The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة المنزل الذى يحط إليه الولى إذا طرده الحق تعالى من جواره

الاسم على العبد وإن أطلقه الحق عليه فذلك إليه تعالى ويلزم الإنسان عبوديته وما يختص به من الأسماء التي لم تنطلق قط على الحق لفظا فيما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم فلما أنزل الله تعالى على عبده محمد صلى الله عليه وسلم هذه الآية ليعرف الناس بها فكان الله حكى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا بد له أن يقوله ويتلفظ به فجعله تعالى قرآنا يتلى إذ كان ذلك من خصائص العبيد في نفس الأمر فقال تعالى إِنَّ وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ فشهد له بالصلاح إذا كان الحق حاكيا في هذه الآية وإن كان آمرا فيكون من المشهودين لهم بالصلاح فعرفنا إن الله تولاه وأخبرنا أن الله يتولى الصالحين فشهد لنفسه بالصلاح بالوجه الذي ذكرناه ولم ينقل ذلك عن غيره بل نقل ما يقاربه من قول عيسى عليه السلام إِنِّي عَبْدُ الله آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا وجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وبَرًّا بِوالِدَتِي ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا والسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا يقول الله تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ أي فكذلك أنت فكان من فضله نيل مثل هذا المقام فاحفظ يا ولي نفسك في التخلق بأسماء الله الحسنى فإن العلماء لم يختلفوا في التخلق بها فإذا وفقت للتخلق بها فلا تغب في ذلك عن شهود آثارها فيك ولتكن فيها ومعها بحكم النيابة عنها فتكون مثل اسم الرسول لا تشارك الحق في إطلاق اسم عليك من أسمائه بذلك المعنى وألزم الأدب وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب التاسع والثلاثون في معرفة المنزل الذي يحط إليه الولي إذا طرده الحق تعالى من جواره)

إذا حط الولي فليس إلا *** عروج وارتقاء في علو

فإن الحق لا تقييد فيه *** ففي عين النوى عين الدنو

فحال المجتبى في كل حال *** سمو في سمو في سمو

فلا حكم عليه بكل وجه *** ولا تأثير فيه للعلو

[التكليف، الخطيئة، العقوبة]

اعلم أيدك الله بروح منه إن الله تعالى يقول لإبليس اسجد لآدم فظهر الأمر فيه وقال لآدم وحواء لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فظهر النهي فيهما والتكليف مقسم بين أمر ونهي وهما محمولان على الوجوب حتى تخرجهما عن مقام الوجوب قرينة حال وإن كان مذهبنا فيهما التوقيف فتعين امتثال الأمر والنهي وهذا أول أمر ظهر في العالم الطبيعي وأول نهي وقد أعلمناك أن الخاطر الأول وأن جميع الأوليات لا تكون إلا ربانية ولهذا تصدق ولا تخطئ أبدا ويقطع به صاحبه فسلطانه قوي ولما كان هذا أول أمر ونهي لذلك وقعت العقوبة عند المخالفة ولم يمهل فإذا جاءت الأوامر بالوسائط لم تقو قوة الأول وهي الأوامر الواردة إلينا على ألسنة الرسل وهي على قسمين إما ثوان وهو ما يلقي الله إلى نبيه في نفسه من غير واسطة الملك فيصل إلينا الأمر الإلهي وقد جاز على حضرة كونية فاكتسب منه حالة لم يكن عليها فإن الأسماء الإلهية تلقته في هذه الحضرة الكونية فشاركته بأحكامها في حكمه وإما أن ينزل عليه بذلك الأمر الملك فيكون الأمر الإلهي قد جاز على حضرتين من الكون جبريل وأي ملك كان وأي نبي كان فيكون فعله وأثره في القوة دون الأول والثاني فلذلك لم تقع المؤاخذة معجلة فأما إمهال إلى الآخرة وإما غفران فلا يؤاخذ بذلك أبدا وفعل الله ذلك رحمة بعباده كما أنه تعالى خص النهي بآدم وحواء والنهي ليس بتكليف عملي فإنه يتضمن أمرا عدميا وهو لا تفعل ومن حقيقة الممكن أنه لا يفعل فكأنه قيل له لا تفارق أصلك والأمر ليس كذلك فإنه يتضمن أمرا وجوديا وهو أن يفعل فكأنه قيل له أخرج عن أصلك فالأمر أشق على النفس من النهي إذ كلف الخروج عن أصله فلو أن إبليس لما عصى ولم يسجد لم يقل ما قال من التكبر والفضيلة التي نسبها إلى نفسه على غيره فخرج عن عبوديته بقدر ذلك فحلت به عقوبة الله وكانت العقوبة لآدم وحواء لما تكلفا الخروج عن أصلهما وهو الترك وهو أمر عدمي بالأكل وهو أمر وجودي فشرك الله بين إبليس وآدم وحواء في ضمير واحد وهو كان أشد العقوبة على آدم فقيل لهم اهبطوا بضمير الجماعة ولم يكن الهبوط عقوبة لآدم وحواء وإنما كان عقوبة لإبليس فإن آدم أهبط لصدق الوعد بأن يجعل في الأرض خليفة بعد ما تاب عليه واجتباه وتلقى الكلمات من ربه بالاعتراف فاعترافه عليه‏

السلام في مقابلة كلام إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فعرفنا الحق بمقام الاعتراف عند الله وما ينتجه من السعادة لنتخذه طريقا في مخالفتنا وعرفنا بدعوى إبليس ومقالته لنحذر من مثلها عند مخالفتنا وأهبطت حواء للتناسل وأهبط إبليس للاغواء فكان هبوط آدم وحواء هبوط كرامة وهبوط إبليس هبوط خذلان وعقوية واكتساب أو زار فإن معصيته كانت لا تقتضي تأبيد الشقاء فإنه لم يشرك بل افتخر بما خلقه الله عليه وكتبه شقيا ودار الشقاء مخصوصة بأهل الشرك فأنزله الله إلى الأرض ليسن الشرك بالوسوسة في قلوب العباد فإذا أشركوا وتبرأ إبليس من المشرك ومن الشرك لم ينفعه تبريه منه فإنه هو الذي قال له اكفر كما أخبر الله تعالى فحار عليه وزر كل مشرك في العالم وإن كان موحدا فإنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها

[الشرك والتوحيد]

فإن الشخص الطبيعي كإبليس وبنى آدم لا بد أن يتصور في نفسه مثال ما يريد أن يبرزه فما سن الشرك ووسوس به حتى تصوره في نفسه على الصورة التي إذا حصلت في نفس المشرك زالت عنه صورة التوحيد فإذا تصورها في نفسه بهذه الصورة فقد خرج التوحيد عن تصوره في نفسه ضرورة فإن الشريك متصور له في نفسه إلى جانب الحق الذي في نفسه متخيلا أعني من العلم بوجوده فما تركه في نفسه وحده فكان إبليس مشركا في نفسه بلا شك ولا ريب ولا بد أن يحفظ في نفسه بقاء صورة الشريك ليمد بها المشركين مع الأنفاس فإنه خائف منهم أن تزول عنهم صفة الشرك فيوحدوا الله فيسعدوا فلا يزال إبليس يحفظ صورة الشرك في نفسه ويراقب بها قلوب المشركين الكائنين في الوقت شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ويرد بها الموحدين في المستقبل إلى الشرك ممن ليس بمشرك فلا ينفك إبليس دائما على الشرك فبذلك أشقاه الله لأنه لا يقدر أن يتصور التوحيد نفسا واحدا لملازمته هذه الصفة وحرصه على بقائها في نفس المشرك فإنها لو ذهبت من نفسه لم يجد المشرك من يحدثه في نفسه بالشرك فيذهب الشرك عنه ويكون إبليس لا يتصور الشريك لأنه قد زالت عن نفسه صورة الشريك فيكون لا يعلم أن ذلك المشرك قد زال عن إشراكه فدل إن الشريك يستصحب إبليس دائما فهو أول مشرك بالله وأول من سن الشرك وهو أشقى العالمين فلذلك يطمع في الرحمة من عين المنة ولهذا قلنا إن العقوبة في حق آدم إنما كانت في جمعه مع إبليس في الضمير حيث خاطبهم الحق بالهبوط بالكلام الذي يليق بجلاله ولكن لا بد أن يكون في الكلام الصفة التي يقتضيها لفظ الضمير فإن صورة اللفظ يطلب المعنى الخاص وهذه طريقة لم تجعل العلماء وبالها من ذلك‏

[خطيئة العارفين وخطيئة العامة]

وإنما ذكرنا مسألة آدم تأنيسا لأهل الله تعالى إذا زالوا فحطوا عن مقامهم أن ذلك الانحطاط لا يقضي بشقائهم ولا بد بل يكون هبوطهم كهبوط آدم فإن الله لا يتحيز ولا يتقيد وإذا كان الأمر على هذا الحد وكان الله بهذه الصفة من عدم التقييد فيكون عين هبوط الولي عند الزلة وما قام به من الذلة والحياء والانكسار فيها عين الترقي إلى أعلى مما كان فيه لأن علوه بالمعرفة والحال وقد يزيد من العلم بالله ما لم يكن عنده ومن الحال وهو الذلة والانكسار ما لم يكن عليهما وهذا هو عين الترقي إلى مقام أشرف فإذا فقد الإنسان هذه الحالة في زلته ولم يندم ولا انكسر ولا ذل ولا خاف مقام ربه فليس من أهل هذه الطريقة بل ذلك جليس إبليس بل إبليس أحسن حالا منه لأنه يقول لمن يطيعه في الكفر إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ ونحن إنما نتكلم على زلات أهل الله إذا وقعت منهم قال تعالى ولَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الندم توبة

وإنما الإنسان الولي إذا كان في المقام الذي كان والحال التي كان عليها ملتذا بها فلذته إنما كانت بحاله فإن الله يتعالى أن يلتذ به فلما زل وعرته حالة الذلة والانكسار زالت ضرورة الحالة التي كان يلتذ بوجودها وهي حالة الطاعة والموافقة فلما فقدها نخيل أنه انحط من عين الله وإنما تلك الحالة لما زالت عنه انحط عنها إذ كانت حالة تقتضي الرفعة وهو الآن في معراج الذلة والندم والافتقار والانكسار والاعتراف والأدب مع الله تعالى والحياء منه فهو يترقى في هذا المعراج فيجد هذا العبد في غاية هذا المعراج حالة أشرف من الحالة التي كان عليها فعند ذلك يعلم أنه ما انحط وأته ترقي من حيث لا يشعر أنه في ترق وأخفى الله ذلك عن أوليائه لئلا يجترءوا عليه في المخالفات كما أخفى الاستدراج فيمن أشقاه الله فقال سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ فهم كما قال الله تعالى فيهم وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً كذلك أخفى سبحانه تقريبه وعنايته فيمن‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!