاء للمسلمين بظهر الغيب عموما وخصوصا وصحبة الصالحين والتحبب إليهم وانو في جميع حركاتك خيرا مشروعا فإنك لما نويت وإذا رأيت من أعطاه الله مالا وفعل فيه خيرا وحرمك الله ذلك المال فلا تحرم نفسك أن تتمنى أن تكون مثله فإن الله يأجرك مثل أجره وزيادة وإذا جلست مجلسا فاذكر الله فيه ولا بد وإياك أن تحرم الرفق فإنك إن حرمت الرفق فقد حرمت الخير كله وأجر من استجار بك إلا في حد من حدود الله فإن كان في حد من حدود الخلق فأصلح في ذلك ما استطعت بينه وبين صاحب الحق ولا تسلمه ولو مضى فيه جميع مالك وإذا رأيت من يستعيذ بالله فأعذه فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم تزوج امرأة فلما دخل عليها استعاذت بالله منه لشقاوتها فقال عذت بعظيم الحقي بأهلك فطلقها ولم يقربها وأعاذها وإذا سألك أحد بالله وأنت قادر على مسألته فأعطه وإن لم تقدر على مسألته فادع له فإنك إذا دعوت له مع عدم القدرة فقد أعطيته ما بلغت إليه يدك من مسألته فإن الله لا يكلف نفسا إِلَّا ما آتاها وإذا أسدى إليك أحد معروفا فلتكافئه على معروفه ولو بالدعاء إذا عجزت عن مكافاته بمثل ما جاءك به وإذا أسديت أنت إلى أحد معروفا فأسقط عنه المكافاة ولتعلمه بذلك ولتظهر له الكراهة إن كافاك حتى تريح خاطره ولا سيما إن كان من أهل الله فإن جاءك بمكافاة على ذلك وتعلم منه أنه يعز عليه عدم قبولك لذلك فاقبله منه وإن علمت منه أنه يفرح بردك عليه بعد أن وفى هو ما وجب عليه من المكافاة فرد عليه بسياسة وحسن تلطف واجعل لك الحاجة عنده في قبول ما رددت عليه من ذلك حتى يتحقق أنه قد قضى لك حاجة في قبول ما رددت عليه من المكافاة وإياك أن تدعى ما ليس لك فإن ذلك ليس من المروءة مع ما فيه من الوزر عند الله وإن رميت بشيء مذموم فلا تنتصر لنفسك واسكت ولا تتعرض لمن رماك بأنه يكذب ولا تقر على نفسك بما لم تفعل مما نسب إليك هكذا فعل ذو النون مع المتوكل حين سأله عما يقول الناس فيه من رميه بالزندقة فقال يا أمير المؤمنين إن قلت لا أكذبت الناس وإن قلت نعم كذبت على نفسي فاستحسن ذلك منه أمير المؤمنين وما قبل فيه قول قائل ورده مكرما إلى مصر واعتذر له وحكايته في ذلك مشهورة ذكرها الناس وقد ثبتت الأخبار الصحيحة في إثم من ادعى ما ليس له أو اقتطع ما لا يجب له من حق الغير واحذر في يمينك إن تحلف بملة غير ملة الإسلام أو بالبراءة من الإسلام فإنك إن كنت صادقا فلن ترجع إلى الإسلام سالما ولتجدد إسلاما إذا فعلت مثل ذلك ومع هذا فلا تحلف إلا بالله فإنك إن حلفت بغير الله كنت عاصيا للنهي الوارد في ذلك وإن حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ولتأت الذي هو خير وإياك والكذب في الرؤيا أو الكذب على الله أو على رسول الله أو تحدث بحديث ترى أنه كذب فتحدث به ولا تبين عند السامع أنه كذب واحذر أن تسمع حديث قوم وهم يكرهون أن تسمعه فإنه نوع من التجسس الذي نهى الله عنه واحذر أن تخبث امرأة على زوجها أو مملوكا على سيده واحذر أن تنام على سطح ما له احتجاز فإن فعلت فقد برئت منك الذمة وإياك أن تحب قيام الناس لك وبين يديك تعظيما لك وهذا كثير في هذه البلاد أعني العراق وما جاوره فما رأيت منهم أحدا يسلم من حب ذلك مع علمهم بما فيه وقد جرت لنا معهم في ذلك حكايات مع علمائهم فما ظنك بعامتهم وقمت مرة لأحدهم فقال لي لا تفعل وقال لي إن النهي قد ورد في ذلك فقلت له يا فقيه أنت المخاطب بذلك أن لا تحب أن يتمثل الناس بين يديك قياما ما أنا المخاطب بذلك إني لا أقوم لمثلك فتعجب من هذا الجواب واستحسنه وكان من علماء الشريعة وإياك أن تقبل هدية من شفعت فيه شفاعة فإن ذلك من الربا الذي نهى الله عنه بنص رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ذلك ولقد جرى لنا مثل هذا في تونس من بلاد إفريقية دعاني كبير من كبرائها يقال له ابن معتب إلى بيته لكرامة استعدها لي فأجبت الداعي فعند ما دخلت بيته وقدم الطعام طلب مني شفاعة عند صاحب البلد وكنت مقبول القول عنده متحكما فأنعمت له في ذلك وقمت وما أكلت له طعاما ولا قبلت منه ما قدمه لنا من الهدايا وقضيت حاجته ورجع إليه ملكه ولم أكن بعد وقفت على هذا الخبر النبوي وإنما فعلت ذلك مروءة وأنفة وكان عصمة من الله في نفس الأمر وعناية إلهية بنا وإياك أن تشفع عند حاكم في حد من حدود الله كلم ابن عباس في رجل أصاب حدا من حدود الله أن يكلم الحاكم فيه فقال ابن عباس لعنني الله إن شفعت فيه ولعن الله أخاكم إن قبل الشفاعة فيه لو أردتم ذلك لجئتموني قبل إن يصل إلى الحاكم وكان سارقا ثبت في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من حالت شفاعته دون حدود الله فقد ضاد الله وإياك أن تخاصم في باطل فتسخط الله عليك وكذلك لا تعن على خصومة بعلم تدفع به حقا فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول فيمن أعان على ذلك إنه يبوء بغضب من الله ولا تقل في مؤمن ما ليس فيه مما يشينه عند الناس وقد ثبت أنه من رمى مسلما بشيء يريد يشينه حبسه الله على جمر جهنم حتى يخرج مما قال يعني يتوب واحذر أن تأكل الدنيا بالدين أو تأكل مال أحد بإخافته فيعطيك اتقاء وإياك أن تسمع فيسمع الله بك سمعت شيخنا المحدث الزاهد أبا الحسن يحيى بن الصانع بمدينة سبتة ونحن بمنزله يقول لاكل الدنيا بالدف والمزمار خير لي من أني آكلها بالدين وكف لسانك عن اللعنة ما استطعت فإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت عليه اللعنة أي بعد عنه الخير الذي كان له من ذلك الذي لعنه لو لم يلعنه ولقد روينا عن رجل كان في غزاة فضاع له آلة من آلات دابته فسئل عن الضائع فقال راح في لعنة الله ثم إن الرجل استشهد في تلك الغزاة فرآه إنسان في النوم فسأله ما فعل الله به فقال إن الله وزن لي كل ما عندي حتى روث الفرس وبوله جعله في ميزاني وأثابني به فلم أر في الميزان سرج الدابة الذي كان ضاع لي فقلت يا رب وأين سرج دابتي فقال هو حيث جعلته في لعنة الله حيث سألت عنه فحرم خيره فعادت لعنة السرج عليه بهذا المعنى وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في سفر فسمع امرأة تلعن ناقتها فأمر بها فسيبت وقال لا يصحبنا ملعون فطردت من الركب قال الراوي فلقد كنا نراها تطلب أن تلحق بالركب والناس يطردونها فتركناها منقطعة فكانت عقوبة صاحبتها إن بعد عنها خيرها وهو ركوبها فحارت اللعنة عليها فإن اللعنة البعد واحذر أن تكفر مؤمنا فإن تكفير المؤمن كقتله ولا تهجر أخاك فوق ثلاث فإذا لقيته بعد ثلاث فابدأه بالسلام تكن خير الشخصين المهاجرين ولما هجر الحسن محمد ابن الحنفية أخاه وتهاجر أنفذ إليه محمد بن الحنفية بعد ثلاث فقال يا أخي يا ابن رسول الله إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لا يهجر أحدكم أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وقد فرغت الثلاث فأما إن تأتيني فتبدأني بالسلام فإنك خير مني وإن كنا ابني رجل واحد فأنت سبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإن خير الرجلين المتهاجرين من يبدأ بالسلام وإن لم تفعل جئت إليك فبدأتك بالسلام فبلغ ذلك الحسن فشكره وركب دابته وقصد إلى منزله فبدأه بالسلام فانظر ما أحسن هذا كيف أثر على نفسه من هو أفضل منه يرجو بذلك المنزلة والمحبة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهكذا ينبغي للعاقل أن يحتاط لنفسه ويأتي الأفضل فالأفضل ويعرف الفضل لأهله وقد ثبت أنه من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه وإياك واللعب بالنرد فإن في اللعب بالنرد معصية الله ورسوله وفي الشطرنج خلاف وكل ما فيه خلاف فالاحتياط إن تخرج من الخلاف باجتنابه واجتنب القمار بكل شيء مطلقا وكل ما تغفل باللهو به عن أداء فرض من فروض الله عليك أو عن ذكر الله فاجتنبه دخل بعض أهل الله من العلماء على قوم يلعبون بالشطرنج فقال ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ وإن كان اللعب بالشطرنج حلالا فالمصور له مأثوم إثم المصورين وأخبرني الزكي شيخنا أحمد بن مسعود بن سداد المقري الموصلي بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة قال رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقلت له يا رسول الله ما تقول في الشطرنج يعني في اللعب به قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حلال وكان الرائي حنفي المذهب قال فقلت والنرد قال حرام قال قلت يا رسول الله ما تقول في الغناء قال حلال قلت فالشبابة قال حرام قال قلت يا رسول الله ادع الله لي فقد مستني الحاجة أو كما قال مما هذا معناه قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رزقك الله ألف دينار كل دينار من أربعة دراهم واستيقظت فدعاني الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله في شغل فلما خرجت من عنده أمر لي بأربعة آلاف درهم فما بت إلا والدراهم عندي كاملة التي عينها لي في دعائه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال فاعتقدت من تلك الساعة تحليل الشطرنج الذي كنت أعتقد تحريمه وتحريم الشبابة وكنت أعتقد النقيض في هذين الشيئين وإياك وتصديق الكهان وإن صدقوا واجتنب ما استطعت الاستمطار بالأنواء وعلم النجوم اجتنبه مطلقا احتياطا إلا ما يحتاج منه إلى معرفة الأوقات والوقوف عند قول الشارع هو طريق النجاة وتحصيل السعادة وما ندندن إلا على ذلك واحذر أن تنام وفي يدك دسم أو على ظاهر فمك من أجل الهوام والشياطين وإياك أن تشاقق على أحد ولا تضارره ولا تكن ذا وجهين تأتي قوما بوجه وقوما بوجه واحذر من الاحتكار لانتظار الغلاء لأمة محمد عليه السلام ولا تتخذ كلبا إلا أن تكون في أمر تطلب الحراسة فيه أو صيد ولا تغصب مسلما شيئا ولا ذميا ولا ذا عهد وإذ ضربت مملوكا أو مملوكة حد الم يأنه أو لطمته في وجهه فأعتقه فإن كفارة فعلك به ذلك عتقه ولا ترم مملوكك ولا مملوكتك بالزنى من غير علم فإن الله يقيم عليك الحد في ذلك يوم القيامة واحذر من اتباع الصيد والمداومة عليه ولزوم البادية فإن الصيد يورث الغفلة وسكنى البادية يورث الجفاء وإياك وصحبة الملوك إلا أن تكون مسموع الكلمة عندهم فتنفع مسلما أو تدفع عن مظلوم أو ترد السلطان عن فعل ما يؤدي إلى الشقاء عند الله وعليك بالوفاء بالنذر إذا نذرت طاعة فإن نذرت معصية فلا تعص الله وكفر عن ذلك كفارة يمين فإنه أحوط وأرفع للخلاف وعليك بطاعة أولي الأمر من الناس ممن ولاة السلطان أمرك فإن طاعة أولي الأمر واجبة بالنص في كتاب الله وما لهم أمر يجب علينا امتثال أمرهم فيه إلا المباح لا الأمر بالمعاصي فإن غصبوك فاقبل غصبهم في بعض أحوالك وإن أمروك بالغصب فلا تغصب ولا تفارق الجماعة ولا تخرج يدا من طاعة فتموت ميتة جاهلية بنص رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا تخرج على الأمة ولا تنازع الأمر أهله وقاتل مع الأعدل من الاثنين وأوف لذي العهد بعهده ولذي الحق بحقه ولا تحمل السلاح في الحرم لقتال وإذا دخلت السوق بسهام فأمسك على نصالها لا تعقر أحدا وأنت لا تشعر ولا تمازح أخاك بحمل السلاح عليه وأكرم شعرك وغب بترجيله واكتحل وإذا اكتحلت فاكتحل وترا واشرب مصا ولا تتنفس في الإناء إذا شربت وأزل الإناء عن فمك وكل بثلاث أصابع وصغر اللقمة وكثر مضغها ولا تشرع في لقمة أخرى حتى تبتلع الأولى وسم الله عند قطع كل لقمة واحمد الله إذا ابتلعتها واشكره على أنه سوغك إياها ولا تجلس في مجلس أحد إذا قام منه بنية الرجوع إليه إلا أن يفارقه ولا يريد الرجوع إليه وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا قام أحد إليه من مكانه ليجلسه فيه يمتنع عليه ولا يجلس فإن القائم أحق به بنص رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا ترد طيبا إذا عرض عليك ولا لبنا ولا وسادة إذا قدم إليك شيء من هذا كله وإذا أخذت دينا فانو قضاءه ولا بد فإن الله يقضيه عنك إذا نويت ذلك واعدل بين نسائك وفي رعيتك إن كنت راعيا تسعد إن شاء الله (وصية) والذي أوصيك به إن كنت عالما فحرام عليك إن تعمل بخلاف ما أعطاك دليلك ويحرم عليك تقليد غيرك مع تمكنك من حصول الدليل وإن لم تكن لك هذه الدرجة وكنت مقلدا فإياك إن تلتزم مذهبا بعينه بل اعمل كما أمرك الله فإن الله أمرك أن تسأل أهل الذكر إن كنت لا تعلم وأهل الذكر هم العلماء بالكتاب والسنة فإن الذكر القرآن بالنص واطلب رفع الحرج في نازلتك ما استطعت فإن الله يقول ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَجٍ وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم دين الله يسر فاسأل عن الرخصة في المسألة حتى تجدها فإذا وجدتها اعمل بها وإن قال لك المفتي هذا حكم الله أو حكم رسوله في مسألتك فخذ به وإن قال لك هذا رأيي فلا تأخذ به وسل غيره وإن أردت أن تأخذ بالعزائم في نوازلك فافعل ولكن فيما يختص بك ورفع الحرج هو السنة وإذا علمت علما من علوم الشريعة فبلغه من لا يعلمه تكن من حملة العلم لمن لا يعلم وإياك أن تكتم ما أنزل الله من البينات للناس إذا علمت ذلك وعليك بالسماحة في بيعك وابتياعك وإذا اقتضيت فكن سمحاء في اقتضائك واجتنب الوشم أن تعمله أو تأمر به وكذلك التنميص وهو إزالة الشعر من الوجه بالنماص والنماص هو الذي يسمونه العوام الجفت وكذلك التفليج فإن رسول الله يقول لعن الله الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة وهي التي تفلج أسنانها والواصلة والمستوصلة المغيرات خلق الله والواصلة هي التي تصل شعرها واحذر أن تعير عباد الله بما ابتلاهم الله به في خلقهم وفي خلقهم وما قدر عليهم من المعاصي وسل الله عز وجل العافية ما استطعت وكن على نفسك لا تكن لها إن أردت أن تسعدها عند الله وإياك وما تستحليه النفس إلا أن يكون معها الشرع في ذلك فهو الميزان وإياك أن تذبح ذبيحة لغير الله ولا تأكل مما أُهِلَّ لِغَيْرِ الله ومِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ فإنه فسق بنص القرآن ولا يستميلونك أهل الذمة إلى ما يتبركون به في دينهم فإن ذلك من الأمور المهلكة عند الله ولقد رأيت بدمشق أكثر نسائها يفعلن ذلك ورجالهن يسامحونهن في ذلك وهو إنهم يأخذون الصبيان الصغار ويحملونهم إلى الكنيسة حتى يبرك القس عليه ويرشونهم بماء المعمودية بنية التبرك وهذا قرين الكفر بل هو الكفر عينه وما يرتضيه مسلم ولا الإسلام ويقربون القرابين لذلك واحذر أن تؤوي محدثا أحدث في دين الله أمرا يبعد عن الله ويرده الدين مثل هذا الذي ذكرناه وإياك أن تغير حدود الأرض فإن ذلك غصب وقد لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من غير منار الأرض واحذر أن تمثل بحيوان أو تتخذه غرضا أو يتخذه غيرك ولا تنهاه عنه وإياك ونكاح البهائم ولقد كان عندنا رجل صالح قليل العلم قد انقطع في بيته فاشترى حمارة لم تعلم له حاجة إليها فسأله بعض الناس بعد سنين وقال له ما تصنع بهذه الحمارة وما لك حاجة إليها ولا تركبها فقال يا أخي ما اشتريتها إلا عصمة لديني أنكحها حتى لا أزني فقال له إن ذلك حرام فبكى وتاب إلى الله من ذلك وقال والله ما علمت فعليك بالبحث عن دينك حتى تعلم ما يحل لك أن تأتي منه مما لا يحل لك أن تأتيه في تصرفاتك (وصية) إذا سألت المغفرة وهي طلب الستر فاسأل إن يسترك عن الذنب أن يصيبك فتكون معصوما أو محفوظا وإن كنت صاحب ذنب فاسأله إن يسترك أن يصيبك عقوبة الذنب وإياك أن تظهر إلى الناس بأمر يعلم الله منك خلافه فلقد أخبرني الثقة عندي عن الشيخ أبي الربيع الكفيف المالقي كان بمصر يخدمه أبو عبد الله القرشي المبتلى فدخل عليه الشيخ وسمعه يقول في دعائه اللهم يا رب لا تفضح لنا سريرة فصاح فيه الشيخ وقال له الله يفضحك على رءوس الأشهاد يا أبا عبد الله ولأي شيء تظهر لله بأمر وللناس بخلافه أصدق مع الله عز وجل في جميع أحوالك ولا تضمر خلاف ما تظهر فتاب إلى الله من ذلك ورجع وليس للمغفرة متعلق إلا أن يسترك من الذنب أو يسترك من العقوبة عليه يقول الله سبحانه لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ فما تقدم لا يعاقبك عليه وما تأخر لا يصيبك وهذا إخبار من الله بعصمته صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أخبرني سليمان الدنبلي وكان عبدا صالحا فيما أحسب كثير البكاء وكان له أنس بالله فقعدت معه بمقصورة الدولعي زاوية عائشة بجامع دمشق وجرى بيني وبينه كلام فقال لي يا أخي لي والله أكثر من خمسين سنة ما حدثتني نفسي بمعصية قط الله الحمد على ذلك واحذر يا أخي من التنطع في الكلام والتشدق وإياك أن يستعبدك غير الله من عرض من عروض الدنيا فإنك عبد لمن استعبدك وإياك والتكبر والجبروت وتفقد مصالح ما عندك من الحيوانات من بهيمة وفرس وجمل وهرة وغير ذلك ولا تغفل عنهم فإنهم خرس وأمانات بأيديكم إذا أنتم حبستموها عن مصالحها وإياك أن تحدث أخاك بحديث يرى أنك فيه صادق فيصدقك وأنت فيه كاذب لا تحقر أخاك شيئا من نعيم الله وإن قل ولا تزدر أحدا من عباد الله وأملك نفسك عند الغضب وعليك بتحمل الأذى من عباد الله والصبر عليه فليس أحد أصبر على أذى يسميه من الله إنهم ليدعون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم فاجعل الحق أمامك وعامل عباده بما عاملهم به نزل مشرك بإبراهيم الخليل فاستضافه فقال له إبراهيم عليه السلام حتى تسلم فقال يا إبراهيم لا أفعل وانصرف فأوحى الله إليه بإبراهيم من أجل لقمة يترك دينه ودين آبائه إنه ليشرك بي منذ سبعين سنة وأنا أرزقه فخرج إبراهيم عليه السلام في أثر الرجل فعرض عليه الرجوع فاستخبره عن ذلك فأخبره بعتب الله له في ذلك فأسلم المشرك وعليك بترتيل القرآن والتغني به وذلك بأن تحبره وتستوفي حروفه وإياك أن تدعو إلى عصبية بل ادع إلى الله وإذا كنت في سفر فلا تصم فإن ذلك ليس من البر عند الله تعالى وإن كنت ولا بد صاحب لهو فبامرأتك وفرسك وسهامك واجتنب الاسترقاء والاكتواء والطيرة إن أردت أن نكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعليك بفعل البر في يوم الإثنين ويوم الخميس فإنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله تعالى وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا يترك صومهما ويقول إني أحب أن يرفع عملي وأنا صائم فإن الصوم عبادة تستغرق النهار كله سواء غفل العبد عن عبادة في ذلك اليوم أو لم يغفل فإنه في عبادة صومه بما نواه وإياك والشحناء فإنه نظير الشرك في عدم المغفرة عند الله واعلم أن العبد يبعث على ما مات عليه فلا تمت إلا وأنت مسلم إياك وصحبة من تفارقه ولا نصحب إلا من لا يفارقك وهو العمل فاجعل عملك صالحا تأنس به وتسر واجعله لك لا عليك واعلم أن القبر خزانة أعمالك فلا تخزن فيه إلا ما إذا دخلت إليه يسرك ما تراه يقول بعضهم يا من بدنياه اشتغل *** وغره طول الأمل ولم يزل في غفلة *** حتى دنا منه الأجل الموت يأتي بغتة *** والقبر صندوق العمل يرجع عن الميت أهله وماله ويبقى معه عمله أشقى الناس يوم القيامة من أمر بالمعروف ولم يأته ونهى عن المنكر وأتاه وعليك بكسب الحلال وطيب المطعم وفر بدينك من الفتن إذا وقعت في الناس وظهرت وإياك والحرص على المال واحذر أن تسب الدهر فإن الله هو الدهر وإن أردت به الزمان فما بيد الزمان شيء بل الأمر بيد الله لا تقل مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وما بقي بعد ذلك فعليك لا لك وأنت مسئول عما جمعت من أين جمعت وفيم أنفقت ولم اختزنت لا تتزوج من النساء إلا ذات الدين فإن من أعظم النعم على العبد المرأة الصالحة تعين على الدين ولا تكفر العشير كن من حملة الدين تكن عدلا بشهادة الرسول ص فإنه قال يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ابدأ بالسلام على من هو أكبر منك وابدأ بالسلام على الماشي إن كنت راكبا وعلى القاعد إن كنت ماشيا ولقد جرى لي مع بعض الخلفاء رضي الله عنه ذات يوم كنا نمشي ومعنا جماعة وإذا بالخليفة مقبل فتنحينا عن الطريق وقلت لأصحابى من بدأه بالسلام أرذلت به عنده فلما وصل وحاذانا بفرسه انتظر أن نسلم عليه كما جرت عادة الناس في السلام على الخلفاء والملوك فلم نفعل فنظر إلينا وقال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بصوت جهير فقلنا له بأجمعنا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال جزاكم الله عن الدين خيرا وشكرنا على فعلنا وانصرف فتعجب الحاضرون لا تؤمن رجلا في سلطانه ولا نقعد على تكرمته إلا بإذنه ولا تدخل بيته إلا بإذنه ولا تجز مقدم دابته إلا بإذنه وليكن إمام القوم أقرؤهم لكتاب الله هذه وصية رسول الله ص إذا استيقظت من نومك فامسح النوم من عينيك واذكر الله تحل بذلك عقدة واحدة من عقد الشيطان فإنه يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن توضأت حللت بوضوئك العقدة الثانية فإن صليت حللت العقد كلها إياك أن تطلب الإمارة فتوكل إليها وعليك بالصباغ واجتنب السواد فيه فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أمر به ورغب فيه وأعجبه [أن القلوب العباد بيد الله بين أصبعين من أصابع الرحمن]واعلم أن القلوب بيد الله بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء وقلوب الملوك بيد الله كذلك يقبضها عنا إذا شاء ويعطف بها علينا إذا شاء ليس لهم من الأمر شيء فأعذروهم وادعوا لهم ولا تقعوا فيهم فإنهم نواب الله في عباده وهم من الله بمكان فاتركوا ولاته له تعالى يعاملهم كيف شاء أن شاء عفا عنهم فيما قصروا فيه وإن شاء عاقبهم فهو أبصر بهم وعليك بالسمع والطاعة لهم وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف دخل رجل نصراني مشرك بعض البلاد فبينما هو يمشي وإذا بالناس يهرعون من كل مكان ويقولون هذا السلطان قد أقبل فوقف المشرك ليراه فإذا به أسود كان مملوكا لبعض الناس وأعتقه مجدع الأطراف أقبح الناس صورة فلما نظر إليه قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ويحكم ما يشاء فقيل له ما الذي دعاك إلى الإسلام والتوحيد فقال سلطنة هذا العبد الأسود فإني رأيت من المحال أن يجتمع اثنان على تولية مثل هذا على الناس والأشراف والعلماء وأرباب الدين فعلمت إن الله واحد يحكم بعلمه في عباده كيف يشاء لا إله إلا هو ورأيت هذا أنا من تصديق الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما مثل به لنا في قوله وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف فإني جربت المخبرين عن الله إذا ضربوا الأمثال بأمر ما فإنه لا بد من وقوع ذلك المضروب به المثل كان أبو يزيد البسطامي يشير عن نفسه أنه قطب الوقت فقيل له يوما عن بعض الرجال إنه يقال فيه إنه قطب الوقت فقال الولاة كثيرون وأمير المؤمنين واحد لو أن رجلا شق العصي وقام ثائرا في هذا الموضع وأشار إلى قلعة معينة وادعى أنه خليفة قتل ولم يتم له ذلك وبقي أمير المؤمنين أمير المؤمنين فما مرت الأيام حتى ثار في تلك القلعة ثائر ادعى الخلافة وقتل وما تم له ذلك فوقع ما ضرب به أبو يزيد المثل عن نفسه فإياك والوقوع في ولاة أمور المسلمين وإياك أن تنزل أحدا من الله منزلة لا تعرفها لا بتزكية عند الله فيه ولا بتجريح إلا أن تكون على بصيرة من الله تعالى فيه فإن ذلك افتراء على الله ولو صادفت الحق فقد أساءت الأدب وهذا داء عضال بل حسن الظن به وقل فيما أحسب وأظن هو كذا وكذا ولا تزكي على الله أحدا فهذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا يدري ما يفعل به ولا بنا بل يتبع ما يوحى إليه فما عرف به من الأمور عرفها وما لم يعرف به من الأمور لم يعرفه وكان فيه كواحد من الناس فكم رجل عظيم عند الناس يأتي يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وفكر في يوم القيامة وهو له وما يلقي الناس فيه وهو يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ من الله من عاصِمٍ تلجئون إليه ولقد ثبت أن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين ذراعا وأنه ليبلغ أفواه الناس وعليك بالدعاء أن يعيذك الله من فتنة القبر ومن فتنة الدجال ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن شر ما صنعت ومن شر ما خلق وقد أوصيتك بتغطية الإناء فإنه ثبت أن لله في السنة ليلة غير معينة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء إلا دخل فيه من ذلك الوباء أو سقاء ليس عليه وكاء وإن للشيطان فتنة فاستعذ بالله منها وراقب قلبك وخواطرك وزنها بميزان الشريعة الموضوع في الأرض لمعرفة الحق فإنك إذا فعلت ذلك كنت في أمورك تجري على الحق فإن إبليس يضع عرشه على الماء لما علم إن العرش الرحماني على الماء يلبس بذلك على الناس أنه الله كما فعل بابن صياد وقد قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما ترى قال أرى عرشا على البحر فقال ذلك عرش إبليس يقول الله تعالى في عرشه وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ثم قال لِيَبْلُوَكُمْ [الابتلاء فتنة]والابتلاء فتنة فإبليس ما له نظر إلا في الأوضاع الإلهية الحقيقية فيقيم في الخيال أمثلتها ليقال هي عينها فيغتر بها من نظر إليها وما ثم شيء فإن الله قد أعطاه السلطنة على خيال الإنسان فيخيل إليه ما يشاء فإذا وضع عرشه على الماء بعث سراياه شرقا وغربا وجنوبا وشمالا إلى قلوب بنى آدم إلى الكافر ليثبت على كفره وإلى المؤمن ليرجع عن إيمانه وأدناهم من إبليس منزلة أعظمهم فتنة فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وصية) ادع الله أن يجعلك من صالحي المؤمنين تكن ولي رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وناصره فإن الله قرن صالح المؤمنين مع نفسه وجبريل والملائكة في نصرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما وليي الله وصالح المؤمنين وإن كنت واليا فلتساو في إقامة الحدود الشرعية على من تعينت عليه من شريف ووضيع ومن تحبه وتكرهه فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثبت عنه أنه قال إنما هلك من كان قبلكم إنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع ويتركون الشريف وإياك يا أخي أن تحجر عناية الله عن إماء الله لما سمعت أن لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ فتلك درجة الانفعال فإن حواء خلقت من آدم فلما انفعلت عنه كان له عليها درجة السبق فكل أنثى من سبق ماء المرأة ماء الرجل وعلوه على ماء الرجل هذا هو الثابت عن رسول الله ص فاعلم ذلك فللرجال عليهن درجة فإن الحكم لكل أنثى بماء أمها وهنا سر عجيب دقيق روحاني من أجله كان النساء شقائق الرجال فخلقت المرأة من شق الرجل فهو أصلها فله عليها درجة السببية ولا تقل هذا مخصوص بحواء فكل أنثى كما أخبرتك من مائها أي من سبق مائها وعلوه على ماء الرجل وكل ذكر من سبق ماء الرجل وعلوه على ماء الأنثى وكل خنثى فمن مساواة الماءين وامتزاجهما من غير مسابقة واحذر من فتنة الدنيا وزينتها وفرق بين زينة الله وزينة الشيطان وزينة الحياة الدنيا إذا جاءت الزينة مهملة غير منسوبة فإنك لا تدري من زينها لك فانظر ذلك في موضع آخر واتخذه دليلا على ما انبهم عليك مثل قوله زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ ومثل قوله أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ولم يذكر من زينه فتستدل على من زينه من نفس العمل فزينة الله غير محرمة وزينة الشيطان محرمة وزينة الدنيا ذات وجهين وجه إلى الإباحة والندب ووجه إلى التحريم والحياة الدنيا وطن الابتلاء فجعلها الله حلوة خضرة واستخلف فيها عباده فناظر كيف يعملون فيها بهذا جاء الخبر النبوي فاتق فتنتها وميز زينتها وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وإذا فجأك أمر تكرهه فاصبر له عند ما يفجئوك فذلك هو الصبر المحمود ولا تتسخط له ابتدا ثم تنظر بعد ذلك أن الأمر بيد الله وأن ذلك من الله فتصبر عند ذلك فليس ذلك بالصبر المحمود عند الله الذي حرض عليه رسول الله ص ولقد مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بامرأة وهي تصرخ على ولد لها مات فأمرها إن تحتسبه عند الله وتصبر ولم تعرف أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقالت له إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي فقيل لها هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فجاءت تعتذر إليه مما جرى منها فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما الصبر عند الصدمة الأولى ينبه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم العبد أنه لا يزال حاضرا مع الله أبدا فهو أولى به وعليك برحمة الضعيف المستضعف فإنه قد ثبت أن الله ينصر عباده ويرزقهم بضعفائهم وإذا اقترضت من أحد قرضا فأحسن الأداء وأرجح إذا وزنت له واشكره على قرضه إياك وانظر الفضل له ولكل من أحسن إليك أو أهدى لك هدية أو تصدق عليك ولو بالسلام فإن له الفضل عليك بالتقدم وما عرف مقدار السلام الذي هو التحية إلا الصدر الأول فإني رويت أنهم كانوا إذا حالت بين الرجلين شجرة وهما يمشيان في الطريق فإذا تركاها والتقيا سلم كل واحد منهما على صاحبه لمعرفته بسرعة تقلب النفوس وما يبادر إليها من الخواطر القبيحة من إلقاء إبليس فيكون السلام بشارة لصاحبه إنه سلم من ذلك وإنه معه على ما افترقا عليه من حسن المودة فانظر إلى معرفتهم بالنفوس رضي الله عنهم ومن قال لك إنه يحبك فلو أحببته ما عسى أن تحبه لن تبلغ درجة تقدمه في حبه إياك فإن حبك نتيجة عن ذلك الحب المتقدم وما قلت لك ذلك إلا أني رأيت وسمعت من فقراء زماننا من جهالهم لا من علمائهم يرون الفضل لهم على الأغنياء حيث كانوا فقراء لما يأخذونه منهم إذ لو لا الفقراء ما صح لهم هذا الفضل وهذا غلط عظيم فإن الثناء على المعطي ما هو من حيث ما وجد من يأخذ منه وإنما هو لقيام صفة الكرم به ووقايته شح نفسه سواء وجد من يأخذ منه أو لم يجد أ لا ترى إلى النص الوارد في المتمني مع العدم إذا تمنى ويقول لو أن لي مالا فعلت فيه من الخير مثل ما فعل هذا المعطي فأجرهما سواء وزاد عليه بارتفاع الحساب عنه والسؤال ولهذا قلنا بأن ترى الفضل عليك لمن أعطى بما أعطى فهو أولى بك وأن اليد العليا هي خير من اليد السفلي واليد العليا هي المنفقة واليد السفلي هي السائلة هذا السؤال ولكن إذا لم تر الله في سؤالها لأن الحق قد سأل عباده في أمره إياهم أن يقرضوه ويذكروه وهنا إسار في التنزل الإلهي إلى عباده (وصية) إذا قرأت فاتحة الكتاب فصل بسملتها معها في نفس واحد من غير قطع فإني أقول بالله العظيم لقد حدثني أبو الحسن عن ابن أبي الفتح المعروف والده بالكناري بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة وقال بالله العظيم لقد سمعت شيخنا أبا الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب يقول بالله العظيم لقد سمعت والدي أحمد يقول بالله العظيم لقد سمعت المبارك ابن أحمد بن محمد النيسابوري المقري يقول بالله العظيم لقد سمعت من لفظ أبي بكر الفضل بن محمد الكاتب الهروي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر محمد بن علي الشاشي الشافعي من لفظه وقال بالله العظيم لقد حدثني عبد الله المعروف بأبي نصر السرخسي وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل وقال بالله العظيم لقد حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن يحيى الوراق الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن يونس الطويل الفقيه وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد بن الحسن العلوي الزاهد وقال بالله العظيم لقد حدثني موسى بن عيسى وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الراجعي وقال بالله العظيم لقد حدثني عمار بن موسى البرمكي وقال بالله العظيم لقد حدثني أنس بن مالك وقال بالله العظيم لقد حدثني علي بن أبي طالب وقال بالله العظيم لقد حدثني أبو بكر الصديق وقال بالله العظيم لقد حدثني محمد المصطفى صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وقال بالله العظيم لقد حدثني جبريل عليه السلام وقال بالله العظيم لقد حدثني ميكائيل عليه السلام وقال بالله العظيم لقد حدثني إسرافيل عليه السلام وقال قال الله تعالى لي يا إسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي من قرأ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة اشهدوا على أني قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت عنه السيئات ولا أحرق لسانه بالنار وأجيره من عذاب القبر وعذاب النار وعذاب القيامة والفزع الأكبر ويلقاني قبل الأنبياء والأولياء أجمعين (وصية) كن غيور الله تعالى واحذر من الغيرة الطبيعية الحيوانية أن تستفزك وتلبس عليك نفسك بها وأنا أعطيك في ذلك ميزانا وذلك أن الذي يغار لله دينا إنما يغار لانتهاك محارم الله على نفسه وعلى غيره فكما يغار على أمه إن يزني بها أحد كذلك يغار على أم غيره إن يزني بها هو وكذلك البنت والأخت والزوجة والجارية فإن كل امرأة يزني بها قد تكون إما لشخص وبنتا لآخر وأختا لآخر وزوجة لآخر وجارية لآخر وكل واحد منهم لا يريد أن يزني أحد بأمه ولا بأخته ولا بابنته ولا بزوجته ولا بجاريته كما لا يريد هذا الغير أن الذي يزعم أنه يغار لله دينا فإن فعل شيئا من هذا وزنى وادعى الغيرة في الدين أو المروءة فاعلم أنه كاذب في دعواه فإنه ليس بذي دين ولا مروءة من يكره لنفسه شيئا ولا يكرهه لغيره فليس بذي غيرة إيمانية يقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في سعد والحديث مشهور إن سعدا لغيور وإني لأغير من سعد وإن الله أغير مني ومن غيرته حرم الفواحش ولقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وما مست يده يد امرأة لا يحل له لمسها وهو رسول الله وما كانت تبايعه النساء إلا بالقول وقوله للواحدة قوله للجميع فاجعل ميزانك في الغيرة للدين هذا فإن وفيت به فاعلم إنك غيور للدين والمروءة وإن وجدت خلاف ذلك فتلك غيرة طبيعية حيوانية ليس لله ولا للمروءة فيها دخول حتى تغار منك كما تغار عليك وقد ثبت ما من أحد أغير من الله إن يزني عبده أو تزني أمته وإذا أصابتك مصيبة فقل إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فلا تنزل ما تجد منها إلا بالله ثم قل اللهم اجبرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها فإنه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن العبد إذا قال هذا أخلف الله له خيرا منها ولقد مات أبو سلمة فقالت امرأته هذا القول وهي تقول ومن خير من أبي سلمة فأخلفها الله خيرا من أبي سلمة وهو رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فتزوج بها وصارت من أمهات المؤمنين ولم يكن أصل هذه العناية الإلهية بها إلا هذا القول عند ما أصيبت بموت زوجها أبي سلمة وإذا مات لك ميت فاجهد إن يصلي عليه مائة مسلم أو أربعون فإنهم شفعاء له عند الله ثبت في ذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه وحديث آخر قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما من رجل مسلم يموت يقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ومعنى لا يشركون بالله شيئا أي لا يجعلون مَعَ الله إِلهاً آخَرَ وروينا عن بعض العرب أنه مر بجنازة يصلي عليها أمة كثيرة من المسلمين فنزل عن دابته وصلى عليها فقيل له في ذلك فقال إنها من أهل الجنة فقيل ومن لك بذلك فقال وأي كريم يأتي إليه جماعة يشفعون عنده في شخص فيرد شفاعتهم لا والله لا يردها أبدا فكيف الله الذي هو أكرم الكرماء وأرحم الرحماء فما دعاهم ليشفعوا فيه إلا ويقبل شفاعتهم إذا لكريم يقبلها وإن لم يدعهم إلى الشفاعة فيه فكيف وقد دعاهم اعلم أن الله أمرك أن تتقي النار فقال واتَّقُوا النَّارَ أي اجعل بينك وبينها وقاية حتى لا يصل إليك أذاها يوم القيامة فإنه ثبت أنه ما من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة ولقد وشي ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان بأمر فيه حتفه وكان أهل البلد قد أجمعوا على ما وشي به وما قيل فيه مما يؤدي إلى هلاكه فأمر السلطان نائبه أن يجمع الناس ويحضر هذا الرجل فإن أجمعوا عليه على ما قيل فيه يأمر الوالي أن يقتله وإن قيل غير ذلك خلى سبيله فجمع الناس لميقات يوم معلوم وعرفوا ما جمعوا له وكلهم على لسان واحد إنه فاسق يجب قتله بلا مخالف فلما جيء بالرجل مر في طريقه بخباز فاقترض منه نصف رغيف فتصدق به من ساعته فلما وصل إلى المحفل وكان الوالي من أكبر أعدائه أقيم في الناس وقيل لهم ما عندكم في هذا الرجل وما تقولون فيه وسموه فما بقي أحد من الناس إلا قال هو عدل رضي عن آخرهم فتعجب الوالي من قولهم خلاف ما كان يعلمه منهم وما كانوا يقولون فيه قبل حضوره فعلم إن الأمر إلهي والشيخ يضحك فقال له الوالي مم تضحك فقال من صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم تعجبا به وإيمانا والله ما من أحد من هذه الجماعة إلا ويعتقد في خلاف ما شهد به وأنت كذلك وكلكم علي لا لي فتذكرت النار ورأيتها أقوى غضبا منكم وتذكرت نصف رغيف ورأيته أكبر من نصف تمرة وسمعت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فاتقيت غضبكم بنصف رغيف فدفعت الأقل من النار بالأكثر من شق التمرة وعليك يا أخي بالصدقة فإنها تطفئ غضب الرب ولها ظل يوم القيامة يقي من حر الشمس في ذلك الموقف وإن الرجل يكون يوم القيامة في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس وما من يوم يصبح فيه العبد إلا وملكان ينزلان كذا جاء وثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا وهو قوله تعالى وما أَنْفَقْتُمْ من شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا يدعو له بالإنفاق مثل الأول المنفق لا يدعو عليه فإنهم لا يدعون إلا بخير فهم الذين يقولون رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْماً وهم الذين قال الله فيهم إنهم يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ في الْأَرْضِ فما أراد الملك بالتلف في دعائه إلا الإنفاق وهذا خلاف ما يتوهمه الناس في تأويل هذا الخبر وليس إلا ما قلناه فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول في الرجل الذي آتاه الله مالا فسلطه على هلكته فيتصدق به يمينا وشمالا فجعل صدقته هلاك المال وهذا معنى تلفه والإنفاق ليس إلا هلاك المال فإنه من نفقت الدابة إذا هلكت فالمال المنفوق هو الهالك لأنه هلك عن يد صاحبه ولهذا دعا للمنفق بالخلف وهو العوض لما مر منه مع ادخار الله له ذلك عنده إلى يوم القيامة إذا قصد به القربة واقترنت بعطائه النية الصالحة (وصية) احذر أن يراك الله حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك واجهد أن يكون لك خبية عمل لا يعلم بها إلا الله فإن ذلك أعظم وسيلة لخلوص ذلك العمل من الشوب وقليل من يكون له هذا وعليك بصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وثابر على عمل الخير في عشر ذي الحجة وفي عشر المحرم وإذا قدرت على صوم يوم في سبيل الله بحيث لا يؤثر فيك ضعفا في بلائك في العدو فافعل وإذا علمت إن النفس تحب أن تمشي في خدمتها فاجهد إن تجعل الملائكة تمشي في خدمتك وتضع أجنحتها لك في طريقك وذلك بأن تكون من طلاب العلم وإن كان بالعمل فهو أولى وأحق وأعظم عند الله وهو قوله إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وكذلك إذا خرجت تعود مريضا ممسيا أو مصبحا أو معا فأنت إذا خرجت من عنده خرج معك سبعون ألف ملك يستغفرون لك إن كان صباحا حتى تمسي وإن كان مساء حتى تصبح واجهد أن تقرأ في كل صباح ومساء أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ الله الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ الله الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما في السَّماواتِ والْأَرْضِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تقرأ ذلك ثلاث مرات على صورة ما قلناه تتعوذ في كل مرة بالتعوذ الذي ذكرناه وكذلك بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الصبح قبل إن نتكلم وعند ما تسلم من الصلاة تقول اللهم أجرني من النار سبع مرار وكذلك إذا صليت المغرب بعد أن تسلم وقبل إن تتكلم تصلي ست ركعات ركعتان منها تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ست مرات والمعوذتين في كل ركعة من الركعتين فإذا سلمت فقل عقيب السلام اللهم سددني بالإيمان واحفظه علي في حياتي وعند وفاتي وبعد مماتي وكذلك تقول في أثر كل صلاة فريضة إذا سلمت منها وقبل الكلام اللهم إني أقدم إليك بين يدي كل نفس ولمحة ولحظة وطرفة يطرف بها أهل السموات وأهل الأرض وكل شيء هو في علمك كائن أو قد كان اللهم إني أقدم إليك بين يدي ذلك كله الله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ من ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ من عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ والْأَرْضَ ولا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ وإياك والإصرار وهو الإقامة على الذنب بل تب إلى الله في كل حال وعلى أثر كل ذنب ولقد أخبرني بعض الصالحين بمدينة قرطبة من أهلها قال سمعت أن بمرسية رجلا عالما أعرفه ورأيته وحضرت مجلسه سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمرسية وكان هذا العالم مسرفا على نفسه وما منعني أن أسميه إلا خوفي أن يعرف إذا سميته فقال لي ذلك الفقير الصالح قصدت زيارة هذا العالم فامتنع من الخروج إلى الراحة كان عليها مع إخوانه فأبيت إلا رؤيته فقال أخبروه بالذي أنا عليه فقلت لا بد لي منه فأمر فدخلت عليه وقد فرغ ما كان بأيديهم من الخمر فقال له بعض الحاضرين أكتب إلى فلان يبعث إلينا شيئا من الخمر فقال لا أفعل أ تريدون أن أكون مصرا على معصية الله والله ما أشرب كأسا إذا تناولته إلا وأتوب عقيبه إلى الله تعالى ولا انتظر الكأس الآخر ولا أحدث به نفسي فإذا وصل الدور إلي وجاء الساقي بالكأس ليناولني إياه انظر في نفسي فإن رأيت أن أتناوله منه تناولته وشربته وتبت عقيبه فعسى الله أن يمن علي بوقت لا يخطر لي فيه إن أعصي الله قال الفقير فتعجبت منه مع إسرافه على نفسه كيف لم يغفل عن مثل هذا ومات رحمه الله (وصية) إذا صليت فلا ترفع بصرك إلى السماء فإنك لا تدري يرجع إليك بصرك أم لا وليكن نظرك إلى موضع سجودك أو قبلتك وحافظ على تسوية الصف في الصلاة وإذا رأيت من برز بصدره عن الصف رده إليه واحذر أن تأتي أمرا إلا عن بصيرة وعلم ولا تدخل في عمل لا تعرف حكمه عند الله وأد الحقوق في الدنيا فإنه لا بد من أدائها فإن أديتها هنا شكر الله فعلك وأفلحت وعليك بمخالفة أهل الكتاب وكل من ليس على دينك ولو كان خيرا فاطلب على ذلك في الشرع فإذا وجدته مجملا أو معينا فاعمل به من حيث ما هو مشروع لك تكن مؤمنا وإذا رأيت ما تنكره ولا تعرفه فسلمه إلى صاحبه ولا تعترض عليه فإن الله ما ألزمك إلا بما تعرف حكم الله فيه فتحكم فيه بحكم الله ولا تنظر إلى إنكارك فيه مع عدم علمك به فقد يكون ذلك الإنكار من الشيطان وأنت لا تعرف ورأيت كثيرا من الناس يقعون في مثل هذا وإياك والاعتداء في الدعاء والطهور فإن ذلك مذموم وليس بعبادة ومثل الاعتداء في الدعاء أن تدعو بقطيعة رحم وشبه ذلك والاعتداء في الطهور الإسراف في الماء والزيادة على الثلاث في الوضوء وإذا توضأت فاعزم أن تجمع بين مسح رجليك وغسلهما فإنه أولى ولا تترك شيئا من سنن الوضوء فإن من سننه ما فيه خلاف بين وجوبه وعدم وجوبه كالمضمضة والاستنشاق والاستنثار وإذا صليت فاسكن في صلاتك ولا تلتفت يمينا وشمالا ولا تعبث بلحيتك في الصلاة ولا بشيء من ثيابك ولا تشتمل الصماء في الصلاة وليكن ظهرك مستويا في ركوعك ولا تذبح كما تذبح الحمار واحذر أن تكون مكاسا وهو العشار أو مدمن خمر أو مصرا على معصية وإياك والغلول والربا وعليك بالدعاء بين الأذان والإقامة وعليك بذكر لفظة الله الله من غير مزيد فإن نتيجة هذا الذكر عظيمة قلت لبعض الحاضرين مع الله من شيوخنا وكان ذكره الله الله من غير مزيد فقلت له لم لا تقول لا إله إلا الله أطلب بذلك الفائدة منه فقال لي يا ولدي أنفاس المتنفس بيد الله ما هي بيدي وكل حرف نفس فنخاف إذا قلت لا أريد لا إله إلا الله فربما يكون النفس بلا آخر نفسي فأموت في وحشة النفي وكلمة الله فيها من الفائدة ما لا يكون في غيرها فإنه ما ثم كلمة تحذف منها حرفا فحرفا إلا ويختل ما بقي إلا هذه الكلمة كلمة الله فلو زال الألف بقي لله كلمة مفيدة ولو زالت اللام الأولى بقي له وقد قال لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ وقال لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ فلو زال اللامان والألف بقي إلها وهو قولك هو وقد جاء هو الله وفي غير هذه الكلمة فيما أظن ما تجد غير هذا وكان رجلا أميا من عامة الناس وكان نظره مثل هذا واعتباره وعليك بالتباهي في الأمور الدينية وتزيين المصاحف والمساجد ولا تنظر إلى قول الشارع في ذلك أنه من أشراط الساعة كما يقول من لا علم له فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما ذم ذلك وما كل علامة على قرب الساعة تكون مذمومة بل ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم للساعة أمورا ذمها وأمورا حمدها وأمورا لا حمد فيها ولا ذم فمن علامات الساعة المذمومة أن يعق الرجل أباه ويبر صديقه وارتفاع الأمانة ومن المحمودة التباهي في المسجد وزخرفتها فإن ذلك من تعظيم شعائر الله ومما يغيظ الكفار ومما ليس بمحمود ولا مذموم كنزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة فهذه من علامات الساعة ولا يقترن بها ذم ولا حمد لأنها ليست من فعل المكلف وإنما يتعلق الذم والحمد بفعل المكلف فلا تجعل علامات الساعة من الأمور المذمومة كما يفعله من لا علم له ورأيت من القائلين بذلك كثيرا وحافظ على الصف الأول في الصلاة ما استطعت فإنه قد ثبت لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار وإذا دعوت الله فلا تستبطئ الإجابة ولا تقل إن الله ما استجاب لي فإنه الصادق وقد قال أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فقد أجابك إن كان سمع إيمانك مفتوحا فقد سمعتهم وإلا فاتهم إيمانك بذلك فإن دعوت بإثم أو قطيعة رحم فإن مثل هذا الدعاء لا يستجيب الله لصاحبه فإنه تعالى قد شرع لنا ما ندعوه فيه وهذا هو الاعتداء في الدعاء وإن الله يستجيب للعبد ما لم يقل العبد الداعي لم يستجب لي فإنه إذا قال لم يستجب لي فقد كذب الله في قوله أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ومن كذب الله فليس بمؤمن وله الويل مع المكذبين إلا أن يتوب وعليك إذا لم تواصل صومك بتعجيل الفطر وتأخير أكلة السحور وأما العبد إذا صلى أقبل الله عليه في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض الله عنه وكان لما التفت إلا إذا التفت لأمر مشروع ليقيم بذلك الالتفات أمرا يختص بالصلاة كالتفات أبي بكر لما سبح به عند مجيء رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فذلك ما أعرض عن الله واجتنب دخول المسجد إن كنت جنبا وقراءة القرآن ومس المصحف وكذلك الحائض فإنه أخرج عن الخلاف وكلما قدرت أن لا تفعل فعلا إلا ما يكون الإجماع عليه فهو أولى ما لم تضطر إليه مثل اجتناب أكل ثمن الكلب وكسب الحجام وحلوان الكاهن ومهر البغي ولا تقبل صدقة إن كنت ذا غنى أو قادرا على الكسب وإياك أن تتقدم على قوم إلا بإذنهم ولا تروع مسلما بما يروعه منك أي شيء كان وعليك بمجالس الذكر ولا تتصدق إلا بطيب أعني بحلال وإن كنت مجاورا بالمدينة فلا يخرجنك منها ما تلقاه من الشدة فيها من الغلاء واللأواء ولا ترد أهل المدينة بسوء بل ولا مسلم أصلا وإذا أصبت من جهة فاجتنبها وانظر في محاسن الناس ولا تنظر من إخوانك من المؤمنين إلا محاسنهم فإنه ما من مسلم إلا وفيه خلق سيئ وخلق حسن فانظر إلى ما حسن من أخلاقه ودع عنك النظر فيما يسوء من أخلاقه وإذا صليت فأقم صلبك في الركوع والسجود واشكر الله على قليل النعم كما تشكره على كثيرها ولا تستقلل من الله شيئا من نعمه ولا نكن لعانا ولا سبابا وإياك وبغض من ينصر الله ورسوله أو يحب الله ورسوله ولقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم سنة تسعين وخمسمائة في المنام بتلمسان وكان قد بلغني عن رجل أنه يقع في الشيخ أبي مدين وكان أبو مدين من أكابر العارفين وكنت أعتقد فيه وكنت فيه على بصيرة فكرهت ذلك الشخص لبغضه في الشيخ أبي مدين فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لم تكره فلانا فقلت لبغضه في أبي مدين فقال لي أ ليس يحب الله ويحبني فقلت له بلى يا رسول الله إنه يحب الله ويحبك فقال لي فلم بغضته لبغضه أبا مدين وما أحببته لحبه الله ورسوله فقلت له يا رسول الله من الآن إني والله زللت وغفلت والآن فأنا تائب وهو من أحب الناس إلي فلقد نبهت ونصحت صلى الله عليك فلما استيقظت أخذت معي ثوبا له ثمن كثير أو نفقة لا أدري وركبت وجئت إلى منزله فأخبرته بما جرى فبكى وقبل الهذية وأخذ الرؤيا تنبيها من الله فزال عن نفسه كراهته في أبي مدين وأحبه فأردت أن أعرف سبب كراهته في أبي مدين مع قوله بأن أبا مدين رجل صالح فسألته فقال كنت معه ببجاية فجاءته ضحايا في عيد الأضحى فقسمها على أصحابه وما أعطاني منها شيئا فهذا سبب كراهتي فيه ووقوعي والآن قد تبت فانظر ما أحسن تعليم النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلقد كان رفيقا رقيقا وإذا استرعاك الله رعية مسلمين أو أهل ذمة فإياك إن تغشهم ولا تضمر لهم سوء وانظر فيما أوجب الله عليك من الحقوق لهم فأدها إليهم وعاملهم بها ظاهرا وباطنا سرا وعلانية ولا تجعل ذميا خصمك يوم القيامة وإذا رأيت من أحد حالة سيئة يطلب أن تستر عليه فاستره فيها ولو لم يرد الستر فاسترها أنت عليه على كل حال وإذا أكلت طعاما فلا تأكل أكل الجبارين متكئا وكل كما يأكل العبد فاتك عبد على مائدة سيدك فتأدب وإذا رأيت من يطلب ولاية عمل فلا تسع له في ذلك فإن الولاية مندمة وحسرة في الآخرة وقد أمرك الله بالنصيحة وإذا رأيت قوما ولوا أمرهم امرأة فلا تدخل معهم في ذلك (وصية) لا تسبق إلى فضيلة إذا وجدت السبيل إليها وانظر في الدنيا نظر الراحل عنها والمطالب بما نال منها وإذا نكحت فأولم بما قدرت عليه وإذا نمت أو دخلت بيتك أو أكلت أو شربت أو فعلت فعلا فسم الله عليه وأذكره وتناول بيمينك أمورك كلها إلا ما ورد فيه النهي من الشارع أو ما يجري مجرى النهي مثل الاستنجاء ومسك الذكر باليمين أيضا عند البول والامتخاط فاجعل ذلك كله بيسارك وإذا أكلت مع جماعة طعاما واحدا فكل مما يليك وإذا اختلف الطعام فكل من حيث شئت وقلل النظر إلى من يأكل معك وصغر اللقمة وشدد المضغ وسم الله في أول كل لقمة واحمد الله في آخرها إذا ابتلعتها واشكر الله حيث سوغكها ولا تكثر الشرة في الأكل وتعاهد المشي إلى المساجد مساجد الجماعات في أوقات الصلوات ولا سيما العتمة والصبح من غير سراج تبشر بالنور التام يوم القيامة وإذا سمعت من بعطس وحمد الله فشمته وإن لم يحمد الله فذكره بحمد الله فإذا حمد الله فشمته فإذا زاد في العطاس على ثلاثة فهو مزكوم فادع الله له في الشفاء وإياك أن تخون من خانك ولا تعتد على من اعتدى عليك فإن ذلك أفضل لك عند الله وأعذر ولا تعتذر فإن اعتذارك يتضمن سوء ظنك بمن اعتذرت له وابدأ في المعاملة مع الخلق بالأولى فالأولى وإذا تساوت الأمور وبدأ الله بذكر شيء منها فابدأ بما بدأ الله به كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حجته لما أراد أن يسعى بين الصفا والمروة وقف على الصفا وقرأ إِنَّ الصَّفا والْمَرْوَةَ من شَعائِرِ الله أبدأ بما بدأ الله به وإذا قمت في عبادة الله فاعمل نشاطك فإذا كسلت فاترك ولا تكن من الذين إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى وإذا صليت وأحد ينظر إليك فانو في تحسين صلاتك تعليمه وأخلص لله عبادتك فإنه ما أمرك أن تعبده إلا مخلصا وافعل ما أوجب الله عليك فعله ولا بد سواء كسلت أو كنت نشيطا وإنما أمرتك بالترك في النوافل ولا تعبد الله بكسل وانتقل إلى نافلة غيرها ولا تحسن صلاتك في الملإ دون الخلافان فعل ذلك من فعله فإن ذلك الفعل استهانة استهان بها ربه كذا ثبت وإن كنت ممن يصلح للامامة فصل خلف الإمام فإنه إن أحدث الإمام في الصلاة استخلفك وإن لم تكن من أهلها فصل يمين الصف أو يساره وحافظ على الصف الأول وإذا رأيت فرجة في الصف فسدها بنفسك فلا حرمة لمن رآها وتركها وتخط رقاب الناس إليها وسارع إلى الخيرات وكن لها سابقا ونافس فيها قبل إن يحال بينك وبينها وإياك أن تتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ولا تحت شجرة مثمرة ولا في مجالس الناس ولا تبل في هوى ولا في حجر ولا في ماء دائم ثم تتوضأ منه أو تغتسل فيه واتق الله في زوجتك وولدك وخادمك وفي جميع من أمرك الله بمعاملته واحذر فتنة الدنيا والنساء والولد والمال وصحبة السلطان واتق الله في البهائم واجعل من صلاتك في بيتك وعين في بيتك مسجدا لك تتنفل فيه وتصلي فيه فريضتك إن اضطررت إلى ذلك وأكثر من قراءة القرآن يتدبر إن كنت عالما فإنه أرفع الأذكار الإلهية وإن كنت في جماعة يقرءون القرآن فاقرأ معهم ما اجتمعتم عليه فإن اختلفتم فقم عنهم وحافظ على قراءة الزهراوين البقرة وآل عمران وإذا شرعت في قراءة سورة من القرآن فلا تتكلم حتى تختمها فإن ذلك دأب العلماء الصالحين ولقد حدثني غير واحد بقرطبة عن الفقيه ابن زرب صاحب الخصال أنه كان يقرأ في المصحف سورة من القرآن فمر عليه أمير المؤمنين من بنى أمية فقيل للخليفة عنه فمسك فرسه وسلم عليه وسأله فلم يكلمه الشيخ حتى فرغ من السورة ثم كلمه فقال له الخليفة في ذلك فقال ما كنت لأترك الكلام مع سيدك وأكلمك وأنت عبده هذا ليس من الأدب ثم ضرب له مثلا به وبعبيده فقال أ رأيت لو كنت في حديث معك وكلمني بعض عبيدك أ يحسن مني أن اترك الكلام معك وأقطعه وأكلم عبدك قال لا قال فإنك عبد الله فبكى الخليفة ولقيت جماعة على ذلك من شيوخنا منهم أبو الحجاج الشربلي بإشبيلية وكان كثيرا ما يقرأ القرآن في المصحف إذا خلى بنفسه وإذا دخلت على مريض أو ميت فاقرأ عنده سورة يس فإنه اتفق لي فيها صورة عجيبة وعليك بالصلاة في النعال إذا لم يكن بها قذر والمشي فيها واستوص بطالب العلم خير أو بالنساء واعتدل في السجود إذا سجدت في الصلاة أو في القراءة ولا تبسط ذراعيك في سجودك كما يفعل الكلب ولا تكلف نفسك من العمل إلا ما تطيقه وتعلم أنك تدوم عليه وإذا حضرت عند ميت فلقنه لا إله إلا الله ولا تسيء الظن به إذا لم يقل ذلك أو يقول لا فإني أعلم أن شخصا بالمغرب جرى له مثل هذا وكان مشهورا بالصلاح فلما أفاق قيل له في ذلك فقال ما كنت معكم وإنما جاءني الشياطين في صورة من سلف ودرج من آبائي وإخواني فكانوا يقولون لي إياك والإسلام مت يهوديا أو نصرانيا فكنت أقول لهم لا حين سمعتموني أقول لا إلى أن عصمني الله منهم وإذا كان لك صاحب فعده إن مرض وصل عليه إن مات وشيع جنازته وإذا شيعت جنازة إن كنت راكبا فامش وإن كنت ماشيا فامش بين يديها وإذا حضرت دفن ميت من المسلمين فلا تنصرف عن قبره وقف ساعة قدر ما يسأل فإنه يجد لوقوفك أنسا وإن حملت جنازة فأسرع بها فإن كان خيرا سارعت بها إليه وإن كان شرا حططته عن رقبتك ولا تذكر مساوي الموتى وغط الإناء الذي تشرب منه واطف السراج عند نومك وأغلق بابك إذا أردت النوم فإن الشياطين لا تفتح بابا مغلقا واقرأ آية الكرسي عند نومك وسدد في الأمور وقارب ما استطعت فاعمل الخير ولا تقل إن كان الله كتبني شقيا فأنا شقي وإن كان كتبني سعيدا فأنا سعيد فلا أعمل فاعلم إنك إذا وفقت لعمل الخير فهو بشرى من الله إنك من السعداء فإن الله لا يضيع أَجْرَ من أَحْسَنَ عَمَلًا وإن الله يقول فَأَمَّا من أَعْطى واتَّقى وصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وأَمَّا من بَخِلَ واسْتَغْنى وكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم اعملوا واتكلوا وكل ميسر لما يسر له فمن خلق للنعيم فسييسره لليسرى ومن خلق للجحيم فسييسره للعسرى وأنزل كل أحد منزلته تكن عادلا واترك حقك لأخيك ما استطعت وأقل عثرات أهل المروءات والهيئات إلا في إقامة الحدود المشروعة إن كنت حاكما ذا سلطان وإن كنت ذا ثروة وحظ من الدنيا فارتبط فرسا أو جملا في سبيل الله وأمسح بنواصيها وإعجازها وقلدها ولا تقلدها وترا ولا جرسا وجاهد بمالك ونفسك من أشرك بالله واشفع إلا في حد إذا بلغ إلى الحاكم والبس البياض من الثياب فإنه خير لباس المؤمن وأطهره وأطيبه وكفن الميت فيه وإذا جاءك سائل في العلم أو غيره فلا تنهره ولا تخيب من جاء يسترفدك مما فضلك الله عليه من الرزق وأكثر من زيارة القبور ولا تكثر الجلوس عندها ولا تقل هجرا بل اجلس ما دمت تعتبر وتذكرك الآخرة ولا تؤذ أصحاب القبور بالحديث عندها في أمور الدنيا وبلغ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولو خبرا واحدا أو آية فإنك تحشر بذلك في زمرة العلماء المبلغين ومر الصبي بالصلاة لسبع سنين واضربه عليها لعشر سنين وفرق بين الصبيان في المضاجع وإياك أن تفضي إلى أخيك في الثوب الواحد وتابع بين الحج والعمرة وإن جاورت بمكة فأكثر من الاعتمار والطواف ولا سيما في رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة هذا هو الثابت وأكثر من أكل الزيت والادهان به وإذا اشتريت طعاما فأكلته واجتنب السبع الموبقات وهي الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ (وصية) عليك بكثرة السجود والجماعة وإن قدرت إن تسكن للشام فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثبت عنه أنه قال عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه وإليها يجتبي خيرته من عباده وإياك والحديث بالظن فإن الظن أكذب الحديث إياك والحسد ولا تجلس على الطرقات ولا تدخل على النساء المغنيات وإذا بعث فلا تكثر من اليمين على سلعتك وإياك أن تتقلد أمرا من أمور المسلمين فإن ألجأت إلى ذلك ولا بد فلا تحكم بين اثنين وأنت غضبان ولا أنت حاقن ولا جائع ولا أنت مستوفز لأمر لا بد لك منه وأعدل بين رجليك إذا انتعلت أو وضعت إحدى رجليك على الأخرى واعلم أن جوارحك من رعيتك فاعدل فيها فإن الله أمرك بالعدل فيمن استرعاك وإن كنت مملوكا فلا تقل لمالكك ربي وقل سيدي وإن كان لك مملوك أو مملوكة فلا تقل عبدي ولا أمتي وقل غلامي وجاريتي ولا تقل لأحد مولاي فإن المولى هو الله وقد نهيت أن تقول خبثت نفسي وقل لقست نفسي وإذا طلب منك جارك أن يغرز خشبة في جدارك فلا تمنعه ولا تنظر في عورة أحد ولا في بيته إلا بإذنه ولا تصحب إلا من تجد في صحبته الزيادة في دينك وإيمانك وقدم في معروفك كل تقي ولا تعط الفاجر ما يستعين به على فجوره وإن كانت لك زوجة وضربتها لأمر طرأ منها فلا تجامعها من يومها وإياك أن تسأل شيئا سوى الله إلا الله في جنته ورؤيته وأما في شيء من عرض الدنيا فلا وإن ركبت البحر فلا تركبه إلا حاجا أو معتمرا ولا تخطب امرأة على خطبة أخيك ولا تسم على سومه حتى يذر وإن كنت ضيفا عند قوم فلا تصم إلا بإذنهم وإن كنت في خدمة شيخ فلا تصم ولا تتحرك في شيء إلا بإذنه والمرأة لا تصوم إلا بإذن زوجها صوم النافلة أو قضاء شهر رمضان ولا يأذن في بيت زوجها إلا بإذنه إذا كان حاضرا ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتنكح بعلها ولا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم وإذا دعوت في المغفرة فاعزم المسألة ولا تقل اغفر لي إن شئت واطلب رحمة الله وغفرانه ولا تستكثر شيئا تسأله من الله فإن الله كبير عنده فوق ما تأمل وإياك أن تتصرف في مال أخيك إلا بإذنه وإذا أصبحت في كل يوم فقل اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك اللهم من آذاني أو شتمني أو أغضبني أو فعل معي أمرا يفضي إلى الحكم فيه أشهدك يا رب إني قد أسقطت طلبي عنه في ذلك دنيا وآخرة وإذا شربت ماء فاشرب قاعدا ولا تقل يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر هذا ثابت عن رسول الله ص وإياك أن تبرز فخذك حتى يرى منك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت وإياك أن تقعد على قبر ولا تصل وأنت تستقبله أو تستقبل إنسانا في صلاتك ووجهه إليك ولا تتخذ القبر مسجدا ولا تتمن الموت لضر نزل بك بل قل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون انتهى السفر السادس والثلاثون من الفتوح المكي (وصية) لا تكن وصيا ولا رسول قوم ولا سيما بين الملوك ولا شاهدا واحذر إذا اغتسلت أن تبول في مستحمك بل اعتزل عنه وبل ولا تنذر ما استطعت فإن نذرت فأوف بنذرك فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد شهد بالبخل لمن نذر وإياك أن تتمنى لقاء العدو فإذا لقيته فأثبت ولا تفر وإياك وسب المؤمنين ولا سيما الصحابة على الخصوص فإنك تؤذي النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في أصحابه ولا تسب الريح فإن الريح من نفس الرحمن ولكن سل الله خيرها وخير ما أرسلت به واستعذ بالله من شرها وشر ما أرسلت به وإذا ألبست ثوبا جديدا فسم الله وقل اللهم أعطني خيره وخير ما صنع له واكفني شره وشر ما صنع له ولا تصل إلى النائمين إذا كانوا في قبلتك وإياك ولباس ما حرم الشرع عليك لباسه كالحرير والذهب ولا تجلس على الحرير وإذا ألقيت ذميا فلا تبدأه بالسلام وأضطره إلى أضيق الطريق وانته أن تسمى العنبة الكرم بل قل العنبة والحبلة ولا تقل الكرم فإنه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ذلك لا تسموا العنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم فلا تقولوا الكرم وقولوا العنب والحبلة وإياك أن تصر الإبل والغنم إذا أردت بيعها إلا أن تعلم المشتري بأنها مصراة وإياك أن تحلف بغير الله جملة واحدة ولا تكفر أحدا من أهل القبلة بذنب إلا من كفره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وإن كانت لك زوجة تريد الصلاة في مسجد الجماعة فلا تمنعها من ذلك ولكن عرفها إن بيتها خير لها وأفضل واحذر أن تدعو على نفسك في غيظ ولا غير غيظ ولا على ولدك ولا على خادمك ولا على مالك ولا تكره المريض على الطعام وإياك أن تعذب بالنار أحدا وإذا أكلت لحما فانهسه ولا تقطعه بسكين (وصية) إذا حضر الطعام والصلاة فابدأ بالطعام وإياك والصلاة وأنت حاقن تدافع الأخبثين وإذا أمرك من فرض الله عليك طاعته بمعصية فلا تطعه وإياك وما يعتذر منه فما كل من أورثته تكريها أوسعته عذرا وأصغ إلى من يحدثك وإن كان نزرا فإن لكل أحد عند نفسه قدرا فإنك تأخذ بقلبه بذلك ويكون لك لا عليك وإن الله قد أمرك بالتحبب وهذا من التحبب إلى الناس وإذا كانت لأحد عندك شهادة لا يعرفها وقد اضطر إليها فعرفه بها وامنح أخاك الفقير منحة ما قدرت عليها فإن أجرها عظيم وليكن خوفك من الله ورجاؤك فيه بالإيمان على السواء وغلب الرجاء وحسن الظن بالله واطمع في رحمته فإنه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد وإياك أن ترد الهدية ولا تحقرها ولو كانت ما كانت وعليك بالتوبة إلى الله مع الأنفاس وإذا شاركت أحدا في شيء فلا تخنه وإذا فعلت فعلا فحسنه فإن الله كتب الإحسان على كل شيء وعليك بالتواضع وعدم الفخر على أحد قال علي بن أبي طالب القيرواني في ذلك الناس من جهة التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم من أصلهم نسب *** يفاخرون به فالطين والماء ما الفضل إلا لأهل الفضل إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء لا فخر إلا بتقوى الله فإنه نسب الله الذي بينه وبين عباده وإياك والقيل والقال فيما لا ينبغي ولا يعني لكن في إيصال الخير خاصة وإياك وكثرة السؤال إلا في البحث عن دينك الذي في علمك به سعادتك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وقد علمت أنه ما لاحد حركة ولا سكون ولا دخول ولا خروج إلا وللشرع فيها حكم من أحد الأحكام الخمسة فإذا لم تعلم فاسأل عن كل شيء تكون فيه ما حكم الشرع فيه واطلب على رفع الحرج ما استطعت وغلب الحرمة وخذ بالعزائم في حق نفسك وإياك وإضاعة المال وهو إنفاقه في معصية الله ومن إنفاقه في معصية الله إعطاؤه لمن تعلم منه أنه يخرجه فيما لا يرضى الله فإن لم يعلم ذلك فلا بأس ولا تفارق أحدا وهو على ما لا يرضى الله وتعتقد فيه أنه باق على ما فارقته عليه لا سبيل إلى ذلك وإنما ذلك في الأحكام المشروعة فإنهم يرون استصحاب الحال المعلومة من الشخص حتى يقوم لهم دليل على زوالها فيستصحبون أيضا فيما رجع إليه حتى يدله دليل على ذهابه وإياك أن تكون معنتا ولا متعنتا ولا منفرا ولا معسرا وكن ميسرا ومعلما ومبشرا وإياك أن تأتي الفواحش الظاهرة والباطن فإن الله أحق من يستحيي منه ولا تغتر إذا كنت على طريقة غير مرضية بما يملي الله لك فإن الله يقول إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ فأخذ مكر الله بك في ذلك ولا تيأس من روح الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ وإياك وكل مزيل للعقل مثل شرب الخمر وغيره وإياك والتصنع في الكلام ولا تقرأ القرآن في صلاتك راكعا ولا في حال سجودك بل قل في ركوعك سبحان ربي العظيم وبحمده وعظم ربك فيه وفي سجودك سبحان ربي الأعلى وبحمده وأدنى القول من ذلك ثلاث مرات إلى ما فوقها (وصية) عليك بكثرة الاستغفار ولا سيما بالأسحار في حقك وفي حق غيرك فلله ملائكة يَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ في الْأَرْضِ عموما ولله ملائكة يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا خصوصا في كل حال وعند القيام من مجالس تحدثك وعليك بالصدق في الموضع المشروع لك الصدق فيه ولا تجبن ولا تخف واجتنب الكذب في الموضع المشروع لك اجتنابه وخف ثلاثة خف الله وخف نفسك وخف من لا يخاف الله وإن كنت خطيبا إماما فقصر الخطبة وأطل صلاة الجمعة فإن ذلك من فقه الرجل وعليك بالحضور مع الله والنية الصالحة في كل ما تعمله من عمل وعليك بإكرام ذي الشيبة فإن الله يستحيي من ذي الشيبة وعليك بإكرام حملة القرآن وبإكرام الحاكم العادل وإياك والدين فإنه فكرة بالليل وذلة بالنهار واحذر أن يقيمك لعبادة ربك شيء من زينة الحياة الدنيا فإنك لمن أقامك ولا لأغراض النفوس فإن الأغراض أمراض حاضرة فإنه مما رويناه في مثل ذلك أن رجلا من الأبدال كان يمشي في الهواء مع أصحابه فمروا على روضة خضراء فيها عين خرارة فاشتهى أن يتوضأ من ذلك الماء ويصلي في تلك الروضة فسقط من بين الجماعة وتركوه وانصرفوا وانحط عن رتبتهم بهذا القدر فانظر في هذا السر ما أعجبه فإن فيه معنى دقيقا وقد وعظك الله به إن كنت اتعظت وإن استطعت أن لا تمر عليك ساعة من ليل أو نهار إلا وأنت داع فيها ربك فافعل وإذا أديت زكاة فانو في أدائها أداء حق تدفعه لوكيل صاحب الحق وهو العامل عليها الذي نصبه الحق ولا تدفع زكاتك لغير عامل السلطان إلا بأمر السلطان فتكون أنت عين العامل عليها فلا تبرأ ذمتك إلا إن فعلت ما ذكرته لك وإن ظلم العامل أربابها فهو المسئول عن ذلك لا أنت وقد دخل على الناس في هذا شبهة لا يعرفونها إلا في الدار الآخرة واحذر أن تتصدق على شريف من أهل البيت وانو فيما توصله إليهم الهدية لا الصدقة فإنك إن نويت الصدقة عليهم أثمت إلا أن تعرفهم بذلك فإن أكلوا صدقتك فقد أثموا بأكلها وأثمت أنت حيث أعطيتهم مالا يجوز لك أن تعطيه إياهم وتخيلت القرب في عين البعد وإياك أن تخوض في مال الله بغير حق وإياك أن تنتفي عن أبيك كان من كان ولا تتبع عورات الناس ولا مثالبهم واشتغل بنفسك وحسن أدب ابنك واسمه وإن ابتليت بصحبة الزوجة فدارها وتنزل من عقلك إلى عقلها فإن ذلك من كمال عقلك فعامل كل شخص من حيث هو لا من حيث ما أنت عليه فإن الغالب على النساء إنهن لا يستطعن أن يبلغن مبلغ الرجال الكمل إلا من جاء النص بكمالهما وهما مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون فإن النص ورد فيهما بالكمال من النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وعليك بالعدل في الحكم وأطفئ النار إذا فرغت من حاجتك إليها وعليك باستعمال الحبة السوداء وهو الشونيز فإنها شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت ولقد ابتلي عندنا رجل من أعيان الناس بالجذام وقال الأطباء بأجمعهم لما أبصروه وقد تمكنت العلة منه ما لهذا المرض دواء فرآه رجل من أهل الحديث من بنى عفير من أهل أبلة يقال له سعد السعود وكان عنده إيمان بالحديث عظيم يقطع به فقال له يا هذا لم لا تطب نفسك فقال له الرجل إن الأطباء قالوا ليس لهذه العلة دواء فقال كذبت الأطباء والنبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أصدق منهم وقد قال في الحبة السوداء إنها شفاء من كل داء وهذا الداء الذي نزل بك من جملة ذلك ثم قال علي بالحبة السوداء والعسل فخلط هذا بهذا وطلي بهما بدنه كله ورأسه ووجهه إلى رجليه وألعقه من ذلك وتركه ساعة ثم إنه غسل ذلك عنه فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر ونبت ما كان قد سقط من شعره وبريء وعاد إلى ما كان عليه في حال عافيته فتعجب الأطباء والناس من قوة إيمانه بحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكان رحمه الله يستعمل الحبة السوداء في كل داء يصيبه حتى في الرمد إذا رمد عينه اكتحل بها فيبرأ من ساعته (وصية) ادفع عن عرض أخيك المسلم ما استطعت ولا تخذله إذا انتهكت حرمته فإنه ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقض به من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب نصرته وما رأيت أحدا تحقق بمثل هذا في نفسه مثل الشيخ أبي عبد الله الدقاق بمدينة فاس من بلاد المغرب ما اغتاب أحدا قط ولا اغتيب بحضرته أحد قط وكان هذا عن نفسه وربما كان يقول لم يكن بعد أبي بكر الصديق صديق مثلي ويذكر هذا وكان نعم السيد خرج ذكره ومناقبه شيخنا أبو عبد الله محمد ابن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الفاسى الإمام بالمسجد الأزهر بعين الخيل من مدينة فاس في كتاب له سماه المستفاد في ذكره الصالحين من العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد سمعنا هذا الكتاب عليه وبقرآنه أظن سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة إذا لقيت أحدا من المسلمين فصافحه إذا سلمت عليه ولا تنحن له كما تفعله الأعاجم فإن ذلك عادة سوء وقد ورد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قيل له إذا لقي الرجل الرجل أ ينحني له قال لا قيل له أ يصافحه قال نعم وقد ثبت أنه قال ما من مسلمين يتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا وأوص أهلك وبناتك ونساء المؤمنين أن لا يخلعن ثيابهم في غير بيوتهن وإياك أن تبيت ليلة إلا ووصيتك عند رأسك مكتوبة فإنك لا تدري إذا نمت هل تصبح في الأحياء أو في الأموات فإن الله يمسك نفس الذي قضى عليه الموت في النوم إذا هو نام ويُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى والتواضع للخلق رفعة عند الله ولا تكثر مجالسة النساء ولا الصبيان فإنه ينقص من عقلك بقدر ما تنزل إلى عقولهم مع الفتنة التي يخاف منها في مجالسة النساء وأوص نساءك أن لا يخضعن في القول فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وأن يقعدن في بيوتهن ويغضضن من أبصارهن ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا حيث أمرهن الله وإياك ودخول الخدام على نسائك فإنهم من أولي الإربة واحجب نساءك عنهم كما تحجبهم عن فحول الذكران فإنهم من الرجال وكن نعم الجليس للملك القرين الموكل بك وأصغ إليه واحذر من الجليس الثاني الذي هو الشيطان ولا تنصر الشيطان على الملك بقبولك منه ما يأمرك به وخذ له واستعن بقبولك من الملك عليه وأكرم جلساءك من الملائكة الكرام الكاتبين الحافظين عليك فلا تمل عليهم إلا خيرا فإنك لا بد لك أن تقرأ ما أمليته عليهم واحذر من بسط الدنيا عليك إذا بسطها الله أن تتصرف فيها أو تصرفها في غير طاعة الله ولا تعص الله بنعمه وإن من شكر النعمة أن تطيع الله بها وتستعين بها على طاعة الله وإياك والتنافس في الدنيا وأقلل منها ما استطعت ومن صحبة أهلها فإن قلوبهم غافلة عن الله بحبها وإذا غفل القلب عن الله لم ينطق اللسان بذكر الله إلا أن ذكره في يمين لا يكون فيها بارا أو يكون بارا أو فيما لا يجوز أن يذكره فيه مما يمقته الله على ذلك الذكر (وصية) إياك والبطنة فإنها تذهب بالفطنة وكل لتعيش وعش لتطيع ربك ولا تعش لتأكل ولا تأكل لتسمن فما ملئ وعاء شر من بطن ملئ بحلال وعليك بلقيمات يقمن صلبك وإذا صليت خلف إمام فاقتد به واتبعه فلا تكبر حتى يكبر ولا تركع حتى يركع ولا ترفع حتى يرفع ولا تسجد حتى يسجد وإذا أمن بعد الفراغ من الفاتحة فآمن ولا تختلف عليه وإذا كنت إماما فاقتد بأضعف القوم ولا تطيل عليه حتى تكره إليه الصلاة بل خفف في تمام ركوع وسجود وإذا قرأت آية فانظر أين أنت منها وإذا سمعت الله يقول يا أَيُّهَا النَّاسُ أو يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فكن أنت المخاطب وافتح له أذن فمهمك لما يقول لك في هذا التأيه فكن في قبول ذلك بحسب ما يقول إن نهاك انته وإن أمرك فافعل منه ما استطعت فإذا سمعت منه أمرا لا تستطيع فعله فما أنت المأمور به في تلك الحال فاعلم هذا فَاتَّقُوا الله ما اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأَطِيعُوا وإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فاعتقد إن ذلك القول قاله الله على لسان عبده فقل أنت ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقل ثلاث مرات في ركوعك سبحان الله العظيم أو سبحان ربي العظيم وبحمده وقل في سجودك ثلاث مرات سبحان ربي الأعلى وبحمده وذلك أدناه وقد ذهب ابن راهويه إلى أن المصلي إذا لم يقل ذلك ثلاث مرات في ركوعه وثلاث مرات في سجوده لم تجزه صلاته وقد تقدمت إليك بالوصية أن تخرج من الخلاف ما استطعت وإذا أردت الحج فأحرم بالحج أو قارن بين الحج والعمرة إن كان لك هدي وإن لم يكن لك هدي فأحرم بعمرة ولا بد متمتعا واخرج من الخلاف إذا فعلت هذا وإن جهلت وأحرمت بالحج وما معك هدي فافسخ وردها عمرة هكذا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أصحابه في حجة الوداع أمر بالفسخ لمن لم يكن له هدي وإذا حضرت عند مريض أو ميت فلا تقل إلا خيرا وإذا رأيت إناء قد ولغ فيه كلب فبدده ولا تتوضأ بذلك الماء واغسل الإناء سبع مرات والثامنة بالتراب أو الأولى إن شئت ولا تدخل يدك في إناء وضوئك إذا قمت من النوم واجتنب النجاسات أن تمس ثيابك وإذا بلت فاستنثر من بولك وإن كنت في سفر وجئت فلا تطرق أهلك ليلا وابدأ بالمسجد فصل فيه ركعتين وحينئذ تنصرف إلى بيتك ولا تفجأهم بالقدوم عليهم وقدم بين يديك من يعرفهم ليلقوك بما يسرك ويصلحوا من شأنهم ما تكره أن تراهم فيه وإذا كان بين يديك طعام فوقع فيه ذباب فلا تزل الذباب عنه حتى تغمسه فيه فإن في جناحه الواحد داء وفي الآخر دواء لذلك الداء وهو أبدا يرفع الجناح الذي فيه الدواء وإذا ضربت فاجتنب ضرب الوجه أو قاتلته وإذا أحببت أحدا فأعلمه بمحبتك إياه فإنك تجلب بذلك الإعلام محبته إياك فيحبك بلا شك ويرى لك وإن مات لك ميت تتولى شأنه فأحسن كفنه وتكفينه واجعل في غسله سدرا وإن قدم إليك طعام في قصعة فكل من جوانبها ولا تأكل من أعلاها وإذا مشيت إلى الصلاة فبوقار وسكينة من غير كبر وامش كأنك تنحط في صبب فإن ذلك أنفى للكبر وأسرع لقضاء الحاجة واحذر أن تصلي وأنت تدفع النوم بل نم فإذا ذهب النوم فصل ولقد كنت ليلة أصلي وأنا أدفع النوم فذهبت لأقرأ فسمعتني أسب نفسي بدلا من القراءة فتركت الصلاة ونمت ولا تنم قبل صلاة العتمة ولا تتحدث بعدها وإذا ركعت ركعتي الفجر فاضطجع على شقك الأيمن وحينئذ تصلي الصبح وإذا قعدت للتشهد فصل على محمد واستعذ بالله من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المسيح الدجال وفتنة المحيا والممات واجهد أن لا تترك هذا حتى تخرج من الخلاف بفعلك ما أمرتك به فإني ما أمرتك بأمر تفعله من عباداتك إلا لما أعرف في تركه من الخلاف بين العلماء وأريد أن تأتي العبادة على أتم وجوهها مما لا اختلاف فيه هذا غرضي في هذه الوصية بمثل هذه الأمور فلا تهمل شيئا مما وصيتك به (وصية) إياك أن تقترف ذنبا وأنت صائم فإنه يبطل صومك فالصوم لله لا لك فلا يراك في عمل هو له على ما لا يرضاه منك فلتكن على أحسن الحالات في صومك وإن شاتمك أحد أو قاتلك فقل إني صائم فلا تجازه بفعله وإن كان لك مال فاجهد إن تكون لك صدقة جارية توقفها على الناس لا تخص بها طائفة من طائفة بل على المسلمين الذين تلفظوا بالشهادة أو ولدوا في الإسلام فإن هذه الأوقاف إن لم تكن على حد ما ذكرتها لك وإلا أكل الناس حراما ويكون الواقف هو الذي أساء في حقهم حيث اشترط شرطا معينا سوى الإسلام فإن اشترط ولا بد فليشترط من يتظاهر بالخير في أغلب أحواله وكذلك إن كان لك علم نافع في الدين فبثه في الناس لينتفع به كل سامع إلى يوم القيامة يا أخي إذا كان في يدك هيف مصلت فأراد أحد أن يتناوله منك فلا تناوله إياه حتى تغمده الله الله إذا رأيت أحدا على عمل يكرهه الشرع من المسلمين فأكره عمله ولا تكره المسلم الذي هو العامل وإن كنت صادقا في كراهيتك عمله فلا تعمل بمثله فإن عملت بمثله وكرهته من غيرك فأنت مراء بما ظهرت به من الكراهة لذلك وهنا سر خفي ومكر دقيق يؤدي إلى ترك تغير المنكر وإذا كنت في سفر وأردت التعريس بالليل فاجتنب الطريق فإن الهوام بالليل تقصد الطريق فربما يؤذيك شيء منها وقل إذا نزلت منزلا أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق فإنه لن يضرك شيء ما دمت في ذلك المنزل أخبرني صاحبي عبد الله بدر الحبشي الخادم عن الشيخ ربيع بن محمود الخطاب المارديني قال بتنا ليلة برأس العين في مسجد وبرأس العين عقارب تسمى الجرارات لا ترفع أذنابها إلا عند الضرب وهي قتالة ما ضربت أحدا فعاش فجاء شخص فبات في المسجد وذكر هذه الاستعاذة فضربته العقرب في تلك الليلة فقال للشيخ ربيع حديثه فقال له صح الحديث فإن الله قد رفع عنك الموت فإنها ما ضربت أحدا إلا مات وقد رأيت أنا مثل هذا من نفسي لدغتني العقرب مرة بعد مرة في وقت واحد فما وجدت لها ألما وكنت قد ذكرت هذه الاستعاذة إلا أنه كان في حرامي بندقتان وكنت قد سمعت أن البندق بالخاصية يدفع ألم الملسوع فلا أدري هل كان ذلك للبندق أو للدعاء أو لهما معا إلا أنه تورم رحلي وحصل فيه خدر وبقي الورم ثلاثة أيام ولا أجد ألما البتة وعليك بالتسمية في كل حال تشرع فيه من أكل وشرب ودخول وخروج وحل وترحال وحركة وسكون وإذا دخلت بيت الله فابدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت فأخرج رجلك اليمنى وإذا انتقلت فابدأ باليمنى وإذا خلعت فابدأ باليسار (وصية) لا تساور صاحبك بشيء ومعكما ثالث دونه فإن ذلك يوحشه بلا شك ومقصود الحق من عباده تألف القلوب والمحبة والتودد وإن الله قد جعل الألفة من منة الله على نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال لَوْ أَنْفَقْتَ ما في الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ وكذلك لا تتكلم معه بلسان لا يعرفه الثالث فإنه لا فرق بينه وبين المساررة والتزم الصدق في حديثك أبدا وفي أفعالك تكن أصدق الناس رأيا وإذا سمعت صياح الديكة فسل الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعت نهيق الحمار فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإن الحمار لا ينهق إلا إذا رأى شيطانا والديك لا يصيح إلا إذا رأى ملكا وقد روينا أن لله ديكا في السماء إذا صاح وسمعته الديوك في الأرض صاحت لصياحه كن في كل حال ذاتية حميدة مع الله يرضاها الله منك وعلى عمل صالح ولا سيما إذا كثر الفساد في العامة فما تدري لعل الله يرسل عليهم عذابا يعم الصالح والطالح فتكون ممن يحشر على عمل خير كما قبضت عليه يقول الله واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً واعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقابِ ولا تشمت عاطسا لم يحمد الله ولكن ذكره أن يحمد الله ثم شمته وإياك إذا غلبك لتثاوب إن تصوت فيه واكظمه ما استطعت وإياك أن تمدح أحدا في وجهه فتخجله وإذا مدحك أحد في وجهك فأحث التراب في وجهه برفق وصورة حثو التراب أن تأخذ كفا من تراب وترمي به بين يديه وتقول له ما عسى أن يكون من خلق من تراب ومن أنا وما قدري توبخ بذلك نفسك وتعرف المادح بقدرك وقدره هكذا فلتحث التراب في وجوه المداحين وقد كان شيخنا عبد الحليم الغماد بمدينة سلا إذا رأى شخصا راكبا ذا إشارة يعظمه الناس وينظرون إليه يقول له ولهم تراب راكب على تراب ثم ينصرف وينشد حتى متى وإلى متى تتوانى *** أ تظن ذلك كله نسيانا وكان الغالب عليه التوله وإذا كان لك ولد صغير وجاءت فحمة العشاء فأمسكه عن التصرف فإن الشياطين تنتشر حينئذ فلا تأمن عليه أن يصيبه لمم فإن الشارع أمر بذلك وإذا صنع لك خادمك طعاما وأتاك به فأجلسه معك فإن أبي وتأدب فأذقه منه ولا بد ولو لقمة وإياك أن تأكل وعين تنظر إليك من غير أن يأكل معك وإذا سمعت أحدا يوم الجمعة يتكلم والإمام يخطب فلا تقل له أنصت فإن قلت له ذلك فأنت ممن لغا في جمعته ولا تعبث بشيء لا بالحصى ولا بغيره والإمام يخطب فإنه لغو وإذا كنت صائما وأفطرت فأفطر على تمر إن وجدت فإن لم تجد فعلى حسوات من ماء وليكن ذلك وترا وعجل بالفطر ثم صل بعد ذلك إلا إن حضر الطعام فإن حضر الطعام فابدأ به قبل الصلاة إن كنت آكلا ولا بد وإذا حدثك إنسان وتراه يلتفت فحديثه إياك أمانة أودعك إياها فلا تخنه فيه بالإفشاء وراقب قلبك في الناس فمهما خطر لك تغير في أحد من المؤمنين في قلبك فازله وظن خيرا وأقم له عذرا فيما تغيرت له وإن حالت بينك وبين الماشي معك شجرة أو جدار ثم تلاقيتما فسلم عليه حتى يعلم أنك على الود الذي فارفته عليه (وصية) عامل كل من تصحبه أو يصحبك بما تعطيه رتبته فعامل الله بالوفاء لما عاهدته عليه من الإقرار بربوبيته عليك وهو الصاحب بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وعامل الآيات بالنظر فيها وعامل ما تدركه الحواس منك بالاعتبار وعامل الرسل بالاقتداء بهم وعامل الملائكة بالطهارة والذكر وعامل الشيطان إذا عرفت أنه شيطان من إنس وجان بالمخالفة وعامل الحفظة بحسن ما تملي عليهم وعامل من هو أكبر منك بالتوقير ومن هو أصغر منك بالرحمة ومن هو كفؤك بالتجاوز والإنصاف والإيثار وأن تطالب نفسك بحقه عليها وترك حقك له وعامل العلماء بالتعظيم وعامل السفهاء بالحلم وعامل الجهال بالسياسة وعامل الأشرار ببسط الوجه وما نتقي به شرهم وعامل الحيوان بالنظر فيما يحتاجون إليه فإنهم خرس وعامل الأشجار والأحجار بعدم الفضول وعامل الأرض بالصلاة عليها وعامل الموتى بالدعاء لهم وذكر محاسنهم والكف عن مساويهم وعامل الصوفية أهل الكشف والوجود منهم بالتسليم أصحاب الأحوال وعامل الإخوان في الله بالبحث عن حركاتهم وسكناتهم فيما ذا يتحركون ويسكنون وعامل الأولاد بالإحسان وعامل الزوجة بحسن الخلق وعامل أهل البيت بالمودة وعامل الصلاة بالحضور وعامل الصوم بالتنزه عن الذنوب وعامل المناسك بذكر الله والتعظيم وعامل الزكاة بسرعة الأداء وعامل التوحيد بالإخلاص وعامل الأسماء الإلهية بما تعطيه حقيقة كل اسم إلهي من الأخلاق فمعاملة الأسماء الإلهية بالتخلق بها وعامل الدنيا بالرغبة عنها وعامل الآخرة بالرغبة فيها وعامل النساء بالحذر من فتنتهن وعامل المال بالبذل وعامل النار والحدود بالتقوى والرهبة وعامل الجنة بالرغبة وعامل الأولياء بما تزيد ولايتهم وعامل الأعداء بما تكف إذا هم وعامل الناصح بالقبول وعامل المحدث بالإصغاء إلى حديثه وعامل الموجودات كلها بالنصيحة وعامل الملوك بالسمع والطاعة والأخذ على أيدي الظلمة منهم ما استطعت بطريقة تكتفي بها شرهم وإياك وصحبة الملوك فإنك إن أكثرت مخالطة الملك ملك وإن تركته أذلك فخذ وأعط إن بليت بصحبتهم وعامل قارئ القرآن بالإنصات ما دام تاليا وعامل القرآن بالتدبر وعامل الحديث النبوي بالبحث عن صحيحه وسقيمه وعرضه على الأصول فما وافق الأصول فخذ به وإن لم يصح الطريق إليه فإن الأصل يعضده وإذا ناقض الأصول بالكلية فلا تأخذ به وإن صح طريقه ما لم تعلم له وجها فإن أخبار الآحاد لا تفيد سوى غلبة الظن وعليك بالسنة المتواترة وكتاب الله فهما خير مصحوب وخير جليس وإياك والخوض فيما شجر بين الصحابة ولتجهم كلهم عن آخرهم ولا سبيل إلى تجريح واحد منهم فعنهم نأخذ الدين الذي نعبد الله به وعاملهم بالعدالة في الأخذ عنهم ولا تتهمهم فهم خير القرون وعامل بيتك بالصلاة فيه وعامل مجلسك بذكر الله فيه وعامل فرقتك من مجلسك بالاستغفار والضابط للصحبة أن تعطي كل ذي حق حقه ولا تترك مطالبة لأحد عليك بحق يتوجه له قبلك وعامل الجاني عليك بالصفح والعفو وعامل المسيء بالإحسان وعامل بصرك بالغض عن محارم الله وسمعك بالاستماع إلى أحسن الحديث والقول ولسانك بالصمت عن السوء من القول وإن كان حقا لكن كره الشرع أو حرم النطق به وعامل الذنوب بالخوف وعامل الحسنات بالرجاء وعامل الدعاء بالاضطرار وعامل نداء الحق إياك بالتلبية لما ناداك إليه من عمل أو ترك (وصايا نبوية) روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال وصاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فإنك لا تزال بخير ما حفظت وصيتي يا على إن للمؤمن ثلاث علامات الصلاة والصيام والزكاة وللمتكلف ثلاث علامات يتملق إذا شهد ويغتاب إذا غاب ويشمت بالمصيبة وللظالم ثلاث علامات يقهر من دونه بالغلبة ومن فوقه بالمعصية ويظاهر الظلمة وللمرائي ثلاث علامات ينشط إذا كان عند الناس ويتكاسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع الأمور وللمنافق ثلاث علامات إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن ائتمن خان يا علي وللكسلان ثلاث علامات يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيع حتى يأثم وليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم أو خطوة لمعاد يا على إن من اليقين أن لا ترضي أحدا بسخط الله ولا تحمدن أحدا على ما أتاك الله ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتكه الله فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كراهية كاره وإن الله سبحانه وتعالى جعل الروح والفرج في اليقين والرضي بقسم الله وجعل الهم والحزن في السخط بقسم الله يا علي لا فقر أشد من الجهل ولا مال أجود من العقل ولا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا إيمان كاليقين ولا ورع كالكف ولا حسن كحسن الخلق ولا عبادة كالتفكر يا على إن لكل شيء آفة وآفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الرياء وآفة الظرف الصلف وآفة الشجاعة البغي وآفة السماحة المن وآفة الجمال الخيلاء وآفة الحسب الفخر وآفة الحياء الضعف وآفة الكرم الفخر وآفة الفضل البخل وآفة الجود السرف وآفة العبادة الكبر وآفة الدين الهوى يا علي إذا أثنى عليك في وجهك فقل اللهم اجعلني خيرا مما يقولون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني فيما يقولون تسلم مما يقولون يا علي إذا أمسيت صائما فقل عند إفطارك اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت يكتب لك أجر من صام ذلك اليوم من غير أن ينقص من أجورهم شيء واعلم أن لكل صائم دعوة مستجابة فإن كان عند أول لقمة يقول بسم الله الرحمن الرحيم يا واسع المغفرة اغفر لي فإنه من قالها عند فطره غفر له واعلم أن الصوم جنة من النار يا علي لا تستقبل الشمس والقمر واستدبرهما فإن استقبالهما داء واستدبارهما دواء يا علي استكثر من قراءة يس فإن في قراءة يس عشر بركات ما قرأها قط جائع إلا شبع ولا قرأها ظمأن إلا روى ولا عار إلا اكتسى ولا مريض إلا بريء ولا خائف إلا أمن ولا مسجون إلا فرج ولا أعزب إلا تزوج ولا مسافر إلا أعين على سفره ولا قرأها أحد ضلت له ضالة إلا وجدها ولا قرأها على رأس ميت حضر أجله إلا خفف عليه ومن قرأها صباحا كان في أمان حتى يمسي ومن قرأها مساء كان في أمان حتى يصبح يا علي اقرأ حم الدخان في ليلة الجمعة تصبح مغفورا لك يا علي اقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة تعط قلوب الشاكرين وثواب الأنبياء وأعمال الأبرار يا علي اقرأ سورة الحشر تحشر يوم القيامة آمنا من كل شيء يا علي اقرأ تبارك والسجدة ينجياك من أهوال يوم القيامة يا علي اقرأ تبارك عند النوم يرجع عنك عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير يا علي اقرأ قل هو الله أحد على وضوء تنادي يوم القيامة يا مادح الله قم فأدخل الجنة يا علي اقرأ سورة البقرة فإن قراءتها بركة وتركها حسرة وهي لا تطيقها البطلة يعني السحرة يا علي لا تطيل القعود في الشمس فإنها تثير الداء الدفين وتبلى الثياب وتغير اللون يا علي أمان لك من الحرق أن تقول سبحانك ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم يا علي أمان لك من الوسواس أن تقرأ وإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً إلى قوله وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً يا علي أمان لك من شر كل عاين أن تقول ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون أشهد أَنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأَنَّ الله قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ولا حول ولا قوة إلا بالله يا على كل الزيت وادهن بالزيت فإنه من أكل الزيت وادهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين صباحا يا علي ابدأ بالملح واختم بالملح فإن الملح شفاء من سبعين داء منها الجنون والجذام والبرص ورجع الحلق ووجع الأضراس ووجع البطن يا علي إذا أكلت فقل بسم الله وإذا فرغت فقل الحمد لله فإن حافظيك لا يستريحان يكتبان لك الحسنات حتى تنبذه عنك يا علي إذا رأيت الهلال في أول الشهر فقل الله أكبر ثلاثا والحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدرك منازل وجعلك آية للعالمين يباهي الله بك الملائكة يقول يا ملائكتي اشهدوا إني قد أعتقت هذا العبد من النار يا علي فإذا نظرت في المرآة فقل اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وارزقني يا علي وإذا رأيت أسدا واشتد بك الأمر فكبر ثلاثا وقل الله أكبر وأجل وأعز مما أخاف وأحذر اللهم إني أدرأ بك في نحره وأعوذ بك من شره فإنك تكفي بإذن الله وإذا رأيت كلبا يهر فقل يا مَعْشَرَ الْجِنِّ والْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا من أَقْطارِ السَّماواتِ والْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ يا علي إذا خرجت من منزلك تريد حاجة فاقرأ آية الكرسي فإن حاجتك تقضي إن شاء الله يا علي وإذا توضأت فقل بسم الله والصلاة على رسول الله يا علي صل من الليل ولو قدر حلب شاة وادع الله سبحانه بالأسحار لا ترد دعوتك فإن الله سبحانه يقول والْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ يا علي غسل الموتى فإنه من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت مغفرة منها على جميع الخلق لوسعتهم فقلت يا رسول الله ما يقول من غسل ميتا فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول غفرانك يا رحمن حتى يفرغ من الغسل يا علي لا تخرج في سفر وحدك فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد يا على إن الرجل إذا سافر وحده غاو والاثنان غاويان والثلاثة نفر يا علي إذا سافرت فلا تنزل الأودية فإنها مأوى السباع والحيات يا علي لا ترد فمن ثلاثة على دابة فإن أحدهم ملعون وهو المقدم يا علي إذا ولد لك مولود غلام أو جارية فاذن في أذنه اليمين وأقم في أذنه اليسار فإنه لا يضره الشيطان يا علي لا تأت أهلك ليلة الهلال ولا ليلة النصف فإنه يتخوف على ولدك الخبل قال علي ولم يا رسول الله قال لأن الجن يكثرون غشيان نسائهم ليلة النصف وليلة الهلال أ ما رأيت المجنون يصرع ليلة النصف وليلة الهلال يا علي وإذا نزلت بك شدة فقل اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك إن تنجيني وإذا أردت الدخول إلى مدينة أو قرية فقل حين تعاينها اللهم إني أسألك خير هذه المدينة وخير ما كتبت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما كتبت فيها اللهم ارزقني خيرها وأعذني من شرها وحببنا إلى أهلها وحبب صالح أهلها إلينا يا علي إذا نزلت منزلا فقل اللهم أنزلنا مُنْزَلًا مُبارَكاً وأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ترزق خيره ويدفع عنك شره يا علي وإياك والمرائي فإنه لا تعقل حكمته ولا تؤمن فتنته يا علي وإياك والدخول إلى الحمام بلا مئزر فإنه ملعون الناظر والمنظور إليه يا علي لا تختم بالسبابة والوسطى فإنه من فعل قوم لوط يا علي لا تلبس المعصفر ولا تبت في ملحفة حمراء فإنها محتضرة الشيطان يا علي لا تقرأ وأنت راكع ولا ساجد يا علي إياك والمجادلة فإنها تحبط الأعمال يا علي لا تنهر السائل ولو جاءك على فرس وأعطه فإن الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع في يد السائل يا علي باكر بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة يا علي عليك بحسن الخلق فإنك تدرك بذلك درجة الصائم القائم يا علي إياك والغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم إذا غضب يا علي إياك والمزاح فإنه يذهب ببهاء ابن آدم ونشاطه يا علي عليك بقراءة قل هو الله أحد فإنها منهاة للفقر وإياك والربا فإن فيه ست خصال ثلاثة منها في الدنيا وثلاثة في الآخرة فأما التي في الدنيا تعجل الفناء وتذهب الغناء وتمحق الرزق وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرب عز وجل والخلود في النار أو الخلوة شك الراوي يا علي وإذا دخلت منزلك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك يا علي أحب الفقراء والمساكين يحبك الله يا علي لا تنهر المساكين والفقراء فتنهرك الملائكة يوم القيامة يا علي عليك بالصدقة فإنها تدفع عنك السوء يا علي أنفق وأوسع على عيالك ولا تخش من ذي العرش إقلالا يا علي إذا ركبت دابة فقل الحمد لله الذي كرمنا وهدانا للإسلام ومن علينا بمحمد عليه السلام الحمد لله الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ يا علي لا تغصبن إذا قيل لك اتق الله فيسوؤك ذلك يوم القيامة يا على إن الله يعجب من عبده إذا قال اللهم اغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول الله يا ملائكتي عبدي هذا علم أنه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا إني قد غفرت له يا علي إذا لبست ثوبا جديدا فقل بسم الله والحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأستغني به عن الناس لم يبلغ الثوب ركبتيك حتى يغفر لك يا علي من لبس ثوبا جديدا فكسا فقيرا أو يتيما عريانا أو مسكينا كان في جوار الله وأمنه وحفظه ما دام عليه منه سلك يا علي إذا دخلت السوق فقل حين تدخل بسم الله وبالله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يقول الله تعالى عبدي هذا ذكرني والناس غافلون اشهدوا إني قد غفرت له يا على إن الله يعجب ممن يذكره في الأسواق إذا دخلت المسجد قل بسم الله والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرجت فقل بسم الله والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب فضلك يا علي وإذا سمعت المؤذن قل مثل مقالته يكتب لك مثل أجره يا علي وإذا فرغت من وضوئك فقل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك وتفتح لك ثمانية أبواب الجنة يقال ادخل من أيها شئت يا علي إذا فرغت من طعامك فقل الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين يا علي إذا شربت فقل الحمد لله الذي سقانا ماء جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا تكتب شاكرا يا علي إياك والكذب فإن الكذب يسود الوجه ولا يزال الرجل يكذب حتى يسمى عند الله كاذبا ويصدق حتى يسمى عند الله صادقا إن الكذب يجانب الايمان يا علي لا تغتابن أحدا فإن الغيبة تفطر الصائم والذي يغتاب الناس يأكل لحمه يوم القيامة يا علي إياك والنميمة ولا يدخل الجنة قتات يعني النمام يا علي لا نحلف بالله كاذبا ولا صادقا يا علي لا تَجْعَلُوا الله عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ فإن الله لا يرحم ولا يزكي من يحلف بالله كاذبا يا علي أملك عليك لسانك وعوده الخير فإن العبد يوم القيامة ليس عليه شيء أشد من خيفة لسانه يا علي إياك واللجاجة فإنها ندامة يا علي إياك والحرص فإن الحرص أخرج أباك من الجنة يا علي إياك والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب يا علي ويل لمن يكذب ليضحك الناس ويل له ويل له يا علي عليك بالسواك فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب تعالى ومجلاة للأسنان يا علي عليك بالتخلل فإنه ليس شيء أبغض إلى الملائكة إن ترى في أسنان العبد طعاما فقال علي عليه السلام قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ من رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ما هؤلاء الكلمات فقال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله تعالى أهبط آدم عليه السلام بأرض الهند وحواء بجدة والحية بأصبهان وإبليس ببيسان ولم يكن في الجنة أحسن من الحية والطاووس وكان للحية قوائم كقوائم البعير فلما دخل إبليس لعنه الله جوفها أغوى آدم عليه السلام وخدعه فغضب الله تعالى على الحية فالقى عنها قوائمها وقال جعلت رزقك من التراب وجعلتك تمشين على بطنك لا رحم الله من رحمك وغضب الله عز وجل على الطاووس فمسح رجليه لأنه كان دليلا لإبليس على الشجرة فمكث آدم عليه السلام مائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء يبكي على خطيئته وقد جلس جلسة الحزين فبعث الله جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا آدم الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك أ لم أخلقك بيدي وأنفخ فيك من روحي أ لم أسجد لك ملائكتي أ لم أزوجك حواء أمتي ما هذا البكاء قال يا جبريل وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار ربي قال له جبريل عليه السلام يا آدم تكلم بهؤلاء الكلمات فإن الله تعالى غافر ذنبك وقابل توبتك قال فما هن قال قل اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وارحمني وأنت خير الراحمين سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فتب على إنك أنت التواب الرحيم سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين فهؤلاء الكلمات يا علي وأنهاك عن حيات البيوت إلا الأفطس والأبتر فإنهما شيطانان يا علي وإذا رأيت حية في رحلك فلا تقتلها حتى تخرج عليها ثلاثا فإن عادت الرابعة فاقتلها يا علي وإذا رأيت حية في الطريق فاقتلها فإني قد اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحيات في الطريق فمن فعل خلى بنفسه للقتل يا على أربع خصال من الشقاء جمود العين وقساوة لقلب وبعد الأمل وحب الدنيا يا علي أنهاك عن أربع خصال عظام الحسد والحرص والكذب والغضب يا علي ألا أنبئك بشر الناس قال قلت بلى يا رسول الله قال من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده ألا أنبئك بشر من هؤلاء جميعا قلت بلى يا رسول الله من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره يا علي إذا صليت على جنازة فقل اللهم هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك ماض فيه حكمك خلقته ولَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً نزل بك وأنت خير منزول به اللهم لقنه حجته وألحقه بنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وثبته بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فإنه افتقر إليك واستغنيت عنه كان يشهد أن لا إله إلا الله فاغفر له وارحمه ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده اللهم إن كان زاكيا فزكه وإن كان خاطئا فاغفر له يا علي وإذا صليت على جنازة امرأة فقل اللهم أنت خلقتها وأنت أحييتها وأنت أمتها تعلم سرها وعلانيتها جئناك شفعاء لها فاغفر لها وارحمها ولا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها وإذا صليت على طفل فقل اللهم اجعله لوالديه سلفا واجعله لهما ذخرا واجعله لهما رشدا واجعله لهما نورا واجعله لهما فرطا وأعقب والديه الجنة ولا تحرمهما أجره ولا تفتنهما بعده يا علي إذا توضأت فقل اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام مغفرتك ورضوانك يا على إن العبد المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة أمنه الله من البلايا الثلاثة الجنون والجذام والبرص وإذا أتت عليه ستون سنة فهو في إقبال وبعد الستين في إدبار رزقه الله الإنابة فيما يحب وإذا أتت عليه سبعون سنة أحبه أهل السموات وصالحو أهل الأرض وإذا أتت عليه ثمانون سنة كتبت له حسناته ومحيت عنه سيئاته وإذا أتت عليه تسعون سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإذا أتت عليه مائة سنة كتب الله اسمه في السماء أسير الله في أرضه وكان حبيس الله تعالى يا علي احفظ وصيتي أنك على الحق والحق معك (و من وصايا الصالحين) قال رجل لذي النون والله إني لا أحبك فقال له ذو النون إن كنت عرفت الله فحسبك الله وإن كنت لم تعرفه فاطلب من يعرفه حتى يدلك على الله وتتعلم منه حفظ الحرمة لمولاك وفي معنى ما قاله ذو النون وأوصى به ما اتفق لنا مع صاحبنا عبد الله ابن الأستاذ الموروري وكان من كبار الصالحين كان له أخ مات فرآه في المنام فقال له ما فعل الله بك فقال لي أدخلني الجنة آكل وأشرب وأنكح قال له ليس عن هذا أسألك هل رأيت ربك قال لا يراه إلا من يعرفه واستيقظ فركب دابته وجاء إلينا إلى إشبيلية وعرفني بالرؤيا ثم قال لي قد قصدتك لتعرفني بالله فلازمني حتى عرف الله بالقدر الذي يمكن للمحدث أن يعرفه به من طريق الكشف والشهود لا من طريق الأدلة النظرية رحمه الله وقال بعضهم اصحب الذين وصفهم الله في كتابه وهم أهل التقوى الذين هم على سمت محجته لعلك أن ترقي في ملكوت السموات فتكون للأبرار جليسا وللأخيار في أمن ذلك المقيل أنيسا وإن كنت على التقوى عازما فالنجا النجا فيما بقي من عمرك وقال بعض العلماء تزود من الدنيا للآخرة وطريقها ف فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وسارع إلى الخيرات ونافس في الدرجات قبل فناء العمر وتقارب الأجل والفوت (وصية) قيل لبعض العلماء أوصنا فقال إياكم ومجالسة أقوام يتكلفون بينهم زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ويتملقون في الكلام خداعا وقلوبهم مملوءة غشا وغلا ودغلا وحسدا وكبرا وحرصا وطمعا وبغضا وعداوة ومكرا وختلا دينهم التعصب واعتقادهم النفاق وأعمالهم الرياء واختيارهم شهوات الدنيا يتمنون الخلود فيها مع علمهم بأنهم لا سبيل لهم إلى ذلك يجمعون ما لا يأكلون ويبنون ما لا يسكنون ويؤملون ما لا يدركون ويكسبون الحرام وينفقون في المعاصي ويمنعون المعروف ويركبون المنكر (وصية) روينا عن يوسف ابن الحسين قال قلت لذي النون في وقت مفارقتي إياه من أجالس قال عليك بصحبة من يذكرك الله عز وجل رؤيته وتقع هيبته على باطنك ويزيد في عملك منطقه ويزهدك في الدنيا عمله ولا يعص الله ما دمت في قربه يعظك بلسان فعله ولا يعظك بلسان قوله وهو تارك لما يدلك عليه أي هو خال من الفضائل لأن الرجل قد يكون على عمل من أعمال البر يقتضيه حاله ويدلك بقوله على عمل من أعمال البر يقتضيه حالك ولا يقتضيه حاله في الوقت فيريد بقوله بلسان فعله أي أفعاله مستقيمة وهذا معنى قول الله تعالى أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وما عين برا من بر وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (وصية نبوية عيسوية) قال عيسى عليه السلام يا بنى إسرائيل اعلموا أن مثل دنياكم مع آخرتكم كمثل مشرقكم مع مغربكم كلما أقبلتم إلى المشرق بعدتم من المغرب وكلما أقبلتم إلى المغرب ازددتم من المشرق بعد أوصاهم بهذا المثل أن يقربوا من الآخرة بالأعمال الصالحة (وصية) أوصى بعض العلماء قال إياكم أن تكونوا من قوم يتمردون وفي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ لا يسمعون النداء ولا يجيبون الدعاء تراهم مولين مدبرين عن الآخرة معرضين وعلى الأعقاب ناكصين وعلى الدنيا مكبين يتكالبون تكالب الكلاب على الجيف منهمكين في الشهوات تاركين الصلوات لا يسمعون الموعظة ولا ينفعهم التذكرة لا جرم أن من هذه صفته يمهلون قليلا ويتمتعون يسيرا ثم تجيئهم سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلك ما كانوا منه يحيدون شاءوا أم أبوا فيفارقون محبوبهم على رغم منهم ويتركون ما جمعوه لغيرهم يتمتع بمال أحدهم حليل زوجته وامرأة ابنه وبعل ابنته وصاحب ميراثه للوارث المهنأة وعليهم الوبال ثقيل ظهره بأوزاره معذب النفس بما كسبت يداه يا حسرة عليه إذا قامت على أبنائها القيامة فاحذروا إن تكونوا من هؤلاء وكونوا من الذين أخذوا من عاجلهم لآجلهم ومن حياتهم لموتهم كما قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيهم صحبوا الدنيا بأجساد أرواحها معلقة بالمحل الأعلى (وصية) قال بعض الصالحين يوصي إنسانا احذر أن تنقطع عنه فتكون مخدوعا قال له وكيف يكون ذلك قال لأن المخدوع من ينظر إلى عطاياه وينقطع عن النظر إليه بالنظر إلى عطاياه ثم قال تعلق الناس بالأسباب وتعلق الصديقون بولي الأسباب ثم قال علامة تعلقهم بالعطايا طلبهم منه العطايا ومن علامات تعلق قلب الصديق بولي العطايا انصباب العطايا عليه وشغله عنها به ثم قال ليكن اعتمادك على الله في الحال لا على الحال ثم قال اعقل فإن هذا من صفوة التوحيد (وصية نبوية روحية) قال عيسى عليه السلام لبعض أصحابه وصية صم عن الدنيا واجعل فطرك الموت وكن كالمداوي جرحه بالدواء خشية أن ينغل عليه وعليك بكثرة ذكر الموت فإن الموت يأتي إلى المؤمن بخير لا شر بعده وإلى الشرير بشر لا خير بعده (وصية بتنبيه) قال ذو النون ثلاثة من أعلام الايمان اغتمام القلب بمصائب المسلمين وبذل النصيحة لهم متجرعا لمرارة ظنونهم وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوه وكرهوه قال أحمد بن أحمد بن سلمة أوصاني ذو النون لا تشغلنك عيوب الناس عن عيب نفسك لست عليهم برقيب ثم قال إن أحب عباد الله إلى الله عز وجل أعقلهم عنه وإنما يستدل على تمام عقل الرجل وتواضعه في عقله حسن استماعه للمحدث وإن كان به عالما وسرعة قبوله للحق وإن جاء ممن هو دونه وإقراره على نفسه بالخطإ إذا جاء به (وصية) أوصى بها راهب عارفا من المسلمين اجتاز بعض العارفين في سياحته براهب في صومعة على رأس جبل فوقف به فناداه يا راهب فأخرج الراهب رأسه من صومعته وقال من ذا قال رجل من أبناء جنسك الآدميين قال فما ذا تريد قال كيف الطريق إلى الله قال الراهب في خلاف الهوى قال فما خير الزاد قال التقوى قال فلم تبعدت عن الناس وتحصنت في هذه الصومعة قال مخافة على قلبي من فتنتهم وحذرا على عقلي الحيرة من سوء عشرتهم وطلبت راحة نفسي من مقاساة مداراتهم وقبيح فعالهم وجعلت معاملتي مع ربي فاسترحت منهم قال فخبرني يا أحد تباع المسيح كيف وجدتم معاملتكم مع ربكم واصدق القول لي ودع عنك تزويق الكلام وزخرف القول فسكت الراهب ساعة متفكرا ثم قال شر معاملة تكون قال له العارف كيف قال لأنه أمرنا بالكد للأبدان وجهد النفوس وصيام النهار وقيام الليل وترك الشهوات المركوزة في الجبلة ومخالفة الهوى الغالب ومجاهدة العدو المسلط والرضي وخشونة العيش والصبر على الشدائد والبلوى ومع هذه كلها جعل الأجر بالسيئة في الآخرة بعد الموت مع بعد الطريق وكثرة الشكوك والحيرة والخوف من الياس فهذه حالتنا في معاملتنا مع ربنا فأخبرنا عنكم يا معشر تباع أحمد كيف وجدتم معاملتكم مع ربكم قال العارف خير معاملة وأحسنها قال الراهب صف لي ما هي وكيف هي قال العارف ربنا أعطانا سلفا كثيرا قبل العمل ومواهب جزيلة لا تحصى فنون أنواعها من النعم والإحسان والإفضال قبل المعاملة فنحن ليلنا ونهارنا في أنواع نعمه وفنون من آلائه ما بين سالف معتاد وآنف مستفاد قال له الراهب فكيف خصصتم بهذه المعاملة دون غيركم والرب واحد قال العارف أما النعمة والإفضال والإحسان فعموم للجميع قد غمرتنا كلنا ولكنا خصصنا بحسن الاعتقاد وصحة الرأي والإقرار بالحق والايمان والتسليم له ووفقنا لمعرفة الحقائق لما أعطينا الانقياد للإيمان والتسليم وصدق المعاملة من محاسبة النفس وملازمة الطريق وتفقد تصاريف الأحوال الطارئة من الغيب ومراعاة القلب بما يرد عليه من الخواطر والوحي والإلهام ساعة ساعة قال الراهب زدني في البيان فإنها وصية عجيبة ما سمعت بمثلها من أهل هذا الشأن قال العارف أزيدك اسمع ما أقوله وافهم ما تسمع واعقل ما تفهم إن الله جل ثناؤه لما خلق الإنسان من طين ولم يك شيئا مذكورا ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ من سُلالَةٍ من ماءٍ مَهِينٍ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ ثم قلبه حال بعد حال تسعة أشهر إلى أن أخرجه من هناك خلقا سويا ببنية صحيحة وصورة تامة وقامة منتصبة وحواس سالمة ثم زوده من هناك لَبَناً خالِصاً لذيذا سائِغاً لِلشَّارِبِينَ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ثم رباه وأنشأه وأنماه بفنون لطفه وغرائب حكمته إلى أن يبلغ أَشُدَّهُ واسْتَوى ثم آتاه حكما وعلمه ثم أعطاه قلبا زكيا وسمعا دقيقا وبصرا حادا وذوقا لذيدا وشما طيبا ولمسا لينا ولسانا ناطقا وعقلا صحيحا وفهما جيدا وذهنا صافيا وتمييزا وفكرا وروية وإرادة ومشيئة واختيارا وجوارح طائعة ويدين صانعتين ورجلين ساعتين ثم علمه الفصاحة والبيان والخط بالقلم والصنائع والحرف والحرث والزراعة والبيع والشراء والتصرف في المعاش وطلب وجوه المنافع واتخاذ البنيان وطلب العز والسلطان والأمر والنهي والرئاسة والتدبير والسياسة وسخر له ما في الأرض جميعا من الحيوان والنبات وخواص المعادن فعدا متحكما عليها تحكم الأرباب متصرفا فيها تصرف الملاك متمتعا بها إلى حين ثم إن الله جل ثناؤه أراد أن يزيده من فضله وإحسانه وجوده وإنعامه فنا آخر هو أشرف وأجل من هذا الذي تقدم ذكره وهو ما أكرم به ملائكته وخالص عباده وأهل جنته من النعيم الأبدي الذي لا يشوبه شيء من النقص ولا من التنغيص إذ كان نعيم الدنيا مشوبا بالبؤس ولذاتها بالآلام وسرورها بالحزن وفرحها بالغم وراحتها بالتعب وعزها بالذل وصفوها بالكدر وغناها بالفقر وصحتها بالسقم أهلها فيها معذبون في صورة المنعمين ومغرورون في صورة الواثقين مهانون في صورة المكرمين وجلون غير مطمئنين خائفون غير آمنين مترددون بين المتضادين نور وظلمة وليل ونهار وصيف وشتاء وحر وبرد ورطب ويابس وعطش ورى وجوع وشبع ونوم ويقظة وراحة وتعب وشباب وهرم وقوة وضعف وحياة وموت وما شاكل هذه الأمور التي أهل الدنيا وأبناؤها فيها مترددون مدفوعون إليها متحيرون فيها فأراد ربي أيها الراهب أن يخلصهم من هذه الأمور والآلام المشوبة باللذات وينقلهم منها إلى نعيم لا بؤس فيه ولذة لا ألم فيها وسرور بلا حزن وفرح بلا غم وعز بلا ذل وكرامة بلا هوان وراحة بلا تعب وصفو بلا كدر وأمن بلا خوف وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم وحياة بلا موت وشباب بلا هرم ومودة بين أهلها بلا ريبة فهم في نور لا يشوبه ظلمة ويقظة بلا نوم وذكر بلا غفلة وعلم بلا جهالة وصداقة بين أهلها بلا عداوة ولا حسد ولا غيبة إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ آمنين مطمئنين أبد الآبدين ولما لم يمكن الإنسان أن يكون بهذا المزاج المظلم الخاص الذي هو محل القذورات المتولد من الأركان التي لا نليق بتلك الدار الآخرة والصفات الصافية والأحوال الباقية اقتضت العناية الإلهية بواجب حكمة الباري تعالى أن ينشئه نشأة أخرى كما ذكر في قوله تعالى ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ النشأة الآخرة إنها على غير مثال كما كانت الأولى على غير مثال فهم في هذه النشأة الآخرة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون وفضلات أطعمتهم وأغذيتهم عرق يخرج من أعراضهم أطيب من ريح المسك فأين هذه النشأة من تلك وأين هذا المزاج من ذاك المزاج مع كونها نشأة طبيعية معتدلة المزاج متساوية الأمشاج قال تعالى ونُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُونَ والله يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ فبعث الله جل ثناؤه لهذا السبب أنبياءه إلى عباده يبشرونهم بها ويدعونهم إليها ويرغبونهم فيها ويدلونهم على طريقها كما يطلبوها مستعدين قبل الورود عليها ولكن يسهل عليهم أيضا مفارقة ما لو فات الدنيا من شهواتها ولذاتها وتخف عليهم أيضا شدائد الدنيا ومصائبها إذ كانوا يرجون بعدها ما يعمرها ويمحو ما قبلها من نعيم الدنيا وبؤسها ويحذرهم فوت نعيمها فإنه من فاتته فقد خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً قال العارف فهذا رأينا واعتقادنا يا راهب في معاملتنا مع ربنا الذي قلت لك وبهذا الاعتقاد طاب عيشنا في الدنيا وسهل علينا الزهد فيها وترك شهواتها واشتدت رغبتنا في الآخرة وزاد حرصنا في طلبها وخف علينا كد العبادة فلا نحس بها بل نرى ذلك نعمة وكرامة وفخرا وشرفا إذ جعلنا الله أهلا أن نذكره فهدى قلوبنا وشرح صدورنا ونور أبصارنا لما تعرف إلينا بكثرة إنعامه وقنوت إحسانه فقال الراهب جزاك الله خيرا من واعظ ما أبلغه ومن ذاكر إحسان ما أرفقه ومن هادي رشد ما أبصره ومن طبيب رفيق ما أحذقه ومن أخ ناصح ما أشفقه (وصية ونصيحة) قال ذو النون ليس بذي لب من كأس في أمر دنياه وحمق في أمر آخرته ولا من سفه في مواطن حلمه وتكبر في مواطن تواضعه ولا من فقد منه الهوى في مواطن طبعه ولا من غضب من حق إن قيل له ولا من زهد فيما يرغب العاقل في مثله ولا فيما يزهد الأكياس في مثله ولا من استقل الكثرة من خالقه عز وجل واستكثر قليل الشكر من نفسه ولا من طلب الإنصاف من غيره لنفسه ولم ينصف من نفسه غيره ولا من نسي الله في مواطن طاعته وذكر الله في مواطن الحاجة إليه ولا جمع العلم فعرف به ثم آثر عليه هواه عند متعلمه ولا من قل منه الحياء من الله على جميل ستره ولا من أغفل الشكر عن إظهار نعمه ولا من عجز عن مجاهدة عدوه لنجاته إذ صبر عدوه على مجاهدته ولا من جعل مروءته لباسه ولم يجعل أدبه ومروءته وتقواه لباسه ولا من جعل علمه ومعرفته تظرفا وتزينا في مجلسه ثم قال استغفر الله إن الكلام كثير وإن لم تقطعه لم ينقطع وقام وهو يقول لا تخرجوا من ثلاثة النظر في دينكم بإيمانكم والتزود لآخرتكم من دنياكم والاستعانة من ربكم فيما أمركم به ونهاكم عنه (وصية لقمانيه) قال لقمان لابنه جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله جل ثناؤه يحيي القلوب الميتة بنور العلم كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء وإياك ومنازعة العلماء فإن الحكمة نزلت من السماء صافية فلما تعلمها الرجال صرفوها إلى هوى نفوسهم (وصية حكمية) روينا عن ذي النون المصري أنه قال من نظر في عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه ومن عني بالفردوس والنار شغل عن القيل والقال ومن هرب من الناس سلم من شرهم ومن شكر المزيد زيد له وقال بعضهم مثل العالم الراغب في الدنيا الحريص في طلب شهواتها كمثل الطبيب المداوي غيره الممرض نفسه فلا يرجى منه الصلاح فكيف يشفي غير (وصية صحيحة) سئل بعض الأولياء العارفين بالله ما سبب الذنب قال سببه النظرة ومن النظرة الخطرة فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت وإن لم تدركها امتزجت بالوساوس فيتولد منها الشهوة وكل ذلك بعد باطن لم يظهر على الجوارح فإن تداركت الشهوة وإلا تولد منها الطلب فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه الفعل (تذكرة) تتضمن وصية نبوية قال عيسى عليه السلام في بعض مواعظه لبني إسرائيل أيها العلماء وأيها الفقهاء قعدتم على طريق الآخرة فلا أنتم تسيرون فيها فتدخلون الجنة ولا تتركون أحدا يجوزكم إليها وإن الجاهل أعذر من العالم وليس لواحد منهما عذر وقال بعض الصالحين من ترك الشغل بفضول الدنيا فهو زاهد ومن أنصف في المودة وقام بحقوق الناس فهو متواضع ومن كظم الغيظ واحتمل الضيم والتزم الصبر فهو حليم ومن تمسك بالعدل وترك فضول الكلام وأوجز في المنطق وترك ما لا يعنيه واقتصد في أموره فهو عاقل ومن تفرغ إلى الأمور المقربة إلى الله وتفرغ من نكد الدنيا إن لم تأكل مت وإن شبعت كسلت وإن زدت مرضت فهو عابد (وصية) من رجل صالح ناصح لعباد الله وقد قال له من حضر من أصحابه أوصنا بوصية لعل الله أن ينفعنا بها فقال رضي الله عنه آثروا الله على جميع الأشياء واستعملوا الصدق فيما بينكم وبينه وأحبوه بكل قلوبكم وألزموا بابه واشتغلوا به وتوسدوا الموت إذا نمتم واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم وكونوا كأنكم لا حاجة لكم إلى الدنيا ولا بد لكم من الآخرة واحفظوا ألسنتكم ولتحزنكم ذنوبكم وليكن افتخاركم بربكم وكونوا من خالصي الله تسلموا وسلم منكم الناس فتنالوا غدا مناكم ثم قال استغفر الله فإن للكلام حلاوة في الدنيا وما أعظم مئونته في الآخرة ثم قال لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وفي دون ما قلت كفاية (وصايا نبوية محمدية) أوصى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أبا هريرة رضي الله عنه فلنذكر منها ما يسر الله على قلمي الذي أنشئ به صور الحروف الدالة على المعاني وفي مثل هذا قلت أخاطب الخادم الذي يقد لي السراج حتى اكتب ما يلقي الله في روعي من الأسرار الإلهية والمعارف الربانية قد السراج عسى أحظى برؤيته *** وأنشئ الملأ المرقوم في الورق فما ترى طبقا يعنو لخدمته *** إلا ويخبر بالأحوال عن طبق في أحرف ما لها حد فيحصرها *** تبدو معانيه للابصار في نسق يخطط القلم العلوي صورتها *** على يدي دائما ما دام بي رمقى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تزال تكتب لك حتى تفرغ من ذلك الوضوء يا أبا هريرة إذا أكلت طعاما فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك حسنات حتى تنبذه عنك يا أبا هريرة إذا غشيت أهلك وما ملكت يمينك فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك تكتب لك حسنات حتى تغتسل من الجنابة فإذا اغتسلت من الجنابة غفر لك ذنوبك يا أبا هريرة فإن كان لك ولد من تلك الوقعة كتب لك حسنات بعدد نفس ذلك الولد وعقبه حتى لا يبقى منه شيء يا أبا هريرة إذا ركبت دابة فقل بسم الله والحمد لله تكن من العابدين حتى تنزل من ظهرها يا أبا هريرة إذا ركبت السفينة فقل بسم الله والحمد لله تكتب من العابدين حتى تخرج منها يا أبا هريرة إذا لبست ثوبا فقل بسم الله والحمد لله تكتب لك عشر حسنات بعدد كل سلك فيه يا أبا هريرة لا يهابنك ما ملكت يمينك فإنك إن مت وأنت كذلك كنت عند الله وجيها يا أبا هريرة لا تهجر امرأتك إلا في بيتها ولا تضربها ولا تشتمها إلا في أمر دينها فإنك إن كنت كذلك مشيت في طرقات الدنيا وأنت عتيق الله من النار يا أبا هريرة احمل الأذى عمن هو أكبر منك وأصغر منك وخير منك وشر منك فإنك إن كنت كذلك باهى الله بك الملائكة ومن باهى الله به الملائكة جاء يوم القيامة آمنا من كل سوء يا أبا هريرة إن كنت أميرا أو وزير أمير أو داخلا على أمير أو مشاور أمير فلا تجاوزن سيرتي وسنني فإنه أيما أمير أو وزير أمير أو داخل على أمير أو مشاور أمير خالف سيرتي وسنتي جاء يوم القيامة تأخذه النار من كل مكان يا أبا هريرة عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة قيام ليلها وصيام نهارها يا أبا هريرة قل للمؤمنين الذين أصابوا الصغائر والكبائر لا يمت أحد منهم وهو مصر عليه فإنه من لقي ربه عز وجل على ذلك وهو مصر عليها فإن عقوبتها يعني الصغيرة كعقوبة من لقي الله على كبيرة وهو مصر عليها يا أبا هريرة لأن تلقى الله عز وجل على كبائر قد تبت منها خير لك من أن تلقاه وقد تعلمت آية من كتاب الله عز وجل ثم تنساها يا أبا هريرة لا تلعن الولاة فإن الله أدخل أمة جهنم بلعنتهم ولاتهم يا أبا هريرة لا تسبن شيئا إلا الشيطان فإنك إن مت وأنت كذلك صافحتك جميع رسل الله تعالى وأنبياء الله تعالى عز وجل والمؤمنون حتى تصير إلى الجنة يا أبا هريرة لا تسب من ظلمك تعط من الأجر أضعافا يا أبا هريرة أشبع اليتيم والأرملة وكن لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالزوج العطوف تعط بكل نفس تنفست في دار الدنيا قصرا في الجنة كل قصر خير من الدنيا وما فيها يا أبا هريرة امش في ظلم الليل إلى مساجد الله عز وجل تعط حسنات بوزن كل شيء وضعت عليه قدمك مما تحب وتكره إلى الأرض السابعة السفلي يا أبا هريرة ليكن مأواك المساجد والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله فإنك إن مت وأنت كذلك كان الله مؤنسك في القبر ويوم القيامة وعلى الصراط ويكلمك في الجنة يا أبا هريرة لا تنتهر الفقير فتنتهرك الملائكة يوم القيامة يا أبا هريرة لا تغضب إذا قيل لك اتق الله وأنت قد هممت بسيئة أن تعملها تكن خطيتك عقوبتها النار يا أبا هريرة من قيل له اتق الله فغضب جيء به يوم القيامة فيوقف موقفا لا يبقى ملك الأمر به فقال له أنت الذي قيل له اتق الله فغضب فيسوؤه ذلك فاتق مساوي يوم القيامة أو مساءه الشك من الراوي يا أبا هريرة أحسن إلى ما خولك الله فإنه من أساء إلى شيء مما خوله الله فإنه يرصده على الصراط فيتعلق به فكم من مؤمن يرد إلى الصراط للقصاص يا أبا هريرة على كل مسلم صلاة في جوف الليل ولو قدر حلب شاة ومن صلى في جوف الليل يريد أن يرضى ربه عز وجل رضي الله عنه وقضى له حاجته في الدنيا والآخرة فزعم أبو هريرة قال قلت يا رسول الله في أي الليل الصلاة أفضل قال وسط الليل يا أبا هريرة أن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فافعل تكن من أول المقربين ولا نتخذن أحدا من خلق الله غرضا فيجعلك الله غرضا لشرر جهنم يوم القيامة يا أبا هريرة إذا ذكرت جهنم فاستجر بالله منها وليبك قلبك منها ونفسك ويقشعر جلدك منها يجرك الله منها يا أبا هريرة إذا اشتقت إلى الجنة فاسأل أن يجعل لك فيها نصيبا ومقيلا وليحن قلبك شوقا إليها وتدمع عيناك وأنت مؤمن بها إذن يعطيها الله تعالى ولا يردك يا أبا هريرة إن شئت أن لا تفارقني يوم القيامة حتى تدخل معي الجنة أحببني حبا لا تنساني واعلم إنك إن أحببتني لم تترك ثلاثة قلت فوصل إلي منها وارض بقسم الله فإنه من خرج من الدنيا وهو راض بقسم الله خرج والله عنه راض ومن رضي الله عنه فمصيره إلى الجنة يا أبا هريرة مر بالمعروف وإنه عن المنكر قال كيف آمر بالمعروف وأنه عن المنكر قال علم الناس الخير ولقنهم إياه وإذا رأيت من يعمل بمعاصي الله تعالى لا تخاف سوطه وسيفه فلا يحل أن تجاوزه حتى تقول له اتق الله يا أبا هريرة تعلم القرآن وعلمه الناس حتى يجيئك الموت وأنت كذلك وإن كنت كذلك جاءت الملائكة إلى قبرك وصلوا عليك واستغفروا لك إلى يوم القيامة كما يحج المؤمنون إلى بيت الله عز وجل يا أبا هريرة ألق المسلمين بطلاقة وجهك ومصافحة أيديهم بالسلام إن استطعت أن تكون كذلك حيث كنت فإن الملائكة معك سوى حفظتك يستغفرون لك ويصلون عليك واعلم أنه من خرج من الدنيا والملائكة يستغفرون له غفر الله له يا أبا هريرة إن أحببت أن يغشى لك الثناء الحسن في الدنيا والآخرة كف لسانك عن غيبة الناس فإنه من لم يغتب الناس نصره الله في الدنيا والآخرة أما نصرته في الدنيا فليس أحد يتناوله إلا كانت الملائكة تكذبهم عنه وأما نصرته في الآخرة فعفو الله عن قبيح ما صنع ويتقبل منه أحسن ما عمل يا أبا هريرة اغد في سبيل الله يبسط الله لك الرزق يا أبا هريرة صل رحمك يأتك الرزق من حيث لا تحتسب واحجج البيت يغفر الله لك ذنوبك التي وافيت بها البلد الحرام يا أبا هريرة أعتق الرقاب يعتق الله بكل عضو منه عضوا منك وفيه أضعاف ذلك من الدرجات يا أبا هريرة أشبع الجائع يكن لك مثل أجر حسناته وحسنات عقبه وليس عليك من سيئاتهم شيء يا أبا هريرة لا تحقرن من المعروف شيئا تعمله ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقى فإنه من خصال البر والبر كله عظيم وصغيره ثوابه الجنة يا أبا هريرة مر أهلك بالصلاة فإن الله تعالى يأتيك بالرزق من حيث لا تحتسب ولا يكن للشيطان في بيتك مدخلا ولا مسلكا يا أبا هريرة إذا عطس أخوك المسلم فشمته فإنه يكتب لك به عشرون حسنة فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي كيف ذاك قال إنك حين تقول له يرحمك الله يكتب لك عشر حسنات وحين يقول لك يهديك الله يكتب لك عشر حسنات يا أبا هريرة كن مستغفرا للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات كانوا كلهم شفعاء لك وكان لك مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء يا أبا هريرة إن كنت تريد أن تكون عند الله صديقا فآمن بجميع رسل الله وأنبياء الله وكتبه يا أبا هريرة إن كنت تريد أن تحرم على النار جسدك فقل إذا أصبحت وإذا أمسيت لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله إلا الله له الملك وله الحمد لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يا أبا هريرة لا يحل لك أن تدخل على من هو في سكرات الموت ولو كان نبيا حتى تلقنه شهادة أن لا إله إلا الله يا أبا هريرة من لقن مريضا في سكرات الموت شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقالها كان له مثل جميع حسناته فإن لم يقلها فله عتق رقبة بقوله لا إله إلا الله يا أبا هريرة لقن الموتى شهادة أن لا إله إلا الله رب اغفر لي فإنها تهدم الذنوب هدما فقلت يا رسول الله هذا للموتى فكيف للأحياء فقال هي أهدم وأهدم قال فعدده رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على أكثر من عشرين مرة يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أهدم وأهدم يا أبا هريرة فإن استطعت أن لا تمطر السماء مطرا إلا صليت عنده ركعتين فإنك تعطي حسنات بعدد كل قطرة نزلت تلك الساعة وعدد كل ورقة أنبت ذلك المطر يا أبا هريرة تصدق بالماء فإنه لا يتوضأ أحد إلا كان لك مثل حسناته من غير أن ينقص من حسناته شيء يا أبا هريرة أ ما علمت أن رجلا غفر له احتش حشيشا فجاءت بهيمة فأكلته يا أبا هريرة قل للناس حسنا تفلح يوم القيامة يا أبا هريرة عد على المسكين كافرا كان أو مسلما فإن كان عدت على المسكين الكافر رحمك الله وأما ثوابك إن عدت على المسكين المسلم فلا أحسن صفته يا أبا هريرة إذا كنت في عيال أبيك أو أمك أو ولدك فلا يحل لك أن تتصدق منه إلا بإذنه يا أبا هريرة لا يحل لك من مال امرأتك شيء إلا شيء تعطيك من غير أن تسألها وذلك هو قول الله عز وجل فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً يا أبا هريرة قل للنساء لا يحل لهن أن يتصدقن من بيوت أزواجهن شيئا إلا بكل رطب يخفن فساده إذا كان غائبا يا أبا هريرة علم الناس سنتي يكن لك النور الساطع يوم القيامة يغبطك به الأولون والآخرون يا أبا هريرة كن مؤذنا وأما ما فاتك إذا رفعت صوتك بالأذان يرفع صوتك حتى يبلغ العرش فلا يمر صوتك على شيء إلا كان لك بعدده عشر حسنات ولك إذا كنت إماما بعدد من صلى خلفك ولك مثل صلاتهم لا ينقص من صلاتهم شيء إلا أن تكون إماما خائنا قلت يا رسول الله وكيف الإمام الخائن قال إذا خصصت نفسك بالدعاء دونهم فقد خنتهم يا أبا هريرة لا تضربن في أدب فوق ثلاث فإنك إن زدت فهي قصاص يوم القيامة يا أبا هريرة أدب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثا يا أبا هريرة عليك بابن السبيل فقدمه إلى أهلك أو إلى أهله تشيعك الملائكة إلى الصراط يا أبا هريرة جالس الفقراء فإن رحمة الله لا تبعد عنهم طرفة عين يا أبا هريرة لا تؤذ المسلمين في طريقهم فإنه من آذى المسلمين في طرقهم ذمه المسلمون والملائكة جميعا يا أبا هريرة إذا مررت على أذى في الطريق فغطه بالتراب يستر الله عليك يوم القيامة يا أبا هريرة إذا أرشدت أعمى فخذ يده اليسرى بيدك اليمنى فإنها صدقة يا أبا هريرة من مشى مع أعمى ميلا يسدده كان له بكل ذراع من الميل حتى يسمعك الله ما يسرك يوم القيامة يا أبا هريرة أسمع الأصم الذي يسألك عن خير يسمعك الله ما يسرك يوم القيامة يا أبا هريرة أرشد الضال ترشدك الملائكة إلى أحسن المواقف يوم القيامة يا أبا هريرة لا ترشد اليهودي إلى كنيسته ولا النصراني إلى بيعته ولا الصابئي إلى صومعته ولا المجوسي إلى بيت ناره ولا المشرك إلى بيت وثنه إذن تكتب عليك مثل خطاياه حتى يرجع يا أبا هريرة لا ترشد أحدا إلى غير حدود الله فيعمل به إذن يكون عليك مثل ذنبه يا أبا هريرة أرشد عباد الله إلى مساجد الله وإلى البلد الحرام وإلى قبري يكن لك مثل أجورهم ولا تنقص من أجورهم شيئا يا أبا هريرة أبلغ النساء أنه ليس عليهن زيارة قبري ولكن عليهن حج بيت الله إذا كان معهن محرم وإلا فلا قلت يا رسول الله وإن كانت امرأة مثل الحشفة قال وإن كانت امرأة مثل الحشفة يا أبا هريرة إن استطعت أن لا يكون لأحد من الظالمين عليك يد ولا لسان فإني أحب لك ذلك يا أبا هريرة لا يكن أمير من أمرائك إلا أميرا يعدل مثل ما تعدل أنت فإن عدلت أنت وجار هو كنت أنت شريكه في الإثم ولم تكن شريكه في الأجر يا أبا هريرة إن كان لك مال وجبت عليه زكاة فزكه فإن أصابته آفة وقد زكيته مرة واحدة فهي مجزئة إلى يوم القيامة يا أبا هريرة إذا لقيت اليهودي والنصراني فلا تصافحه وأنت على وضوء فإن فعلت فأعد الوضوء يا أبا هريرة لا تكن اليهودي والمجوسي والنصراني ولكن سمه باسمه فإنك والله تذله بذلك ولا يحل لك أن تكرمه إنما لهم من العهد والذمة أن لا يؤخذ أموالهم إلا بطيب أنفسهم ولا تدخل بيوتهم إلا بإذنهم ولا تحل بينهم وبين أطفالهم ولا يخانون في نسائهم فبذلك أمرك لتعرف الملة يا أبا هريرة إذا خلوت بيهودي أو نصراني أو مجوسي فلا يحل لك أن تفارقه حتى تدعوه إلى الإسلام يا أبا هريرة لا تجادلن أحدا منهم فعسى أن يأتيك بشيء من التنزيل فتكذبه أو تجيء بشيء فيكذبك لا يكون من حديثك إلا أن تدعوه إلى الإسلام وهو قول الله تعالى وجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الدعاء إلى الإسلام يا أبا هريرة صل إماما كنت أو غير إمام في ثوب واحد إن كان صفيقا يا أبا هريرة أ تريد أن يكون أجرك كأجر شهداء بدر انظر رجلا مسلما ليس له ثوب يجمع فيه يوم الجمعة فأعره ثوبك أو هبه له يا أبا هريرة أ تريد أن لا تسمع حسيس النار ولا يقع بك شررها فأغث من استغاث بك حريق كان لص كان سيل كان غريق كان هدم كان يا أبا هريرة نفس عن المكروبين والمغمومين تخرج من غم يوم القيامة يا أبا هريرة امش إلى غريمك بحقه تشيعك الملائكة بالصلاة عليك يا أبا هريرة من علم الله منه أنه يريد قضاء دينه رزقه الله من حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وهيأ له قضاء دينه في حياته أو بعد موته يا أبا هريرة من أصاب مالا حلالا وأدى زكاته ثم ورثه عقبه فكل ما يصنع فيه ورثته من الحسنات فله مثل ذلك من غير إن ينقص من أجورهم يا أبا هريرة من قذف محصنا أو محصنة حبس يوم القيامة في وادي خبال هناك حتى يخرج أو يجيء ببيان ما قال قال قلت يا رسول الله وما وادي خبال قال وادي خبال واد في جهنم يسيل فيه قيحهم وما يخرج من أجوافهم يا أبا هريرة من مات وعليه دين وترك وفاء ذلك فجحدهم ورثته وليس لهم عليه بينة ولم يعلم الله منه أنه يريد قضاءه فهو قصاص من حسناته يوم القيامة يا أبا هريرة المقتول في سبيل الله يغفر له جميع ذنوبه إلا دينا أو قذف محصنة أو محصن يا أبا هريرة كل ذنب غم يوم القيامة فرب ذنب له ثارة من الغم ورب غم له ثارات ولا ذنب على المسلم أطول ثارات من مظلمة لدم أو مال أو عرض يا أبا هريرة من أصاب شيئا من ذلك فتاب إلى الله عز وجل قبل موته واستكان وتضرع وليس عنده أذن تلك المظلمة فإن على الله أن يرضي خصماء يوم القيامة من عنده بما شاء يا أبا هريرة إن ظلمك إنسان فلا تشكه ولا تسمع به الناس وتعرفهم حالته تكون أنت وهو سواء يا أبا هريرة من عفا عن مظلمة صغيرة أو كبيرة فَأَجْرُهُ عَلَى الله ومن كان أجره على الله فهو من المقربين الذين يدخلون الجنة مدخلا يا أبا هريرة لا تروع أحدا من خلق الله عز وجل فتروعك ملائكة الله في الآخرة يوم القيامة يا أبا هريرة أ تريد أن تكون عليك رحمة الله حيا وميتا ومقبورا ومبعوثا فقم بالليل وصل وأنت تريد به رضي ربك ثم مر أهلك يصلون إذا فرغوا يوقظونك فإنه إذا مر عليك من الليل ثلاث ساعات ومن النهار ثلاث ساعات وفي بيتك من يعبد الله أعطاك الله مثل ذلك يا أبا هريرة صل في زوايا بيتك جميعا يكون نور بيتك في السماء كنور الكواكب والنجوم في السماء عند أهل الدنيا يا أبا هريرة احمل غداك وعشاك إلى أقاربك المحتاجين يكن لك في كل خير يقسمه الله من بين أوليائه وأحبائه في الدنيا والآخرة سهم وافر يا أبا هريرة ارحم جميع خلق الله يرحمك الله من النار يوم القيامة قال قلت يا رسول الله إني لأرحم الذباب يكون في الماء فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رحمك الله رحمك الله رحمك الله يا أبا هريرة إذا نزلت بك مصيبة فارض بما أعطاك الله وليعلم الله منك أن ثواب المصيبة أحب إليك من المصيبة يعطيك الله الصلاة والرحمة والهدى يا أبا هريرة عز الحزين كما تحب أن تعزى واذكر ثواب ما أعد الله على المصيبة تعط بكل خطوة خطوت عتق رقبة يا أبا هريرة إذا مررت بجمع نساء فلا تسلم عليهن فإن بدأتك بالسلام فاردد عليهن يا أبا هريرة إذا سلم المسلم على المسلم فرد عليه صلت عليه الملائكة سبعين مرة يا أبا هريرة الملائكة تتعجب من المسلم يلقي المسلم فلا يسلم عليه يا أبا هريرة تعود التسليم فإنه خصلة من خصال الجنة وهو تحية أهل الجنة قال ابن شاهين وهو تحية أهل الجنة يوم القيامة يا أبا هريرة أصبح وأمس ولسانك رطب من ذكر الله تصبح وتمسي وليس عليك خطيئة يا أبا هريرة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ كما يذهب الماء الوسخ يا أبا هريرة استر عورة أخيك يكن الله لك ناصرا يا أبا هريرة انصر أخاك واستر عليه قبل أن يرفع إلى السلطان في حد من حدود الله فإياك أن تباشر له بنفسك ومالك فإنه من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو كذا وكذا (وصية) قال بعض العلماء في وصية أوصى بها اعلم أنه من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن نظر إلى العواقب نجا ومن اعتبر أبصر ومن فهم علم وفي التواني والإفراط يكون الهلكة وفي التأني السلامة والبركة وزارع البر يحصد السرور والقليل مع القناعة خير من الكثير مع السرف المشرف في الذل والتقوى نجاة والطاعة ملك وحليف الصدق موفق وصاحب الكذب مخذول وصديق الجاهل تعب ونديم العاقل مغتبط فإذا جهلت فسل وإذا ندمت فاقلع وإذا غضبت فاحلم وإن ائتمنت فاكتم ومن كافاك بالشكر فقد أدى إليك الصنيعة ومن أقرضك الثناء فاقضه الفعل ومن بدأك ببره شغلك بشكره فتفهم ما رفد مني إليك واجعله ممثلا بين عينيك فإن الذي أفدتك من وصيتي أبلغ في رفدك من عطيتي وضع الصنائع عند الكرام ذوي الأحساب ولا تضعن معروفك عند اللئام فتضيعه فإن الكريم يشكر لك ويرصد لك المكافاة واللئيم يحسب ذلك خوفا ويؤول أمرك معه إلى المذمة وقال الشاعر إذا أوليت معروفا لئيما *** يعدك قد قتلت له قتيلا فكن من ذاك معتذرا إليه *** وقل إني أتيتك مستقيلا فإن تغفر فمجترمي عظيم *** وإن عاقبت لم تظلم فتيلا وإن أوليت ذلك ذا وفاء *** فقد أودعته شكرا طويلا (و من الوصايا) أوصى بعض العارفين بالله إنسانا فقال إياك أن تكون في المعرفة مدعيا وتكون بالزهد متحرفا أو تكون بالعبادة متعلقا فقيل له يرحمك الله فسر لنا ذلك فقال أ ما علمت أنك إذا أشرت في المعرفة إلى نفسك بأشياء أنت معرى عن حقائقها كنت مدعيا وإذا كنت بالزهد موصوفا بحالة وبك دون الأحوال كنت محترفا وإذا علقت قلبك بالعبادة وظننت إنك تنجو من الله بالعبادة لا بالله في العبادة كنت بالعبادة متعلقا (وصية نبوية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في وصيته لأبي هريرة عليك يا أبا هريرة بطريق أقوام إذا فزع الناس لم يفزعوا وإذا طلب الناس الأمان من النار لم يخافوا قال أبو هريرة من هم يا رسول الله حلهم وصفهم لي حتى أعرفهم قال قوم من أمتي في آخر الزمان يحشرون يوم القيامة محشر الأنبياء إذا نظر إليهم الناس ظنوهم أنبياء مما يرون من حالهم حتى أعرفهم أنا فأقول أمتي أمتي فتعرف الخلائق أنهم ليسوا أنبياء فيمرون مثل البرق والريح تغشى أبصار أهل الجمع من أنوارهم فقلت يا رسول الله مر لي بمثل عملهم لعلى ألحق بهم فقال يا أبا هريرة ركب القوم طريقا صعبا لحقوا بدرجة الأنبياء آثروا الجوع بعد ما أشبعهم الله والعرى بعد ما كساهم والعطش بعد ما أرواهم تركوا ذلك رجاء ما عند الله تركوا الحلال مخافة حسابه صحبوا الدنيا بأبدانهم ولم يشتغلوا بشيء منها عجبت الملائكة والأنبياء من طاعتهم لربهم طوبى لهم طوبى لهم وددت أن الله جمع بيني وبينهم ثم بكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم شوقا إليهم ثم قال إذا أراد الله بأهل الأرض عذابا فنظر إليهم صرف العذاب عنهم فعليك يا أبا هريرة بطريقتهم فمن خالف طريقتهم تعب في شدة الحساب (وصية) كتبت إلى بعض معارفنا بوصية ضمنتها أبياتا أحرضه فيها على تكملة إنسانيته وهي إن تكن روحا وريحانا *** كنت بين الناس إنسانا إنما أعطاك صورته *** لتكن في الخلق رحمانا فالذي قد جاز صورته *** جاز ما يأتي وما كانا والذي في الغيب من عجب *** والذي قد جاءه الآنا والذي يدعوه خالقه *** إنما يدعوه محسانا (و أوصى) بعض الصالحين إنسانا فقال أكثر مساءلة الحكماء وليكن أول شيء تسأل عنه العقل لأن جميع الأشياء لا تدرك إلا بالعقل ومتى أردت الخدمة لله فاعقل لمن تخدم ثم اخدم سأل إبراهيم الإخميمي ذا النون أن يوصيه بوصية يحفظها عنه قال وتفعل قال إبراهيم قلت نعم إن شاء الله فقال يا إبراهيم احفظ عني خمسا فإن أنت حفظتهن لم تبال ما ذا أصبت بعدهن قلت وما هن رحمك الله قال عانق الفقر وتوسد الصبر وعاد الشهوات وخالف الهوى وأفزع إلى الله في أمورك كلها فعند ذلك يورثك الشكر والرضاء والخوف والرجاء والصبر وتورثك هذه الخمسة خمسة العلم والعمل وأداء الفرائض واجتناب المحارم والوفاء بالعهود ولن تصل إلى هذه الخمسة إلا بخمس علم غزير ومعرفة شافية وحكمة بالغة وبصيرة ناقدة ونفس راهبة والويل كل الويل لمن بلي بخمس حرمان وعصيان وخذلان واستحسان النفس بما يسخط الله والإزراء على الناس بما يأتي وأقبح القبح خمس قبح الفعال ومساوي الأعمال وثقل الظهور بالأوزار والتجسس على الناس بما لا يحب الله ومبارزة الله بما يكره وطوبى ثم طوبى لمن أخلص خمسة من أخلص علمه وعمله وحبه وبغضه وأخذه وعطاءه وكلامه وصمته وقوله وفعله واعلم يا إبراهيم أن وجوه الحلال خمسة تجارة بالصدق وصناعة بالنصح وصيد البر والبحر وميراث حلال الأصل وهدية من موضع ترضاها فكل الدنيا فضول إلا خمسة خبز يشبعك وماء يرويك وثوب يسترك وبيت يكنك وعلم تستعمله ويحتاج أيضا أن يكون معه خمسة أشياء الإخلاص والنية والتوفيق وموافقة الحق وطيب المطعم والملبس وخمسة أشياء فيها الراحة ترك قرناء السوء والزهد في الدنيا والصمت وحلاوة الطاعة إذا غبت عن أعين المخلوقين وترك الازدراء على عباد الله حتى لا تزدري على أحد يعصي الله وعندها يسقط عنك خمس المراء والجدال والرياء والتزين وحب المنزلة وخمس فيهن جمع الهم قطع كل علاقة دون الله وترك كل لذة فيها حساب والتبرم بالصديق والعدو وخفة الحال وترك الادخار وخمس يا إبراهيم بتوقعهن العالم نعمة زائلة أو بلية نازلة أو ميتة قاضية أو فتنة قاتلة أو تزل قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها حسبك يا إبراهيم إن عملت بما علمتك منظوم لأبي العتاهية في هذا الباب ما أنا إلا لمن يعاني *** أرى خليلي كما يراني لست أرى ما ملكت طرفي *** مكان من لا يرى مكاني فلي إلى أن أموت رزق *** لو جهد الخلق ما عداني فاستغن بالله عن فلان *** وعن فلان وعن فلان فالمال من حله قوام *** للعرض والوجه واللسان والفقر ذل عليه باب *** مفتاحه العجز والتواني ورزق ربي له وجوه *** هن من الله في ضمان سبحان من لم يزل عليا *** ليس له في العلو ثان قضى على خلقه المنايا *** فكل حي سواه فإن يا رب لم نبك من زمان *** إلا بكيت على زمان (نصيحة عمرية) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا على نفاق (موعظة) تتضمن وصية ونصيحة نبوية قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه في غير مسكنة وأنفق من مال جمعه من غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم أهل الذلة والمسكنة طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله (وصية) الفضيل بن عياض أمير المؤمنين روينا أن أمير المؤمنين هارون الرشيد حج ومعه الفضل بن الربيع قال أتاني أمير المؤمنين فخرجت إليه مسرعا فقلت يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلى لأتيتك فقال ويحك قد كان ذلك في نفسي فانظر لي رجلا أسأله فقلت هاهنا سفيان بن عيينة فقال امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فقال من ذا فقال أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلى لأتيتك قال له خذ لما جئناك له رحمك الله فحدثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم فقال اقض دينه فلما خرجنا قال ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا أسأله انظر لي رجلا أسأله فقلت هاهنا عبد الرزاق فذكر مثل ما جرى له مع سفيان وقال ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا أسأله فقلت هاهنا الفضيل بن عياض فقال امش بنا إليه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها قال اقرع الباب فقرعت فقال من هذا قلت أجب أمير المؤمنين فقال ما لي ولأمير المؤمنين فقلت سبحان الله أ ما عليك طاعة فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نحول عليه بأيدينا فسبقت كف أمير المؤمنين قبلي إليه فقال يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام من قلب تقي فقال له خذ لما جئناك له رحمك الله فقال له إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعي سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال له سالم بن عبد الله إن أردت النجاة من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن فطرك منها الموت وقال له محمد بن كعب إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا ووسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولدا فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك وقال له رجاء بن حيوة إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت وإني أقول لك يا هارون إني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الاقدام فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشى عليه فقلت له ارفق يا أمير المؤمنين فقال تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ثم أفاق فقال له زدني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه فكتب إليه يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله عز وجل فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له ما أخرجك قال خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله عز وجل قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال زدني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقال يا رسول الله أمرني على إمارة فقال له إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل فبكى هارون بكاء شديدا وقال له زدني رحمك الله قال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة فبكى هارون وقال له عليك دين قال نعم دين لربي لم يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم ألهم حجتي قال إنما أعني من دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا وقد قال عز وجل إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ فقال له هذه ألف دينار خذها وأنفقها على عيالك وتقوى بها على عبادتك فقال سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا سلمك الله ووفقك ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال لي هارون إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا هذا سيد المسلمين فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت له يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال لفرجت عنا به فقال لها مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه فلما سمع هارون هذا الكلام قال ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه ولا يجيبه فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت يا هذا قد آذيت الشيخ هذه الليلة فانصرف رحمك الله فانصرفنا وقال رجل لذي النون المصري دلني على طريق الصدق والمعرفة فقال يا أخي أد إلى الله صدق حالك التي أنت عليها على موافقة الكتاب والسنة ولا ترق حيث لا ترق فتزل قدمك فإنه إذا دل بك لم تسقط وإذا ارتقيت أنت تسقط وإياك أن تترك ما تراه يقينا لما ترجوه شكا (وصية مشفق ناصح) ليكن آثر الأشياء عندك وأحبها إليك أحكام ما افترض الله عليك واتقى ما نهاك عنه فإن ما تعبدك الله به خير لك وأفضل مما تختاره لنفسك من أعمال البر التي لم تجب عليك وأنت ترى أنها أبلغ لك فيما تريد كالذي يؤدب نفسه بالفقر بالفقر والتقلل وما أشبه ذلك إنما ينبغي للعبد أن يراعي أبدا ما وجب عليه من فرض فيحكمه على تمام حدوده وينظر إلى ما نهي عنه فيتقيه على أحكم ما ينبغي فالذي قطع العباد عن ربهم عز وجل وقطعهم عن أن يرزقوا حلاوة الايمان وعن أن يبلغوا حقائق الصدق وحجب قلوبهم من النظر إلى الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه وأعدائه حتى يكونوا كأنهم مشاهدون إنما قطعهم تهاونهم عن أحكام ما فرض عليهم في قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وبطونهم وفروجهم ولو وقفوا على هذه الأشياء وأحكموها لأدخل عليهم البر إدخالا يعجز أبدانهم وقلوبهم عن حمل ما رزقهم من حسن معونته وفوائد كرامته ولكن أكثر القراء والنساء حقروا محقرات الذنوب وتهاونوا بالقليل منها ومما فيهم من العيوب فحرموا لذة ثواب الصادقين في العاجل واستغفر الله مما تقول ولا تفعل (وصية) عبد الله المغاور وكان رجلا كبيرا من أهل لبلة من أعمال إشبيلية بغرب الأندلس كان سبب رجوعه إلى طريق الله إن الموحدين لما دخلوا لبلة رمت امرأة عليه نفسها وقالت له احملني إلى إشبيلية وأزلني من أيدي هؤلاء القوم فأخذها على عنقه وخرج بها فلما خلى بها وكان من الشطار الأشداء وكانت المرأة ذات جمال فائق فدعته نفسه إلى وقاعها فقال يا نفسي هي أمانة بيدي ولا أحب الخيانة وما هذا وفاء مع صاحبها فأبت عليه نفسه إلا الفعل فلما خاف على نفسه أخذ حجرا وجعل ذكره عليه وهو قائم وأخذ حجرا آخر فقال به عليه فرضخه بين الحجرين فقال يا نفسي النار ولا العار فجاء منه واحد زمانه وخرج من حينه يطلب الحج فأقام بالإسكندرية إلى أن مات بها أدركته ولم أجتمع به فأخبرني أبو الحسن الإشبيلي قال أوصاني عبد الله المغاور فقال لي يا أبا الحسن آمرك بخمس وأنهاك عن خمس آمرك باحتمال أذى الخلق وترك أذى الخلق وإدخال الراحة على الإخوان وأن تكون أذنا لا لسانا أي اسمع أكثر مما تتكلم به والخامس أن تكون مع الناس على نفسك وأنهاك عن معاشرة النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وعن الدعوى وعن الوقوع في رجال الله (وصية حكيم رويناها من حديث ابن مروان المالكي) في المجالسة قال حدثنا ابن أبي الدنيا قال سمعت محمد بن الحسين يقول قال حكيم لحكيم أوصني فقال اجعل الله همك واجعل الحزن على قدر ذنبك فكم من حزين وقف به حزنه على سرور الأبد وكم من فرح نقله فرحه إلى طول الشقاء (وصية نبوية) رويناها من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا وأكثروا الصدقة ترزقوا وأمروا بالمعروف تخصبوا وانهوا عن المنكر تنصروا أيها الناس إن أكيسكم أكثركم للموت ذكرا وأحزمكم أحسنكم له استعدادا ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور وأنشد بعضهم كنا على ظهرها والدهر في مهل *** والعيش يجمعنا والدار والوطن ففرق الدهر بالتصريف ألفتنا *** واليوم يجمعنا في بطنها الكفن (وصية) الجرهمي عمرو بن لحي بالحرم قال الله تعالى ومن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ من عَذابٍ أَلِيمٍ فكان ابن عباس يسكن الطائف لأجل ذلك وثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال احتكار الطعام بمكة إلحاد فيه قال الجرهمي يخاطب عمرو بن لحي يوصيه يا عمر ولا تظلم *** بمكة إنها بلد حرام سائل بعاد أين هم *** وكذاك يحتزم الأنام ومن العماليق الذين *** لهم بها كان السوام [وصية]ومن وصايا ذي النون بعض الفتيان يا فتى خذ لنفسك بسلاح الملامة وأقمعها برد الظلامة تلبس غدا سرابيل السلامة وأقصرها في روضة الأمان وذوقها مضض فرائض الايمان تظفر بنعيم الجنان وجرعها كأس الصبر ووطنها على الفقر حتى تكون تام الأمر فقال له الفتى وأي نفس تقوى على هذا فقال نفس على الجوع صبرت وفي سربال الظلام خطرت نفس ابتاعت الآخرة بالدنيا بلا شرط ولا ثنيا نفس تدرعت رهبانية القلق ورعت الدجى إلى واضح الفلق فما ظنك بنفس في وادي الحنادس سلكت وهجرت اللذات فملكت وإلى الآخرة نظرت وإلى العيناء أبصرت وعن الذنوب أقصرت وعلى النزر من القوت اقتصرت ولجيوش الهوى قهرت وفي ظلام الدياجي زهرت فهي بقناع الشوق مختمرة وإلى عزيزها في غلس الدجى مشمرة قد نبذت المعايش ورعت الحشائش هذه نفس خدوم عملت ليوم القدوم وكل ذلك بتوفيق الحي القيوم (وصية) ذي النون أخاه الكفل قال له يا أخي كن بالخير موصوفا ولا تكن للخير وصافا (وصية) نبوية حدثنا بها محمد بن قاسم بمدينة فاس قال ثنا هبة الله بن مسعود ثنا محمد بن بركات ثنا محمد بن سلامة بن جعفر ثنا هبة الله بن إبراهيم الخولاني نبأ علي بن الحسين ابن بندار ثنا إسماعيل بن أحمد بن أبي حازم حدثنا أبي ثنا عمرو بن هاشم ثنا سليمان بن أبي كريمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يا أبا هريرة أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأحسن مصاحبة من صاحبك تكن مؤمنا واعمل بفرائض الله تكن عابدا وارض بقسم الله تكن زاهدا (وصية) محكمة في موعظة منظمة لأبي العتاهية إلا إن خير الزخر خير تنيله *** وشر كلام القائلين فضوله أ لم تر أن المرء في دار بلغة *** إلى غيرها والموت فيها سبيله وأي بلاغ يكتفى بكثيره *** إذا كان لا يكفيك منه قليله مضاجع سكان القبور مضاجع *** يفارق فيهن الخليل خليله تزود من الدنيا بزاد من التقى *** فكل بها ضيف وشيك رحيله وخذ للمنايا لا أبا لك عدة *** فإن المنايا من أتت لا تقيله وما حادثات الدهر إلا لغزة *** تيت قواها أو لملك تزيله ومن ذلك أيضا مما ضمنه ديوانه عيب ابن آدم ما علمت كثير *** ومجيئه وذهابه تقدير غرتك نفسك للحياة محبة *** الموت حق والبقاء يسير لا تغبط الدنيا فإن جميع ما *** فيها يسير لو علمت حقير يأسا كن الدنيا أ لم تر زهرة الدنيا *** على الأيام كيف تصير سل ما بدا لك أن تنال من الغني *** إن أنت لم تقنع فأنت فقير يا جامع المال الكثير لغيره *** إن الصغير من الذنوب كبير هل في يديك من الحوادث قوة *** أو هل عليك من المنون خفير ما ذا تقول إذا رحلت إلى البلى *** وإذا خلا بك منكر ونكير (وصية) قال بعضهم سألت أستاذي من أحادث من الناس وإلى من أسكن فقال عليك بمحادثة من لا تكتمه ما يعلمه الله منك واجعل للناس ظاهرك ولله باطنك وعاشرهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (وصية) في حكاية عن بعض أهل الولاية قال بعض السياح كنت جائزا في بعض سياحاتي في أرض الشام إذ مررت بنهر يقال له نهر الذهب فرأيت في ظهر قرية من قرى ذلك النهر صومعة فيها راهب فناديته يا راهب أجبني فلم يجبني فناديته الثانية يا راهب أجبني فلم يجبني فناديته الثالثة يا راهب أجبني أو قال فناديت الثالثة يا رباني فاطلع فرآني فقال لي ما حاجتك وما الذي تريد فقلت له عظة أو وصية أنتفع بها فقال لي أو تركت الدنيا قلت نعم فقال لي كل القوت والزم السكوت وعلل النفس فإنك تموت وذكرها الوقوف بين يدي الحي الذي لا يموت ثم قال لو قنعنا لكفانا *** منك يا دار اليسير أنت نعماك قليل *** وبلاياك كثير وقبور تتلاشى *** حيث لا تمشي القبور يا مبهرج لا تبهرج *** إنما الناقد بصير قال فتركته وبت ليلتي فلما أصبح عدت إليه وناديت يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي كل مما كسبته يمينك وعرق فيه جبينك فإن ضعف يقينك فسل ربك فإنه يغنيك ثم قال إذا اقتربت ساعة يا لها *** وزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها فلا بد من سائل قائل *** من الناس يومئذ ما لَها تُحَدِّثُ أَخْبارَها ربها *** وربك لا شك أَوْحى لَها وتنفطر الأرض عن ساعة *** تشيب الكهول وأطفالها ترى الناس سكرى بلا قهوة *** ولكن ترى النفس ما هالها ترى النفس ما قدمت محضرا *** ولو ذرة كان مثقالها ذنوبي بلائي فما حيلتي *** إذا كنت في الحشر حمالها يحاسبها ملك قادر *** فأما عليها وإما لها قال فتركته وبت ليلتي فلما أصبح عدت إليه وناديته يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي صل الفرض واذكر العرض ولا تطلب من أحد الصلة ولا القرض ثم قال متى تهجر الدنيا وتنوي بتوبة *** وعمرك للدنيا يساق بها ركضا فلا بد بعد الموت أن تسكن البلى *** يرضك ثقل اللبن تحت الثرى رضا وتعطي كتابا فيه كل فضيحة *** وتشهد أهوال القيامة والعرضا فقم في دياجي الليل لله طائعا *** لعل الذي أسخطته لعسى يرضا قال فتركته وبت ليلتي فلما أصبح عدت إليه وناديته يا راهب زدني من تلك الحكمة فقال لي يا هذا شغلتني عن عبادة ربي فقمت إليه مودعا فقال لي كل الصبر والزم الفقر ثم أنشد متى تهدي إلى سبل الرشاد *** إذا كنت المصر على الفساد نهارك لاعبا تغتر فيه *** وليلك لا تمل من الرقاد فدع ظلم العباد فليس شيء *** أضر عليك من ظلم العباد وهي الزاد إنك ذو رحيل *** على السفر البعيد على انفراد تأهب للذي لا بد منه *** فإن الموت ميقات العباد يسرك أن تكون زميل قوم *** لهم زاد وأنت بغير زاد وروينا عن بعض علماء هذا الشأن من أهل الله الناصحين أنفسهم أنه قال ينبغي لمن علم إن له مقاما بين يدي الله عز وجل ليسأله عما أسلف في هذه الدار أن لا يؤثر القليل الحقير على الجزيل الكثير ولا التواني والتقصير على الجد والتشمير ولا سيما إذا كان ممن قد أيده الله منه بإتقان العلم ولقح عقله بدلالات الفهم أن لا يتحير في ظلمة الغفلة التي تحير فيها الجاهلون والعجب كل العجب لأهل هذه الصفة كيف استوحشوا من طاعة الله وأنسوا بغيره وركنوا إلى الدنيا وتقلب حالاتها وكثرة آفاتها ولا زادتهم الدنيا إلا هوانا ولا ازدادوا لها إلا إكراما فما مستيقظ من وسنة يخلع وثيق الغل من عنقه ويهتك جلباب الران عن قلبه وإن من أنصح النصحاء لك يا أخي من حملك من أمرك على المحجة وأمرك بالرحلة ولم يحسن لك سوف وأرجو ولعل ويكون فما رأيت هذه الخصال تورث صاحبها إلا الخسارة والندامة فكابدوا التسويف بالعزم وبادروا التفريط بالحزم فقد وضح لكم الطريق والله المستعان والمرشد والدليل (وصية) سئل بعض أهل الله عن أعون ما يجده العبد على تسكين الشهوة فقال الصيام بالنهار والقيام بالليل وحذف الشهوات والتغافل عنها وترك محادثة النفس يذكرها فقيل له فإن الرجل يصوم بالنهار ويقوم بالليل ولا يأكل الشهوات ويجد في نفسه حركة واضطرابا فقال له ذلك من فرط فضل شهوة مقيمة فيه من الأول فليقطع أسباب المادة منها جهده ويمسكها عن نفسه بالهموم والأحزان وتسكين سلطانها بذكر الموت وتقريب الأجل وقصر الأمل وما يشغل القلوب اقطع عن نفسك الشهوات واستقبل مراقبة من هو عليك رقيب والمحافظة على طاعة من هو عليك حسيب نسأل الله تعالى التوفيق على بلاغ الطريق والخروج من كل ضيق إنه قوي شفيق (وصية) في ذكرى قال بعض العلماء من وثق بالمقادير استراح ومن صحح استراح ومن تقرب قرب ومن صفى صفي له ومن توكل وثق ومن تكلف ما لا يعنيه ضيع ما يعنيه وقيل لبعضهم بم ينال العبد الجنة فقال بحسن استقامة ليس فيها روغان واجتهاد ليس معه سهو ومراقبة الله في السر والعلانية وانتظار الموت بالتأهب له والمحاسبة لنفسك قبل أن تحاسب كن عارفا خائفا ولا تكن عارفا واصفا لا تكن خصما لنفسك على ربك تستزيده في رزقك وجاهك ولكن كن خصما لربك على نفسك لا تجمع معك عليك ولا تلق أحدا بعين الازدراء والتصغير وإن كان مشركا خوفا من عاقبتك فلعلك تسلب المعرفة ويرزقها وقال ذو النون تعوذوا بالله من النبطي وقيل من القبطي إذا استغرب وهذه وصية عجيبة مجربة قالها مجرب ولها حكاية قال ذو النون المصري رأيت في بربا بموضع يقال له دندرة مكتوبا فيها احذروا العبيد المعتقين والأحداث المتغربين والجند المتعبدين والقبط المستعربين حدثنا بهذا يونس بن يحيى العباسي القصار تجاه الركن اليماني سنة تسع وتسعين وخمسمائة عن أبي بكر بن عبد الباقي عن أبي الفضل بن أحمد عن أحمد بن عبد الله عن محمد بن إبراهيم قال سمعت عبد الحكم بن أحمد بن سلام يقول سمعت ذا النون يقول الحكاية (وصية) إلهية حدثنا العماد عبد الله ابن الحسن المعروف بابن النحاس قال حدثني بدر الجزري قال قال لي علي بن الخطاب الجزري بالجزيرة وكان من الصالحين رأيت الحق في النوم فقال لي يا ابن الخطاب تمن قال فسكت فقال لي يا ابن الخطاب تمن قال فسكت قال ذلك ثلاثا ثم قال لي في الرابعة يا ابن الخطاب أعرض عليك ملكي وملكوتي وأقول لك تمن وتسكت فقال قلت يا رب إن نطقت فبك وإن تكلمت فبما تجريه على لساني فما الذي أقول فقال قل أنت بلسانك فقلت يا رب قد شرفت أنبياءك بكتب أنزلتها عليهم فشرفني بحديث ليس بيني وبينك فيه واسطة فقال يا ابن الخطاب من أحسن إلى من أساء إليه فقد أخلص لله شكرا ومن أساء إلى من أحسن إليه فقد بدل نعمة الله كفرا قال فقلت يا رب زدني فقال يا ابن الخطاب حسبك حسبك (وصية) بل وصايا إلهية أصدق الوصايا وأنفعها ما ورد في القرآن العزيز من أوامر الحق عباده ونواهيه المنزل من حَكِيمٍ حَمِيدٍ نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ليكون من المنذرين بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فلنذكر منها ما يسره الله على لسان مذكر بذلك القلوب الغافلة وتبركا بكلام الله تعالى وجل فمن ذلك لا تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ من قَبْلِكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وهنا سر لمن تفكر فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي من تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وإِيَّايَ فَارْهَبُونِ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ولا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ به ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ولا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وتَكْتُمُوا الْحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ واتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ولا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ ولا هُمْ يُنْصَرُونَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ كُلُوا من طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ قُولُوا حِطَّةٌ كُلُوا واشْرَبُوا من رِزْقِ الله ولا تَعْثَوْا في الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ولا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ من دِيارِكُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ الله خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واسْمَعُوا فَلا تَكْفُرْ لا تَقُولُوا راعِنا وقُولُوا انْظُرْنا فَاعْفُوا واصْفَحُوا وما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ من خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله واتَّخِذُوا من مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْعاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إِلَيْنا وما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ وما أُوتِيَ مُوسى وعِيسى وما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ من رَبِّهِمْ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِي فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ كُلُوا مِمَّا في الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ الله فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ولِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ولِتُكَبِّرُوا الله عَلى ما هَداكُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي كُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ من الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عاكِفُونَ في الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَقْرَبُوها ولا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ وأْتُوا الْبُيُوتَ من أَبْوابِها ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ من ظُهُورِها وقاتِلُوا في سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وأَخْرِجُوهُمْ من حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ... ولا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكُمْ وأَنْفِقُوا في سَبِيلِ الله ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وأَحْسِنُوا وأَتِمُّوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ ولا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى واتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ واذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ أَفِيضُوا من حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ واسْتَغْفِرُوا الله فَاذْكُرُوا الله كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً واذْكُرُوا الله في أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ادْخُلُوا في السِّلْمِ كَافَّةً ولا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ولا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ في الْمَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ولا تَجْعَلُوا الله عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وتَتَّقُوا وتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلا تَعْتَدُوها فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا ولا تَتَّخِذُوا آياتِ الله هُزُواً واذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ من الْكِتابِ والْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ به فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ولا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ واعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ ما في أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ واعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ وأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ولا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الْوُسْطى وقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ من قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ولا خُلَّةٌ ولا شَفاعَةٌ لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والْأَذى أَنْفِقُوا من طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ومِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ من الْأَرْضِ ولا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ولَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ اتَّقُوا الله وذَرُوا ما بَقِيَ من الرِّبا واتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ولْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ولا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ولْيَتَّقِ الله رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ولا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ولا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ... وأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ... فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ولْيَتَّقِ الله رَبَّهُ ولا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ واعلم أن الله تعالى قد ذكر في كتابه كل صفة يحمدها الله وكل صفة يذمها الله وصية لنا وتعريفا أن نجتنب ما ذم من ذلك ونتصف بما حمد من ذلك وقرر على أمور وبخ بها عباده ونعت كل صاحب صفة بما هو عليه عند الله فمما حمد الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ والايمان بما أنزل على الرسل عليه السلام والإيقان بالآخرة وقال فيهم أُولئِكَ عَلى هُدىً من رَبِّهِمْ أي على بيان وتوفيق حيث صدقوا ربهم فيما أخبرهم به مما هو غيب في حقهم وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الناجون من عذاب الله الباقون في رحمة الله ومما ذمه الكافر والمنافق فالكافر ذو الوجه الواحد الذي أظهر معاندة الله فسواء عليه أعلمه الحق أو لم يعلمه فإنه لا يؤمن بشيء من ذلك لا عقلا ولا شرعا وأخبر أن الله تعالى ختم على قلبه بخاتم الكفر فلا يدخله الايمان مع علمه به وختم على سمع فهمه وهو الجاهل فلم يعلم ما أراد الله بما قاله وعلى أبصار عقولهم غشاوة حيث نسبوا ما رأوه من الآيات إلى السحر وقال في ذي الوجهين وهو المنافق إنه يقول آمنا بالله وبما جاء من عند الله وهو ليس كذلك وإنما يفعل ذلك خداعا لله والذين آمنوا وجعل الفساد صلاحا والصلاح فسادا والايمان سفها والمؤمنين سفهاء ويأتي المؤمنين بوجه يرضيهم ويأتي الكافرين بوجه يرضيهم فأخبر الله أن هؤلاء هم الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ وإنهم الصم عن سماع ما ذكرهم الله به البكم عن الكلام بالحق العمي عن النظر في آيات الله وأَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ومما ذم الله الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله من بَعْدِ مِيثاقِهِ ويَقْطَعُونَ ما أَمَرَ الله به أَنْ يُوصَلَ ويُفْسِدُونَ في الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وقرر كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ووبخ أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ومما ذم من أعطاه الأنفس فطلب الأدون لقلة علمه ودناءة همته فقال وإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ يشير إلى أن الصبر مع الله صعب فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من بَقْلِها وقِثَّائِها وفُومِها وعَدَسِها وبَصَلِها فقال لهم أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى وهو ما ذكروه بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وهو ما أنزل الله عليهم من المن والسلوى فأشار إلى دناءة همتهم بقوله اهْبِطُوا مِصْراً لما نزلوا إلى الأدون من الأعلى قيل لهم اهبطوا مصر فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ إنما هي أعمالكم ترد عليكم وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ لأنهم هبطوا وباؤُ بِغَضَبٍ من الله لأنهم لم يختاروا ما اختار الله لهم وكفروا بالأنبياء وبآيات الله وقتلوا الأنبياء بغير الحق وعصوا واعتدوا ومما ذمهم به القساوة فقال بعد تقرير ما أنعم الله به عليهم ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ من بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وإنما كانت أشد قسوة لأن من الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله وأنتم ما عندكم في قلوبكم من هذا شيء يذمهم بذلك ومما ذم من يقول ما توسوس به نفسه وما يسول له شيطانه هذا من عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا به ثَمَناً قَلِيلًا من الجاه والرئاسة عليهم وما يحصلوه من المال فأخبر الله تعالى أن لهم الويل من الله من أجل ذلك هذا كله ذكره الله في كتابه لنا لنجتنب مثل هذه الصفات ومما أوصى به عباده مما يحمده أن لا تعبدوا إِلَّا الله وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فمن يعمل بوصيته ووصف حاله على جهة الذم يسمعنا تعالى ما جرى من عباده حتى لا نسلك مسلكهم الذي ذمهم الله به فقال عقيب هذا القول ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ... ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ من دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ والْعُدْوانِ وإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ كما قال في حقهم وحق أمثالهم إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ويُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الله ورُسُلِهِ ويَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ ويُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا وأخبر أن هؤلاء هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وقال فَما جَزاءُ من يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ في الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وما الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فإنه أخبر عن هؤلاء أنهم الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ولا هُمْ يُنْصَرُونَ كما اشتروا أولئك الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ كما اشتروا أمثالهم الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فتعجب الله من صبرهم على النار بقوله فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فدل على أنهم عرفوا الحق وجحدوا مع اليقين كما قال في حق من هذه صفته في النمل وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ إنها يعني الآيات براهين على صدقهم فيما أخبروا به عن الله ظُلْماً وعُلُوًّا وأي آية كانت للعرب معجزة مثل القرآن ولذلك قال ذلِكَ بِأَنَّ الله نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وقال في الذين يكتمون ما أنزل الله من الْبَيِّناتِ والْهُدى من بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتابِ إن أولئك يَلْعَنُهُمُ الله ويَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ وإنه من سئل عن علم تعين عليه الجواب عنه وهو يعلمه فكتمه وهو مما أنزله الله ألجمه الله بلجام من نار وإن الذين كتموا ما أَنْزَلَ الله من الْكِتابِ واشتروا به ثمنا قليلا أي بكتمانهم لما حصلوه من المال والرئاسة بذلك إن أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ في الْآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ الله (وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) يَوْمَ الْقِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وأوصى عباده أيضا فقال لهم لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولكِنَّ الْبِرَّ من آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ... وأَقامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكاةَ والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا والصَّابِرِينَ في الْبَأْساءِ والضَّرَّاءِ وحِينَ الْبَأْسِ فأخبر أن أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وأوصى ولي الدم أن يعفو ويخلي بين القاتل والمقتول يوم القيامة وأخبر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن حكم القاتل قوادا حكم القاتل اعتداء وهو قوله وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فقال في صاحب التسعة أ ما إن قتله كان مثله فتركه ولم يقتله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ من أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ من ولي الدم وأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ من القاتل إلى ولي الدم فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ أي إن قتله بعد ذلك غدرا وقد رضي بالدية وبما عفا عنه منها فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ وذكر في حق من حضرته الوفاة أن يوصي مما له التصرف فيه من ماله وهو الثلث للاقربين وهم الذين لا حظ لهم في الميراث وللوالدين وهو مذهب ابن عباس حتى أنه يعصي عنده من لم يوص لوالديه عند الموت بالمعروف وهو أنه لا يتجاوز ثلث ماله وأخبر أنه حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وأخبر أنه من بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ من الموصي إن إثمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ من الأولياء والحكام وأخبر عن الساعي بالصلح بين الموصي والموصى له أنه فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فهذه كلها وصايا إلهية منصوص عليها ومنها أيضا أخبر الحق أنه لا يتبع المتشابه من الكتاب ويتأوله على ما يعطيه نظره إلا من في قلبه زيغ أي ميل عن الحق وأخبر أنه ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وإن الراسخين في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به كُلٌّ من عِنْدِ رَبِّنا ومن جعله معطوفا فيكون الرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ من أعلمهم الله بتأويل من أراد بذلك وأقام الله عذر عباده في قوله زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ الآيات وأخبر عن الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وقِنا عَذابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ والصَّادِقِينَ والْقانِتِينَ والْمُنْفِقِينَ والْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ وهم الذين اتقوا أن لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي من تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وأخبر سبحانه أن الذين يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ من النَّاسِ أن لهم عذاب أليم وما لَهُمْ من ناصِرِينَ ينجيهم من ذلك العذاب ونهانا أن نتخذ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ في نصرة دينه إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وإنه من فعل ذلك فَلَيْسَ من الله في شَيْءٍ وقد حذرنا الله نفسه وقاله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين نهانا عن التفكر في ذات الله إنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقال الله لنبيه أن يقول لنا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي وأخبر أنه من اتبع رسول الله فقال يُحْبِبْكُمُ الله ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (وصية) إلهية قال الله أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو الذي أشرك (وصية) إلهية يقول الله عز وجل إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر والعلانية وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك ثم نقر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عند ما قال هذا الحديث عن ربه بيديه ثم قال عجلت منيته وقلت بواكيه وقل تراثه (وصية) في إصلاح ذات البين قال أنس بن مالك بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم جالسا إذ رأيناه يضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تعالى فقال أحدهما يا رب خذ لي بمظلمتي من أخي فقال أعط أخاك مظلمته قال يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال يا رب فليحمل عني من أوزاري وفاضت عينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالبكاء ثم قال إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس فيه إن يحمل من أوزارهم قال فيقول الله عز وجل للطالب ارفع رأسك فانظر إلى الجنان فرفع رأسه فقال يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي شهيد هذا قال هذا لمن أعطاني الثمن قال يا رب ومن يملك ذلك قال أنت تملك قال بما ذا يا رب قال بعفوك عن أخيك قال يا رب قد عفوت عنه قال الله تعالى خذ بيد أخيك فادخله الجنة ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فَاتَّقُوا الله وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة (وصايا إلهية من التوراة) روينا من حديث كعب الأحبار أنه قال وجدت في التوراة اثنتي عشرة كلمة فكتبتها وعلقتها في عنقي انظر فيها في كل يوم إعجابا بها يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك وأنت محمود وإن لم ترض بما قسمت لك سلطت عليك الدنيا حتى تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم وعزتي وجلالي لا تنال منها إلا ما قدرت لك وأنت مذموم يا ابن آدم كل يريدك له وأنا أريدك لك وأنت تفر مني يا ابن آدم ما تنصفني يا ابن آدم خلقتك من تراب ثم من نطفة ولم يعييني خلقك أ فيعييننى رغيف أسوقه إليك في حين يا ابن آدم أنى وحقي لك محب فبحقي عليك كن لي محبا يا ابن آدم خلقتك من أجلي وخلقت الأشياء من أجلك فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك يا ابن آدم كما لا أطالبك بعمل غد لا تطالبني برزق غد يا ابن آدم لي عليك فريضة ولك علي رزق إن خنتني في فريضتي لم أخنك في رزقك على ما كان منك يا ابن آدم لا تخافن قوت الرزق ما دامت خزانتي مملوءة وخزانتي مملوءة لا تنفد أبدا يا ابن آدم لا تخافن من ذي سلطان ما دام سلطاني باقيا وسلطاني باق لا ينفد أبدا يا ابن آدم لا تأمن مكري حتى تجوز على الصراط (وصية) خليلية في الوجل من الله تعالى لما قال الله تعالى لإبراهيم الخليل عليه السلام يا إبراهيم ما هذا الوجل الشديد الذي أراه منك قال فقال له إبراهيم يا رب وكيف لا أوجل ولا أكون على وجل وآدم أبي كان محله في القرب منك خلقته بيديك ونفخت فيه من روحك وأمرت الملائكة بالسجود له فبمعصية واحدة أخرجته من جوارك فأوحى إليه يا إبراهيم أ ما علمت أن معصية الحبيب على الحبيب شديدة (وصية) إلهية بما يحجب عن الله فعله أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام يا داود حذر بنى إسرائيل أكل الشهوات فإن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عني (وصية) إلهية بذكر الله على كل حال قال موسى عليه السلام أي رب أ بعيد أنت فأناديك أم قريب فأناجيك فقال الله تعالى له أنا جليس من ذكرني من ذكرني فأنا معه قال فأي العمل أحب إليك يا رب قال تكثر ذكري على كل حال (وصية) إلهية بقيام الليل يقول الله تعالى إذا نزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا كذب من ادعى محبتي ونام عني أ ليس كل محب يطلب الخلوة بحبيبه أنا ذا مطلع على أحبابي وقد مثلوني بين أعينهم وخاطبوني على المشاهدة وكلموني بحضوري غدا أقر أعينهم في جناتي (وصايا) بما كلم الله عز وجل بها نبيه موسى عليه السلام وذكري يا موسى ادن مني واعرف قدري فإني أنا الله يا موسى أ تدري لم كلمتك من بين خلقي واصطفيتك برسالتي وبكلامي دون بنى إسرائيل قال لا يا رب قال لأني اطلعت على أسرار عبيدي فلم أر قلبا أصفى لمودتي من قلبك قال موسى لم خلقتني يا رب ولم أك شيئا قال أردت بك خيرا قال رب من علي قال أسكنتك جنتي في جواري مع ملائكتي فتكون هناك منعما مخلدا ملتذا فرحا مسرورا أبد الآبدين فقال موسى يا رب فما الذي ينبغي لي أن أعمل قال لا يزال لسانك يكون رطبا من ذكري وقلبك وجلا من خشيتي وبدنك مشغولا بخدمتي ولا تأمن مكري ولو ترى رجلك في الجنة قال موسى يا رب فلم ابتليتني بفرعون قال إنما اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أخاطب بلسانك بنى إسرائيل فأسمعهم كلامي وأعلمهم شريعة التوراة وسنة الدين وطرائق الآخرة من اتبعك منهم ومن غيرهم كائنا من كان يا موسى بلغ بنى إسرائيل وقل لهم إني لما خلقت السموات والأرض خلقت لهما أهلا وسكانا فأهل سماواتي هم الملائكة وخالص عبادي الذين لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يا موسى بلغ عني بنى إسرائيل وقل لهم من قبل وصيتي وأوفى بعهدي ولم يعصني رقيته إلى رتبة ملائكتي وأحللته جنتي معهم وجازيتهم بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يا موسى قل لبني إسرائيل عني إني لما خلقت الجن والإنس والحيوانات ألهمتهم مصالح الحياة الدنيا وعرفتهم كيفية التصرف فيها لطلب منافعها والهرب من مضارها كل ذلك لما جعلت لهم من السمع والبصر والفؤاد والتمييز والشعور أجمع فهكذا ألهمت أنبيائي ورسلي والخواص من عبادي وعرفتهم أمر المبدأ والمعاد والنشأة الأخرى وبينت لهم الطريق وكيفية الوصول إليها يا موسى قل لبني إسرائيل يقبلون من الأنبياء وصيتي ويعملون بها واضمن عني لهم إني أكفيهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح الدنيا والآخرة جميعا إذا أوفوا بعهدي أوف بعهدهم كائنا من كان من سائر بنى آدم وألحقتهم بأنبيائي وملائكتي في الدار الآخرة دار القرار فقال موسى يا رب لو خلقتنا في الجنة وكفيتنا محن الدنيا ومصائبها وبلاياها أ ليس كان خيرا لنا قال يا موسى قد فعلت بأبيكم آدم ما ذكرت ولكن لم يعرف حقها ولم يحفظ وصيتي ولم يوف بعهدي بل عصاني فأخرجته من الجنة فلما تاب وأتاب وعدته أن أرده إليها وآليت على نفسي أن لا يدخلها أحد من ذريته إلا من قبل وصيتي وأوفي بعهدي ف لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ولا يدخل جنتي المتكبرين لأني جعلتها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا في الْأَرْضِ ولا فَساداً والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ يا موسى ادع إلى عبادي وذكرهم بآلائي فإنهم لا يذكرون شيئا من ذلك إلا كان خيرا لهم سالفا وآنفا عاجلا وآجلا يا موسى الويل لمن تفوته جنتي ويا حسرة عليه وندامة حين لا ينفعانه يا موسى خلقت الجنة يوم خلقت السموات والأرض وزينتها بألوان المحاسن وجعلت نعيم أهلها وسرورهم روحا وريحانا فلو نظر أهل الدنيا إليها نظرة من بعيد لم تغنهم الحياة الدنيا بعدها يا موسى هي مذخورة لأوليائي وعبادي الصالحين تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ (و من الوصايا) الإلهية يا ابن آدم صل أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره خرجه النسائي توبيخ إلهي يتضمن وصية يقول الله يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين يديك وللأرض منك وئيد يعني صوتا ثم جمعت ومنعت حتى إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة (وصية) إلهية بإشفاق يقول الله يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلي (وصية) إلهية فيها لطف حدثني بها موسى بن محمد القرظي بمكة والضياء عبد الوهاب ابن سكينة ببغداد عند اجتماعي به برباطه قال يقول الله إذا أحدث عبدي ولم يتوضأ فقد جفاني وإذا توضأ ولم يصل فقد جفاني وإذا صلى ولم يدعني فقد جفاني وإذا دعاني ولم أجبه فقد جفوته ولست برب جاف ولست برب جاف ولست برب جاف (وصية) إلهية نافعة في طهارة الجوارح يقول الله يا أخا المرسلين ويا أخا المنذرين يعني سيدنا محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وصية يبلغها إلينا عن ربه عز وجل أن لا تدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب سليمة وألسن صادقة وأيد نقية وفروج طاهرة ولا تدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم ظلامة فأي العبيد ما دام قائما بين يدي يصلي فإني لا أقبل صلاته حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها فإذا فعل فأكون سمعه الذي يسمع به وأكون بصره الذي يبصر به ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ في الجنة (وصية) إلهية في توبيخ الواثب على الدنيا قال الله تعالى يا ابن آدم رهضتك الدنيا ثلاث رهضات الفقر والمرض والموت ومع ذلك إنك لو ثاب (وصية) ملكية بالتواضع أوحى الله إلى محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وعنده جبريل إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا فنظر إلى جبريل فأومأ إليه جبريل أن تواضع قال فقلت نبيا عبدا فلو قلت نبيا ملكا لسارت معي الجبال ذهبا وفضة (وصية) إلهية بتعظيم الأولياء يقول الله تعالى من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وفي رواية فقد أذنته بحرب وقال أحب عبادة عندي النصيحة وقال تعالى يا ابن آدم خيري إليك نازل وشرك إلى صاعد وأنا تحبب إليك بالنعم وأنت تتبغض إلي بالمعاصي في كل يوم يأتيني ملك كريم بقبيح فعلك يا ابن آدم ما تراقبني أ ما تعلم أنك بعيني يا ابن آدم في خلواتك وعند حضور شهواتك اذكرني وسلني أن أنزعها من قلبك وأعصمك عن معصيتي وأبغضها إليك وأيسر لك طاعتي وأحببها إليك وأزين ذلك في عينك يا ابن آدم إنما أمرتك ونهيتك لتستعين بي وتعتصم بحبلي لا أن تعصيني وتتولى عني وأعرض عنك أنا الغني عنك وأنت الفقير إلي إنما خلقت الدنيا وسخرتها لك لتستعد للقائي وتتزود منها لئلا تعرض عني وتخلد إلى الأرض اعلم بأن الدار الآخرة خير لك من الدنيا فلا تختر غير ما اخترت لك ولا تكره لقائي فإنه من كره لقائي كرهت لقاءه ومن أحب لقائي أحببت لقاءه (وصية) إلهية برغبة ورهبة رويناها من حديث محمد بن مسلمة ابن وضاح من أهل قرطبة رحمه الله قال قال الله لبني إسرائيل رغبناكم في الآخرة فلم ترغبوا وزهدناكم في الدنيا فلم تزهدوا وخوفناكم بالنار فلم تخافوا وشوقناكم إلى الجنة فلم تشتاقوا ونحنا عليكم فلم تبكوا بشر القتالين بأن لله سيفا لا ينام وهو دار جهنم (و من وصايا) العارفين بالله تعالى لا تبق بمودة من لا يحبك إلا معصوما من صحبك ووافقك على ما يحب وخالفك فيما يكره فإنما يصحب هواه ومن صحب هواه فإنما هو طالب راحة الدنيا يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بالجهل والزهاد بالرغبة وأهل المعرفة بالصمت وأوصاني شيخي رحمه الله أول ما دخلت عليه قبل أن أرى وجهه فقال لي وقد قلت له أوصني قبل إن تراني فاحفظ عنك وصيتك فلا تنظر إلي حتى ترى خلعتك علي فقال رضي الله عنه هذه همة شريفة عالية يا ولدي سد الباب واقطع الأسباب وجالس الوهاب يكلمك من غير حجاب فعملت على هذه الوصية حتى رأيت بركتها ودخلت عليه بعد ذلك فرأى خلعتها علي فقال هكذا هكذا وإلا فلا لا ثم قال لي امح ما كتبت وآنس ما حفظت وأجهل ما علمت وكن هكذا معه على كل حال لا تتحدث معه بما قد علمته فإن في ذلك تضييع الوقت واطلب المزيد كما أمرك في قوله لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يأمره وأمته وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً اطلب الحاجة بلسان الفقر لا بلسان الحكم يقول الله لأبي يزيد البسطامي تقرب إلي بالذلة والافتقار وقال له اترك نفسك وتعالى أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام كن كالطير الوحداني يأكل من رءوس الأشجار ويشرب من الماء القراح إذا جنه الليل آوى إلى كهف من الكهوف استئناسا بي واستيحاشا ممن عصاني يا موسى آليت على نفسي إني لا أتم لمدبر من دوني عملا يا موسى لأقطعن أمل كل مؤمل أمل غيري ولأقصمن ظهر من استند إلي سواى ولأطيلن وحشة من استأنس بغيري ولأعرضن عمن أحب حبيبا سواى يا موسى إن لي عبادا إن ناجوني أصغيت إليهم وإن نادوني أقبلت عليهم وإن أقبلوا علي أدنيتهم وإن دنوا مني قربتهم وإن تقربوا مني اكتنفتهم وإن والونى واليتهم وإن صافوني صافيتهم وإن عملوا إلى جازيتهم هم في حماي وبي يفتخرون أنا مدبر أمورهم وأنا سائس قلوبهم وأنا متولي أحوالهم لم أجعل لقلوبهم راحة في شيء إلا في ذكري فذكري لاسقامهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء لا يستأنسون إلا بي ولا يحطون رحال قلوبهم إلا عندي ولا يستقر بهم القرار في الإيواء إلا إلي (حكي) في زمان النبوة الأولى أن بعض من يوحى إليه من المتقدمين فكر في أمر التكليف والبلوى ولم يتجه له وجه الحكمة في ذلك وقد أمره الله بالتفكر في عبادته فأخذ يناجي ربه في خلوته بسره ولسانه فقال يا رب خلقتني ولم تستأمرني ثم تميتني ولا تستشيرني وأمرتني ونهيتني ولم تخيرني وسلطت على هوى مرديا وشيطانا مغويا وركبت في نفسي شهوات مركوزة وجعلت بين عيني دنيا مزينة ثم خوفتني وزجرتني بوعيد وتهديد وقلت فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى فيضلك عن سبيلي واحذر الشيطان أن يقربك والدنيا لا تغرنك وتجنب شهواتك لا ترديك وآمالك وأمانيك لا تلهيك وأوصيك بأبناء جنسك فدارهم ومعيشتك فاطلبها من وجه حلال فإنك مسئول عنها إن لم تطلبها ومسئول عنها إن طلبتها من غير وجهها ولا تنس الآخرة كما لم تَنْسَ نَصِيبَكَ من الدُّنْيا وأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ولا تبغ الفساد في الأرض ولا تعرض عن الآخرة فتخسر الدنيا والآخرة وذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ فقد حصلت يا رب بين أمور متضادة وقوى متجاذبة وأحوال متقابلة فلا أدري كيف أعمل ولا أهتدى أي شيء أصنع وقد تحيرت في أموري وضللت عن حيلتي فأدركني يا رب وخذ بيدي ودلني على سبيل نجاتي وإلا هلكت فأوحى الله عز وجل إليه يا عبدي ما أمرتك بشيء تعاونني فيه ولا نهيتك عن شيء كان يضرني إن فعلته بل إنما أمرتك لتعلم إن لك ربا وإلها هو خالقك ورازقك ومعبودك ومنشئك وحافظك وصاحبك وناصرك ومعينك ولتعلم بأنك محتاج في جميع ما أمرتك إلى معاونتي وتوبتي وهدايتي وتيسيري وعنايتي ولتعلم أيضا بأنك محتاج في جميع ما نهيتك عنه إلى عصمتي وحفظي ورعايتى وإنك إلى محتاج في جميع تصرفاتك وأحوالك في جميع أوقاتك من أمور دنياك وآخرتك ليلا ونهارا وإنه لا يخفى علي من أمورك صغير ولا كبير سرا وعلانية وليتبين لك وتعرف أنك مفتقر ومحتاج إلي ولا بد لك مني فعند ذلك لا تعرض عني ولا تتشاغل عني ولا تنساني ولا تشتغل بغيري بل تكون في دائم الأوقات في ذكري وفي جميع أحوالك وجميع حوائجك تسألني وفي جميع تصرفاتك تخاطبني وفي جميع خلواتك تناجيني وتشاهدني وتراقبني وتكون منقطعا إلي من جميع خلقي ومتصلا بى دونهم وتعلم أني معك حيث ما تكون أراك وإن لم ترني فإذا أردت هذه كلها وتيقنت وبان لك حقيقة ما قلت وصحة ما وصفت تركت كل شيء وراك واتصلت إلي وحدك فعند ذلك أقربك مني وأوصلك لي وأرفعك عندي وتكون من أوليائي وأصفيائي وأهل جنتي في جواري مع ملائكتي مكرما مفضلا مسرورا فرحا منعما ملذذا آمنا مبقى سرمدا أبدا دائما فلا تظن بي يا عبدي ظن السوء ولا تتوهم على غير ما يقتضيه كرمي وجودي واذكر سالف إنعامي عليك وقديم إحساني إليك وجميل آلائي لديك إذ خلقتك ولم تك شيئا مذكورا خلقا سويا وجعلت لك سمعا لطيفا وبصرا حادا وحواس دراكة وقلبا ذكيا وفهما ثاقبا وذهنا صافيا وفكرا لطيفا ولسانا فصيحا وعقلا رصينا وبنية تامة وصورة حسنة وأعضاء صحيحة وأدوات كاملة وجوارح طائعة ثم ألهمتك الكلام والمقال وعرفتك المنافع والمضار وكيفية التصرف في الأفعال والصنائع والأعمال وكشفت الحجب عن بصرك وفتحت عينيك لتنظر إلى ملكوتي وترى مجاري الليل والنهار والأفلاك الدوارة والكواكب السيارة وعلمتك حساب الأوقات والأزمان والشهور والأعوام والأيام وسخرت لك ما في البر والبحر من المعادن والنبات والحيوان تتصرف فيها تصرف الملاك وتتحكم فيها تحكم الأرباب فلما رأيتك متعديا حائرا باغيا خائنا ظالما طاغيا متجاوزا الحد والمقدار عرفتك الحدود والأحكام والقياس والمقدار والإنصاف والحق والصواب والخير والمعروف والسيرة العادلة ليدوم لك الفضل والنعم ويصرف عنك العذاب والنقم وعرضتك لما هو خير لك وأفضل وأشرف وأعز وأكرم وألذ وأنعم ثم أنت تظن بي ظنون السوء وتتوهم على غير الحق يا عبدي إذا تعذر عليك فعل شيء مما أمرتك به فقل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم كما قالت حملة العرش لما ثقل عليهم حمله وإذا أصابتك مصيبة فقل إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ كما يقول أهل صفوتي ومودتي وإذا زلت بك القدم في معصيتي فقل ما قال صفيي آدم وزوجته رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ وإذا أشكل عليك أمر وأهمك رأى أو أردت رشدا وقولا صوابا فقل كما قال خليلي إبراهيم الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ وإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ والَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الْآخِرِينَ واجْعَلْنِي من وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ واغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ من الضَّالِّينَ ولا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلَّا من أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وإذا أصابتك مصيبة فقل كما أعلمتك فيما أنزله عليك من قول يعقوب إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى الله وأَعْلَمُ من الله ما لا تَعْلَمُونَ وإذا جرت منك خطيئة فقل كما قال موسى عليه السلام هذا من عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ وإذا صرفت عنك معصية فقل كما قال يوسف عليه السلام وما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وإذا ابتلاك الله ببلية فافعل ما ذكر الله عن داود عليه السلام فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وخَرَّ راكِعاً وأَنابَ وإذا رأيت العصاة من خلق الله والخاطئين من عباده ولم تدر ما حكم الله فيهم فقل كما قال عيسى عليه السلام إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وإذا استغفرت الله وطلبت عفوه فقل كما قال ويقول محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأنصاره رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا به واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وإذا خفت عواقب الأمور ولم تدر ما ذا يختم لك فقل كما يقولون رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا من لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (وصية) في موعظة دخل محمد بن واسع على بلال ابن أبي بردة في يوم حار وبلال في جيشة وعنده الثلج فقال بلال يا أبا عبد الله كيف ترى بيتنا هذا قال إن بيتك لطيب والجنة أطيب منه وذكر النار يلهي عنه قال ما تقول في القدر قال جيرانك أهل القبور ففكر فيهم فإن فيهم شغلا عن القدر قال ادع لي قال وما تصنع بدعائي وعلى بابك كذا وكذا كل يقول إنك ظلمته يرتفع دعاؤهم قبل دعائي لا تظلم ولا تحتاج إلى دعائي ومن كلام الحسن البصري ما لي أرى رجالا ولا أرى عقولا أرى أناسا ولا أرى أنيسا دخلوا ثم خرجوا عرفوا ثم أنكروا ومن كلامه أيضا رضي الله عنه عجبا لقوم أمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل وحبس أولاهم على أخراهم وهم قعود يلعبون يا ابن آدم السكين تحد والتنور يسجر والكبش يعلف كفى بالتجارب تأديبا وبتقلب الأيام عظة وبذكر الموت زاجرا عن المعصية ذهبت الدنيا بحال وبالها وبقيت الأيام قلائد في الأعناق إنكم تسوقون الناس والناس تسوقكم وقد أسرع بخياركم فما ذا تنتظرون أ تنتظرون المعاينة فكان قد ومن كلام عمر بن عبد العزيز أن لكل سفر زادا لا محالة فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة التقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله من ثوابه وعقابه وترغبوا وترهبوا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم فو الله ما يبسط أملا من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه ولا يمسي بعد صباحه وربما كانت بين ذاك خطفات المنايا فكم رأيتم ورأينا من كان بالدنيا مغترا وإنما تقر عين من وثق بالنجاة من عذاب الله وإنما يفرح من آمن من الأهوال يوم القيامة فأما من لا يداوي كلما إلا أصابه جرح من ناحية أخرى نعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي لقد عنيتم بأمر لو عنت به النجوم لا نكدرت ولو عنيت به الجبال لذابت ولو عنيت به الأرض لتشققت أ ما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة وإنكم صائرون إلى إحداهما ومن وصاياه في مواعظه رضي الله عنه إن الله عز وجل لم يخلقكم عبثا ولم يدع شيئا من أموركم سدى إن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم والقضاء بينكم فخاب وخسر من خرج من رحمة الله عز وجل وحرم الجنة التي عَرْضُهَا السَّماواتُ والْأَرْضُ فاشترى قليلا بكثير وفانيا بباق وخوفا بأمن أ لا تروا إنكم في أصلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى الله تعالى قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تقبره في صدع من الأرض في بطن صدع ثم تدعوه غير ممهد ولا موسد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب مرتهنا بعمله فقيرا إلى ما قدم غنيا عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وايم الله أني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب ما أعلم عندي وما يبلغني عن أحد منكم حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه وما يبلغني أن أحدا منكم لا يسعه ما عندي إلا وددت أنه يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه وايم الله لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ولكن سبق من الله كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته ثم وضع طرف ردائه على وجهه وشهق وبكى الناس (وصية) وعليك بالاقتداء برسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في أحواله وأقواله وأفعاله إلا ما نص عليه أنه مختص به مما لا يجوز لنا أن نفعله أو خاطب به أحدا من الناس أن يفعله ونهى غيره عن ذلك بزق رجل في النيل بحضور ذي النون المصري فقال تعست يا بغيض تبزق على نعمة الله وكان ذو النون في ذلك الوقت في مشاهدة النعم الإلهية التي أحوجنا إليها فلذلك حكم عليه حاله فنطق بما نطق به كان شيخنا أبو مدين وقع بينه وبين أبي الحسن بن الدقاق وكان ابن الدقاق ممن يغشاه ويحضر مجلسه فانقطع عن حضور مجلسه لأجل ذلك فاستدعاه الشيخ أبو مدين وقال له يا أبا الحسن ما شأنك انقطعت إن شيطاني خاصم شيطانك ونحن على ودنا كما كنا ما تغيرنا ولا ندخل أنفسنا بينهما فتذكر أبو الحسن وقبل وصية الشيخ واستغفر الله ورجع إلى حضور مجلسه (وصية) بمكاتبة اعتل رجل من إخوان ذي النون فكتب إليه أن يدعو له فكتب إليه ذو النون سألتني أن أدعو الله لك أن يزيل عنك النعم واعلم يا أخي أن العلة مجزاة يأنس بها أهل الصفاء والهمم والضياء في الحياة ذكرك للشفاء ومن لم يعد البلاء نعمة فليس من الحكماء ومن لم يأمن الشفيق على نفسه فقد أمن أهل التهمة على أمره فليكن معك يا أخي حياء يمنعك عن الشكوى والسلام وقال بعضهم كتبت إلي تسألني عن حالي فما عسيت إن أخبرك به من حال وأنا بين خلال موجعات أبكاني منهن أربع حب عيني للنظر ولساني للفضول وقلبي للرئاسة وإجابتي إبليس عدو الله فيما يكره الله وأقلني منها عين لا تبكي من الذنوب المنتنة وقلب لا يخشع عند نزول الموعظة وعقل وهن فهمه في محبة الدنيا ومعرفة كلما قلبتها وجدتني بالله أجهل وأضناني منها إني عدمت خير خصال الايمان الحياء وعدمت خير زاد الآخرة التقوى وفنيت أيامي بمحبة الدنيا وتضييعي قلبا لا أقتني مثله أبدا ووادعه إنسان فقال له قل لأبي يزيد إلى متى النوم والراحة وقد جازت القافلة فقال أبو يزيد قل لأخي ذي النون الرجل من ينام الليل كله ثم يصبح في المنزل قبل القافلة فقال ذو النون هنيئا له هذا كلام لا تبلغه أحوالنا وكان العلماء يكتب بعضهم إلى بعض بثلاث من أحسن سريرته أحسن الله علانيته ومن أصلح آخرته أصلح الله له أمر دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس وكتب رجل إلى عالم ما الذي أكسبك علمك من ربك وما أفادك في نفسك ودينك فكتب إليه العالم أثبت العلم الحجة وقطع عمود الشك والشبهة وشغلت أيام عمري يطلبه ولم أدرك منه ما فاتني فكتب إليه الرجل العلم نور لصاحبه ودليل على حظه ووسيلة إلى درجات السعداء فكتب إليه العالم أبليت إليه في طلبه جد الشباب فأدركني حين علمت الضعف عن العمل به ولو اقتصرت منه على القليل كان لي فيه مرشد إلى السبيل كان شيخنا أبو عبد الله المجاهد وشيخنا تلميذه أبو عبد الله ابن قشوم نائبه في التدريس والإمامة لا يبرح الورق والمداد والقلم معهما يكتبان كل يوم ما قدر لهما من العلم رغبة أن يحشرا غدا عند الله من طلاب العلم (وصية) دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالفضل والأدب فقال له عبد الملك ابن مروان تكلم قال بما أتكلم وقد علمت إن كل كلام يتكلم به المتكلم وبال عليه إلا ما كان لله فبكى عبد الملك ثم قال يرحمك الله لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن للناس في القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردي فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه قال فبكى عبد الملك ثم قال لا جرم والله لأجعلن هذه الكلمات مثالا نصب عيني ما عشت أبدا (وصية) مشفق ناصح عند أمير صالح لما قدم عمر بن هبيرة العراق واليا أرسل إلى الحسن والشعبي فأمر لهما ببيت فكانا فيه شهرا أو نحوه ثم إن الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال إن الأمير داخل عليكما فجاء عمر متوكئا على عصى له فسلم ثم جلس معظما لهما فقال إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إلي كتبا أعرف أن في إنفاذها الهلك فإن أطعته عصيت وإن عصيته أطعت الله فهل تريا لي في متابعتي إياه فرجا فقال الحسن للشعبي يا أبا عمر وأجب الأمير فتكلم الشعبي بكلام يريد به إبقاء وجه عنده فقال ابن هبيرة ما تقول أنت يا أبا سعيد فقال أيها الأمير قد قال الشعبي ما قد سمعت قال ما تقول أنت قال أقول يا عمرو بن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله تعالى فظ غليظ لا يعصي الله ما أمره فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك يا عمرو بن هبيرة إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله إن أطعته وعصيت الله يا عمرو بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك فيغلق باب المغفرة دونك يا عمرو بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة كانوا عن الدنيا وهي مقبلة أشد إدبارا من إقبالكم عليها وهي مدبرة يا عمرو بن هبيرة إني أخوفك مقاما خوفكه الله فقال ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وخافَ وَعِيدِ يا عمرو بن هبيرة إن تكن مع الله في طاعته كفاك يزيد بن عبد الملك وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله وكلك الله إليه فبكى عمرو بن هبيرة وقام بعبرته فلما كان من الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما فأكثر جائزة الحسن وأنقص جائزة الشعبي فخرج الشعبي إلى المسجد فقال أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على خلقه فليفعل فو الذي نفسي بيده ما علم الحسن منه شيئا فجهلته ولكني أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه قلت وكتبت إلى عز الدين كيكاوس سلطان بلاد الروم جواب كتاب كتب به إلي من أنطاكية وكنت مقيما بملطية كتبت كتابي والدموع تسيل *** وما لي إلى ما أرتضيه سبيل أريد أرى دين النبي محمد *** يقام ودين المبطلين يزول فلم أر إلا الزور يعلو وأهله *** يعزون والدين القويم ذليل فيا عز دين الله سمعا لناصح *** شفيق فنصاح الملوك قليل وحاذر بتأييد الإله بطانة *** تشير بأمر ما عليه دليل لينمي بيت المال والبيت ساقط *** فجد وتوكل فالإله كفيل (وصية) بمراقبة الألفاظ المسموعة بلغني أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة أخذ إقطاع أمير كبير كان أقطعه إياها سليمان بن عبد الملك والوليد بن عبد الملك فلما مات عمر بن عبد العزيز وولي يزيد بن عبد الملك جاء الأمير إليه فقال له إن أخاك سليمان أمير المؤمنين والوليد أقطعاني شيئا قطعه عني أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فأريد منك أن ترده علي فقال لا أفعل قال ولم قال لأن الحق في ما فعل عمر بن عبد العزيز قال وبم ذلك قال لأن أخوي أحسنا إليك وذكرتهما وما دعوت لهما وعمر بن عبد العزيز أساء إليك وذكرته فترضيت عنه فعلمت إن عمر آثر الله على هواه فيك وأن سليمان بن عبد الملك والوليد آثرا هواهما على حق الله فو الله لا رأيته مني أبدا وهذا من أحسن ما يحكى من التفاتات ولاة الأمور (وصية) في موعظة قال سعيد بن سليمان كنت بمكة وإلى جانبي عبد الله ابن عبد العزيز العمري وقد حج هارون الرشيد فقال له إنسان يا أبا عبد الله هو ذا أمير المؤمنين يسعى وقد أخلي له المسعى قال العمري للرجل لا جزاك الله عني خيرا كلفتني أمرا كنت عنه غنيا ثم قام فتبعته فاقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به يا هارون فلما نظر إليه قال لبيك يا عمري قال ارق الصفا فلما رقيته قال ارم بطرفك إلى البيت قال هارون قد فعلت قال كم هم قال ومن يحصيهم قال فكم في الناس مثلهم قال خلق لا يحصيهم إلا الله قال اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه وأنت وحدك تسأل عنهم كلهم فانظر كيف تكون قال فبكى هارون وجلس وجعل يعطونه منديلا منديلا للدموع فقال العمري وأخرى أقولها قال قل يا عم والله إن الرجل ليسرع في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن أسرع في مال المسلمين ثم مضى وهارون يبكي قال البغوي فبلغني إن هارون الرشيد كان يقول إني لأحب أن أحج كل سنة ما يمنعني الأرجل من ولد عمر يسمعني ما أكره (وصية) نبوية في موعظة إلهية قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول الله تعالى يا ابن آدم كل يوم ترزقك وأنت تحزن وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح أنت فيما يكفيك وتطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع (وصية) حج أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور فبينما هو يطوف بالبيت ليلا إذ سمع قائلا يقول اللهم إنا نشكوا إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحق وأهله من الطمع فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد ثم أرسل إلى الرجل فصلى ركعتين ثم استلم الركن وأقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة فقال له المنصور ما الذي سمعتك تذكر قال إن أمنتني يا أمير المؤمنين أعلمتك بالأمور من أصولها وإلا اقتصرت على نفسي ففيها لي شغل شاغل قال فأنت آمن على نفسك فقال يا أمير المؤمنين إن الله استرعاك أمر عباده وأموالهم فجعلت بينك وبيتهم حجابا من الجص والآجر وأبوابا من الحديد وحراسا معهم سلاح ثم سجنت نفسك منهم وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها وأمرت أن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف إليك ولا أحد إلا وله في هذا المال حق فلما رآك النفر الذين استخلصتهم لنفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرت أن لا يحجبوا دونك تجني الأموال وتجمعها قالوا هذا خان الله فما لنا لا نخونه فائتمروا ألا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أحبوه ولا يخرج لك عامل إلا خونوه عندك وعابوه حتى تسقط منزلته عندك فلما انتشر ذلك عنك وعنهم أعظمهم الناس وهابوهم وصانعوهم وكان أول من صانعهم عاملك بالهدايا والأموال ليبقوا بذلك عمالك على ظلم رعيتك ثم فعل ذلك ذوو المقدرة والأموال من رعيتك ليصلوا إلى ظلم من دونهم فامتلأت بلاد الله بغيا وفسادا وصار هؤلاء القوم شركاءك وأنت غافل فإن جاء متظلم حيل بينك وبينه وإن أراد رفع قضيته إليك وجدك قد نهيت عن ذلك ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك المتظلم وبلغ بطانتك خبره سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته إليك فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث ويدفعه فإذا جهد وخرج ظهر لك وصرخ بين يديك فضرب ضربا مبرحا يكون نكالا لغيره وأنت تنظر فلا تنكر فما بقاء الإسلام على هذا قال فبكى المنصور بكاء شديدا وقال ويحك كيف أحتال لنفسي قال يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ويرضون بهم في دنياهم وهم العلماء وأهل الديانة فاجعلهم بطانتك يرشدوك وشاورهم يسدوك فقال قد بعثت إليهم فهربوا مني فقال خافوا إن تحملهم على طريقتك ولكن افتح بابك وسهل حجابك وانصر المظلوم واقمع الظالم وخذ الفيء والصدقات على وجوهها وأنا ضامن عنهم أنهم يأتونك ويسعدونك على صلاح الأمة ثم أذن بالصلاة فقام يصلي وعاد إلى مجلسه ثم طلب الرجل فلم يجده (وصايا نبوية) رويناها من حديث الهاشمي يبلغ بها النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال أيها الناس أقبلوا على ما كلفتموه من إصلاح آخرتكم وأعرضوا عما ضمن لكم من أمر دنياكم ولا تستعملوا جوارح غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بمعصيته واجعلوا شغلكم التماس مغفرته واصرفوا هممكم إلى التقرب إليه بطاعته إنه من بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الآخرة ولا يدرك منها ما يريد ومن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا وأدرك من الآخرة ما يريد (وصية منظومة) من ذي علم في الاعتذار إذا اعتذر الصديق إليك يوما *** من التقصير عذر أخ مقر فصنه عن عتابك واعف عنه *** فإن العفو شيمة كل حر (وصايا إلهية) يقول الله تعالى يا ابن آدم إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني أنفق أنفق عليك أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له آمنين إن خافني في الدنيا لم يخف في الآخرة وإن أمنني في الدنيا لم يأمن في الآخرة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني يقول الله لأهون أهل النار عذابا لو أن لك ما في الأرض من غني كنت تفتدي به قال نعم قال فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا الشرك الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار إن هذا دين ارتضيته لنفسي لا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه يا موسى إنك لن تتقرب إلي بشيء أحب إلي من الرضي بقضائي ولن تعمل عملا أحفظ لحسناتك من النظر في أمورك يا موسى لا نتضرع إلى أهل الدنيا فأسخط عليك ولا تجد بدينك لدنيا فأغلق عليك أبواب رحمتي يا موسى قل للمؤمنين التائبين أبشروا وقل للمؤمنين المخبتين اجتنبوا وأحسنوا أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من رجا غيري لم يعرفني ومن لم يعرفني لم يعبدني ومن لم يعبدني فقد استوجب سخطي ومن خاف غيري حلت به نقمتي يا موسى خف ثلاثة خفني وخف نفسك وخف من لا يخافني يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة إذا قال العبد بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله ذكرني عبدي وإذا قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدني عبدي وإذا قال الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يقول الله أثنى على عبدي وإذا قال مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يقول الله مجدني عبدي وفوض إلى عبدي وإذا قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول الله هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل وإذا قال اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضَّالِّينَ يقول الله هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال آمين يقول الله قد أجبت الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا يعني عينيه لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يخرج في آخر الزمان رجال يحملون الدنيا بالدين ويلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله أ بي يفترون أم علي يجترءون فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيران قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يجاء يوم القيامة بابن آدم كأنه بدج فيوقف بين يدي الله تعالى فيقول الله أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك فما ذا صنعت فيقول جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كان فارجعنى فيقول أرني ما قدمت فيقول يا رب جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كان فارجعنى آتك به فإذا عبد لم يقدم خيرا فيمضي به إلى النار يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لا تفعل أملأ يديك شغلا ولم أسد فقرك يا ابن آدم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك وقصرت من حرصك وحيلك وابتغيت الزيادة من عملك وإنما تلقى الندم لو قد زلت بك القدم وأسلمك الأهل والحشم وانصرف عنك الحبيب وأسلمك القريب فلا أنت إلى أهلك عائد ولا في عملك زايد فاعمل ليوم القيامة يوم الحسرة والندامة وقال الله إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع نهاره في ذكري ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه بعزتي واستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة علما ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة يا موسى إني أعلمك خمس كلمات هن عماد الدين ما لم تعلم أن قد زال ملكي فلا تترك طاعتي وما لم تعلم أن خزائني نفدت فلا تهتم برزقك وما لم تعلم أن عدوك قد مات فلا تأمن فاجئته ولا تدع محاربته وما لم تعلم أني قد غفرت لك فلا تعب المذنبين وما لم تدخل جنتي فلا تأمن مكري قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به قال يا موسى لو أن السموات السبع وعمارهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله يقول الله لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يا محمد أ ما يرضيك إنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا وقال الله وجبت محبتي للمتحابين في وللمتجالسين في والمتباذلين في والمتزاورين في يقول الله عز وجل يا دنيا اخدمي من خدمني وأتعبي يا دنيا من خدمك وقال الله إن عبدا أصححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أيام لا يفر إلي لمحروم وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول له أ تنكر من هذا شيئا أ ظلمتك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول فلك عذر فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندي حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم قال فيوضع لسجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يوقفون يعني الملائكة بين يدي الله ويشهدون يعني للعبد بالعمل الصالح المخلص لله فيقول الله لهم أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه إنه لم يردني بهذا العمل وأراد به غيري فعليه لعنتي وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ أ لم أعلمك ما أنزلته على رسولي قال بلى يا رب قال فما ذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة له كذبت ويقول الله إنما قرأت ليقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له أ لم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى يا رب قال فما ذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله له بل أردت أن يقال فلان جواد فقيل ذلك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله فيم ذا قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله له بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ثم ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول من تسعر بهم النار يوم القيامة فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه يقول الله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً كم تمنيت فأحسنت المقال *** وفعلت الخير جهرا ليقال فإذا واسيت يوما سائلا *** اطلب الشكر عليها ليقال وإذا قاتلت يوما كافرا *** اطلب الذكر عليه ليقال وإذا ما صمت يوما صائما *** أشتكي الجوع عشيا ليقال وإذا صليت والناس معي *** أتاني في صلاتي ليقال وأنا في خلوتي أنقرها *** حيث لا أخشى عليها أن يقال عملي عجب وصنع وريا *** يا لها من عثرات لا تقال فاهجروني واطردوني عنكم *** إن أحمالي وأوزاري ثقال تسأل الله تعالى توبة *** خالص الصدق له لا ليقال (وصية) اعتبار لأحد الأبرار بلغني أن عمر بن عبد العزيز شيع جنازة فلما انصرفوا تأخر عمر وأصحابه ناحية عن الجنازة فقال له بعض أصحابه يا أمير المؤمنين جنازة أنت وليها تأخرت عنها وتركها فقال نعم ناداني القبر من خلفي يا عمر بن عبد العزيز أ لا تسألني ما صنعت بالأحبة قلت بلى قال حرقت الأكفان ومزقت الأبدان ومصصت الدم وأكلت اللحم قال أ لا تسألني ما صنعت بالأوصال قلت بلى قال نزعت الكفين من الذراعين والذراعين من العضدين والعضدين من الكتفين والوركين والفخذين والفخذين من الركبتين والركبتين من الساقين والساقين من القدمين ثم بكى عمر ثم قال ألا إن الدنيا بقاؤها قليل وعزيزها ذليل وغنيها فقير وشابها يهرم وحيها يموت فلا يغرنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها فالمغرور من اغتر بها أين سكانها الذين بنوا مدائنها وشققوا أنهارها وغرسوا أشجارها وأقاموا فيها أياما يسيرة غرتهم بصحتهم فاغتروا وبنشاطهم فركبوا المعاصي أنهم كانوا والله في الدنيا مغبوطين بالأموال على كثرة المنع عليه محسودين على جمعه ما ذا صنع التراب بأبدانهم والرمل بأجسادهم والديدان بعظامهم وأوصالهم كانوا في الدنيا على أسرة ممهدة وفرش منضودة بين خدم يخدمون وأهل يكرمون وجيران يعضدون فإذا مررت فنادهم إن كنت مناديا ومر بعسكرهم وانظر إلى تقارب منازلهم واسأل غنيهم ما بقي من غناه واسأل فقيرهم ما بقي من فقره وأسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون وعن الأعين التي كانوا بها ينظرون وأسألهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان محت الألوان وأكلت اللحمان وعفرت الوجوه ومحت المحاسن وكسرت الفقار وأبانت الأعضاء ومزقت الأشلاء وأين حجابهم وقبابهم وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم ومكنونهم والله ما فرشوا فراشا ولا وضعوا هناك متكأ ولا غرسوا لهم شجرا ولا أنزلوهم من اللحد قرارا أ ليسوا في منازل الخلوات والفلوات أ ليس الليل والنهار عليهم سواء أ ليس هم في مدلهمة ظلماء قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة فكم من ناعم وناعمة أصبحوا ووجوههم بالية وأجساد لهم من أعناقهم نائية وأوصالهم متمزقة وقد سألت الحدقات على الوجنات وامتلأت الأفواه دما وصديدا ودبت دواب الأرض في أجسادهم ففرقت أعضاءهم ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما قد فارقوا الحدائق وصاروا بعد السعة إلى المضايق قد تزوجت نساؤهم وترددت في الطرق أبناؤهم وتوزعت الورثة ديارهم وتراثهم فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناضر فيه المتنعم بلذته يا ساكن القبر غدا ما الذي غرك من الدنيا هل تعلم أنك تبقي أو تبقي لك أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد وأين ثمرتك الحاضرة ينعها وأين رقاق ثيابك وأين طيبك وأين بخورك وأين كسوتك لصيفك وشتائك أ ما رأيته قد نزل به الأمر فما يدفع عن نفسه دخلا وهو يرشح عرقا ويتلمظ عطشا يتقلب في سكرات الموت وغمراته جاء الأمر من السماء وجاء غالب القدر والقضاء جاء من الأمر الأجل ما لا يمتنع منه هيهات يا مغمض الوالد والأخ والولد وغاسله يا مكفن الميت وحامله يا مخليه في القبر وراجعا عنه ليت شعري كيف كنت على خشونة الثرى ليت شعري بأي خديك تبدي البلى وأي عينيك إذن سألا يا مجاور الهلكات صرت في محل الموتى ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا وما يأتيني به من رسالة ربي ثم تمثل تسر بما يفنى وتشغل بالمنى *** كما اغتر باللذات في النوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردي لك لازم وتعمل شيئا سوف تكره غيه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائم ثم انصرف فما بقي بعد ذلك إلا جمعة ومات رضي الله عنه ومن نظمنا في ذلك شاب فوداي وشب الأمل *** ومضى العمر وجاء الأجل عسكر الموتى لنا منتظر *** فإذا صرنا إليهم رحلوا ليت شعري ليت شعري هل دروا *** إنني بعدهم مشتغل في فنون اللهو أفنى طربا *** غافل عماله انتقل ولنا في هذا المعنى أيضا ضمت لنا أرامنا الآراما *** فكان ذاك العيش كان مناما يا واقفين على القبور تعجبوا *** من قائمين كيف صاروا نياما تحت التراب موسدين أكفهم *** قد عاينوا الحسنات والإجراما لا يوقظون فيخبرون بما رأوا *** لا بد من يوم تكون قياما ورأيت على قبر أبياتا وهي على لسان صاحبه أيها الناس كان لي أمل *** قصر بي عن بلوغه الأجل فليتق الله ربه رجل *** أمكنه في حياته العمل ما أنا وحدي نقلت حيث تروا *** كل إلى مثله سينتقل ورأيت أيضا مكتوبا على قبر يا من بدنياه اشتغل *** وغره طول الأمل ولم يزل في غفلة *** حتى دنا منه الأجل الموت يأتي بغتة *** والقبر صندوق العمل ورأيت مكتوبا على قبر أم ابن البسيلي وكان ابنها من أصدقائي وقد علاه وشيده وأنفق على بنائه مالا كثيرا فكتب شخص من أصحابنا أبياتا عليه لبعضهم يخبر عن صورة الحال وهي أرى أهل القصور إذا توفوا *** بنوا تلك المقابر بالصخور أبوا إلا مباهاة وفخرا *** على الفقراء حتى في القبور فإن يكن التفاضل في ذراها *** فإن العدل منها في القعور لعمر أبيهم لو أبرزوهم *** لما علموا الغني من الفقير ولا عرفوا العبيد من الموالي *** ولا عرفوا الإناث من الذكور ولا البدن الملبس ثوب صوف *** ولا البدن المنعم في الحرير إذا ما مات هذا ثم هذا *** فما فضل الغني على الفقير وكان على قبر مكتوبا بمدينة سلا منقطع التراب بيتان على لسان صاحب القبر ولقد نظرت كما نظرت *** ولقد نظرت فما اعتبرت فانظر لنفسك سيدي *** قبل الحصول كما حصلت (وصية) سنية من ذي همة علية لا تضرعن لمخلوق على طمع *** فإن ذاك مضر منك بالدين واسترزق الله رزقا من خزائنه *** فإنما هو بين الكاف والنون وفي هذا المعنى قال أبو حازم الأعرج لبعض الخلفاء وقد سأله الخليفة ما بالك يا أبا حازم فقال الرضي عن الله والغني عن الناس للناس مال ولي مالان ما لهما *** إذا يحارس أهل المال حراس مالي الرضي بالذي أصبحت أملكه *** ومالي الياس مما يملك الناس قال له خاله هشام بن عبد الملك لما ولي البحرين ما طعامك يا أبا حازم قال الخبز والزيت قال أ فلا تسأمهما قال إذا سامتهما تركتهما حتى اشتهيتهما (وصية) إلهية مذكرة ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ وما هذه الأيام إلا معارة *** فما استطعت من معروفه فتزود فإنك لا تدري بأية بلدة *** تموت ولا ما يحدث الله في غد يقولون لا تبعد ومن يك بعده *** ذراعين من قرب الأحبة يبعد (وصية) من امرأة من ولد حسان بن ثابت سل الخير أهل الخير قد ما ولا تسل *** فتى ذاق طعم العيش منذ قريب (وصية) مجنون عاقل قالها عند خليفة غافل حج هارون الرشيد راجلا من أجل يمينه حين حنث فقعد يستريح في ظل ميل فمر به بهلول المجنون وكان في الركب فقال له يا أمير المؤمنين هب الدنيا تؤاتيكا *** أ ليس الموت يأتيكا ألا يا طالب الدنيا *** دع الدنيا لشاتيكا إلى كم تطلب الدنيا *** وظل الميل يكفيكا (وصية) حكيم في صفة الحميم قيل لخالد بن صفوان أي الإخوان أحب إليك قال الذي يغفر زلتى وسد خلتي ويقيل علتي وكتب رجل إلى صديق له إني وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة منبسطة وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة ولا تقع المؤانسة إلا بالبر والملاطفة بتنا ليلة عند أبي الحسين بن أبي عمرو بن الطفيل بإشبيلية سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وكان كثيرا ما يحتشمني ويلتزم الأدب بحضوري وبات معنا أبو القاسم الخطيب وأبو بكر ابن سام وأبو الحكم بن السراج وكلهم قد منعهم احترام جانبي الانبساط ولزموا الأدب والسكون فأردت أعمل الحيلة في مباسطتهم فسألني صاحب المنزل أن يقف على شيء من كلامنا فوجدت طريقا إلى ما كان في نفسي من مباسطتهم فقلت له عليك من تصانيفنا بكتاب سميناه الإرشاد في خرق الأدب المعتاد فإن شئت عرضت عليك فصلا من فصوله فقال لي أشتهي ذلك فمددت رجلي في حجره وقلت له كبسني ففهم عني ما قصدت وفهمت الجماعة فانبسطوا وزال ما كان بهم من الانقباض والوحشة وبتنا بأنعم ليلة في مباسطة دينية إفصاح بغالب الأحوال ممن يعد من الأبدال قال الحسن البصري ما أعطى رجل شيئا من الدنيا إلا قيل له خذه ومثله من الحرص وقال أشد الناس صراخا يوم القيامة رجل سن ضلالة فاتبع عليها ورجل سيئ الملكة ورجل فارغ استعان بنعم الله على معاصيه (وصية) يا ولي راقب إيمانك وأضف إلى حسن صورته زينة العلم فإذا زينته به ظهر بصورة لم يكن عليها من الحسن فإذا أعجبك فأضف إليه زينة العمل بالعلم فتزيد حسنا إلى حسن فإذا تعشقت بصورة العمل لما ترى من حسنها ربما أداك ذلك إلى أن تحمل النفس فوق طاقتها فزين العمل بالرفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقد قيل ما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم وإذا سبك إنسان فانظر فيما سبك به فإن كان ما سبك به صفة فيك فلا تلمه فما قال إلا حقا ولم نفسك وأزل عنها تلك الصفة المذمومة واشكره على ما ظهر منه فلقد بالغ في نصحك وإن لم يقصده ولكن الله أنطقه فارع له ذلك وإن سبك بما ليس فيك فخذ ذلك منه تذكرة وتحذيرا يحذرك بما ذكره أن تذكره لئلا تتصف به فيما تستقبله من زمانك فقد نصحك على كل حال فإن صدق فيما قال فقل غفر الله لي ولك وللمسلمين وإن كذب فيما قال فقل غفر الله لك فلقد نبهتني على أمر ربما لو لا تنبيهك وقعت فيه وأنشده هنيئا مريئا غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت كانت لي كلمة مسموعة عند بعض الملوك وهو الملك الظاهر صاحب مدينة حلب رحمه الله غازي ابن الملك الناصر لدين الله صلاح الدين يوسف بن أيوب فرفعت إليه من حوائج الناس في مجلس واحد مائة وثمان عشرة حاجة فقضاها كلها وكان منها إني كلمته في رجل أظهر سره وقدح في ملكه وكان من جملة بطانته وعزم على قتله وأوصى به نائبه في القلعة بدر الدين أي دمور أن يخفى أمره حتى لا يصل إلى حديثه فوصلني حديثه فلما كلمته في شأنه طرق وقال حتى أعرف المولى ذنب هذا المذكور وأنه من الذنوب الذي لا تتجاوز الملوك عن مثله فقلت له يا هذا تخيلت أن لك همة الملوك وأنك سلطان والله ما أعلم أن في العالم ذنبا يقاوم عفوي وأنا واحد من رعيتك وكيف يقاوم ذنب رجل عفوك في غير حد من حدود الله إنك لدني الهمة فحجل وسرحه وعفا عنه وقال لي جزاك الله خيرا من جليس مثلك من يجالس الملوك وبعد ذلك المجلس ما رفعت إليه حاجة إلا سارع في قضائها لفوره من غير توقف كانت ما كانت يا وليي احبس نفسك عن القليل من الذم تأمن كثيره فإن النفس فيها لجاجة إذا نوزعت صدعت وإذا سكت عنها انقمعت قال الأحنف ابن قيس في هذا المعنى من لم يصبر على كلمة أسمع كلمات ورب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه يا وليي والله ما عاقبت أحدا يجب على أدبه في حال غضبي فإذا ذهبت عني حالة الغضب والغيظ ورأيت المصلحة له في الأدب أدبته وأما ما يرجع إلي فأعفو عنه عن طيب نفس وعدم إقامة على دغل وحقد وابذل جهدي في إيصال خير إليه وأسارع إلى قضاء حوائجه وما أدري إني أقرضت أحدا قرضا وفي نفسي إني أطلبه منه فلا أطلبه وإن جاء به وأرى حاجتي إليه آخذه منه ولا أعلمه وإن علمت أنه ضيق على نفسه فيه أنظرته إلى ميسرة هذا فيما يختص بنفسي وحكم العيال حكم الجار الأقرب له حق يطلبه أنا مأمور بإيصاله إليه إذا قدرت عليه يا وليي اعلم أن الحاكم لا بد إذا أرضى أحد الخصمين أن يسخط الآخر وأنت حاكم والخصمان في مجلس قلبك الملك والشيطان فارض الملك وأسخط الشيطان فإنه يقول للإنسان اكفر فإذا كفر قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ واعلم أن الدين أقوى منه وأحصن والعدل أقوى عدة يتخذها الحاكم لقتال من يسخطه من الخصمين فإنه يقاتل هواه فيه ولا سيما إن كان المبطل حميمه وصاحبه وإذا أردت أن لا تخاف أحدا فلا تخف أحدا تأمن من كل شيء إذا أمن منك كل شيء مررت في سفري في زمان جاهليتي ومعي والدي وأنا ما بين قرمونة وبلمة من بلاد الأندلس وإذا بقطيع حمر وحش ترعى وكنت مولعا بصيدها وكان غلماني على بعد مني ففكرت في نفسي وجعلت في قلبي إني لا أوذى واحدا منها بصيد وعند ما أبصرها الحصان الذي أنا راكبة هش إليها فمسكته عنها ورمحي بيدي إلى أن وصلت إليها ودخلت بينها وربما مر سنان الرمح بأسنمة بعضها وهي في المرعى فو الله ما رفعت رءوسها حتى جزتها ثم أعقبني الغلمان ففرت الحمر أمامهم وما علمت سبب ذلك إلى أن رجعت إلى هذا الطريق أعني طريق الله فحينئذ علمت من نظري في المعاملة ما كان السبب وهو ما ذكرناه فسرى الأمان في نفوسهم الذي كان في نفسي لهم فكف عن ظلمك واعدل في حكمك ينصرك الحق ويطيعك الخلق وتصفو لك النعم وترتفع عنك التهم فيطيب عيشك ويسكن جأشك وملكت القلوب وأمنت محاربة الأعداء وأخفى ودك في نفسه من أظهر لك العداوة في حسه لحسد قام به فهو حبيب في صورة بغيض (و من منشور الحكم والوصايا) قال بعضهم العدل ميزان الباري ولذلك هو مبرأ من كل زيغ وميل وقال بعضهم في ملك إذا حسنت سيرته وصلحت سريرته صير رعيته جندا وإن أول العدل أن يبدأ الرجل بنفسه فيلزمها كل خلة زكية وخصلة رضية في مذهب سديد ومكسب حميد ليسلم عاجلا ويسعد آجلا وإن أول الجور أن يعمد إليها فيجنبها الخير ويعودها الشر ويكسبها الآثام ويلبسها المذام ليعظم وزرها ويقبح ذكرها وقال بعضهم من بدأ بنفسه فساسها أدرك سياسة الناس أصلحوا أنفسكم تصلح لكم آخرتكم أصلح نفسك لنفسك تكن الناس تبعا لك أحسن العظات ما بدأت به نفسك وأجريت عليه أمرك من رضي عن نفسه سخط الناس عليه من ظلم نفسه كان لغيره أظلم ومن هدم دينه كان لمجده أهدم خير الآداب ما حصل لك ثمره وظهر عليك أثره من تعزز بالله لم يذله سلطان ومن توكل عليه لم يضره شيطان ليكن مرجعك إلى الحق ومنزعك إلى الصدق فالحق أقوى معين والصدق أفضل قرين من لم يرحم الناس منعه الله من رحمته ومن استطال بسلطانه سلبه الله من قدرته إن العدل ميزان الله وضعه للخلق ونصبه للحق فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه استغن عن الناس بخلتين قلة الطمع وشدة الورع من طال كلامه سئم ومن قل احترامه شتم ودخلت على بعض الصالحين يسبته على بحر الرقاق وكان قد جرى بيني وبين السلطان من الكلام ما يوجب وحر الصدر ويضع من القدر فوصل إليه الخبر فلما أبصرني قال لي يا أخي ذل من ليس له ظالم يعضده وضل من ليس له عالم يرشده يا أخي الرفق الرفق فقلت له ما دام رأس المال محفوظا أعني الدين فقال صدقت وسكت عني لا تحاج من يذهلك خوفه ويملكك سيفه فرب حجة تأتي على مهجة وقرصة تؤدي إلى غصة وإياك واللجاج فإنه يوغر القلوب وينتج الحروب عي تسلم به خير من نطق تندم عليه واقتصر من الكلام بما يقيم حجتك ويملك حاجتك وإياك وفضوله فإنه يزل القدم ويورث الندم عي يزري بك خير من براعة تأتي عليك (وصية نبوية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لرجل يوصيه أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به واقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب ولا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك أنه ليس بفائتك ما قسم لك ولست بلاحق ما روى عنك ولأنك جاهدا فيما يصبح نافدا واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه ومن الوصية النبوية أيضا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث شغل لا ينفك عناه وفقر لا يدرك غناه وأمل لا ينال منتهاه إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها وقدم لما يقدم عليه فيما هو الآن في يديه قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه وقد شقي هو بجمعه واحتكاره (و منها أيضا) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان الموت على غيرنا كتب وكان الحق فيها على غيرنا وجب وكان الذين نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم كانا مخلدون بعدهم نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس طوبى لمن أنفق مالا اكتسبه من غير معصية وجالس أهل الفقه والحكمة وخالط أهل الذلة والمسنة طوبى لمن ذلت نفسه وحسنت خليقته وطابت سريرته وعزل عن الناس شره طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم تستهوه البدعة (و من مواعظه ص) قيس ابن عاصم المنقري روينا من حديث الهاشمي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يا قيس إن مع العز ذلا وإن مع الحياة موتا وإن مع الدنيا آخرة وإن لكل شيء حسيبا وعلى كل شيء رقيبا وإن لكل حسنة ثوابا ولكل سيئة عقابا وإن لكل أجل كتابا إنه لا بد يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحا فإنه إن كان صالحا لم تأنس إلا به وإن كان فاحشا لم تستوحش إلا منه وهو فعلك (و من وصاياه ص) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا وأكثروا الصدقة ترزقوا وأمروا بالمعروف تخصبوا وانهوا عن المنكر تنصروا يا أيها الناس أن أكيسكم أكثركم للموت ذكرا وأحزمكم أحسنكم له استعدادا ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور (و منها أيضا عنه ص) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم إن المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليأخذ العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار (و مما ورد عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في خصال الايمان) ما حدثنا به أبو عبد الله محمد بن قاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الكريم التميمي بالمسجد الأزهر بعين الخيل من مدينة فاس سنة إحدى وتسعين وخمسمائة من لفظه وأنا أسمع وأسنده إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم معنعنا قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا يكمل عبد الايمان حتى يكون فيه خمس خصال التوكل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضي بقضاء الله والصبر على بلاء الله إنه من أحب وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان وقد ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال الايمان بضع وسبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لا إله إلا الله (وصية نبوية محمدية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا خير في العيش إلا لعالم ناطق أو مستمع واع يا أيها الناس إنكم في زمان هدنة وإن السير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود فقال له المقداد وما الهدنة يا رسول الله فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم دار بلاء وانقطاع فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وشاهد مصدق فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار هو أوضح دليل إلى خير سبيل من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل وإن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلف ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه (وصية نبوية بتذكرة) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن العبد لا يكتب في المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه ولا ينال درجة المؤمنين حتى يأمن جاره بوائقه ولا يعد من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس أيها الناس إنه من خاف البيات أدلج ومن أدلج في السير وصل وإنما تعرفون عواقب أعمالكم لو قد طويت صحائف آجالكم إن نية المؤمن خير من عمله ونية المنافق شر من عمله (وصية فيها بشرى للمنقطعين إلى الله) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من انقطع إلى الله كفاه كل مئونة فيها ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها ومن حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد له مما رجا وأقرب مما اتقى ومن طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده منهم ذاما ومن أرضى الناس بسخط الله وكله الله إليهم ومن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه (وصية نبوية خبرية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رحم الله عبدا تكلم فغنم أو سكت فسلم إن اللسان أملك شيء للإنسان ألا وإن كلام العبد كله عليه إلا ذكر الله أو أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو إصلاحا بين مؤمنين فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله أ نؤاخذ بما نتكلم به قال وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم فمن أراد السلامة فليحفظ ما جرى به لسانه وليحرس ما انطوى عليه جنانه وليحسن عمله وليقصر أمله (وصية نبوية أيضا) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر إذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه قلنا من هنا قال قتادة رضي الله عنه ما أنصف أحد الدنيا ذمت بإساءة المسيء فيها ولم تحمد بإحسان المحسن فيها وفي عكس هذا يقول بعضهم في الدنيا إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت *** له عن عدو في ثياب صديق هذا إنما يريد الحياة الدنيا التي لا يقصد بها الآخرة وقد ذم الله ذلك (وصية نبوية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أكثروا وذكرها ذم اللذات فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعة عليكم ورضيتم به فأجرتم وإن ذكرتموه في غنى بغضه إليكم فجدتم به فأثبتم إن المنايا قاطعات الآمال والليالي مدنيات الآجال وإن المرء بين يومين يوم قد مضى أحصى فيه عمله فختم عليه ويوم قد بقي لا يدري لعله لا يصل إليه (وصية بتذكرة) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الرزق مقسوم لن يعدو امرؤ ما كتب له فأجملوا في الطلب وإن العمر محدود لن يجاوز أحد ما قدر له فبادر واقبل نفاد الأجل والأعمال محصاة لن يهمل منها صغيرة ولا كبيرة فأكثروا من صالح العمل أيها الناس إن في القنوع لسعة وإن في الاقتصاد لبلغة وإن في الزهد لراحة ولكل عمل جزاء وكل آت قريب (بذكرى لبيب واعتبار) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أ ما رأيت المأخوذين على الغرة المزعجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا على الشبهات وجنحوا إلى الشهوات حتى أتتهم رسل ربهم فلا ما كانوا أملوا أدركوا ولا إلى ما فاتهم رجعوا قدموا على ما عملوا وندموا على ما خلفوا ولم يغن الندم وقد جف القلم فرحم الله امرأ قدم خيرا وأنفق قصدا وقال صدقا وملك دواعي شهواته ولم تملكه وعصى أمره نفسه فلم تهلكه (وصية وبيان) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيها الناس لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تعاقبوا ظالما فيبطل فضلكم ولا تراءوا الناس فيحبط عملكم ولا تمنعوا الموجود فيقل خيركم أيها الناس إن الأشياء ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعوه وأمر استبان غيه فاجتنبوه وأمر اختلف عليكم فردوه إلى الله أيها الناس إلا أنبئكم بأمرين خفيف مئونتهما عظيم أجر هما لم يلق الله بمثلهما الصمت وحسن الخلق (وصية نبوية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما يؤتى الناس يوم القيامة من إحدى ثلاث إما من شبهة في الدين ارتكبوها أو شهوة للذة آثروها أو غضبة لحمية أعملوها فإذا لاحت لكم شبهة فأجلوها باليقين وإذا عرضت لكم شهوة فاقمعوها بالزهد وإذا عنت لكم غضبة فادرءوها بالعفو إنه ينادي مناد يوم القيامة من له أجر على الله فليقم فيقوم العافون عن الناس أ لم تر إلى قوله عز جلاله فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله (وصية فيها تذكرة غافل) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول الله تعالى يا ابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح أنت فيما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع (وصية تحريض على الاتصاف بصفة يحمدها الله من عباده) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وقد قيل له يا رسول الله من أولياء الله الذين فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ فقال الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها واهتموا بأجل الدنيا حين اهتم الناس بعاجلها فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم فما عرضهم من نائلها عارض إلا رفضوه ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه خلقت الدنيا عندهم فما يجددونها وخربت بيتهم فما يعمرونها وماتت في صدورهم فما يحيونها بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلات فما يرون أما نادون ما يرجون ولا خوفا دون ما يحذرون (وصية أيضا نبوية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما أنتم خلف ماضين وبقية متقدمين كانوا أكثر منكم بسطة وأعظم سطوة أزعجوا عنها أسكن ما كانوا إليها وغدرت بهم أوثق ما كانوا بها فلم تغن عنهم قوة عشيرة ولا قبل منهم بدل فدية فارحلوا أنفسكم بزاد مبلغ قبل أن تؤاخذوا على فجأة وقد غفلتم عن الاستعداد ولا يغني الندم وقد جف القلم (وصية بموعظة وذكرى) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك في الموتى وإذا أصبحت فلا تحدثها بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدثها بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لوفاتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا (وصية نبوية نافعة) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا يشغلنكم دنياكم عن آخرتكم ولا تؤثروا أهواءكم على طاعة ربكم ولا تجعلوا أيمانكم ذريعة لمعاصيكم وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومهدوا لها قبل أن تعذبوا وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا فإنما هو موقف عدل واقتضاء حق وسؤال عن واجب ولقد بلغ في الإعذار من تقدم في الإنذار (وصية نبوية خبرية بما ينبغي أن يقبل عليه ويعرض عنه) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يا أيها الناس أقبلوا على ما كلفتموه من صلاح آخرتكم وأعرضوا عما ضمن لكم من أمر دنياكم ولا تستعملوا جوارحا غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بمعصيته واجعلوا شغلكم بالتماس مغفرته واصرفوا هممكم إلى التقرب إليه بطاعته إنه من بدأ بنصيبه من الدنيا فإنه نصيبه من الآخرة ولا يدرك منها ما يريد ومن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا وأدرك من الآخرة ما يريد (وصية نبوية فيما ينبغي أن يترك من الفضول) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إياكم وفضول المطعم فإن فضول المطعم يسم القلب بالقساوة ويبطىء بالجوارح عن الطاعة ويصم الهمم عن سماع الموعظة وإياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة وإياك واستشعار الطمع فإنه يشرب القلب شدة الحرص ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا فهو مفتاح كل سيئة وسبب إحباط كل حسنة (وصية نبوية بما يرجى ويتقى) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنما هو خير يرجى أو شر يتقى وباطل عرف فاجتنب وحق تيقن فطلب وآخرة أظل إقبالها فسعى لها ودنيا أزف نفادها فأعرض عنها وكيف يعمل للآخرة من لا ينقطع عن الدنيا رغبته ولا تنقضي فيها شهوته إن العجب كل العجب لمن صدق بدار البقاء وهو يسعى لدار الفناء وعرف أن رضا الله في طاعته وهو يسعى في مخالفته (وصية نبوية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حلوا أنفسكم بالطاعة وألبسوها قناع المخافة واجعلوا آخرتكم لأنفسكم وسعيكم لمستقركم واعلموا أنكم عن قليل راحلون وإلى الله صائرون ولا يغني عنكم هنالك إلا صالح عمل قدمتموه أو حسن ثواب حزتموه إنكم إنما تقدمون على ما قدمتم وتجازون على ما أسلفتم ولا تخدعنكم زخارف دنيا دنية عن مراتب جنات علية فكان قد كشف القناع وارتفع الارتياب ولاقى كل امرئ مستقره وعرف مثواه ومقيله (وصية نبوية في التحذير عن المكر والخداع) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا تكونوا ممن خدعته العاجلة وغرته الأمنية واستهوته الخدعة فركن إلى دار سريعة الزوال وشيكة الانتقال إنه لم يبق من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب أو صر حالب فعلام تعرجون وما ذا تنتظرون فكأنكم والله بما قد أصبحتم فيه من الدنيا كان لم يكن وما تصيرون إليه من الآخرة كان لم يزل فخذوا الأهبة لأزوف النقلة وأعدوا الزاد لقرب الرحلة واعلموا أن كل امرئ على ما قدم قادم وعلى ما خلف نادم (وصية نبوية في ذم انبساط الأمل ونسيان الأجل) قال رسول الله ص أيها الناس بسيط الأمل متقدم حلول الأجل والمعاد مضمار العمل ومغتبط بما احتقب غانم ومبتئس بما فاته من العمل نادم أيها الناس إن الطمع فقر والياس غنى والقناعة راحة والعزلة عبادة والعمل كنز والدنيا معدن والله ما يسرني ما مضى من دنياكم هذه بأهداب بردي هذا ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء وكل إلى نفاد وشيك وزوال قريب فبادروا أنتم في مهل الأنفاس وحدة الأحلاس قبل أن يؤخذ بالكظم ولا يغني الندم (وصية نبوية وتعريف) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم تكون أمتي في الدنيا على ثلاثة أطباق أما الطبق الأول فلا يرغبون في جمع المال وادخاره ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره إنما رضاهم من الدنيا سد جوعة وستر عورة وغناهم فيها ما بلغ الآخرة فأولئك الذين فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ وأما الطبق الثاني فيحبون جمع المال من أطيب سبيله وصرفه في أحسن وجوهه يصلون به أرحامهم ويبرون به إخوانهم ويواسون به فقراءهم ولعض أحدهم على الرصف أسهل عليه من أن يكسب درهما من غير حله وأن يضعه في غير وجهه وأن يمنعه من حقه أو أن يكون خازنا له إلى حين موته فأولئك الذين إن نوقشوا عذبوا وإن عفي عنهم سلموا وأما الطبق الثالث فيحبون جمع المال مما حل وحرم ومنعه مما افترض أو وجب أن أنفقوه أنفقوه إِسْرافاً وبِداراً وإن أمسكوه أمسكوه بخلا واحتكارا أولئك الذين ملكت الدنيا أزمة قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم (وصية نبوية في التحذير من ضعف اليقين وما أشبه ذلك) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره إن الله تبارك اسمه جعل الروح والفرح في الرضي واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط إنك لم تدع شيئا تقربا إلى الله إلا أجزل لك الثواب عليه فاجعل همك وسعيك لآخرة لا ينفذ فيها ثواب المرضى عنه ولا ينقطع فيها عقاب المسخوط عليه (وصية نبوية تحرض على أخلاق سنية مرضية) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ليس شيء يباعدكم من النار إلا وقد ذكرته لكم لا شيء يقربكم من الجنة إلا وقد دللتكم عليه إن روح القدس نفث في روعي إنه لن يموت عبد حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من فضل الله بمعصيته فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته ألا وإن لكل امرئ رزقا هو يأتيه لا محالة فمن رضي به بورك له فيه فوسعه ومن لم يرض به لم يبارك له فيه ولم يسعه إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله (وصية نبوية مفصلة) قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الدنيا دار بلاء ومنزل قلعة وعناء قد نزعت عنها نفوس السعداء وانتزعت بالكرة من أيدي الأشقياء وأسعد الناس بها أرغبهم عنها وأشقاهم بها أرغبهم فيها هي الغاشة لمن انتصحها والمغوية لمن أطاعها والخائرة لمن انقاد لها والفائز من أعرض عنها والهالك من هوى فيها طوبى لعبد اتقى فيها ربه وناصح نفسه وقدم توبته وآخر شهوته من قبل أن تلفظه الدنيا إلى الآخرة فيصبح في بطن موحشة غبرا مدلهمة ظلما لا يستطيع أن يزيد في حسنة ولا ينقص من سيئة ثم ينشر فيحشر إما إلى جنة يدوم نعيمها أو نار لا ينفك عذابها وصية نبوية في الأهبة للرحلة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم شمروا فإن الأمر جد وتأهبوا فإن الرحيل قريب وتزودوا فإن السفر بعيد وخففوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كئود لا يقطعها إلا المخفون أيها الناس إن بين يدي الساعة أمورا شدادا وأهوالا عظاما وزمانا صعبا تتملك فيه الظلمة وتتصدر فيه الفسقة فيضطهد الآمرون بالمعروف ويضامون الناهون عن المنكر فأعدوا لذلك الايمان وعضوا عليه بالنواجذ والجئوا إلى العمل الصالح وأكرهوا عليه النفوس واصبروا على الضراء تفضوا إلى النعيم الدائم (وصية) نبوية وترغيب قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ارغب فيما عند الله يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس إن الزاهد في الدنيا يريح قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم حسنات كأمثال الجبال فيؤمر بهم إلى النار فقيل يا نبي الله أ يصلون قال كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل لكنهم كانوا إذا ألاح لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه (وصية) نبوية تحرض على صفات سنية قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيها الناس إن هذه الدار دار التواء لا دار استواء ومنزل ترح لا منزل فرح فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ألا وإن الله خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي وإنها لسريعة الذهاب وشيكة الانقلاب فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ولا تسعوا في عمران دار قد قضى خرابها ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها فتكونوا السخطة متعرضين ولعقوبته مستحقين (وصية) نبوية بما يرضي الله من الأخلاق قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أيها الناس اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ واسعوا في مرضاته وأيقنوا من الدنيا بالفناء ومن الآخرة بالبقاء واعملوا لما بعد الموت فكان الدنيا لم تكن وكان الآخرة لم تزل أيها الناس إن من في الدنيا ضيف وما في يده عارية وإن الضيف مرتحل والعارية مردودة ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر فرحم الله امرأ نظر لنفسه ومهد لرمسه ما دام رسنه مرخى وحبله على غاربة ملقى قبل أن ينفد أجله فينقطع عمله (وصية) أيضا نبوية قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة والآخرة قد تجملت مقبلة ألا وإنكم في يوم عمل ليس فيه حساب ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل وإن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي الآخرة إلا من يحب وإن للدنيا أبناء وللآخرة أبناء فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا إن شر ما أتخوف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فاتباع الهوى يصرف بقلوبكم عن الحق وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا وما بعدهما لأحد خير من دنيا ولا آخرة (وصية) نبوية بموعظة تذكر الموت وتؤذن بالرحيل قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات فإذا وجد الإنسان قد نفد أكله وجاء أجله ألقى عليه غم الموت فغشيته كرباته وغمرته عكراته فمن أهل بيته الناشرة شعرها والضاربة وجهها والباكية لشجوها والصارخة بويلها فيقول ملك الموت عليه السلام ويلكم مم الفزع وفيم الجزع ما أذهبت لواحد منكم رزقا ولا قربت له أجلا ولا أتيته حتى أمرت ولا قبضت روحه حتى استأمرت وإن لي فيكم عودة ثم عودة ثم عودة حتى لا أبقى منكم أحدا قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فو الذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حله ومن غير حله ثم خلفته لغيري فالمهناة له والتبعة علي فاحذروا مثل ما حل بي (وصية) من زاهد تحوي على فوائد روينا عن الشبلي أنه قال في وصيته إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة فهي الدنيا وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفا من تراب فإنك منها خلقت وفيها تعود ومتى ما أردت أن تنظر ما أنت فانظر إلى ما يخرج منك في دخولك الخلأ فمن كان حاله كذا فلا يجوز له أن يتطاول أو يتكبر على من هو مثله وقال بعضهم من كانت همته ما يدخله في جوفه فقيمته ما يخرج منه وكتب إبراهيم بن أدهم إلى أخ له بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره ولا يدرك الغني إلا به فإنه من استغنى عز وشبع وروى وانتقل عند ما أبصر قلبه عما أبصرت عيناه من زهرة الدنيا فتركها وجانب شبهها فارض بالحلال الصافي منها أي ما لا بد منه من كسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته أغلظ ما يجده وأخشنه والسلام وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وروى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جيء إليه قبل الخلافة بحلة بثلاثة ألف درهم فاستحسنها ثم جيء إليه في خلافته بثوب ليشتريه فيلبسه بثلاثة دراهم فقال عسى خشن من هذا فإن هذا رقيق فانظر يا أخي أين هذا من ذاك رضي الله عنه مثل هذا يلي أمور عباد الله وكتب ابن السماك إلى أخ له وقد سأله أن يصف له الدنيا أما بعد فإن الله حفها بالشهوات ثم ملأها آفات مزج حلالها بالرزيات وحرامها بالتبعات فحلالها حساب وحرامها عقاب (وصية) مختار بإجارة من استجار كتب إلينا أبو حفص عمر بن عبد المجيد من روايته أن الله تعالى نادى موسى بن عمران لا تخيب من قصدك وأجر من استجار بك قال فبينما موسى عليه السلام في سياحته إذا بجارح يطرد حمامة فلما رآه الحمام نزل على كتفه مستجيرا به ونزل الجارح على الكتف الآخر فلما هم به الجارح نزل الحمام على كمه فناداه الجارح بلسان فصيح يا ابن عمران إني قاصدك فلا تخيبني ولا تحل بيني وبين رزقي وناداه الحمام يا ابن عمران إني أنا مستجير بك فأجرني فقال موسى ما أسرع ما ابتليت به ثم مد يده ليقطع من فخذه قطعة للجارح وقاء لهما وحفظا لما عهد إليه فيهما فقال له يا ابن عمران أنا رسول ربك أرسلني إليك ليرى صحة ما عهد إليك أيا سامعا ليس السماع بنافع *** إذا أنت لم تفعل فما أنت سامع إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزا *** فما أنت في يوم القيامة صانع وكان ابن السماك يقول لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض وكن اليوم مشغولا بما أنت عليه مسئول غدا وإياك والفضول فإن حسابها يطول إني علمت وخير العلم أنفعه *** إن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى له فيعيينى تطلبه *** ولو قعدت أناني لا يعديني (وصية) تتضمن علامة باقتراب القيامة قال علي بن أبي طالب سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن أشراط الساعة فقال إذا رأيت الناس قد ضيعوا الحق وأماتوا الصلاة وأكثروا القذف واستحلوا الكذب وأخذوا الرشوة وشيدوا البنيان وأعظموا أرباب الأموال واستعملوا السفهاء واستحلوا الدماء فصار الجاهل عندهم ظريفا والعالم ضعيفا والظلم فخرا والمساجد طرقا وتكثر الشرط وحليت المصاحف وطولت المارات وخربت القلوب من الدين وشربت الخمور وكثر الطلاق وموت الفجاة وفشا الفجور وقول البهتان وحلفوا بغير الله وائتمن الخائن وخان الأمين ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب فعندها قيام الساعة هذا حديث حسن (وصية) بالتأهب للموت بموعظة في رؤيا كان أمير المؤمنين المنصور ذات ليلة نائما فانتبه مرعوبا ثم عاود النوم فانتبه كذلك فزعا مرعوبا ثم راجع النوم فانتبه كذلك فقال يا ربيع قال الربيع قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال لقد رأيت في منامي عجبا قال ما رأيت جعلني الله فداك قال رأيت كان آتيا أتاني فهينم بشيء لم أفهمه فانتهت فزعا ثم عاودت النوم فعاودني يقول ذلك الشيء ثم عاودني يقوله حتى فهمته وحفظته وهو كأني بهذا القصر قد باد أهله *** وعرى منه أهله ومنازله وصار رئيس القوم من بعد بهجة *** إلى جدث تبنى عليه جنادله وما أحسبني يا ربيع إلا قد حانت وفاتي وحضر أجلي ومالي غير ربي قم فاجعل لي غسلا ففعلت فقام فاغتسل وصلى ركعتين وقال أنا عازم على الحج فهيئ لنا آلة الحج فخرجنا وخرج حتى إذا انتهى إلى الكوفة ونزل النجف فأقام أياما ثم أمر بالرحيل فتقدمت نوابه وجنده وبقيت أنا وهو بالقصر وشاكريته بالباب فقال لي يا ربيع جئني بفحمة من المطبخ وقال لي اخرج وكن مع دابتي إلى أن أخرج فلما خرج وركب رجعت إلى المكان أطلب شيئا فوجدت قد كتب على الحائط بالفحمة المرء يهوى أن يعيش *** وطول عيش ما يضره تفني لذاذته ويبقى *** بعد حلو العيش مره وتصرف الأيام حتى *** ما يرى شيئا يسره كم شامت بي إن هلكت *** وقائل لله دره (وصية) باعتراف عارف في أشرف المواقف وقف مطرف وبكر بن عبد الله بعرفة والفضيل بن عياض فقال مطرف اللهم لا تردهم اليوم من أجلي وقال بكر ما أشرقه من موقف وأرضاه لأهله لو لا إني فيهم ورفع الفضيل رأسه إلى السماء وقد قبض على لحيته وهو يبكي بكاء الثكلى ويقول وا سوأتاه منك وإن عفوت (تنبيه) على الحياء من الله روينا عن الشيخ عبد الرحمن ابن الأستاذ في كتاب ابن باكويه الشيرازي عن أبي الأديان قال ما رأيت خائفا إلا رجلا واحدا كنت بالموقف فرأيت شابا مطرقا منذ وقف الناس إلى أن سقط القرص فقلت يا هذا ابسط يديك بالدعاء فقال لي ثم وحشة فقلت له هذا يوم العفو من الذنوب قال فبسط يده ففي بسطة يديه وقع ميتا (وصية) نبوية بالصدقة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أتى سائل امرأة في فمها لقمة فلفظتها فناولتها إياه فلم تلبث إن رزقت غلاما فلما ترعرع جاء ذئب فاحتمله فخرجت تعدوا في أثر الذئب وهي تقول ابني ابني فأمر الله ملكا الحق الذئب فخذ الصبي من فيه وقل لأمه إن الله يقرئك السلام وقل هذه لقمة بلقمة (وصية) بر بحضور مجالس الذكر قال عمار بن الراهب رأيت مسكينة الطفاوية في منامي بعد موتها فقلت مرحبا يا مسكينة مرحبا فقالت هيهات يا عمار ذهبت المسكنة وجاء الغني الأكبر قلت هيه قالت ما تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها تظل فيها حيث تشاء قال قلت وبم ذاك قالت بمجالس الذكر والصبر على الحق قال عمار وكانت تحضر معنا مجلس عيسى بن زادان بالأبلة ننحدر من البصرة حتى تأتيه قاصدة قال عمار قلت يا مسكينة فما فعل عيسى بن زادان رحمه الله قال فضحكت وقالت قد كسي حلة البهاء وطافت *** بالأباريق حوله الخدام ثم حلي وقيل يا قارئ أرقا *** فلعمري لقد براك الصيام (وصية) ونصيحة كتبت بها إلى السلطان الغالب بأمر الله كيكاوس صاحب بلاد الروم بلاد يونان رحمه الله جواب كتاب كتب به إلينا سنة تسع وستمائة بسم الله الرحمن الرحيم وصل الاهتمام السلطاني الغالب بأمر الله العزى أدام الله عدل سلطانه إلى والده الداعي له محمد بن العربي فتعين عليه الجواب بالوصية الدينية والنصيحة السياسية الإلهية على قدر ما يعطيه الوقت ويحتمله الكتاب إلى أن يقدر الاجتماع ويرتفع الحجاب فقد صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله فقال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وأنت يا هذا بلا شك من أئمة المسلمين وقد قلدك الله هذا الأمر وأقامك نائبا في بلاده ومتحكما بما توفق إليه في عباده ووضع لك ميزانا مستقيما تقيمه فيهم وأوضح لك محجة بيضاء تمشي بهم عليها وتدعونهم إليها على هذا الشرط ولاك وعليه بايعناك فإن عدلت فلك ولهم وإن جرت فلهم وعليك فاحذر إن أراك غدا بين أئمة المسلمين من أخسر الناس أعمالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ولا يكون شكرك لما أنعم الله به عليك من استواء ملكك بكفران النعم وإظهار المعاصي وتسليط التواب السوء بقوة سلطانك على الرعية الضعيفة فإن الله أقوى منك فيتحكمون فيهم بالجهالة والأغراض وأنت المسئول عن ذلك فيا هذا قد أحسن الله إليك وخلع خلع النيابة عليك فأنت نائب الله في خلقه وظله الممدود في أرضه فانصف المظلوم من الظالم ولا يغرنك إن الله وسع عليك سلطانك وسوى لك البلاد ومهدها مع إقامتك على المخالفة والجور وتعدى الحدود فإن ذلك الاتساع مع بقائك على مثل هذه الصفات إمهال من الحق لا إهمال وما بينك وبين أن تقف على أعمالك إلا بلوغ الأجل المسمى وتصل إلى الدار التي سافر إليها آباؤك وأجدادك ولا تكن من النادمين فإن الندم في ذلك الوقت غير نافع يا هذا ومن أشد ما يمر على الإسلام والمسلمين وقَلِيلٌ ما هُمْ رفع النواقيس والتظاهر بالكفر وإعلاء كلمة الشرك ببلادك ورفع الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الذمة من أنهم لا يحدثون في مدينتهم ولا ما حولها كنيسة ولا ديرا ولا قلية ولا صومعة راهب ولا يجددون ما خرب منها ولا يمنعون كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يأوون جاسوسا ولا يكتمون غشا للمسلمين ولا يعلمون أولادهم القرآن ولا يظهرون شركا ولا يمنعون ذوي قرباتهم من الإسلام إن أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ولا يتشبهون بالمسلمين في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا يتسمون بأسماء المسلمين ولا يتكنون بكناهم ولا يركبون سرجا ولا يتقلدون سيفا وأن لا يتخذوا شيئا من سلاح ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمور وأن يجروا مقادم رءوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في طريق المسلمين ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ولا يخرجوا سعايين ولا يرفعوا مع أمواتهم أصواتهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين فإن خالفوا شيئا مما شورطوا عليه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق فهذا كتاب الإمام العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها فتدبر كتابي ترشد إن شاء الله ما لزمت العمل به والسلام ثم أوقعت له بشعر عملته في الوقت أخاطبه به وهو إذا أنت أعززت الهدى وتبعته *** فأنت لهذا الدين عز كما تدعى وإن أنت لم تحفل به وأهنته *** فأنت مذل الدين تخفضه وضعا فلا تأخذ الألقاب زورا فإنكم *** لتسأل عنها يوم يجمعكم جمعا يقال لعز الدين أعززت دينه *** ويسأل دين الله عن عزكم قطعا فإن شهد الدين العزيز بعزكم *** تكن مع دين الله في عزه شفعا وإن قال دين الله كنت بملكه *** ذليلا وأهلي في ميادينه صرعا وما زلت في سلطانه ذا مهانة *** وفي زعمه بي أنه محسن صنعا فما حجة السلطان إن كان قوله *** كما قلت فليسكب لما قلته الدمعاء وأدمن لباب الله إن كنت تبتغي *** تجاوزه عن ذنبك الضرب والقرعا عسى جوده يوما يجود بفتحه *** فيبرز عفو الله يدفعه دفعا فيا رب رفقا بالجميع فيا لها *** إذا اجتمع الخصمان من وقعة شنعا فأنت إمام المتقين ورأسهم *** إذا لم تزل تجبر لدين الهدى صدعا لكم نائب في الأمر أصح ملحدا *** وأضحى لأهل الدين يقطعهم قطعا فما لك لم تغلبه واسمك غالب *** ومالك لم تعزله إذ أثر النقعا فيا أيها السلطان حقق نصيحتي *** لكم وارعني منكم لما قلته سمعا فإني لكم والله أنصح ناصح *** إذ ود الردي عنكم وامنعه منعا وأجلب للسلطان من كل جانب *** من الدين والدنيا العوارف والنفعا والله ينفعني بوصيتي ويجازيني على نيتي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (وصايا) من منثور الحكم وميسور الكلم ينسب إلى جماعة من العلماء الصالحين من اكتفى باليسير استغنى عن الكثير من صح دينه صح يقينه من استغنى عن الناس أمن من عوارض الإفلاس الدين أقوى عصمة والأمن أسنى نعمة الصبر عند المصائب من أعظم المواهب عش ما عشت في ظل يقيك وقوت يكفيك البخيل حارس نعمة وخازن ورثة من لزم الطمع عدم الورع الحسد شر عرض والطمع أضر غرض الرضاء بالكفاف خير من السعي للاشراف أفضل الأعمال ما أوجب الشكر وأنفع الأموال ما أعقب الأجر لا تثق بالدولة فإنها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فإنها ضيف راحل مالك ما رجى يوميك وتوفر أجره وثوابه عليك الكريم من كف أذاه والقوي من غلب هواه من ركب الهوى أدرك العمي من غالب الحق لأن ومن تهاون بالدين هان المؤمن غر كريم والمنافق خب لئيم إذا ذهب الحياء يحل البلاء كل إنسان طالب أمنية ومطلوب لمنية علم لا ينفع كدواء لا ينجع أحسن العلم ما كان مع العمل وأحسن الصمت ما كان عن الخطل اعص الجاهل تسلم وأطع العاقل تغنم من صبر على شهوته بالغ في مروته من كثر ابتهاجه بالمواهب اشتد انزعاجه للمصائب من تمسك بالدين عز نصره ومن استظهر بالحق ظهر قهره من استقصر بقاءه وأجله قصر رجاؤه وأمله لا تبت على غير وصية وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة فإن الدهر خائن وما هو كائن كائن لا تخل نفسك من فكرة تزدك حكمة وتفيدك عصمة من جعل ملكه خادما لدينه انقاد له كل سلطان ومن جعل دينه خادما لملكه طمع فيه كل إنسان من سلك سبيل الرشاد بلغ كنه المراد من لزم العافية سلم ومن قبل النصيحة غنم قلب تأثر من صادق مؤثر حدثنا أحمد بن مسعود ابن شداد المقري الموصلي بالموصل سنة إحدى وستمائة وكان ثقة قال حدثنا أبو جعفر بن القاص قال حدثنا يوسف ابن أبي القاسم الديار بكري حدثنا جمال الإسلام أبو الحسن علي بن أحمد القرشي الهكاري حدثنا أبو الحسن الكرخي حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الفضل النهاوندي قال سمعت شيخي جعفر بن محمد الخلدي يقول كنت مع الجنيد رحمه الله في طريق الحجاز حتى صرنا إلى جبل طور سيناء فصعده الجنيد وصعدنا معه فلما وقفنا في الموضع الذي وقف فيه موسى عليه السلام وقعت علينا هيبة المكان وكان معنا قوال فأشار إليه الجنيد أن يقول شيئا فقال وبدا له من بعد ما اندمل الهوى *** برق تألق موهنا لمعانه يبدو كحاشية الرداء ودونه *** صعب الذرا متمنع أركانه فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق *** نظرا إليه وصده سبحانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه *** والماء ما سمحت به أجفانه قال فتواجد الجنيد وتواجدنا فلم يدر أحد منا أ في السماء نحن أو في الأرض وكان بالقرب منا دير فيه راهب فنادى يا أمة محمد بالله أجيبوني فلم يلتفت إليه أحد لطيب الوقت فنادانا الثانية بدين الحنيفية إلا أجبتموني فلم يجبه أحد فنادانا الثالثة بمعبودكم إلا أجبتموني فلم يرد عليه أحد جوابا فلما فترنا من السماع وهم الجنيد بالنزول قلنا له إن هذا الراهب نادانا وأقسم علينا ولم نرد عليه فقال الجنيد ارجعوا بنا إليه لعل الله يهديه إلى الإسلام فناديناه فنزل إلينا وسلم علينا فقال أيما منكم الأستاذ فقال الجنيد هؤلاء كلهم سادات وأستاذون فقال لا بد أن يكون واحد هو أكبركم فأشاروا إلى الجنيد فقال أخبرني عن هذا الذي فعلتموه هو مخصوص في دينكم أو معموم فقال بل مخصوص فقال الراهب لأقوام مخصوصين أو معمومين فقال بل لأقوام مخصوصين فقال بأي نية يقومون فقال بنية الرجاء والفرح بالله تعالى فقال بأي نية تسمعون فقال بنية السماع من الله تعالى فقال بأي نية تصيحون فقال بنية إجابة العبودية الربوبية لما قال الله تعالى للأرواح أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا قال فما هذا الصوت قال نداء أزلي فقال بأي نية تقعدون قال بنية الخوف من الله تعالى قال صدقت ثم قال الراهب للجنيد مد يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عبده ورسوله وأسلم الراهب وحسن إسلامه فقال له الجنيد بم عرفت أني صادق قال لأني قرأت في الإنجيل المنزل على المسيح بن مريم خواص أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يلبسون الخرقة ويأكلون الكسرة ويرضون بالبلغة ويقومون في صفاء أوقاتهم بالله يفرحون وإليه يشتاقون وفيه يتواجدون وإليه يرغبون ومنه يرهبون فبقي الراهب معنا ثلاثة أيام على الإسلام ثم مات رحمه الله (وصايا) في القول سمعت محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي الفاسى بمدينة فاس العدل أظن في سنة أربع وتسعين وخمسمائة يقول تكلم أربعة من الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحدة قال كسرى أنا على رد ما لم أقل أقوى مني على رد ما قلت وقال ملك الهند إذا تكلمت بكلمة ملكتني وإن كنت أملكها وقال قيصر ملك الروم لا أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت وقال ملك الصين عاقبة ما قد جرى به القول أشد من الندم على ترك القول قال بعض الشعراء لعمرك ما شيء علمت مكانه *** أحق يسجن من لسان مدلل على فيك مما ليس يعنيك قوله *** بقفل شديد حيث ما كنت أقفل وقالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في ابنه وتكون في العبد ولا يكون في سيده صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافاة بالصنائع والتذمم للجار ومراعاة حق الصاحب وصلة الرحم وقرى الضيف وأداء الأمانة ورأسهن الحياء وقال بعضهم كتمانك سرك يعقبك السلامة وإفشاؤك سرك يعقبك الندامة والصبر على كتمان السر أيسر من الندم على إفشائه في الحكمة ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده اللصوص فيخفيه ويمكن عدوه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سر نفسه أو سر أخيه جاور معي بمكة أظن سنة تسع وتسعين وخمسمائة رجل من أهل تونس يقال له عبد السلام بن السعرية وكانت عنده جارية اشتراها بمصر في الشدة التي وقعت بمصر سنة سبع وتسعين وخمسمائة فقال لها يا جارية أوصيك بأمرين حفظ السر والأمانة فقالت الجارية ما تحتاج فإني أعلم أن الشخص إذا كان أمينا شارك الناس في أموالهم وإذا كان حافظا للسر شاركهم في عقولهم فاستحسن هذا الجواب منها فسأل عنها فوجدها حرة قد بيعت في غلاء مصر فأعتقها وسرحها فرجعت إلى أمها وأخواتها وقال معاوية رضي الله عنه ما أفشيت سرى إلى أحد إلا أعقبني طول الندم وشدة الأسف ولا أودعته جوانح صدري إلا أكسبني مجدا وذكرا وسنا ورفعة فقيل له ولا ابن العاص فقال ولا ابن العاص لأن عمرو بن العاص كان صاحب رأى معاوية ومشيره ووزيره وكان يقول ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك يريد والله أعلم معاوية بهذا الكلام ما كان ينشدنا في أكثر مجالسه أبو بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي أستاذي في القراآت بمسجده بقوس الحنية من إشبيلية رحمه الله يوصينا بذلك احذر عدوك مرة *** واحذر صديقك ألف مرة فلربما هجر الصديق *** فكان أعرف بالمضرة وكان عمي أخو والدي ينشدني كثيرا للسميسر زمان يمر وعيش يمر *** ودهر يكر بما لا يسر ونفس تذوب وهم ينوب *** ودنيا تنادي بأن ليس حر ومن كلام النبوة في الوصية من كتم سره كانت الخيرة في يده ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن وضع أمر أخيك على أحسنه ولا تظنن بكلمة خرجت منه سواء وما كافأت من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله عز وجل فيه وعليك بإخوان الصدق فإنهم زينة عند الرخاء وعصمة عند البلاء (حكاية) تتضمن وصية حدثني أبو القاسم البجائي بمراكش عن أبي عبد الله الغزال العارف الذي كان بالمرية من أقران أبي مدين وأبي عبد الله الهواري بتنس وأبي يعزى وأبي شعيب السارية وأبي الفضل اليشكري وأبي النجا وتلك الطبقة قال أبو عبد الله الغزال كان يحضر مجلس شيخنا أبي العباس بن العريف الصنهاجى رجل لا يتكلم ولا يسأل ولا يصحب واحدا من الجماعة فإذا فرغ الشيخ من الكلام خرج فلا نراه قط إلا في المجلس خاصة فوقع في نفسي منه شيء ووقعت منه على هيبة فأحببت أن أتعرف به وأعرف مكانه فتبعته عشية يوم بعد انفصالنا من مجلس الشيخ من حيث لا يشعر بي فلما كان في بعض سكك المدينة إذا بشخص قد انقض عليه من الهواء برغيف في يده فناوله إياه وانصرف فجذبته من خلفه فقلت السلام عليك فعرفني فرد علي السلام فسألته عن ذلك الشخص الذي ناوله الرغيف فتوقف فلما علم مني أني لا أبرح دون أن يعرفني قال لي هو ملك الأرزاق يأتي إلي من عند الله كل يوم بما قدر لي من الرزق حيث كنت من أرض ربي ولقد لطف الله بي في بدأ أمري ودخولي إلى هذا الطريق إذا فرغت نفقتي وبقيت بلا شيء سقط علي من الهواء وبين يدي قدر ما أشتري به ما أحتاج إليه من القوت فأنفق منه فإذا فرغ جاءني مثل ذلك من عند الله لكني ما كنت أرى شخصا قال تعالى في حق مريم ابنت عمران كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ من عِنْدِ الله (حكاية) حرمة في سلب نعمة مر زياد بن أمية بالحيرة فنظر إلى دير فقال لخادمه لمن هذا قال دير حرقة بنت النعمان بن المنذر فقال ميلوا بنا إليه نسمع كلامها فجاءت فوقفت خلف الباب فكلمها الخادم فقال لها كلمي الأمير قالت أوجز أم أطيل قال بل أوجزي قالت كنا أهل بيت طلعت الشمس علينا وما على الأرض أحد أعز منا فما غربت تلك الشمس حتى رحمنا عدونا قال فأمر لها بأوساق من شعير فقالت أطعمتك يد شبعاء جاعت ولا أطعمتك يد جوعا شبعت فسر زياد بكلامها فقال لشاعر معه قيد هذا الكلام لا يدرس يعني انظمه فقال سل الخير أهل الخير قد ما ولا تسل *** فتى ذاق طعم الخير منذ قريب ونظمنا نحن في هذا المعنى سل الخير أهل الخير إن كنت سائلا *** ولا تسأل المعروف من محدث المال فإن اليد الجوعاء تبخل بالذي *** أصابته من خير على الكاسف البالي فإن غلطت جادت وتمتن بالذي *** تجود به يوما على الترب الحالي وإن اليد الشبعاء جادت بما تجد *** على طيب نفس في سرور وإقبال في الحكمة ثواب الجود خلفة ومحبة ومكافاة وثواب البخل حرمان وإتلاف ومذمة وكتب حكيم إلى الإسكندر اعلم أن الأيام تأتي على كل شيء فتخلفه وتخلق آثاره وتميت الأفعال إلا ما رسخ في قلوب الناس فأودع قلوبهم محبة أبدية يبقى بها حسن ذكرك وكريم فعلك وشرف آثارك وفد علينا ونحن بإشبيلية شيخ شاعر يعرف بالسبيتي من قرطبة رحمه الله وكان صاحب الديوان عندنا زكريا بن سنان أديبا حاذقا فطنا ولم يكن للسبيتي موضع ينزل فيه فكتب إلى صاحب الديوان أ تحفل بالفرزدق والكميت *** وفي قيد الحياء شعر السبيتي يروعني بشعرهما أناس *** وجهلا روعوا حيا بميت لئن أسكنتني بيتا رفيعا *** لتسكن من ثنائي ألف بيت فوقع له صاحب الديوان بيتا نزل فيه واعتذر إليه ووصله بنفقة قيل لبزرجمهر عند ما قدم للقتل تكلم بكلام تذكر به فقال أي شيء أقول إن الكلام كثير ولكن إن أمكنك أن تكون حديثا حسنا فافعل ولنا إنما الناس حديث كلهم *** فلتكن خير حديث يسمع (خاتمة الباب) وهو خاتمة الكتاب تعويذات مذكورة وأدعية مشهورة فمن ذلك ما يقال عند الكرب (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم ويقال عند دخول المسجد اللهم افتح لنا أبواب رحمتك) ويقال عند الخروج منه اللهم إنا نسألك من فضلك ويقال عند دخول الخلأ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وقد روينا أيضا أنه يقال أعوذ بالله من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم ويقال عند الخروج من الخلأ غفرانك ويقال عند الجماع اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ويقال عند انقضاء الطعام الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا غير مكف ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا ويقال عند العطاس الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى ويقال عند النوم إذا أخذ الإنسان مضجعه اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت سبحانك ربي لك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ويقال عند الاستيقاظ من النوم الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور وإذا أردت النوم فانو إن تلقى ربك ولتحب النوم لكون لقاء ربك فيه كما تحب الموت فإن فيه لقاء ربك فإنه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه والله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ويُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فالنوم موت أصغر والذي ينتقل إليه بعد الموت هو الذي ينتقل إليه في النوم الحضرة واحدة وهي البرزخ والصورة واحدة واليقظة مثل البعث يوم القيامة وإنما جعل الله النوم في الدنيا لأهلها وما نرى فيه من الرؤيا وجعل بعده اليقظة كل ذلك ضرب مثال للموت وما يشاهد فيه للرؤيا والبعث لليقظة فالقيام من المضاجع كالبعث من القبور سواء ويقال عند الصباح أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله وحده لا إِلهَ إِلَّا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللهم إني أسألك خير هذا اليوم وخير ما بعده وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده ويقال عند المساء أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا إِلهَ إِلَّا الله وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ ولَهُ الْحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللهم إني أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها ويقال عند القيام من كل مجلس سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ويقال عند خاتمة المجالس اللهم أسمعنا خيرا وأطلعنا خيرا ورزقنا الله العافية وأدامها لنا وجمع الله قلوبنا على التقوى ووفقنا لما يحب ويرضى رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا به واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ هذا الدعاء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في المنام يدعو به بعد فراغ القارئ عليه من كتاب صحيح البخاري وذلك سنة تسع وتسعين وخمسمائة بمكة بين باب الحزورة وباب أجياد يقرأه الرجل الصالح محمد بن خالد الصدفي التلمساني وهو الذي كان يقرأ علينا كتاب الأحياء لأبي حامد الغزالي وسألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في تلك الرؤيا عن المطلقة بالثلاث في لفظ واحد وهو أن يقول لها أنت طالق ثلاثا فقال لي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هي ثلاث كما قال لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فكنت أقول له يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإن قوما من أهل العلم يجعلون ذلك طلقة واحدة فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هؤلائك حكموا بما وصل إليهم وأصابوا ففهمت من هذا تقرير حكم كل مجتهد وأن كل مجتهد مصيب فكنت أقول له يا رسول الله فما أريد في هذه المسألة إلا ما نحكم به أنت إذا استفتيت وما لو وقع منك ما كنت تصنع فقال هي ثلاث كما قال لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فرأيت شخصا قد قام من آخر الناس ورفع صوته وقال بسوء أدب يخاطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول له يا هذا بهذا اللفظ لا نحكمك بإمضاء الثلاث ولا بتصويبك حكم أولئك الذين ردوها إلى واحدة فاحمر وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم غضبا على ذلك المتكلم ورفع صوته يصيح هي ثلاث كما قال لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ تستحلون الفروج فما زال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يصيح بهذه الكلمات حتى أسمع من كان في الطواف من الناس وذلك المتكلم يذوب ويضمحل حتى ما بقي منه على الأرض شيء فكنت أسأل عنه من هو هذا الذي أغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيقال لي هو إبليس لعنه الله واستيقظت وكنت أراه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في تلك السنة في النوم أيضا فكنت أقول له يا رسول الله إن الله يقول في كتابه العزيز والْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ والقرء عند العرب من الأضداد يطلقونه ويريدون به الحيض ويطلقونه ويريدون به الطهر وأنت أعرف بما أنزل الله عليك فما أراد الله به هنا الحيض أو الطهر فكان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول لي في الجواب عن ذلك إذا أقرؤها فأفرغوا عليها الماء وكلوا مما رزقكم الله يكني فكنت أقول يا رسول الله فاذن هو الحيض فيقول لي إذا فرغ قرؤها فأفرغوا عليها الماء وكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ الله يكني فكنت أقول له فاذن هو الحيض يا رسول الله فيقول لي إذا فرغ قرؤها فأفرغوا عليها الماء وكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ الله ثلاث مرات واستيقظت ثم نرجع إلى ما كنا بسبيله من الدعاء اللهم اغفر لي خطاياي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي من كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغني ومن العمل ما ترضى اللهم أبت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر وعذاب النار ومن فتنة النار وعذاب القبر ومن شر الغني ومن شر فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والفزع والبخل وأرذل العمر ومن فتنة المحيا والممات اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء وشماتة الأعداء ودرك الشقاء اللهم إني أعوذ بك من اللهم والحزن وضلع الدين وغلبة الرجال اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك ومن جميع سخطك اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق ومن سوء الأخلاق اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة اللهم إني أعوذ بك من المرض والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام اللهم إني أعوذ بك من شر القرين ما ظهر منه وما بطن اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك اللهم إني أعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك لا إله إلا أنت أستغفرك اللهم ربنا وأتوب إليك اللهم كل ما سألتك فيه ومنه فإني أسألك ذلك كله لي ولوالدي وارحمني وأهلي وقرابتي وجيراني ومن حضرني من المسلمين ومن عرفني أو سمع بذكري أو لم يعرفني ولوالديهم وأبنائهم وإخوانهم وأزواجهم وعشيرتهم وذوي رحمهم وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ومن ظن بي خيرا ومن لم يظن بي خيرا إنك واهب الخيرات ودافع المضرات وأنت على كل شيء قدير اللهم إني قد تصدقت بعرضي ومالي ودمي على عبادك فلا أطالبهم بشيء من ذلك لا في الدنيا ولا في الآخرة وأنت الشاهد علي بذلك وصل وسلم على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وآته الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي وعدته إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ واجزه عنا وعن أمته خيرا فلقد بلغ ونصح وبذل جهده في ذلك وما قصر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وارْزُقْ أَهْلَهُ من الثَّمَراتِ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ... رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وأَرِنا مَناسِكَنا ربنا وابعث فينا وارث رسولك منا يتلو علينا آياتك ويعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وثَبِّتْ أَقْدامَنا وانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ غُفْرانَكَ رَبَّنا وإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا من لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ... رَبَّنا وآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ ولا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ آتنا ما وعدتنا بيسر منك في عافية حَسْبُنَا الله ونِعْمَ الْوَكِيلُ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ رَبَّنا إِنَّكَ من تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وما لِلظَّالِمِينَ من أَنْصارٍ فلا تجعلنا منهم رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا وصدقنا وسمعنا وأطعنا بتوفيقك ربنا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ من الْخاسِرِينَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ولِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ولا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا وأدخلنا بِرَحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصَّالِحِينَ ربنا أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ واكْتُبْ لَنا في هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ واتَّبَعْنَا الرَّسُولَ بالإيمان بما جاء به فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وارْزُقْهُمْ من الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وما نُعْلِنُ وما يَخْفى عَلَى الله من شَيْءٍ في الْأَرْضِ ولا في السَّماءِ الحمد لله رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومن ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وتَقَبَّلْ دُعاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ رب ارحم والدي كَما رَبَّيانِي صَغِيراً رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ولَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا رب اجعلني رضيا رب مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهاراً رَبِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ولِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ اللهم خذ بأزمة قلوبنا إليك واجعلنا ممن توكل في جميع أموره عليك وعمنا بالرحمة التي لديك وفي يديك واجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين انتهى الباب بحمد الله بانتهاء الكتاب على أمكن ما يكون من الإيجاز والاختصار على يدي منشئه وهو النسخة الثانية من الكتاب بخط يدي وكان الفراغ من هذا الباب الذي هو خاتمة الكتاب بكرة يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وستمائة وكتب منشئه بخطه محمد بن علي بن محمد بن العربي الطائي الحاتمي وفقه الله هذه النسخة سبعة وثلاثون مجلدا وفيها زيادات على النسخة الأولى التي وفقتها على ولدي محمد الكبير الذي أمه فاطمة بنت يونس بن يوسف أمير الحرمين وفقه الله وعلى عقبه وعلى المسلمين بعد ذلك شرقا وغربا برا وبحرا وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين (صورة ما وجدناه بالطبعة الأولى التي صار طبع تلك النسخة عليها وهي تحتوي على ترجمة المؤلف رضي الله عنه) (خاتمة نسأل الله تعالى حسنها) يقول راجي رحمة المنان محمد قطة العدوي ابن المرحوم الشيخ عبد الرحمن مصحح دار الطباعة المصرية لا زالت بنشر كتب العلوم والمعارف خليقة حرية بعد جميل الثناء على من أفاض بحار أسراره على من شاء من عباده وجزيل الصلاة والتحية على أفضل من شمر في إرشاد الخلق عن ساعد جده واجتهاده وعلى جميع الآل والصحابة وسائر أمة الإجابة قد تم طبع هذا الكتاب الذي هو من أعظم المآثر الجميلة وأكبر المفاخر الحميدة الجليلة في أيام من بزغت شمس مرحمته في أفق الديار المصرية وو كفت سحائب معدلته على من في حوزتها من كافة الرعية ولم شعثها وقوم أودها وأحيى معالمها وجددها وأفاض عليها نيل كرمه وجوده حتى قرت عينها بوجوده غرة جبهة عصره ووحيد دهره وعزيز مصره الخديوي الأعظم والداور الأكرم حضرة أفندينا محمد سعيد باشا لا زالت جيوش الجور بسيف عدالته تتلاشى ولا برحت الحكومة بسنا طلعته باسمة الثغر وببث محامده طيبة العرف والنشر آمين بجاه سيد كل أمين وبعد أن تم طبعه على هذا المنوال وبلغ تمثيله حد الكمال أشار على من لا تسعني مخالفته وتتأكد على طاعته صاحب المعارف التي لا تنكر والآداب التي هي أشهر من أن تذكر من إذا أنشأ وشى بقلمه طراز الطروز وأبرز بيراعه من بنات فكره ما يزدري بكل خود عروس كيف لا وهو على الهمة وجودة رأيه تنير من المعضلات الليالي المدلهمة حضرة ناظر الوقائع والمطبعة أتحفه الله تعالى بالعز والإقبال ومتعة أن أذيل هذا الكتاب الذي تم طبعه وعم في سائر الآفاق خيره ونفعه بنبذة مختصرة تتضمن ترجمة صاحبه وذكر شيء من مآثره ومناقبه لتتم بذلك الفائدة وتعود علينا من عوائد بركاته عائدة فبادرت إلى مقتضى إشارته ولم آل جهدا في إجابته ملخصا ذلك من كتاب نفح الطيب فأقول وما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ إن مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ الأكبر ذو المحاسن التي تبهر محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي من ولد عبد الله بن حاتم أخي عدي بن حاتم يكنى أبا بكر ويلقب بمحيي الدين ويعرف بالحاتمي وبابن عربي بدون ألف ولام حسبما اصطلح عليه أهل المشرق فرقا بينه وبين القاضي أبي بكر بن العربي وكان بالمغرب يعرف بابن العربي بالألف واللام وكان أيضا يعرف في الأندلس بابن سراقة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولد يوم الإثنين أو ليلته سابع عشر رمضان سنة 56و< في مرسية (و هي بضم الميم وسكون الراء وكسر السين المهملتين ثم مثناة تحتية وفي آخرها هاء مدينة محدثة إسلامية بنيت في أيام الأمويين الأندلسيين وهي في شرق الأندلس تشبه إشبيلية في غربه بكثرة المنازه والبساتين) وقرأ القرآن على أبي بكر بن خلف في إشبيلية بالسبع بكتاب الكافي وحدثه به عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني عن أبيه وقرأ أيضا السبع بالكتاب المذكور على أبي القاسم الشراط القرطبي وحدثه به عن ابن المؤلف (و إشبيلية من قواعد الأندلس ولها خمسة عشر بابا وهي من غرب الأندلس وجنوبه وبينها وبين قرطبة أربعة أيام وهي مدينة أولية ومعنى اسمها المدينة المنبسطة) وسمع على أبي بكر محمد بن أبي جمرة كتاب التيسير للداني عن أبيه عن المؤلف وسمع على ابن زرقون وأبي محمد عبد الحق الإشبيلي الأزدي وغير واحد من أهل المشرق والمغرب يطول تعدادهم ولقد أطال الإمام شمس الدين محمد بن مسدي في ترجمته فمن ذلك قوله إنه كان جميل الجملة والتفصيل محصلا لفنون العلم أخص تحصيل وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق والتقدم الذي لا يسبق سمع ببلاده من ابن زرقون والحافظ ابن الجد وأبي الوليد الحضرمي وبسبتة (بلدة بالمغرب) من أبي محمد ابن عبد الله وقدم عليه إشبيلية أبو محمد عبد المنعم بن محمد الخزرجي فسمع منه وأبو جعفر بن مصلى انتهى ولقي المؤلف أيضا عبد الحق الإشبيلي وسمع منه كما تقدم وإن قال ابن مسدي إن في ذلك عندي نظرا فإن المؤلف نفسه ذكر في إجازته للملك المظفر غازي ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ما معناه أو نصه ومن شيوخنا الأندلسيين أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الإشبيلي رحمه الله حدثني بجميع مصنفاته في الحديث وعين لي من أسمائها تلقين المهتدين والأحكام الكبرى والوسطى والصغرى وكتاب التهجد وكتاب العافية ونظمه ونثره وحدثني بكتب الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن خرم عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه انتهى ومن كلام ابن مسدي أيضا في ترجمته قوله إنه كان ظاهري المذهب في العبادات باطني النظر في الاعتقادات خاض بحار تلك العبارات وتحقق بمحيا تلك الإشارات وتصانيفه تشهد له عند أولي البصر بالتقدم والإقدام ومواقف النهايات في مزالق الاقدام ولهذا ما ارتبت في أمره والله تعالى أعلم بسره انتهى وسمع الحديث أيضا من أبي القاسم الخزستاني وغيره وسمع صحيح مسلم من الشيخ أبي الحسن بن أبي نصر في شوال سنة 6و<6 وكان يحدث بالإجازة العامة عن أبي طاهر السلفي ويقول بها وبرع في علم التصوف وله في ذلك تأليف كثيرة منها الجمع والتفصيل في حقائق التنزيل والجذوة المقتبسة والخطرة المختلسة وكتاب كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى وكتاب المعارف الإلهية وكتاب الأسرى إلى المقام الأسرى وكتاب مواقع النجوم ومطالع أهلة أسرار العلوم وكتاب عنقاء مغرب في صفة ختم الأولياء وشمس المغرب وكتاب في فضائل مشيخة عبد العزيز بن أبي بكر القرشي المهدوي والرسالة الملقبة بمشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية وكتب أخرى عديدة كالفصوص والفتوحات المدنية وهي مختصرة في قدر عشر ورقات وكهذا الكتاب أعني الفتوحات المكية الذي اختصره سيدي عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973 وسمي ذلك المختصر لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية ثم اختصر هذا المختصر وسماه الكبريت الأحمر من علوم الشيخ الأكبر وذكر في مختصر الفتوحات ما نصه وقد توقفت حال الاختصار في مواضع كثيرة منه لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنة والجماعة فحذفتها من هذا المختصر وربما سهوت فتبعت ما في الكتاب كما وقع للبيضاوي مع الزمخشري ثم لم أزل كذلك أظن أن المواضع التي حذفت ثابتة عن الشيخ محيي الدين حتى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين السيد محمد بن السيد أبي الطيب المدني المتوفى سنة 955 فذاكرته في ذلك فأخرج إلى نسخة من الفتوحات التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية فلم أر فيها شيئا مما توقفت فيه وحذفته فعلمت أن النسخ التي في مصر الآن كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة كما وقع له ذلك في كتاب الفصوص وغيره إلى آخر ما قال ومن تأليفه أيضا كتاب الأحاديث القدسية ذكر فيه أنه لما وقف على الحديث المروي في فضائل الأربعين بمكة المكرمة سنة 599 جمعها بشرط أن تكون من المسندة إلى الله تعالى ثم اتبعها أربعين عن الله تعالى مرفوعة إليه غير مسندة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ثم أردفها بأحد وعشرين حديثا فجاءت واحدا ومائة حديث إلهية وله من التأليف المنطوية على الأسرار واللطائف وفنون العلوم والمعارف ما تقف دون حصرها الأقلام ولا تفي من إحصائها بالمرام كما هو معلوم مشهور وفي الكتب التأريخية مدون مسطور وكان انتقاله رضي الله تعالى عنه من مرسية إلى إشبيلية سنة 568 فأقام بها إلى سنة 598 ثم ارتحل إلى المشرق حاجا ولم يعد بعدها إلى الأندلس وأجازه جماعة منهم الحافظ السلفي وابن عساكر وأبو الفرج بن الجوزي ودخل مصر وأقام بالحجاز مدة ودخل بغداد والموصل وبلاد الروم وقال المنذري ذكر أنه سمع بقرطبة من أبي القاسم بن بشكوال وجماعة سواه وطاف البلاد وسكن بلاد الروم مدة وجمع مجاميع في الطريقة (و قرطبة من أعظم مدائن الأندلس وهي مدينة حصينة بسور ضخم من الحجر ودورها ثلاثون ألف ذراع وبلغت عدة مساجدها وحماماتها ألفا وستمائة مسجد وتسعمائة حمام وبها سبعة أبواب كما في تقويم البلدان لأبي الفداء) وقال ابن الأبار أنه لقيه جماعة من العلماء والمتعبدين وأخذوا عنه وقال غيره إنه قدم بغداد سنة 6و<8 وكان يومأ إليه بالفضل والمعرفة والغالب عليه طرق أهل الحقيقة وله قدم في الرياضة والمجاهدة وكلام على لسان أهل التصوف ووصفه غير واحد بالتقدم والمكانة من أهل هذا الشأن بالشام والحجاز وله أصحاب وأتباع ومن تأليفه مجموع ضمنه منامات رأى فيها النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وما سمع منه ومنامات قد حدث بها عمن رآه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وحكى سبط بن الجوزي عن الشيخ المؤلف أنه كان يقول إنه يحفظ الاسم الأعظم ويقول إنه يعرف السيمياء بطريق التنزل لا بطريق التكسب وقال ابن النجار في حقه وكان قد صحب الصوفية وأرباب القلوب وسلك طريق الفقراء وحج وجاور وكتب في علم القوم وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادها وله أشعار حسنة وكلام مليح اجتمعت به في دمشق في رحلتي إليها وكتبت عنه شيئا من شعره ونعم الشيخ هو ذكر لي أنه دخل بغداد سنة 6و<1 فأقام بها اثني عشر يوما ثم دخلها ثانيا حاجا مع الركب سنة 6و<8 وأنشدني لنفسه أيا حائرا ما بين علم وشهوة *** ليتصلا ما بين ضدين من وصل ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن *** يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل وسألته عن مولده فقال ليلة الاثنين 17 رمضان سنة 56و< بمرسية من بلاد الأندلس انتهى ومن شعره أيضا بين التذلل والتدلل نقطة *** فيها يتيه العالم النحرير هي نقطة الأكوان إن جاوزتها *** كنت الحكيم وعلمك الإكسير (و له) يا درة بيضاء لاهوتية *** قد ركبت صدفا من الناسوت جهل البسيطة قدرها لشقائهم *** وتنافسوا في الدر والياقوت (و من نظمه) حقيقتي همت بها *** وما رآها بصري ولو رآها لغدا *** قتيل ذاك الحور فعند ما أبصرتها *** صرت بحكم النظر فبت مسحورا بها *** أهيم حتى السحر يا حذرى من حذرى *** لو كان يغني حذرى والله ما هيمني *** الإجمال الخفر يا حسنها من ظبية *** ترعى بذات الحمر إذا رنت أو عطفت *** تسبى عقول البشر كأنما أنفاسها *** أعراف مسك عطر كأنها شمس الضحى *** في النور أو كالقمر إن سفرت أبرزها *** نور صباح مسفر أو سدلت غيبها *** ظلام ذاك الشعر يا قمرا تحت دجى *** خذي فؤادي وذري عيني لكي أبصركم *** إذ كان حظي نظري وقال الخولي قال الشيخ سيدي محيي الدين بن عربي رضي الله تعالى عنه رأيت بعض الفقهاء في النوم في رؤيا طويلة فسألني كيف حالك مع أهلك فأنشدته إذا رأت أهل بيتي الكيس ممتلئا *** تبسمت ودنت مني تمازحني وإن رأته خليا من دراهمه *** تجهمت وانثنت عني تقابحني فقال لي صدقت كلنا ذاك الرجل وذكر الإمام صفي الدين حسين ابن الإمام العلامة جمال الدين أبي الحسن على ابن الإمام مفتي الأنام كمال الدين أبي المنصور ظافر الأزدي الأنصاري رضي الله تعالى عنه في رسالته الفريدة المحتوية على من رأى من سادات مشايخ عصره بعد كلام ما صورته ورأيت بدمشق الشيخ الإمام العارف الوحيد محيي الدين بن العربي وكان من أكبر علماء الطريق جمع بين سائر العلوم الكسبية وما وقر له من العلوم الوهبية ومنزلته شهيرة وتصانيفه كثيرة وكان غلب عليه التوحيد علما وخلقا وحالا لا يكترث بالوجود مقبلا كان أو معرضا وله علماء أتباع أرباب مواجيد وتصانيف وكان بينه وبين سيدي الأستاذ الحزاز إخاء ورفقة في السياحات رضي الله تعالى عنهما في الآصال والبكرات أنشدني من نظمه رحمه الله تعالى بلفظه قوله يا من يراني ولا أراه *** كم ذا أراه ولا يراني قال رحمه الله تعالى قال لي بعض إخواني لما سمع هذا البيت كيف تقول إنه لا يراك وأنت تعلم أنه يراك فقلت له مرتجلا يا من يراني مجرما *** ولا أراه آخذا كم ذا أراه منعما *** ولا يراني لائذا قلت من هذا وشبهه تعلم أن كلام الشيخ رحمه الله تعالى مأول وأنه لا يقصد ظاهره وإنما له محامل تليق به وكفاك شاهدا هذه الجزئية الواحدة فأحسن الظن به ولا تنتقد بل اعتقد وللناس في هذا المعنى كلام كثير والتسليم أسلم والله بكلام أوليائه أعلم إلى آخر ما قال ومما نسبه إليه رحمه الله تعالى غير واحد قوله قلبي قطبي وقالبي أجفاني *** سرى خضري وعينه عرفاني روحي هارون وكليمي موسى *** نفسي فرعون والهوى هاماني وذكر بعض الثقات أن هذين البيتين يكتبان لمن به القولنج في كفه ويلحسهما فإنه يبرأ بإذن الله تعالى قال وهو من المجربات وقد تأول بعض العلماء قول الشيخ رحمه الله تعالى بإيمان فرعون أن مراده بفرعون النفس بدليل ما سبق ومن نظم المؤلف أيضا نفعنا الله به يا غاية السؤال والمأمول يا سندي *** شوقي إليك شديد لا إلى أحد ذبت اشتياقا ووجدا في محبتكم *** فآه من طول شوقي آه من كمدي يدي وضعت على قلبي مخافة أن *** ينشق صدري لما خانني جلدي ما زال يرفعها طورا ويخفضها *** حتى وضعت يدي الأخرى تشد يدي وقال أيضا بالمال ينقاد كل صعب *** من عالم الأرض والسماء يحسبه عالم حجابا *** لم يعرفوا لذة العطاء لو لا الذي في النفوس منه *** لم يجب الله في الدعاء لا تحسب المال ما تراه *** من عسجد مشرق لرائي بل هو ما كنت يا بنيي *** به غنيا عن السواء فكن برب العلا غنيا *** وعامل الخلق بالوفاء وقال نبه على السر ولا تفشه *** فالبوح بالسر له مقت على الذي يبديه فاصبر له *** وأكتمه حتى يصل الوقت وقال قد ثاب غلماننا علينا *** فما لنا في الوجود قدر أذنابنا صيرت رءوسا *** مالي على ما أراه صبر هذا هو الدهر يا خليلي *** فمن يقاسيه فهو قهر وقال أيضا يا حبذا المسجد من مسجد *** وحبذا الروضة من مشهد وحبذا طيبة من بلدة *** فيها ضريح المصطفى أحمد صلى عليه الله من سيد *** لولاه لم نفلح ولم نهتد قد قرن الله به ذكره *** في كل يوم فاعتبر ترشد عشر خفيات وعشر إذا *** أعلن بالتأذين في المسجد فهذه عشرون مقرونة *** بأفضل الذكر إلى الموعد وبالجملة فنظمه البحر الذي لا ساحل له والنور الذي يجلو غياهب الأوهام ويكسو القلب من أسراره حلله وما له من المناقب والكرامات لا تحصره مجلدات وهو حجة الله الظاهرة وآيته الباهرة ولا يلتفت إلى كلام من تكلم فيه وأنكر عليه إذ قول المنكرين في حق مثله هباء لا يعبأ به وغثاء لا يركن إليه كيف لا وقد تصدى للانتصار له والإذعان لفضله من فحول العلماء الجم الغفير ونسبوا المنكرين عليه إلى القصور أو التقصير فهذا شيخ الإسلام قاضي القضاة مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي الفيروزآبادي الصديقي صاحب القاموس قد ألف كتابه المسمى بالاغتباط بمعالجة ابن الخياط بسبب سؤال سئل فيه عن الشيخ المؤلف قدس الله سره العزيز في كتبه المنسوبة إليه وصورة السؤال المذكور ما تقول السادة العلماء شد الله تعالى بهم أزر الدين ولم بهم شعث المسلمين في الشيخ محيي الدين بن عربي وفي كتبه المنسوبة إليه كالفتوحات المكية والفصوص والمواقف هل تحل قراءتها وإقراؤها ومطالعتها وهل هي الكتب المسموعة المقروءة أم لا أفتونا مأجورين جوابا شافيا لتحوزوا جميل الثواب من الله الكريم الوهاب والحمد لله وحده فأجاب عنه بما صورته الحمد لله اللهم أنطقنا بما فيه رضاك الذي أعتقده في حال المسئول عنه وأدين الله تعالى به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما وإمام الحقيقة حقيقة ورسما ومحبي رسوم المعارف فعلا واسما إذا تغلغل فكر المرء في طرف *** من بحره غرقت فيه خواطره عباب لا تكدره الدلاء وسحاب لا تتقاصر عنه الأنواء كانت دعواته تخترق السبع الطباق وتفترق بركاته فتملأ الآفاق وإني أصغيه وهو يقينا فوق ما وصفته وناطق بما كتبته وغالب ظني أني ما أنصفته وما علي إذا ما قلت معتقدي *** دع الجهول يظن الحق عدوانا والله والله والله العظيم ومن *** أقامه حجة للدين برهانا إن الذي قلت بعض من مناقبه *** ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا وأما كتبه ومصنفاته فالبحور الزواخر التي لكثرتها وجواهرها لا يعرف لها أول ولا آخر ما وضع الواضعون مثلها وإنما خص الله بمعرفة قدرها أهلها ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها وتأمل ما في مبانيها انشرح صدره لحل المشكلات وفك المعضلات وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصه الله بالعلوم اللدنية الربانية ووقفت على إجازة كتبها للملك المعظم فقال في آخرها وأجزته أيضا أن يروي عني مصنفاتي ومن جملتها كذا وكذا حتى عد نيفا وأربعمائة مصنف منها التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى سورة الكهف عند قوله تعالى وعلمناه من لدنا علما وتوفي ولم يكمله وهذا التفسير كتاب عظيم كل سفر بحر لا ساحل له ولا غرو فإنه صاحب الولاية العظمى والصديقية الكبرى فيما نعتقد وندين الله به وثم طائفة في الغي حائفة يعظمون عليه النكير وربما بلغ بهم الجهل إلى حد التكفير وما ذاك إلا لقصور أفهامهم عن إدراك مقاصد أقواله وأفعاله ومعانيها ولم تصل أيديهم لقصرها إلى اقتطاف مجانيها على تحت القوافي من معادنها *** وما علي إذا لم تفهم البقر هذا الذي نعلم ونعتقد وندين الله تعالى به في حقه والله سبحانه وتعالى أعلم كتبه محمد الصديقي الملتجئ إلى حرم الله تعالى عفا الله عنه أهل قال وأما احتجاجه أي المنكر عليه بقول شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام شيخ مشايخ الشافعية حيث كان يطعن عليه ويقول هو زنديق فغير صحيح بل كذب وزور فقد روينا عن شيخ الإسلام صلاح الدين العلائي عن جماعة من المشايخ كلهم عن خادم الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال كنا في مجلس الدرس بين يدي الشيخ عز الدين بن عبد السلام فجاء في باب الردة ذكر لفظة الزنديق فقال بعضهم هل هي عربية أو عجمية فقال بعض الفضلاء إنما هي فارسية معربة أصلها زن دين أي على دين المرأة وهو الذي يضمر الكفر ويظهر الايمان فقال بعضهم مثل من فقال آخر إلى جانب الشيخ مثل ابن عربي بدمشق فلم ينطق الشيخ ولم يرد عليه قال الخادم وكنت صائما ذلك اليوم فاتفق أن الشيخ دعاني للإفطار معه فحضرت ووجدت منه إقبالا ولطفا فقلت له يا سيدي هل تعرف القطب الغوث الفرد في زماننا فقال مالك ولهذا كل فعرفت أنه يعرفه فتركت الأكل وقلت له لوجه الله تعالى عرفني به من هو فتبسم رحمه الله تعالى وقال الشيخ محيي الدين بن عربي فأطرقت ساكتا متحيرا فقال مالك فقلت يا سيدي قد حرت قال لم قلت أ ليس اليوم قال ذلك الرجل إلى جانبك ما قال في ابن عربي وأنت ساكت فقال أسكت ذلك مجلس الفقهاء هذا الذي روى لنا بالسند الصحيح عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام وممن انتصر له أيضا الشيخ كمال الدين الزملكاني من أجل مشايخ الشام فإنه كان يقول ما أجهل هؤلاء ينكرون على الشيخ ابن عربي لأجل ألفاظ وكلمات وقعت في كتبه قد قصرت أفهامهم عن درك معانيها فليأتوني لأحل لهم مشكله وأبين لهم مقاصده بحيث يظهر لهم الحق ويزول عنهم الوهم وقد أذعن له القطب سعد الدين الحموي وشهد له بالفضل الوافر الذي تقصر عن الاحاطة به بطون الأوراق والدفاتر وذلك أنه سئل عنه حين رجع من الشام إلى بلاده كيف وجدت ابن عربي فقال وجدته بحرا زخارا لا ساحل له وألف الشيخ صلاح الدين الصفدي كتابا جليلا في تاريخ علماء العالم وترجم فيه المؤلف ترجمة عظيمة يعرف من اطلع عليها مذاهب أهل العلم الذين باب صدورهم مفتوح لقبول العلوم اللدنية والمواهب الربانية وكذلك الحافظ السيوطي ألف في شأنه كتابا سماه تنبيه الغبي على تنزيه ابن عربي وبالجملة فمقامه رضي الله تعالى عنه معلوم وفضله عند أرباب البصائر مفهوم والتعريف به يستدعي طولا وهو أظهر من نار على علم فلا تلتفت إلى من زلت به القدم فذم كيف لا وقد قال في شيء من الكتب المصنفة كالفصوص وغيره إنه صنفه بأمر من الحضرة الشريفة النبوية وأمره بإخراجه إلى الناس قال الشيخ محيي الدين الذهبي حافظ الشام ما أظن المحيي يتعمد الكذب أصلا وهو من أعظم المنكرين وأشدهم على طائفة الصوفية وقد كان مسكن المؤلف نفعنا الله به ومظهره بدمشق وأخرج هذه العلوم إليهم ولم ينكر عليه أحد شيئا منها وكان قاضي القضاة الشافعية في عصره شمس الدين أحمد الخولي يخدمه خدمة العبيد وقاضي القضاة المالكية زوجه بنته وترك القضاء بنظرة وقعت عليه منه وقد حكى رضي الله تعالى عنه عن نفسه في كتبه ما يبهر الألباب وكفى بذلك دليلا على ما منحه الله سبحانه الذي يفتح لمن شاء الباب وقال صاحب عنوان الدراية إن الشيخ محيي الدين كان يعرف بالأندلس بابن سراقة وهو فصيح اللسان بارع فهم الجنان قوي على الإيراد كلما طلب الزيادة يزاد رحل إلى العدوة ودخل بجاية في رمضان سنة 597 وبها لقي أبا عبد الله العربي وجماعة من الأفاضل ولما دخل بجاية في التأريخ المذكور قال رأيت ليلة أني نكحت نجوم السماء كلها فما بقي منها نجم إلا نكحته بلذة عظيمة روحانية ثم لما كملت نكاح النجوم أعطيت الحروف فنكحتها وعرضت رؤياى هذه على من عرضها على رجل عارف بالرؤيا بصير بها وقلت للذي عرضتها عليه لا تذكرني فلما ذكر له الرؤيا استعظمها وقال هذا هو البحر الذي لا يدرك قعره صاحب هذه الرؤيا يفتح له من العلوم العلوية وعلوم الأسرار وخواص الكواكب ما لا يكون فيه أحد من أهل زمانه ثم سكت ساعة وقال إن كان صاحب هذه الرؤيا في هذه المدينة فهو ذاك الشاب الأندلسي الذي وصل إليها ثم قال في العنوان ما ملخصه أن الشيخ محيي الدين رحل إلى المشرق واستقرت به الدار وألف التأليف وفيها ما فيها إن قيض الله من يسامح ويتأول سهل المرام وإن كان ممن ينظر بالظاهر فالأمر صعب وقد نقد عليه أهل الديار المصرية وسعوا في إراقة دمه فخلصه الله تعالى على يد الشيخ أبي الحسن البجائي فإنه سعى في خلاصه وتأول كلامه ولما وصل إليه بعد خلاصه قال له الشيخ رحمه الله تعالى كيف يحبس من حل منه اللاهوت في الناسوت فقال له يا سيدي تلك شطحات في محل سكر ولا عتب على سكران انتهى وذكر الامام سيدي عبد الله بن سعد اليافعي اليمني في الإرشاد أن المؤلف نفعنا الله به اجتمع مع الأستاذ السهروردي فأطرق كل منهما ساعة ثم افترقا من غير كلام فقيل للشيخ ابن عربي ما تقول في الشيخ السهروردي فقال مملوء سنة من فرقه إلى قدمه وقيل للسهروردي ما تقول في الشيخ محيي الدين فقال بحر الحقائق ثم قال اليافعي ما ملخصه أن بعض العارفين كان يقرأ عليه كلام الشيخ ويشرحه فلما حضرته الوفاة نهى عن مطالعته وقال إنكم لا تفهمون معاني كلام الشيخ ثم قال أي اليافعي وقد مدحه أي المؤلف وعظمه طائفة كالنجم الأصبهاني والتاج بن عطاء الله وغيرهما وتوقف فيه طائفة وطعن فيه آخرون وليس الطاعن بأعلم من الخضر عليه السلام إذ هو أحد شيوخه وله معه اجتماع كثير ثم قال وما نسب إلى المشايخ (أي كالمؤلف رضي الله تعالى عنه) له محامل الأول أنه لم تصح نسبته إليهم الثاني بعد الصحة يلتمس له تأويل موافق فإن لم يوجد له تأويل في الظاهر فله تأويل في الباطن لم نعلمه وإنما يعلمه العارفون الثالث أن يكون صدور ذلك منهم في حال السكر والغيبة والسكران سكرا مباحا غير مؤاخذ ولا مكلف انتهى ملخصا (و العدوة اسم للبر الذي يعدي من فرضته إلى الأندلس ويسمى أيضا بر العدوة وهو المغرب الأوسط والأقصى وبجاية بكسر الموحدة وفتح الجيم ثم ألف وياء مثناة تحتية وهاء قاعدة الغرب الأوسط) وكان المؤلف رضي الله تعالى عنه يقول ينبغي للعبد أن يستعمل همته في الحضور في مناماته بحيث يكون حاكما على خياله يصرفه بعقله نوما كما يحكم عليه يقظة فإذا حصل للعبد هذا الحضور وصار خلقا له وجد ثمرة ذلك في البرزخ وانتفع به جدا فليهتم العبد بتحصيل هذا القدر فإنه عظيم الفائدة بإذن الله تعالى وقال إن الشيطان ليقنع من الإنسان بأن ينقله من طاعة إلى طاعة ليفسخ عزمه بذلك وقال ينبغي للسالك أنه متى حضر له أن يعقد على أمر ويعاهد الله تعالى عليه أن يترك ذلك الأمر إلى أن يجيء وقته فان يسر الله فعله فعله وإن لم ييسر الله فعله يكون مخلصا من نكث العهد ولا يكون متصفا بنقض الميثاق وحكى المقريزي في ترجمة سيدي عمر بن الفارض أفاض الله علينا من بركاته أن الشيخ محيي الدين بن العربي بعث إلى سيدي عمر في شرح التائية فقال كتابك المسمى بالفتوحات شرح لها وقال بعض من عرف به أنه لما صنف الفتوحات المكية كان يكتب كل يوم ثلاث كراريس حيث كان وحصلت له بدمشق دنيا كثيرة فما ادخر منها شيئا وقيل إن صاحب حمص رتب له كل يوم مائة درهم وابن الزكي كل يوم ثلاثين درهما فكان يتصدق بالجميع وأمر له ملك الروم مرة بدار تساوى مائة ألف درهم فلما نزلها وأقام بها مر به في بعض الأيام سائل فقال له شيء لله فقال مالي غير هذه الدار خذها لك فتسلمها السائل وصارت له واشتغل الناس بمصنفاته وله ببلاد اليمن والروم صيت عظيم هو من عجائب الزمان وكان يقول أعرف الكيمياء بطريق المنازلة لا بطريق الكسب وقد قال فيه الشيخ محمد بن سعد الكلشني أ مولاي محيي الدين أنت الذي بدت *** علومك في الآفاق كالغيث إذ همي كشفت معاني كل علم مكتم *** وأوضحت بالتحقيق ما كان مبهما وقال رضي الله تعالى عنه إنه بلغني في مكة عن امرأة من أهل بغداد أنها تكلمت في بأمور عظيمة فقلت هذه قد جعلها الله سببا لخير وصل إلى فلأكافئنها وعقدت في نفسي أن أجعل جميع ما اعتمرت في رجب لها وعنها ففعلت ذلك فلما كان الموسم استدل على رجل غريب فسأله الجماعة عن قصده فقال رأيت بالينبع في الليلة التي بت فيها كان آلافا من الإبل أوقارها المسك والعنبر والجوهر فعجبت من كثرته ثم سألت لمن هو فقيل لمحمد بن عربي يهديه إلى فلانة وسمي تلك المرأة ثم قيل وهذا بعض ما تستحق قال نفعنا الله به فلما سمعت الرؤيا واسم المرأة ولم يكن أحد من خلق الله تعالى علم مني ذلك علمت أنه تعريف من جانب الحق وفهمت من قوله إن هذا بعض ما تستحق أنها مكذوب عليها فقصدت المرأة وقلت اصدقيني وذكرت لها ما كان من ذلك فقالت كنت قاعدة قبالة البيت وأنت تطوف فشكرك الجماعة التي كنت فيهم فقلت في نفسي اللهم إني أشهدك إني وهبت له ثواب ما أعمله في يوم الإثنين وفي يوم الخميس وكنت أصومهما وأتصدق فيهما قال فعلمت أن الذي وصل إليها مني بعض ما تستحقه فإنها سبقت بالجميل والفضل للمتقدم توفي رضي الله تعالى عنه بدمشق ليلة الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 638 ودفن بسفح قاسيون وقد أرخ موته الكلشني محمد بن سعد بقوله إنما الحاتمي في الكون فرد *** وهو غوث وسيد وإمام كم علوم أتى بها من غيوب *** من بحار التوحيد يا مستهام إن سألتم متى توفي حميدا *** قلت أرخت مات قطب همام 86 111 441 سنة 638 وأعقب رحمه الله تعالى ولدين أحدهما سعد الدين محمد ولد بملطية في رمضان سنة 618 وسمع الحديث ودرس وقال الشعر الجيد وله ديوان شعر مشهور وتوفي بدمشق سنة 656 وهي السنة التي دخل فيها هولاكو ملك التتار بغداد وقتل الخليفة المستعصم ودفن المذكور عند والده بسفح قاسيون وثانيهما عماد الدين أبو عبد الله محمد توفي بالصالحية سنة 667 ودفن أيضا بسفح قاسيون عند والده أفاض الله علينا من أنواره وكسانا من حلل أسراره وسقانا من حميا شرابه وحشرنا في زمرة أحبابه بجاه سيد أصفيائه وخاتم أنبيائه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وشرف وكرم وعظم |