الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة منازلة زمان الشىء وجوده إلا أنا فلا زمان لى وإلا أنت فلا زمان لك فأنت زمانى وأنا زمانك | |
|
أ لا ترى إلى قوله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الذي ليس من شأنه ولا من شأن الأنبياء عليه السلام إن ينهزم ولا إن يقتل في مصاف لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ولَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً فوصفه بالانهزام وقوله صدق أ لا ترى ذلك عن رؤيته أجسامهم أ ليسوا أناسا مثله فما ينهزم إلا من أمر يريد إعدامه ولا يملأ مع شجاعته وحماسته رعبا إلا من شيء يهوله فلو لم ير منهم ما هو أهول مما رآه ليلة إسرائه ما امتلأ رعبا مما رآه وقد رأيناهم وما ملئنا رعبا لأنا ما شهدنا منهم إلا صور أجسامهم فرأيناهم أمثالنا فذلك الذي كان يملؤه رعبا وما ذكر الله إلا رؤية عينهم لأنه قال لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ فوصفه بالاطلاع فهم أسفل منه بالمقام ومع هذا كان يولي منهم فرارا خوفا أن يلحق بهم فينزل عن مقامه ويملأ منهم رعبا لئلا يؤثروا فيه كما قلنا من تأثير الأدنى في الأعلى كقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم رب ضاحك ملء فيه لا يدري أرضى الله أم أسخطه وقال ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله ومن علم الأمر على هذا حقيق عليه أن يولي فرارا ويملأ رعبا هل رأيتم عاقلا يقف على جرف مهواة إلا ويفر خوفا من السقوط فانظر فيما تحت هذا النعت الذي وصف الله به نبيه لو اطلع على الفتية مع علو رتبتهم وشأنهم فعلوه أعلى ورتبته أسنى فعرفنا بذلك ينهنا على علو رتبة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فأعيان الفتية كانت المشهودة لنا ولم نول ولا ملئنا رعبا وأعيان الفتية لو اطلع عليهم نبينا لولى فرارا منهم ولملئ رعبا فانظر إلى ما ذا ترجع صور العالم هل لأنفسهم أو لرؤية الناظر وتدبر ما قلناه كما تعلم قطعا إن حبال السحرة وعصيهم في عينها حبال وعصى وفي نظرنا حيات فهي عين الحيات وهي عين العصي والحبال فانظر ما ترى [إن الله ينكر بالرؤية ولا ينكر بالعلم]واعلم ما تنظر وكن بحيث تعلم لا بحيث ترى فإن الله ينكر بالرؤية ولا ينكر بالعلم فإذا لم ينكر بالرؤية فبشاهد العلم لم ينكر والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ «الباب التسعون وثلاثمائة في معرفة منازلة زمان الشيء وجوده إلا أنا فلا زمان لي وإلا أنت فلا زمان لك فأنت زماني وأنا زمانك»إذا قلنا بأن النعت عين *** فأين الواحد المنعوت منه وقد جاء الخطاب الحق فينا *** أخذناه عن الإرسال منه بأن الله ليس له شريك *** ولا مثل ولا يبديه كنه فإن حصلت سر الكون فيه *** فكن منه على علم وصنه فمهما قلت أ لست أنا بلا هو *** فضد القول والتعيين من هو إذا حققت قولي يا قسيمي *** علمت فلم تقل من أنت من هوقال الله تعالى حكاية عن قوم يقولون وما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وصدقوا فإنه قد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن الله هو الدهر فما أهلكهم إلا الله كما هو في نفس الأمر [أن الزمان نسبة لا وجود له في عينه]اعلم أن الزمان نسبة لا وجود له في عينه وقد أطال الناس الكلام في ماهيته فخرج من مضمون كلامهم ما ذكرناه من أنه نسبة وأنه يحدث بحدوث السؤال بمتى فيحدث له أسماء بحدوث السؤال مثل حين وإذ وإذا وحروف الشرط كلها أسماء الزمان والمسمى أمر عدمي كلفظة العدم فإنها اسم مسماها لا عين له مع تعقل الحكم له فلنمثل ليفهم ما ذكرناه يقال متى جاء زيد الجواب حين طلعت الشمس مثلا وإذا طلعت الشمس ومتى تطلع الشمس من مغربها حين يأذن الله لها في ذلك وإذا يأذن الله ومهما أذن الله لها طلعت في جواب هل تطلع الشمس من المغرب فيعود مشرقا فيكون هذا وأمثاله جوابه فيعقل منه الزمان إن جاء زيد أكرمتك المعنى حين يجيء زيد أكرمك المعنى زمان مجيء زيد زمان وجوب كرامتك على التي أوجبها على نفسي بمجيء زيد فهو للمحدثات زمان وللقديم أزل ومعقوليته أمر متوهم ممتد لا طرفين له فنحكم عليه بالماضي لما مضى فيه ونحكم عليه بالمستقبل لما يأتي فيه ونحكم عليه بالحال لما هو فيه وهو مسمى الآن والآن وإن كان زمانا فهو حد لما مضى في الزمان ولما استقبل في الزمان كالنقطة تفرض في محيط الدائرة فتعين لها البدء والغاية حيث فرضتها منها فالأزل والأبد عدم طرفي الزمان فلا أول له ولا آخر والدوام له وهو زمان الحال والحال له الدوام فلا يزال العالم في حكم زمان الحال ولا يزال حكم الله في العالم في حكم الزمان ولا يزال ما مضى منه وما يستقبل في حكم زمان الحال أ لا ترى في كلام الله في إخباره إيانا بأمور قد انقضت عبر عنها بالزمان الماضي وبأمور تأتي عبر عنها بالزمان المستقبل وأمور كائنة عبر عنها بالحال فالحال كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ والماضي وقَدْ خَلَقْتُكَ من قَبْلُ ولَمْ تَكُ شَيْئاً والمستقبل إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وسَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ وسَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ونطلب عند هذا كله عينا وجودية يكون هذا كله فيها وهي له كالظرف فلا نجدها لا عقلا ولا حسا لكن وهما ظرفيا وذاك الظرف مظروف لظرف متوهم لا يتناهى يحكم به الوهم لا غير فما ثم إن عقلت ما يعقل بالوهم ولا يعقل بالعقل ولا بالحس إلا الوجود الحق الذي نستند إليه في وجودنا فلهذه النسبة تسمى لنا بالدهر حتى لا يكون الحكم إلا له لا لما يتوهم من حكم الزمان إذ لا حاكم إلا الله ففيه ظهرت أعيان الأشياء بأحكامها فهو الوجود الدائم وأعيان الممكنات بأحكامها تظهر من خلف حجاب وجوده للطافته فنرى أعيان الممكنات وهي أعياننا من خلف حجاب وجوده ولا نراه كما نرى الكواكب من خلف حجب السموات ولا نرى السموات وإن كنا نعقل أن بيننا وبين الكواكب سماوات إلا أنها من اللطافة لا تحجب من يكون وراءها والله لَطِيفٌ بِعِبادِهِ فمن لطفه أنه هو الذي يأتيهم بكل ما هم فيه ولا تقع أبصار العباد إلا على الأسباب التي يشهدونها فيضيفون ما هم فيه إليها فظهر الحق باحتجابه فهو الظاهر المحجوب فهو الباطن للحجاب لا لك وهو الظاهر لك وللحجاب فسبحان من احتجب في ظهوره وظهر في حجابه فلا تشهد عين سواه ولا ترتفع الحجب عنه ولم يزل ربا ولم نزل عبيدا في حال عدمنا ووجودنا فكل ما أمر سمعنا وأطعنا في حال عدمنا ووجودنا إذا لم يخاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال فإذا خاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال والسنة الإرسال فمن كان منا مشهوده ما وراء الحجاب وهو المثل والرسول سمع فأطاع من حينه ومن كان مشهوده المثل سمع ضرورة ولم يطلع للحسد الذي خلق عليه من تقدم أمثاله عليه فظهر المطيع والعاصي أي عصى على مثله لكونه ما نفذ فيه أمره بالطاعة ما عصى على الله ولهذا قال بعضهم إنما احتجب الله في الدنيا عن عباده لأنه سبق في علمه أنه يكلفهم ويأمرهم وينهاهم وقد قدر عليهم بمخالفة أمره وبموافقته في أوقات فلا بد من ظهور المخالفة والموافقة فخاطبهم على السنة الرسل عليه السلام وحجب ذاته سبحانه عنهم في صورة الرسول وذلك لأنه قال من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله وقال فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله فلو لا أن الرسول صورته الظاهرة المشهودة ما صح هذا القول فوقعت المخالفة من المخالف بالقدر السابق والحكم القضائي ولا يتمكن أن يخالف أمره على الكشف فانحجب بالإرسال انحجابه بالأسباب فوقع الذم على الأسباب فهي وقاية الرحمن فما خالف أحد الله تعالى وما خولف إلا الله تعالى فلا تزال الأسباب للمحجوبين مشهودة ولا يزال الحق للعارفين مشهودا مع عقلهم الحجب في حق من حجبته فكثف اللطيف عندهم ولطف الكثيف عند العارفين بالله فيعلم العقل ما لا يشهد البصر *** وتشهد العين ما ترمي به الفكر فجمع العارفون بين العقل والبصر فلهم قلوب يفقهون بها ولهم أعين يبصرون بها ولهم آذان يسمعون بها والمحجوبون على قسمين منهم من له قلب لا يفقه به وعين لا يبصر بها ومنهم من له قلب يفقه به وله عين لا يبصر بها وهم المؤمنون فيعلمون ولا يشهدون ومن عداهم لا يعلمون ولا يشهدون وأهل الله يعلمون ويشهدون ولهذا إذا خاطبهم يسمعون ويطيعون ويشهدون ذواتهم محلا لما يخلق الله فيها مما يحكم فيه أنه مخالفة وموافقة فهو مطيع مهيا لقبول ما يتكون فيه كالرحم من المرأة مهيأ لما يتكون فيه غير ممتنع فالعبد الذي بهذه المثابة شجنة موجدة فهو رحمان في العالم رحيم بالمؤمنين فالرب زمانه المربوب والمربوب زمانه الرب لأنه ما ثبت الحكم لكل واحد بما حكم عليه به إلا بالآخر فمن كون كل واحد ينطلق عليه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لا يكون واحد منهما زمانا للآخر لارتفاع النسب وهذا لا يكون إلا بالنظر لعين كل واحد لا لحكمه فإذا انتقلت إلى النظر في الحكم الذي هو موقوف على العالم به وعلى الحق بالعالم صح أن يكون الحكم من كل واحد زمانا للآخر كالمتضايفين متى صحت الأبوة لزيد على عمرو قيل حين صحت البنوة لعمرو من زيد فزمان أبوة زيد بنوة عمرو وزمان بنوة عمر وأبوة زيد فالأب زمانه الابن والابن زمانه الأب وكذلك الملك والملك والملك والمالك والقادر والمقدور والمريد والمراد والعالم والمعلوم غير أن العالم والمعلوم قد تكون العين واحدة لأنه قد يكون العالم يعلم نفسه فهو المعلوم لنفسه وهو العالم بنفسه فهو العالم المعلوم له بخلاف المريد والمراد لأن المراد لا يكون أبدا إلا معدوما ولا يكون المريد إلا موجودا وكذلك القادر والمقدور لا يكون المقدور أبدا إلا معدوما فإذا وجد فلا معدم له بعد وجوده إلا بنفسه أو إمساك شرط بقائه أي بقاء الوجود عليه غير ذلك لا يكون فقوله إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ يريد به مسك الشرط المصحح لبقاء الوجود عليكم فتنعدمون إذ لم يوجده سبحانه فإن له التخيير في إيجاد كل ممكن أو تركه على حاله من اتصافه بالعدم فإذ قد علمت بما ذكرناه ما هو الزمان فبعد ذلك أدخل مع الناس فيما دخلوا فيه من أن الزمان الليل والنهار والأيام أو الزمان مدة متوهمة تقطعها حركات الأفلاك أو الزمان مقارنة حادث لحادث يسأل عنه بمتى وأمثال هذه الأقوال ولا يضرك القول بها فإنها قد استقرت ولها صحة في النسب الزماني والله يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ بالإيلاج والغشيان والتكوير لإيجاد ما سبق في علمه أن يظهر فيه من الأحكام والأعيان في العالم العنصري فنحن أولاد الليل والنهار فما حدث في النهار فالنهار أمه والليل أبوه لأن لهما عليه ولادة وما ولد في الليل فالليل أمه والنهار أبوه فإن لهما عليه ولادة فلا يزال الحال في الدنيا ما دام الليل والنهار يغشى أحدهما الآخر فنحن أبناء أم وأب لمن ولد معنا في يومنا أو في ليلنا خاصة وما ولد في الليلة الثانية والنهار الثاني فأمثالنا ما هم إخوتنا لأن الليل والنهار جديدان فأبوانا قد انعدما فهذان أمثالهما لا أعيانهما وإن تشابها فهو تشابه الأمثال فإذا كان في الآخرة كان الليل في دار جهنم والنهار في دار الجنة فلم يجتمعا مع الولادة التي توجد في النار والجنان من حدوث التكوين فيهما فذلك مثل حواء من آدم ومثل عيسى من مريم فهذه هي ولادة الآخرة ضرب الله بعيسى ومريم وحواء وآدم مثلا لنا فيما يتكون في الآخرة فليس توليد الأكوان في الآخرة عن نكاح زماني بإيلاج ليل في نهار ونهار في ليل فإنهما مثلان في الزمان الذي هو اليوم الجامع لهما فقسمه الله في الآخرة بين الجنة والنار فأعطى ظلمة الليل للنار وأعطى نور النهار للجنة ومن مجموعهما يكون اليوم وهو يوم الآخرة فإنه جامع للدارين والزمان محصور في سنة وشهر وجمعة ويوم فيقسم الزمان على أربعة أقسام لأن الفصول الطبيعية أربعة لأن الأصل في وجود الزمان الطبيعة ورتبتها دون النفس وفوق الهباء الذي يسميه الحكماء الهيولى الكل وحكم التربيع فيها من حكم التربيع في الأحكام الإلهية من حياة وعلم وقدرة وإرادة بهذه الأربعة ثبتت الألوهة للاله فظهر التربيع في الطبيعة ثم نزل الأمر فظهر التربيع في الزمان الأكبر وهو السنة فانقسمت السنة إلى أربعة فصول ربيع وصيف وخريف وشتاء أحدث هذا الحكم فيها نزول الشمس في البروج والبروج قسمتها الطبيعة تقسيمها العناصر التي هي الأركان إلى نارية وهوائية ومائية وترابية كما قسمت العناصر إلى نار وهواء وماء وتراب كما قسمت الأخلاط في الحيوان إلى صفراء ودم وبلغم وسوداء ثم اندرج الزمان الصغير الذي هو الشهر والجمعة في الزمان الكبير وتعددت الشهود بتعداد البروج اثني عشر شهرا فقسمت عليها الأيام بحكم الرأي إلا أيام العرب أعني شهور العرب فإنها مقسمة بسير القمر فهي مقسمة بتقسيم الله لا بتقسيمنا فلما ظهرت السنة بقطع الشمس هذه البروج كذلك ظهر الشهر العربي بقطع القمر هذه البروج فالشهر الإلهي ثمانية وعشرون يوما وشهر الرؤية والتقدير بحسب الواقع ثم يقع التقدير في الزمان الممتد بأحد هذه الأربعة إما بالسنة أو بالشهر أو بالجمعة أو باليوم لا يقع التقدير إلا بهذا وأعني باليوم الصغير من طلوع الشمس إلى طلوع الشمس مثلا وهو الذي يحدث عنه انتهاء دورة الفلك المحيط الذي يدور بالكل وهو الذي يتعين بالعين كما قلنا بطلوع الشمس طلوع الشمس مثلا فيعلم إن الدورة المحيطة بالأفلاك قد انتهت في أعيننا ولا حد لها في نفسها في الفلك المحيط سوى دورة واحدة لا تتصف بالانتهاء فنحن فرضنا فيها البدء والغاية والإعادة والتكرار ما هي في نفسها بهذا الحكم والأيام كثيرة ولكن لا تعد إلا بهذا اليوم الصغير المعلوم عندنا الجامع لليل والنهار فتعد الأيام به أو بالشهر أو بالسنة لا غير وقد ورد إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ بهذا اليوم الصغير وقد ورد في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وأيام الدجال يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامنا المعهودة فاليوم الذي نعد به الأيام الكبار هو يوم الشمس ويوم القمر ثمانية وعشرون |


