The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل العلماء ورثة الأنبياء محمدى

وفيه علم الموافقة والخلاف وفيه علم مؤاخذة المجبور وفيه علم السماع وفيه علم النور والمعنوي والهدى وفيه علم الأمثال وفيه علم الاتباع والأتباع وفيه علم الشهادات وفيه علم المعاد وحكمه وفيه علم الخوف والحذر وفيه علم التجانس بين الأشياء وفيه علم الحب وشرفه وأصناف المحبين وفيه علم خلع العذار فيه وفيه علم الاختصاص وفيه علم نسخ البواطن في العموم والخصوص وفيه علم تشبيه الحق بالخلق وما يجوز من ذلك وما لا يجوز ومتعلقة السمع ليس للعقل فيه دخول بما هو ناظر فيه وفيه علم الوهب والكسب وفيه علم ما يجب على الرسول وفيه علم من سمي الله بغير اسمه ما حكمه في التوحيد وفيه علم مراتب الضلال والإضلال والتفاوت في ذلك وفيه علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه علم تأثير الخلق في الحق وفيه علم ما شقي به أهل الكتب وفيه علم رفع الحرج ومراتب المتقين وفيه علم الاختيار وفيه علم شرف الأماكن بعضها على بعض لما ذا يرجع وفيه علم تحكم الأدنى على الأدنى وفيه علم إضافة الأشياء إلى أصولها وفيه علم التعريض بالخير والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثمانون وثلاثمائة في معرفة منزل العلماء ورثة الأنبياء من المقام المحمدي»

ما قرة العين إلا قرة النفس *** فانظر إلى كل معنى دس في الحس‏

تجده يا سيدي إن كنت ذا نظر *** في الفصل والنوع بالأحكام والجنس‏

فليس تشهد عيني غيرها أبدا *** والناس من ذاك في شك وفي لبس‏

الطيب والمرأة الحسناء قد اشتركا *** مع المناجاة في المعنى وفي النفس‏

ففي الصلاة وجودي والنساء لنا *** عرش وفي الطيب أنفاس مع الأنس‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حبب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة

وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن ربكم واحد وإن أباكم واحد فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى ثم تلا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ‏

يريد بالأب آدم صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهو قوله تعالى خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني نفس آدم يخاطب ما تفرع منه‏

[الورث على نوعين معنوي ومحسوس‏]

فاعلم أن الورث على نوعين معنوي ومحسوس فالمحسوس منه ما يتعلق بالألفاظ والأفعال وما يظهر من الأحوال فأما الأفعال فإن ينظر الوارث إلى ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بفعله مما أبيح للوارث أن يفعله اقتداء به لا مما هو مختص به عليه السلام مخلص له في نفسه ومع ربه وفي عشرته لأهله وولده وقرابته وأصحابه وجميع العالم ويتبع الوارث ذلك كله في الأخبار المروية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الموضحة لما كان عليه في أفعاله من صحيحها وسقيمها فيأتيها كلها على حد ما وردت لا يزيد عليها ولا ينقص منها وإن اختلفت فيها الروايات فليعمل بكل رواية وقتا بهذه ووقتا بهذه ولو مرة واحدة ويدوم على الرواية التي ثبتت ولا يخل بما روى من ذلك وإن لم يثبت من جهة الطريق فلا يبالي إلا أن تعلق بتحليل أو تحريم فيغلب الحرمة في حق نفسه فهو أولى به فإنه من أولي العزم وما عدا التحليل أو التحريم فليفعل بكل رواية وإذا أفتى إن كان من أهل الفتيا وتتعارض الأدلة السمعية بالحكم من كل وجه ويجهل التأريخ ولا يقدر على الجمع فيفتي بما هو أقرب لرفع الحرج ويعمل هو في حق نفسه بالأشد فإنه في حقه الأشد وهذا من الورث اللفظي فإنه المفتى به فيصلي صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في ليله ونهاره وعلى كيفيتها في أحوالها وكمياتها في أعدادها ويصوم كذلك ويعامل أهله من مزاح وجد كذلك ويكون على أخلاقه في مأكله ومشربه وما يأكل وما يشرب كأحمد بن حنبل فإنه كان بهذه المثابة روينا عنه أنه ما أكل البطيخ حتى مات وكان يقال له في ذلك فيقول ما بلغني كيف كان يأكله رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكل ما كان من فعل لم يجد فيه حديثا يبين فيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فعله بكيفية خاصة وإن كان من الكميات بكمية خاصة ولكن ورد فيه حديث فاعمل به كصومه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يصوم حتى نقول إنه لا يفطر ويفطر حتى نقول إنه لا يصوم ولم يوقت الراوي فيه توقيتا فصم أنت كذلك وأفطر كذلك وأكثر من صوم شعبان ولا تتم صوم شهر قط بوجه من الوجوه إلا شهر رمضان وكل صوم أو فعل مأمور به وإن لم يرو

فيه فعله فاعمل به لأمره وهذا معنى قول الله إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وما رأينا أحدا ممن رأيناه أو سمعنا عنه عمل على هذا القدم إلا رجل كبير باليمن يقال له الحداد رآه الشيخ ربيع بن محمود المارديني الخطاب وأخبر أنه كان على هذا الحال من الاقتداء أخبرني بذلك صاحبي الخادم عبد الله بدر الحبشي عن الشيخ ربيع فلتتبعه في كل شي‏ء لأن الله يقول لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ما لم يخصص شيئا من ذلك بنهي عن فعله وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم صلوا كما رأيتمونى أصلي‏

وقال في الحج خذوا عني مناسككم‏

وإذا حججت فإن قدرت على الهدى فأدخل به محرما بالحج أو العمرة وإن حجت مرة أخرى فأدخل أيضا إن قدرت على الهدى محرما بالحج وإن لم تجد هديا فاحذر أن تدخل محرما بالحج لكن ادخل متمتعا بعمرة مفردة فإذا طفت وسعيت فحل من إحرامك الحل كله ثم بعد ذلك أحرم بالحج وأنسك نسيكة كما أمرت واعزم على أن لا تخل بشي‏ء من أفعاله وما ظهر من أحواله مما أبيح لك من ذلك والتزم آدابه كلها جهد الاستطاعة لا تترك شيئا من ذلك إذا ورد مما أنت مستطيع عليه فإن الله ما كلفك إلا وسعك فابذله ولا تترك منه شيئا فإن النتيجة لذلك عظيمة لا يقدر قدرها وهي محبة الله إياك وقد علمت حكم الحب في المحب وأما الوارث المعنوي فما يتعلق بباطن الأحوال من تطهير النفس من مذام الأخلاق وتحليتها بمكارم الأخلاق وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من ذكر ربه على كل أحيانه وليس إلا الحضور والمراقبة لآثاره سبحانه في قلبك وفي العالم فلا يقع في عينك ولا يحصل في سمعك ولا يتعلق بشي‏ء قوة من قواك إلا ولك في ذلك نظر واعتبار إلهي تعلم موقع الحكمة الإلهية في ذلك فهكذا كان حال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيما روت عنه عائشة وكذلك إن كنت من أهل الاجتهاد في الاستنباط للاحكام الشرعية فأنت وارث نبوة شرعية فإنه تعالى قد شرع لك في تقرير ما أدى إليه اجتهادك ودليك من الحكم أن تشرعه لنفسك وتفتي به غيرك إذا سألت وإن لم تسأل فلا فإن ذلك أيضا من الشرع الذي أذن الله لك فيه ما هو من الشرع الذي لم يأذن به الله‏

[أن الاجتهاد ما هو في أن تحدث حكما]

واعلم أن الاجتهاد ما هو في أن تحدث حكما هذا غلط وإنما الاجتهاد المشروع في طلب الدليل من كتاب أو سنة وإجماع وفهم عربي على إثبات حكم في تلك المسألة بذلك الدليل الذي اجتهدت في تحصيله والعلم به في زعمك هذا هو الاجتهاد فإن الله تعالى ورسوله ما ترك شيئا إلا وقد نص عليه ولم يتركه مهملا فإن الله تعالى يقول الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وبعد ثبوت الكمال فلا يقبل الزيادة فإن الزيادة في الدين نقص من الدين وذلك هو الشرع الذي لم يأذن به والله ومن الورث المعنوي ما يفتح عليك به من الفهم في الكتاب وفي حركات العالم كله وأما الورث الإلهي فهو ما يحصل لك في ذاتك من صور التجلي الإلهي عند ما يتجلى لك فيها فإنك لا تراه إلا به فإن الحق بصرك في ذلك الموطن ولا يتكرر عليك صورة تجل فقد انتقل عنها وحصل لك نظيرها في ذاتك وفي ملكك ولذلك تقول في الآخرة عموما للشي‏ء إذا أردته كُنْ فَيَكُونُ وفي الدنيا خصوصا فالحق لك في الدنيا محل تكوينك فإنه يتنوع لتنوعك وفي الآخرة تتنوع لتنوعه فهو في الدنيا يلبس صورتك وأنت في الآخرة تلبس صورته فانظر ما أعجب هذا الأمر وكذلك لك في الميراث الإلهي في مراتب العدد فقد يكون الحق رابع ثلاثة فإذا جئت أنت وانضممت إلى الثلاثة فربعتهم لا يكون ذلك لك حتى ينتقل الحق إلى مرتبة الخمسة فيكون خامس أربعة بعد ما قد كان رابع ثلاثة فأخلي لك المرتبة فورثتها وكذلك في كل جماعة تنضم إليها هذا حكم الميراث في الدنيا وأما في ميراث الخصوص وفي الآخرة فإنه رابع أربعة في حال كونك أنت رابع تلك الأربعة فإنك في الدنيا في الخصوص جئت بصورة حق وفي الآخرة كذلك أنت صورة حق ولهذا كفر أي ستر من قال إِنَّ الله ثالِثُ ثَلاثَةٍ فستر نفسه بربه لأنه هو عين ثالث الثلاثة ورأى نفسه حقا لا خلقا إلا من حيث الصورة الجسدية لا من حيث ما هي به موصوفة فهو حق في خلق فستر خلقه بما شهده من الحق القائم به المنصوص عليه في العموم بأنه جميع قوى عبده وصفاته إذا كان من أهل الخصوص فقال عن نفسه إِنَّ الله ثالِثُ ثَلاثَةٍ ثم بين الحق تعالى عقيب هذا القول فقال وما من إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وهو الذي ثلث الثلاثة فالاثنان من العامة والذي ثلثهم بخلقه هو الثالث خلقا بخلقه ثم إنه قد علم أن الحق جميع قواه وأشهده الحق أنه مع الاثنين مثل ما هو معه إلا أنه حجب عنهم علم ذلك فقالوا بالخلق دون حق فقال هذا الخاص إِنَّ الله ثالِثُ ثَلاثَةٍ لأنه‏

شاهده فيها كما شاهده في نفسه وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فرأى أن الحق جمعهم في صورة ثلاثة فصح قول القائل إنه ثالث ثلاثة في الوجهين في الخلق والحق وصح وما من إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ لأنه عين كل واحد من الثلاثة ليس غيره فهو واحد وهو ثلاثة فهذا من الورث الإلهي النبوي فإنه ما حصل لنا هذا الشهود إلا بالاقتداء والاتباع النبوي فلما علمنا ورثناه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا يصح ميراث لأحد إلا بعد انتقال الموروث إلى البرزخ وما حصل لك من غير انتقال فليس بورث وإنما ذلك وهب وأعطية ومنحة أنت فيها نائب وخليفة لا وارث فأنت من حيث العلم وارث وأنت من حيث الشهود عينه لا وارث أ لا ترى في‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن ربكم واحد كما إن أباكم واحد

وليس أبوك إلا من أنت عنه فإن عرفت عمن أنت عرفت أباك وما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن أبوينا اثنان كما وقع في الظاهر فإنا عن آدم وحواء مثل قوله ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ولكن لما كانت حواء عين آدم لأنها عين ضلعه فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال وهو عين زيد كذلك انفصال حواء عن آدم فهي عين آدم فما ثم إلا أب واحد فما صدرنا إلا عن واحد كما أن العالم كله ما صدر إلا عن إله واحد فالعين واحدة كثيرة نسب إن لم يكن الأمر كذلك وإلا فما كان يظهر لنا وجود ولا لنا وجود عين ولا لنا إيجاد حكم فكما أوجدنا عينا أوجدنا الحكم له جَزاءً وِفاقاً إن تفطنت فهو لنا موجد عين ونحن له موجد رب‏

فلو لا الحق ما كان الوجود *** ولو لا الكون ما كان إلا له‏

جزاء قد أراد الحق منه *** سؤال السائلين بمن وما هو

فما هو في العموم بغير شك *** وأما في الخصوص فهو وما هوثم ما زال التوالد والتناسل في كل نوع نوع من المولدات كلها في الدنيا ما دامت الدنيا وفي الآخرة إلى ما لا يتناهى وإن تنوعت أحوال التوالد كما ظهر ذلك في الدنيا في حواء وعيسى وبنى آدم وأما في آدم فباليدين وبالأركان وفي النبات متنوع أيضا في غراسه وبزوره وكذلك في المعادن فانظر ما أحكم حكمة الله في خلقه ولما أطلعنا على الوجه الخاص الذي لكل موجود لم يتمكن لنا أن نضيف التوالد لنا جملة واحدة بل أضفنا كل ما ظهر في الكون إليه وهو قوله تعالى وما أَمْرُنا ونحن أمره إِلَّا واحِدَةٌ فما ثم موجد إلا الله تعالى على كل وجه علم ذلك من علمه وجهله من جهله كما يقول الطبيعيون في الموجودات الطبيعية بأحدية الطبيعة فكل ما ظهر من الموجودات الطبيعية قالوا هذا عن الطبيعة فوحدوا الأمر كما وحدنا الإله في خلقه فلم يكن إلا الله وهو الذي سموه أولئك طبيعة ولا علم لهم كما سمته الدهرية بالدهر ولا علم لهم إلا أن الله تسمى لنا بالدهر وما تسمى بالطبيعة لأن الطبيعة ليست بغير لمن وجد عنها عينا فهي عين كل موجود طبيعي ولما كان الحق له هذا الحكم وظهر به عند الخواص من عباده وعلمنا إن الاسم دلالة على المسمى فرأينا الاسم وإن دل فهو أجنبي فعلمنا أن حكم الطبيعة يخالف حكم الدهر فإن الدهر ما هو عين الكوائن ورأينا الطبيعة عين الكوائن الطبيعية ورأينا أن الحق له تنزيه ينفصل به عنا انفصال الدهر عما يكون فيه فتسمى تعالى بالدهر تنزيها وما تسمى بالطبيعة لكون الأمر ما هو غيره بل هو عينه والمسمى لا يسمى نفسه لنفسه فلا يسمى بالطبيعة وإنما يسمى نفسه لغيره حتى إذا ذكره عرف أنه يذكره وإذا ذكر عرفه فهذا أصل وضع الأسماء

فما ثم إلا الله لا شي‏ء غيره *** وما ثم إلا اثنان والله ثالث‏

قد انتجه العلم الذي قاله لنا *** فإني لعلمي بالحقيقة حارث‏

أعني‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من عرف نفسه عرف ربه‏

فقدم معرفة الإنسان نفسه لأنه عين الدليل ولا بد أن يكون العلم بالدليل مقدما على العلم بالمدلول والدليل نحن ونحن في مقام الشفعية فلذلك عبرنا بالاثنين لوجود الشفع فنتج لنا النظر فينا وجود الحق وأحديته فهو ثالث اثنين كما هو رابع ثلاثة فلذلك قلنا والله ثالث لهذين الاثنين وأنا حارث أي كاسب لهذا العلم بالنظر ثم إن للحق ورثا منا كما قال إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ ومن عَلَيْها عينا وحكما فأما في العين فقوله وإِلَيْنا تُرْجَعُونَ فإن الأمور ترجع إلى أصولها كما ينعطف آخر الدائرة على أولها فمن أول ما تبتدئ بالدائرة

إنما يطلب بذلك الرجوع إلى أصلها وهو بدؤها فإليه تنتهي فنحن لا نعلم شيئا إلا به فورث منا هذه الصفة فقال تعالى ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ كما نظرنا نحن حتى علمنا فما خلص لنا هذا الوصف من غير مشاركة فعلمنا أن علمنا عن النظر والاستدلال بما علمناه أنه هو العالم به من حيث إن نظرنا لم يكن بنا لأنه قال إنه عين صفتنا التي بها ننظر ونبصر ونسمع ونبطش وهذا كله هو علم الأنبياء الذين ورثناهم لأنهم ما ورثونا إلا العلم على الحقيقة وهو أشرف ما يورث ثم انظر في‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم العلماء ورثة الأنبياء

فعم الألف واللام فيهما كل عالم وكل مخبر ولا شك أن كل مخبر فإنه متصور لما يخبر به وكل سامع ذلك الخبر فقد علمه أي علم ما تصوره ذلك المخبر سواء كان كذبا ذلك الخبر أو صدقا فهو ورث بلا شك أ لا تراه‏

ص قد قال من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين‏

لأنه قد ورث منه الكذب وصار حكمه حكم الكاذب كما صار حكم الوارث في المال حكم من مات عنه وخلفه ولما عمم بالألف واللام العلماء دخل فيه قوله حَتَّى نَعْلَمَ ولما عمم بالألف واللام الأنبياء دخل فيه كل مخبر بنطق أو بحال لأنه من ظهر لعينك بعد أن لم يكن ظاهرا فقد أخبرك بظهوره أنه ظهر لك حتى لو قال لك قد ظهرت لك لم يفدك علما بظهوره وإنما أفادك علما بقوله لك أي من أجلك ظهر لعينك فالمفهوم الأول القرب الظاهر النازل منزلة النص عند أهل الظاهر أن العلماء ورثة الأنبياء الذين هم المخبرون عن الله وبالمفهوم الثاني الذي لا يقدح فيه المفهوم الأول إن العلماء ورثة المخبرين بما أخبروا به كانوا من كانوا لكن العلم الموروث من الأنبياء عليه السلام ليس هو العلم الذي يستقل بإدراكه العقول والحواس دون الأخبار فإن ذلك لا يكون وراثة وإنما الذي يرثه العلماء من الأنبياء ما لا تستقل العقول من حيث نظرها بإدراكه وأما ما ورثته من الأنبياء من العلم الإلهي فهو ما تحلئة العقول بأدلتها وأما ما تجوزه العقول فتعين لها الأنبياء أحد الجائزين مثل قول إبراهيم ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وأما العلم الذي ترثه من الأنبياء عليه السلام من علم الأكوان فعلم الآخرة ومال العالم لأن ذلك كله من قبيل الإمكان فالأنبياء تعين عن الله إن بعض الممكنات على التعيين هو الواقع فيعلمه العالم فذلك ورث نبوي لم يكن يعلمه قبل إخبار هذا النبي به وما عدا هذا فما هو علم موروث إلا في حق العامي الذي ما وفى عقله حقه فتلقى من النبي علما بما لو نظر فيه بعقله أدركه كتوحيد الله ووجوده وبعض ما يتعلق به من حكم الأوصاف والأسماء فيكون ذلك في حق من لم يعلمه إلا من طريق النبي علم موروث وإنما قلنا فيه إنه علم لأن الأنبياء لا تخبر إلا بما هو الأمر عليه في نفسه فإنهم معصومون في أخبارهم عن الله أن يقولوا ما ليس هو الأمر عليه في نفسه بخلاف غير الأنبياء من المخبرين من عالم وغير عالم فإن العالم قد يتخير فيما ليس بدليل أنه دليل فيخبر بما أعطاه ذلك الدليل ثم يرجع عنه بعد ذلك فلهذا لا ينزل في درجة العلم منزلة النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وقد يخبر بالعلم على ما هو عليه في نفس الأمر ولكن لا يتعين على الحقيقة لما ذكرناه من دخول الاحتمال فيه وكذلك غير العالم من العوام فقد يصادفون العلم وقد لا يصادفونه في أخبارهم والنبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ليس كذلك فإذا أخبر عن أمر من جهة الله فهو كما أخبر فالمحصل له عالم بلا شك كما إن ذلك الخبر علم بلا شك فلذلك قيد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن العلماء هم ورثة الأنبياء لأنهم إذا قبلوا ما قاله الرسول فقد علموا الأمر على ما هو عليه ومن وراثته صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حب النساء والطيب وجعلت قرة عينه في الصلاة ولكن إذا كان ذلك في الإنسان محببا إليه حينئذ يكون وارثا وأما إن أحب ذلك من غير تحبب فليس بوارث فإن العبد لما كان مخلوقا لله لا لغيره كما قال تعالى وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فما خلقهم إلا لعبادته وقال لموسى في الاثنتي عشرة كلمة يا ابن آدم خلقتك من أجلي‏

الحديث ثم إن الله في ثاني حال من العبد حبب إليه أمرا ما أكثر من غيره وبقي الكلام فيمن حببه إليه هل حببه إليه طبع أو طمع أو حذر أو حببه إليه الله فإن‏

النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال حبب إلي‏

ولم يقل من حببه كما قال الله في حق المؤمنين ولكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ وكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والْفُسُوقَ والْعِصْيانَ والنبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما عدل إلى قوله حبب ولم يذكر من حببه إلا لمعنى لا يمكن إظهاره لضعف النفوس القابلة فالعارفون بالمواطن يعلمون من حيث ما ذكره الله والنساء والطيب وجعل قرة العين في الصلاة لأنه مصل على شهود من وقف يناجيه بين يديه‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!