The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة رجال الحيرة والعجز

سبحانه في كتابه بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في كل سورة إذ كانت السور تحوي على أمور مخوفة تطلب أسماء العظمة والاقتدار فقدم أسماء الرحمة تأنيسا وبشرى ولهذا قالوا في سورة التوبة إنها والأنفال سورة واحدة حيث لم يفصل بينهما بالبسملة وفي ذلك خلاف منقول بين علماء هذا الشأن من الصحابة ولما علم الله تعالى ما يجري من الخلاف في هذه الأمة في حذف البسملة من سورة براءة فمن ذهب إلى أنها سورة مستقلة وكان القرآن عنده مائة وثلاث عشرة سورة فيحتاج إلى مائة وثلاث عشرة بسملة أظهر لهم في سورة النمل بسملة ليكمل العدد وجاء بها كما جاء بها في أوائل السور بعينها فإن لغة سليمان عليه السلام لم تكن عربية وإنما كانت أخرى فما كتب لغة هذا اللفظ في كتابه وإنما كتب لفظة بلغته تقتضي معناها باللسان العربي إذا عبر عنها بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 27 وأتى بها محذوفة الألف كما جاءت في أوائل السور ليعلم أن المقصود بها هو المقصود بها في أوائل السور ولم يعمل ذلك في بِسْمِ الله مَجْراها واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فأثبت الألف هناك ليفرق ما بين اسم البسملة وغيرها

[سورة التوبة هي سورة الرحمة]

ولهذا تتضمن سورة التوبة من صفات الرحمة والتنزل الإلهي كثيرا فإن فيها شراء الله نفوس المؤمنين منهم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ وأي تنزل أعظم من أن يشتري السيد ملكه من عبده وهل يكون في الرحمة أبلغ من هذا فلا بد أن تكون التوبة والأنفال سورة واحدة أو تكون بسملة النمل السليمانية لسورة التوبة ثم انظر في اسمها سورة التوبة والتوبة تطلب الرحمة ما تطلب التبري وإن ابتدأ عز وجل بالتبري فقد ختم بآية لم يأت بها ولا وجدت إلا عند من جعل الله شهادته شهادة رجلين فإن كنت تعقل علمت ما في هذه السورة من الرحمة المدرجة ولا سيما في قوله تعالى ومِنْهُمْ ومِنْهُمْ وذلك كله رحمة بنا لنحذر الوقوع فيه والاتصاف بتلك الصفات فإن القرآن علينا نزل فلم تتضمن سورة من القرآن في حقنا رحمة أعظم من هذه السورة لأنه كثر من الأمور التي ينبغي أن يتقيها المؤمن ويجتنبها فلو لم يعرفنا الحق تعالى بها ربما وقعنا فيها ولا نشعر فهي سورة رحمة للمؤمنين‏

[رجال نفس الرحمن‏]

وإذ وقد عرفناك بمنازله فاعلم أن رجاله هم كل من كان حاله من أهل الله حال من أحاطت به الأسماء الجبروتية من جميع عالمه العلوي والسفلي فيقع منه اللجأ والتضرع إلى أسماء الرحمة فيتجلى له الاسم الرحمن الذي له الأسماء الحسنى والذي به على العرش استوى فيهبه الاقتدار الإلهي فيمحو به آثار الأسماء القهرية فيتسع له المجال فينشرح الصدر ويجري النفس ويسرى فيه روح الحياة وتأتي إليه وفود الأسماء الرحمانية والحقائق الإلهية بالتهاني والبشائر فمن كانت هذه حالته ويعرفها ذوقا من نفسه وهو من رجال هذا المقام فلا يغالط نفسه وكل إنسان أعلم بحاله ولا ينفعك أن تنزل نفسك عند الناس منزلة ليست لك في نفس الأمر وقد نصحتك وأبنت لك عن طريق القوم فلا تكن من الجاهلين بما عرفناك به واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ف إِنَّ الله لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ في الْأَرْضِ ولا في السَّماءِ والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب الخمسون في معرفة رجال الحيرة والعجز)

من قال يعلم أن الله خالقه *** ولم يحركان برهانا بأن جهلا

لا يعلم الله إلا الله فانتبهوا *** فليس حاضركم مثل الذي غفلا

العجز عن درك الإدراك معرفة *** كذا هو الحكم فيه عند من عقلا

هو الإله فلا تحصى محامده *** هو النزيه فلا تضرب له مثلا

[سبب الحيرة في المعرفة الإلهية]

اعلم أيدك الله بروح منه أن سبب الحيرة في علمنا بالله طلبنا معرفة ذاته جل وتعالى بأحد الطريقين إما بطريق الأدلة العقلية وإما بطريق تسمى المشاهدة فالدليل العقلي يمنع من المشاهدة والدليل السمعي قد أومأ إليها وما صرح والدليل العقلي قد منع من إدراك حقيقة ذاته من طريق الصفة الثبوتية النفسية التي هو سبحانه في نفسه عليها وما أدرك العقل بنظره إلا صفات السلوب لا غير وسمي هذا معرفة والشارع قد نسب إلى نفسه أمورا وصف نفسه بها تحيلها الأدلة العقلية إلا بتأويل بعيد يمكن أن يكون مقصودا للشارع ويمكن أن لا يكون وقد لزمه الايمان والتصديق بما وصف به نفسه لقيام الأدلة عنده بصدق هذه الأخبار عنه إنه أخبر بها عن نفسه في كتبه أو على ألسنة رسله فتعارض هذه الأمور

مع طلبه معرفة ذاته تعالى أو الجمع بين الدليلين المتعارضين أوقعهم في الحيرة

[أهل الحيرة هم أرباب المعرفة الحقة]

فرجال الحيرة هم الذين نظروا في هذه الدلائل واستقصوها غاية الاستقصاء إلى أن أداهم ذلك النظر إلى العجز والحيرة فيه من نبي أو صديق‏

قال صلى الله عليه وسلم اللهم زدني فيك تحيرا

فإنه كلما زاده الحق علما به زاده ذلك العلم حيرة ولا سيما أهل الكشف لاختلاف الصور عليهم عند الشهود فهم أعظم حيرة من أصحاب النظر في الأدلة بما لا يتقارب‏

قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بذل جهده في الثناء على خالقه بما أوحى به إليه لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هذا المقام وكان من رجاله العجز عن درك الإدراك إدراك أي إذا علمت إن ثم من لا يعلم ذلك هو العلم بالله تعالى فكان الدليل على العلم به عدم العلم به والله قد أمرنا بالعلم بتوحيده وما أمرنا بالعلم بذاته بل نهى عن ذلك بقوله ويُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله تعالى‏

إذ من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ كيف يوصل إلى معرفة ذاته فقال الله تعالى آمرا بالعلم بتوحيده فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الله فالمعرفة به من كونه إلها والمعرفة بما ينبغي للاله أن يكون عليه من الصفات التي يمتاز بها عن من ليس بإله وعن المألوه هي المأمور بها شرعا فلا يعرف الله إلا الله‏

[طرق المعرفة الإلهية: العقل والنقل والكشف‏]

فقامت الأدلة العقلية القاطعة على أنه إله واحد عند أهل النظر وأهل الكشف فلا إله إلا هو ثم بعد هذا الدليل العقلي على توحيده والعلم الضروري العقلي بوجوده ورأينا أهل طريق الله تعالى من رسول ونبي وولي قد جاءوا بأمور من المعرفة بنعوت الإله في طريقهم إحالتها الأدلة العقلية وجاءت بصحتها الألفاظ النبوية والأخبار الإلهية فبحث أهل الطريق عن هذه المعاني ليحصلوا منها على أمر يتميزون به عن أهل النظر الذين وقفوا حيث بلغت بهم أفكارهم مع تحققهم صدق الأخبار فقالوا نعلم أن ثم طورا آخر وراء طور إدراك العقل الذي يستقل به وهو للأنبياء وكبار الأولياء به يقبلون هذه الأمور الواردة عليهم في الجناب الإلهي فعملت هذه الطائفة في تحصيل ذلك بطريق الخلوات والأذكار المشروعة لصفاء القلوب وطهارتها من دنس الفكر إذ كان المفكر لا يفكر إلا في المحدثات لا في ذات الحق وما ينبغي أن يكون عليه في نفسه الذي هو مسمى الله ولم يجد صفة إثبات نفسية فأخذ ينظر في كل صفة يمكن أن يقبلها المحدث الممكن يسلبها عن الله لئلا يلزمه حكم تلك الصفة كما لزمت الممكن الحادث مثل ما فعل بعض النظار من المتكلمين في أمور أثبتوها وطردوها شاهدا وغائبا ويستحيل على ذات الحق أن تجتمع مع الممكن في صفة فإن كل صفة يتصف بها الممكن يزول وجودها بزوال الموصوف بها أو تزول هي مع بقاء الممكن كصفات المعاني والأولى كصفات النفس ثم إن كل صفة منها ممكنة فإذا طردوها شاهدا وغائبا فقد وصفوا واجب الوجود لنفسه بما هو ممكن لنفسه والواجب الوجود لنفسه لا يقبل ما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون فإذا بطل الاتصاف به من حيث حقيقة ذلك الوصف لم يبق إلا الاشتراك في اللفظ إذ قد بطل الاشتراك في الحد والحقيقة فلا يجمع صفة الحق وصفة العبد حد واحد أصلا فاذن بطل طرد ما قالوه وطردوه شاهدا وغائبا فلم يكن قولنا في الله إنه عالم على حد ما نقول في الممكن الحادث إنه عالم من طريق حد العلم وحقيقته فإن نسبة العلم إلى الله تخالف نسبة العلم إلى الخلق الممكن ولو كان عين العلم القديم هو عين العلم المحدث لجمعهما حد واحد ذاتي أعني العلمين واستحال عليه ما يستحيل على مثله من حيث ذاته ووجدنا الأمر على خلاف ذلك‏

[وسائل الصوفية في تحصيل المعرفة الإلهية]

فتعملت هذه الطائفة في تحصيل شي‏ء مما وردت به الأخبار الإلهية من جانب الحق وشرعت في صقالة قلوبها بالأذكار وتلاوة القرآن وتفريغ المحل من النظر في الممكنات والحضور والمراقبة مع طهارة الظاهر بالوقوف عند الحدود المشروعة من غض البصر عن الأمور التي نهى أن ينظر إليها من العورات وغيرها وإرساله في الأشياء التي تعطيه الاعتبار والإستبصار وكذلك سمعه ولسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه وقلبه وما ثم في ظاهره سوى هذه السبعة والقلب ثامنها ويزيل التفكر عن نفسه جملة واحدة فإنه مفرق لهمه ويعتكف على مراقبة قلبه عند باب ربه عسى الله أن يفتح له الباب إليه ويعلم ما لم يكن يعلم مما علمته الرسل وأهل الله مما لم تستقل العقول بإدراكه وإحالته فإذا فتح الله لصاحب هذا القلب هذا الباب حصل له تجل إلهي أعطاه ذلك التجلي بحسب ما يكون حكمه فينسب إلى الله منه أمرا لم يكن قبل ذلك يجرأ على نسبته إلى الله سبحانه ولا يصفه به إلا قدر ما جاءت به الأنباء الإلهية فيأخذها تقليدا والآن يأخذ ذلك كشفا موافقا



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!