The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل التضاهى الخيالى وعالم الحقائق والامتزاج

وفيه علم من ادعى عليه بدعوى كاذبة يعلم المدعي عليه إن المدعي كاذب ولم يقم له بينة فوجب عليه اليمين فهو مأمور من الله بأن يحلف وليس له أن يرد اليمين على المدعي ولا أن ينكل عن اليمين فيعطيه ما ادعى عليه فيكون معينا له على ظلمه لنفسه وأنه في اليمين قد أحرز نفس صاحبه أن يتصرف فيما ظلمه فيه بما ادعاه فيستصحبه الإثم ما دام يتصرف فيه واليمين مانعة من ذلك ولم يبق على المدعي من الإثم إلا إثم اليمين خاصة فإن إثم كذبه في دعواه أزاله الحلف وعاد وبال الحلف الكاذب عليه فهو بمنزلة لو حلف كاذبا فيعود عليه إثم من حلف لو كان في يمينه كاذبا كرجل ادعى على رجل مثلا بمائة دينار وهو كاذب في دعواه ولم تقم له بينة تصدق دعواه فأوجب الحاكم اليمين على المدعى عليه فإن رد المدعي عليه اليمين على المدعي وكان الحاكم ممن يرى ذلك وإن كان لا يجوز عندنا فهذا المدعى عليه ما نصح المدعي وهو مأمور بالنصيحة فإن حلف المدعي بحكم القاضي فإن عليه إثم الحلف الفاجرة وعلى المدعى عليه إثم ظلمه للحالف فإنه الذي جعله يحلف وليس على الحاكم إثم فإنه مجتهد فغايته أن يكون مخطئا في اجتهاده فله أجر فإن قام المدعى عليه فأعطى المدعي ما ادعاه عليه تضاعف الإثم على المدعى عليه لأنه مكنه من التصرف في مال لا يحل له التصرف فيه ولا يزال الإثم على المدعي ما دام يتصرف في ذلك المال وفيما ينتجه ذلك المال ولا يزال الإثم على المدعى عليه كذلك من حيث إنه أعان أخاه على الظلم ولم يكن ينبغي له ذلك ومن حيث إنه عصى أمر الله بترك اليمين فإن الله أوجب اليمين عليه فلو حلف عمل بما أوجب الله عليه فكان مأجورا ونوى تخليص المدعي من التصرف في الظلم فله أجر ذلك ولم يبق على المدعي بيمين المدعى عليه إلا إثم يمينه خاصة فعلى المدعي إثم يمين كاذبة وهي اليمين الغموس وهذه مسألة في الشرع لطيفة لا ينظر إليها بهذا النظر إلا من استبرأ لدينه وكان من أهل الله فإنه يحب للناس ما يحب لنفسه فلا يعين أخاه على ظلم نفسه إذا أراد ذلك وفيه علم ما يذم من القدح وما يحمد وفيه علم المراقبة والحضور وإنهما من أبواب العصمة والحفظ الإلهي وتحصيل العلم النافع وفيه علم صفات أهل البشرى وأنواع المبشرات وحيث يكون وما يسوء منها وما يسر وفيه علم ما يظهر على من اعتز بالله من العزة والوقاية والحماية الإلهية وفيه علم من لم يعمل بما سمع مما يجب عليه العمل به ما سببه الذي منعه من ذلك وهل حكمه حكم من لم يسمع فيكون الله قد تفضل عليه أو يكون حكمه حكم من علم فلم يعمل فعاقبه الله فيكون الله قد عدل فيه فإنه يقول ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا فإنهم سمعوا حقيقة وفهموا فإنه خاطبهم بلسانهم فقال تعالى وهُمْ لا يَسْمَعُونَ أي حكمهم حكم من لم يسمع عندنا مع كونهم سمعوا وما قال تعالى بما ذا يحكم فيهم وإن كان غالب الأمر من قرائن الأحوال العقوبة ولكن الإمكان لا يرتفع في نفس الأمر لما يعرف من فضل الله وتجاوزه عن سيئات‏

أمثال هؤلاء فافهم وفيه علم ما يعطي الله المتوكل في قلبه إذا توكل على الله حق توكله وفيه علم الخلافة الإلهية وفيه علم أسباب الطبع على القلوب المؤدي إلى الشقاء وفيه علم طلب إقامة البينة من المدعي ويتضمن هذا العلم قوله تعالى وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ولم يقل حتى نبعث شخصا فلا بد أن تثبت رسالة المبعوث عند من وجه إليه فلا بد من إقامة الدلالة البينة الظاهرة عند كل شخص شخص ممن بعث إليهم فإنه رب آية يكون فيها من الغموض أو الاحتمال بحيث أن لا يدرك بعض الناس دلالتها فلا بد أن يكون للدليل من الوضوح عند كل من أقيم عليه حتى يثبت عنده أنه رسول وحينئذ إن جحد بعد ما تيقن تعينت المؤاخذة ففي هذه الآية رحمة عظيمة لما هو الخلق عليه من اختلاف الفطر المؤدي إلى اختلاف النظر وما فعل الله ذلك إلا رحمة بعباده لمن علم شمول الرحمة الإلهية التي أخبر الله تعالى أنها وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وفيه‏

علم ما ينتجه الكرم وما ينتجه البخل وفيه علم رفع الإشكال في التلفظ بالإيمان حتى يعلم السامعون بأنه مؤمن علما لا يشكون فيه وهو المعبر عنه بالنصوص فإن الظاهر وإن كان ما يعلم بأول البديهة في الوضع ولكن يتطرق إليه الاحتمال وفيه علم من اعتنى الله به من عباده وفيه علم الخذلان وأهله وفيه علم ما يرجع إليه صاحب الحق إذا رد في وجهه وفيه علم أنواع الصبر في الصابرين والشكر في الشاكرين والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الخامس والسبعون وثلاثمائة» في معرفة منزل التضاهي الخيالي وعالم الحقائق والامتزاج‏

وهو من الحضرة المحمدية

كيف التبري وما في الكون إلا هو *** فكل كون أراه أنت معناه‏

وقد أتى بالتبري في شريعته *** فحير العقل شرع كان يهواه‏

أدناه منه ولا عين تغايره *** فمن دنا ثم بعد القرب أقصاه‏

الله مولى جميع الخلق كلهم *** ولم يخب أحد الله مولاه‏

[الخيال من موالي النفس الناطقة]

اعلم أيدك الله‏

أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال مولى القوم منهم‏

والخيال من موالي النفس الناطقة فهي منها بمنزلة المولى من السيد وللمولى في السيد نوع من أنواع التحكم من أجل الملكية فإنه به وبأمثاله من الموالي يصح كون السيد مالكا وملكا قلما لم يصح للسيد هذه المنزلة إلا بالمولى كان له بذلك يدهي التي تعطيه بعض التحكم في السيد وما له فيه من التحكم إلا أنه يصورها في أي صورة شاء وإن كانت النفس على صورة في نفسها ولكن لا يتركها هذا الخيال عند المتخيل إلا على حسب ما يريده من الصور في تخيله وليس للخيال قوة تخرجه عن درجة المحسوسات لأنه ما تولد ولا ظهر عينه إلا من الحس فكل تصرف يتصرفه في المعدومات والموجودات ومما له عين في الوجود أو لا عين له فإنه يصوره في صورة محسوس له عين في الوجود أو يصور صورة ما لها بالمجموع عين في الوجود ولكن أجزاء تلك الصورة كلها أجزاء وجودية محسوسة لا يمكن له أن يصورها إلا على هذا الحد فقد جمع الخيال بين الإطلاق العام الذي لا إطلاق يشبهه فإن له التصرف العام في الواجب والمحال والجائز وما ثم من له حكم هذا الإطلاق وهذا هو تصرف الحق في المعلومات بوساطة هذه القوة كما إن له التقييد الخاص المنحصر فلا يقدر أن يصور أمرا من الأمور إلا في صورة حسية كانت موجودة تلك الصورة المحسوسة أو لم تكن لكن لا بد من أجزاء الصورة المتخيلة أن تكون كلها كما ذكرنا موجودة في المحسوسات أي قد أخذها من الحس حين أدركها متفرقة لكن المجموع قد لا يكون في الوجود

[أن الله لم يزل في الدنيا متجليا للقلوب‏]

واعلم أن الحق لم يزل في الدنيا متجليا للقلوب دائما فتتنوع الخواطر في الإنسان عن التجلي الإلهي من حيث لا يشعر بذلك إلا أهل الله كما أنهم يعلمون أن اختلاف الصور الظاهرة في الدنيا والآخرة في جميع الموجودات كلها ليس غير تنوعه فهو الظاهر إذ هو عين كل شي‏ء وفي الآخرة يكون باطن الإنسان ثابتا فإنه عين ظاهر صورته في الدنيا والتبدل فيه خفي وهو خلقه الجديد في كل زمان الذي هم فيه في لبس وفي الآخرة يكون ظاهره مثل باطنه في الدنيا ويكون التجلي الإلهي له دائما بالفعل فيتنوع ظاهره في الآخرة كما كان يتنوع باطنه في الدنيا في الصور التي يكون فيها التجلي الإلهي فينصبغ بها انصباغا فذلك هو التضاهي الإلهي الخيالي غير أنه في الآخرة ظاهر وفي الدنيا باطن فحكم الخيال مستصحب للإنسان في الآخرة وللحق وذلك هو المعبر عنهما بالشأن الذي هو فيه الحق من قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ فلم يزل ولا يزال وإنما سمي ذلك خيالا لأنا نعرف أن ذلك راجع إلى الناظر لا إلى الشي‏ء في نفسه فالشي‏ء في نفسه ثابت على حقيقته لا يتبدل لأن الحقائق لا تتبدل ويظهر إلى الناظر في صور متنوعة وذلك التنوع حقيقة أيضا لا تتبدل على تنوعها فلا تقبل الثبوت على صورة واحدة بل حقيقتها الثبوت على التنوع فكل ظاهر في العالم صورة ممثلة كيانية مضاهية لصورة إلهية لأنه لا يتجلى للعالم إلا بما يناسب العالم في عين جوهر ثابت كما إن الإنسان من حيث جوهره ثابت أيضا فترى الثابت بالثابت وهو الغيب منك ومنه وترى الظاهر بالظاهر وهو المشهود والشاهد والشهادة منك ومنه فكذا تدركه وكذا تدرك ذانك غير أنك معروف في كل صورة إنك أنت لا غيرك كما تعلم أن زيدا في تنوعه في كيفياته من خجل ووجل ومرض وعافية ورضي وغضب وكل ما يتقلب فيه من الأحوال أنه زيد لا غيره كذلك الأمر فنقول قد تغير فلان من حال إلى حال ومن صورة إلى صورة ولو لا ما هو الأمر على هذا لكان إذا تبدل الحال عليه لم نعرفه وقلنا بعدمه فعلمنا إن ثم عينين كما قال تعالى أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ فعين يدرك به من يتحول وعين يدرك به التحول وهما طريقان مختلفان قد أبانهما الله لذي عينين وهو قوله وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ أي بينا له الطريقين كما قال الشاعر

نجدا على أنه طريق *** تقطعه للظبا عيون‏

فجعل قطع الطريق للعيون فكل عين لها طريق فاعلم من رأيت وما رأيت ولهذا صح وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى‏

فالعين التي أدركت بها إن الرمي لله غير العين التي أدركت بها إن الرمي لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فتعلم إن لك عينين إن كنت صاحب علم فتعلم قطعا إن الرامي هو الله في صورة محمدية جسدية وليس التمثل والتخيل غير هذا فالله قد نبهك وأنت لا تتنبه وهذه هي الآيات التي جعلها الله لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عنه ويتفكرون فيها وذكرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ يتقلب ف أَلْقَى السَّمْعَ لما قيل له وعرف به وهُوَ شَهِيدٌ لتقلبه في نفسه فيعلم إن الأمر كذلك وهؤلاء هم أولو الألباب فإن اللب يحجبه صورة القشر فلا يعلم اللب إلا من علم إن ثم لبا ولو لا ذلك ما كسر القشر فقد امتزج الأمر وما اختلطت الحقائق وبذلك يميز الفاضل من المفضول فيتنعم العالم بعلمه به وينعم الجاهل بجهله به ولا يعلم أنه جاهل به لأنه لا يعلم أن الأمر الذي هو على خلاف ما يعلمه أنه على خلاف ما يعلمه بل يقول ما ثم إلا هذا ولو علم إن ثم خلاف ما يعلمه وما أدركه لتنغص كما يتنغص في الدنيا كل متنغص لما فاته مما يقتضيه مقامه من التاجر في تجارته والفقيه في فقهه وكل عالم في طوره فتحقيق قوله عموما كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ إنما ذلك في الآخرة بخلاف الدنيا فإنه لا يعلم في الدنيا بل هو في الكثير من غير عموم فإن الإنسان لا يفرح بما عنده من العلم بما هو به متصور قبل حصوله فإنه منتظر إياه فهو في أ لم فإذا حصل عنده أيضا لم يفرح به ومال الكل في الآخرة بعد انقضاء مدة المؤاخذة إلى الفرح بما عنده وبما هو عليه وهذا المنزل هو منزل خلق الله آدم على صورته ومن جعل على صورة أمر ما فكان ذلك الأمر هو عين هذه الصورة فهو هو لا هو وبهذا صح وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى‏ فكل ما يظهر من تلك الصورة فأصله ممن هي عليه فلا يصح له أن يبقى عن كل ما يظهر منها ولهذا جاء وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ يعني الذي هو عليه العالم بأسره ولهذا وصف الحق نفسه على ألسنة رسله بما وصف به العالم كله قدما بقدم ما اختل شي‏ء من ذلك ولا أخل به‏

فعين الخلق عين الحق فيه *** فلا تنكر فإن الكون عينه‏

فإن فرقت فالفرقان باد *** وإن لم فاعتبر فالبين بينه‏

ولما قال إنه جعلك على الصورة علم أنه لا بد لك من الدعوى بالملك لما أنت عليه كما أنه ذو ملك وليس لك ملك أقرب من نفسك وهي التي تدعى الملك لأنها على صورة من له الملك فعمد إليها من كونها مؤمنة من اسمه المؤمن فاشترى من المؤمن نفسه فبقي المؤمن لا نفس له كسائر الحيوان فلم يبق من يدعي ملكا فصار الملك لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ وزال الاشتراك فالمؤمن لا نفس له فلا دعوى له في الملك فكل مؤمن ادعى ملكا حقيقة فليس بمؤمن فإن المؤمن من باع نفسه فما بقي له من يدعي لأن نفسه كانت صاحبة الدعوى لكونها على صورة من له الدعوى بالملك حقيقة وهو الله تعالى فاحفظ نفسك يا أخي من دعوى تسلب عنك الايمان فإياك إن تحامي عن نفسك التي كانت لك وإذا عزمت على أن تحامي عنها فحام عنها بحضور وعلم على أنها نفس الحق لا نفسك ومن هناك يحازيك ربك فإنك صادق ومؤثر ودرجة الإيثار قد علمت ما تقتضيه عند الله من الرفعة فاعمل على ذلك فإذا علمت هذا

[إن للإنسان وجهين وجها إلى ذاته ووجها إلى ربه‏]

فاعلم إن للإنسان وجهين وجها إلى ذاته ووجها إلى ربه ومع أي وجه توجهت إليه غبت عن الآخر غير إن هنا لطيفة أنبهك عليها وذلك إنك إذا توجهت إلى مشاهدة وجهك غبت من وجه ربك ذي الجلال والإكرام ووجهك هالك فإذا انقلبت إليه فنى عنك وجهك فصرت غريبا في الحضرة تستوحش فيها وتطلب وجهك الذي كنت تأنس به فلا تجده وإن توجهت إلى وجه ربك وتركت وجهك أقبل عليك ولم يكن لك مؤنس سواه ولا مشهود إلا إياه فإذا انقلبت إليه الانقلاب الخاص الذي لا بد لكل إنسان منه وجدت من كان لك قبل هذا الانقلاب أنيسا وجليسا وصاحبا ففرحت بلقائه وعاد الأنس أعظم وتتذكر الأنس الماضي فتزيد أنسا إلى أنس وترى عنده وجه ذاتك ولا تفقده فتجمع بين الوجهين في صورة واحدة فيتحد الأنس لاتحاد الوجهين فيعظم الابتهاج والسرور وهذه حالة برزخية بين حالتين لكونها جمعت بين الطرفين فمن جمع بينهما في الدنيا حرم ذلك في الآخرة

كالمنافق فإنه برزخ بين المؤمن والكافر فإذا انقلب تخلص إلى أحد الطرفين وهو طرف الكفر ولم يتخلص للإيمان فلو تخلص هنا إلى الايمان ولم يكن برزخا كان إذا انقلب إلى الله كما ذكرناه من جمعه بين الطرفين فاحذر هنا من صفة النفاق فإنها مهلكة ولها في سوق الآخرة نفاق اقتضى ذلك الموطن وما أخذ المنافق‏

هنا إلا لأمر دقيق لا يشعر به كثير من المؤمنين العلماء وقد نبه الله عليه لمن أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ وذلك أن المنافقين هنا إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا لو قالوا ذلك حقيقة لسعدوا وإِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ لو قالوا ذلك وسكتوا ما أثر فيهم الذم الواقع وإنما زادوا إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين فما أخذوا إلا بما أقروا به وإلا لو أنهم بقوا على صورة النفاق من غير زيادة لسعدوا أ لا ترى الله لما أخبر عن نفسه في مؤاخذته إياهم كيف قال الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فما أخذهم بقولهم إِنَّا مَعَكُمْ وإنما أخذهم بما زادوا به على النفاق وهو قولهم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ وما عرفك الله بالجزاء الذي جازى به المنافق إلا لتعلم من أين أخذ من أخذ حتى تكون أنت تجتنب موارد الهلاك وقد قال عليه السلام إن مداراة الناس صدقة

فالمنافق يداري الطرفين مداراة حقيقة ولا يزيد على المداراة فإنه يجني ثمرة الزائد كان ما كان فتفطن فقد نبهتك على سر عظيم من أسرار القرآن وهو واضح ووضوحه إخفاء وانظر في صورة كل منافق تجده ما أخذ إلا بما زاد على النفاق وبذلك قامت عليه الحجة ولو لم يكن كذلك الحشر على الأعراف مع أصحاب الأعراف وكان حاله حال أصحاب الأعراف ولكِنْ لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا فالمؤمن المداري منافق وهو ناج فاعل خير فإنه إذا انفرد مع أحد الوجهين أظهر له الاتحاد به ولم يتعرض إلى ذكر الوجه الآخر الذي ليس بحاضر معه فإذا انقلب إلى الوجه الآخر كان معه أيضا بهذه المثابة والباطن في الحالتين مع الله فإن المقام الإلهي هذه صورته فإنه لعباده بالصورتين فنزه نفسه وشبه فالمؤمن الكامل بهذه المثابة وهذا عين الكمال فاحذر من الزيادة على ما ذكرته لك وكن متخلقا بأخلاق الله وقد قال تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ممتنا عليه فَبِما رَحْمَةٍ من الله لِنْتَ لَهُمْ واللين خفض الجناح والمداراة والسياسة أ لا ترى إلى الحق تعالى يرزق الكافر على كفره ويمهل له في المؤاخذة عليه وقال عز وجل لموسى وهارون في حق فرعون فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً وهذه عين المداراة فإنه يتخيل في ذلك إنك معه ومن هذا المقام لما ذقته واتحدت به اتفق لي أني صحبت الملوك والسلاطين وما قضيت لأحد من خلق الله عند واحد منهم حاجة إلا من هذا المقام وما زدني أحد من الملوك في حاجة التمستها منه لأحد من خلق الله وذلك أني كنت إذا أردت أن أقضي عنده حاجة أحد أبسط له بساطا استدرجه فيه حتى يكون الملك هو الذي يسأل ويطلب قضاء تلك الحاجة مسارعا على الفور بطيب نفس وحرص لما يرى له فيها من المنفعة فكنت أقضي للسلطان حاجة بأن أقبل منه قضاء حاجة ذلك الإنسان ولقد كلمت الملك الظاهر بأمر الله صاحب حلب في حوائج كثيرة فقضى لي في يوم واحد مائة حاجة وثمان عشرة حاجة للناس ولو كان عندي في ذلك اليوم أكثر من هذا قضاء طيب النفس راغبا وإذا حصل للإنسان هذه القوة انتفع به الناس عند الملوك فما في العالم أمر مذموم على الإطلاق ولا محمود على الإطلاق فإن الوجوه وقرائن الأحوال تقيده فإن الأصل التقييد لا الإطلاق فإن الوجود مقيد بالضرورة ولذلك يدل الدليل على إن كل ما دخل في الوجود فإنه متناه فالإطلاق الصحيح إنما يرجع لمن في قوته إن يتقيد بكل صورة ولا يطرأ عليه ضرر من ذلك التقييد وليس هذا إلا لمن تحقق بالمداراة وهو الإمعة والله عز وجل يقول وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فهي أشرف الحالات لمن عرف ميزانها وتحقق بها وهو واحد وأين ذلك الواحد

إلا إن النفاق هو النفاق *** إليه إذا تحققت المساق‏

فكن فيه تكن بالحق صرفا *** وتحمده إذ شد الوثاق‏

إذا ما كنت معتمد الشي‏ء *** فأنت له إذا فكرت ساق‏

على العمد الذي قد غاب عنا *** إذا ما كنت تعتمد الطباق‏

فكن ذاك العماد تكن إماما *** فيظهر عندك الدين الوفاق‏

فتدبر القرآن من كونه فرقانا وقرآنا فللقرآن موطن وللفرقان موطن فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن والمواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بصدق وقد نصحتك فاعمل والله الموفق قلنا وفي هذا المنزل من العلوم علم دقيق خفي لا يشعر به لخفائه مع ظهوره فإن العلماء بالله قد علموا شمول الرحمة

والمؤمنون قد علموا اتساعها ثم يرونها مع الشمول والاتساع ما لها صورة في بعض المواطن ومع كونها ما لها صورة ظاهرة في بعض المواطن فإن الحكم لها في ذلك الموطن الذي ما لها فيه صورة ولا يكون لها حكم إلا بوجودها ولكن هو خفي لبطونها جلي لظهور حكمها وأكثر ما يظهر ذلك في صنعة الطب وإقامة الحدود فالله يقول في إقامة الحدود في حد الزاني والزانية ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ الله فهذا عين انتزاع الرحمة بهم وإقامة الحدود من حكم الرحمة وما لها عين ظاهرة وكالطب إذا قطع الطبيب رجل صاحب الأكلة فإن رحمه في هذا الموطن ولم بقطع رجله هلك فحكم الرحمة حكم بقطع رجله ولا عين لها فللرحمة موطن تظهر فيه بصورتها ولها موطن تظهر فيه بحكمها فيتخيل أنها قد انتزعت من ذلك المحل وليس كذلك وفي الأحكام الشرعية في هذه المسألة خفاء إلا لمن نور الله بصيرته فإن القاتل ظلما قد نزع الله الرحمة من قلبه في حق المقتول وهو تحت حكم الرحمة في قتله ظلما وبقي حكمها في القاتل فأما إن يقاد منه وإما أن يموت فيكون في المشيئة وإن كان القائل كافرا فأما إن يسلم فتظهر فيه الرحمة بصورتها وحيثما كانت الرحمة بالصورة كانت بالحكم وقد تكون بالحكم ولا تكون بالصورة وفيه علم غريب وهو علم تقييد الحق بانتزاح الكون عنه مع كونه في قبضته وتحت سلطانه وملكه وفيه علم السياسة في الدعوة إلى الله فإن صورتها من الداعي تختلف باختلاف صورة المدعو فثم دعاء بصفة غلظة وقهر وثم دعاء بصفة لين وعطف وفيه علم عموم العهد الإلهي الذي أخذه على بنى آدم وفيه علم الجولان في الملكوت حسا وخيالا وعقلا بثلث النشأة الإلهية فإن النشأة الإنسانية لما أنشئت ممتزجة من الأخلاط أشبهت السنة في فصولها وليس كمال الزمان إلا بفصول السنة ثم يعود الدور فالإنسان من حيث أخلاطه سنة فهو عين الدهر الذي هو الزمان فله جولان في الملكوت بأحد ثلاثة أمور أو بكلها أو ببعضها فأما أن يجول بحسه وهو الكشف وإما أن يجول بعقله وهو حال فكره وتفكره وإما أن يجول بخياله والسنة اثنا عشر شهرا فلكل حقيقة من هذه النشأة المشبهة بالسنة ثلث السنة فلها التثليث في التربيع ولها التربيع في التثليث فأما تثليثها في التربيع فهو ما ذكرناه من تقسيمها على ثلاثة من حس وخيال وعقل في تربيع أخلاطها وأما تربيعها في التثليث فإن حكم الأخلاط بكمالها في كل قسم من الأقسام الثلاثة وهي أربعة فلتربيعها حكم في الحس وحكم في الخيال وحكم في العقل ولا يشعر بذلك إلا أهل الحضور الناظرون الآيات في أنفسهم وفيه علم جهل الإنسان عند مسابقته لله وحجتنا

قوله تعالى بادرني عبدي نفسه فيمن قتل نفسه‏

والقول بهذا السياق هو قول أهل النظر في التشبه بالإله جهد الطاقة وأن ذلك إذا وجد هو الكمال وهذا عندنا هو عين الجهل أن يسابق الحق فيما هو له بما هو لي فإنه من المحال أن تسابقه بما هو له فإن الشي‏ء لا يسابق نفسه ومن المحال أن تسابقه بما هو لي فإنه ما ثم غاية يسابق إليها فيكون عمل في غير معمل وطمع في غير مطمع ومن كان في هذه الحال فلا خفاء بجهله لو عقل نفسه وفيه علم الإعلام الإلهي في المادة الإلهية بما ذا يكون وما ذا يقع في إسماع السامعين من ذلك الإعلام هل يقع في كل سمع على حد واحد أو يختلف تعلق السمع عند ذلك الإعلام وفيه علم المعاملة مع الخلق على اختلاف أصنافهم بما يسرهم منك لا بما يسوءهم وهو علم عزيز صعب التناول ودقيق الوزن مجهول الميزان يحتاج صاحبه إلى كشف وحينئذ يحصل له وفيه علم ما حكم أصحاب الآجال إذا انتهت آجالهم هل يؤخرون بعد ذلك الانتهاء إلى أجل مسمى أو لا يكون لهم أجل أيضا ينتهون إليه وفيه علم ما يمكن أن يصح من الشروط وما لا يمكن أن يصح منها وفيه علم إعطاء الأمان ولمن ينبغي أن يعطي فلا بد من علم الأحوال لهذا المتحكم وفيه علم تنوع الناس في أخلاقهم وما هو المحمود من ذلك وما هو المذموم منها وفيه علم علم الملائكة بالله الذي لا يعلمه أحد من البشر حتى يتجرد عن بشريته ويتجرد عن حكم ما فيه للطبيعة من حيث نشأته حتى يبقى بما فيه إلا الروح المنفوخ فحينئذ يتخلص إلى العلم بالله من حيث تعلمه الملائكة فيقوم في عبادته ربه مقام الملائكة في عبادتهم لله وهي العلامة فيمن ادعى أنه يعلم الله بصورة ما تعلمه الملائكة فمن ادعى ذلك من غير هذه العلامة فدعواه زور وبهتان فإن للملائكة علما بالله تعالى يعم الصنف وعلما خالصا لكل ملك بالله لا يكون لغيره فنحن ما نطالبه في دعواه إلا بالعلم العام وهذه العلامة معلومة عندنا ذوقا لا نذكرها لأحد لئلا يظهر بها في وقت وهو

كاذب في دعواه غير متحقق فلهذا أمرنا وأمثالنا بستر هذا وأمثاله وفيه علم دلالات العلماء بالله على طبقاتهم فإنهم على طبقات في العلم بالله تعالى وفيه علم إزالة العلل وأمراض النفوس وفيه علم آداب الدخول على الله وفيه علم صفات من يدعي أنه جليس الله جلوس شهود لا جلوس ذكر فإن الذاكرين أيضا جلساء الله وهم على الحقيقة جلساء الله من حيث الاسم الذي يذكرونه به وهذه مسألة لا يعرفها كثير من الناس وفيه علم ما تعطيه رحمة الرضاء ورحمة الفضل وأنواع الرحموتيات وفيه علم إقامة النعيم هل لذلك النعيم الدوام أو يتخلله حال لا نعيم فيه ولا غير ذلك وفيه علم تفاصيل الأجور عند الله عز وجل وبما ذا تتميز وفيه علم الحب الإلهي المندرج في كل حب وما مقام من شاهد ذلك وعلمه وهل يستوي من لا علم له بذلك مع العالم به أم لا وفيه علم المعتمدات وما يجب منها وما لا يجب وفيه علم السكائن جمع سكينة هل يجمعها أمر واحد كالإنسانية في أشخاصها أو هي متنوعة كل سكينة من نوع ليس هو عين السكينة الأخرى وفيه علم تنوع الرجوع الإلهي لتنوع حال المرجوع إليه أيضا وفيه علم درجات الأغنياء بالله في غناهم بالله جل ثناؤه وفيه علم ما السبب الموجب للطبيعة أن تستخبث وتتقذر وما يكون منها وهي عينه وهل لها في العلم الإلهي أصل ترجع إليه مثل ما يذم من أفعال العباد وسفساف الأخلاق مع العلم بأن ذلك صورة من الصور التي تكون مجلى وفيه علم من العلوم الإلهية في تفضيل بعض النسب الإلهية على بعض وإن رفع العالم بعضه على بعض ينتج من هذا الأصل فإنه من المحال أن يكون في العالم شي‏ء ليس له مستند إلى أمر إلهي يكون نعتا للحق تعالى كان ما كان وفيه علم ما ينبغي أن يضاف إلى الله وما لا ينبغي أن يضاف وفيه علم سريان الربوبية في العالم حتى عبد من عبد من دون الله تعالى وفيه علم ما ينبغي أن يدخر من العلوم وما ينبغي أن لا يفشي وما ينبغي أن لا يدخر وما ينبغي أن يفشي وفيه علم ما اصطفاه الله من الزمان من ساعاته وأيامه ولياليه وشهوره وهو علم تفاضل الدهر في نفسه وما أصل الدهر وما السبب لتسمية الله باسم الدهر وهو اسم أزلي له ولا دهر وهل سمي الزمان دهر الأجل هذا الاسم أو تسمى الله بهذا الاسم لعلمه أنه يخلق أمرا يقال له الدهر فإنه لم يزل خالقا ولا يزال خالقا وهل ينتهي حكم الزمان في العالم أو لا ينتهي وما حظ حركات الأفلاك من الزمان وفيه علم من دعي إلى سعادته فتلكأ عن الإجابة مع علمه بأنه دعي إلى حق وفيه علم أسباب النصر الإلهي وفيه علم محبة الحق وفيه علم ما السبب الداعي إلى المباهت مع علمه أنه مباهت مع علمه أنه مسئول عن ذلك والغلبة للاقوى وللحق القوة والهوى يغالبه وقد يظهر عليه فهل ظهوره عليه بما له نصيب من الحق فلا يظهر على الحق إلا الحق وفيه علم ابتلاء الإمام أصحابه لإقامة الحجة عليهم لا يستفيد علما بذلك وفيه علم ما يقال عند كل حال يتقلب على العبد أو يتقلب العبد فيه وفيه علم الدوائر المهلكة ما هي وأسبابها الموجبة لآثارها في الكون وفيه علم ما السبب الذي يمنع من قبول العمل الخالص حتى يعمل العامل في غير معمل وفيه علم قسمة النعم على العباد وهي في أيدي العباد وما لهم منها سوى الاختزان في نفس الأمر وهم مسئولون عنها وفيه علم الإصغاء لكل قائل وما فائدته إذا لم يؤثر في السامع فإن كان سريع الانفعال لما يسمع فيجب عليه عقلا إن لا يصغي لقائل شر وفيه علم اختلاف الأسماء على الله عند الطوائف والمقصود واحد وفيه علم ما السبب في معاداة أشخاص النوع الواحد وموالاة الأنواع وإن عمها جنس واحد وفيه علم القدر وما مستنده من النعت الإلهي وهل هو عين الاستدراج أو غيره وفيه علم أسباب الطرد الإلهي والكل في قبضته فممن يكون الطرد وإلى أين وما معنى‏

قولهم البعد من الله وفيه علم إنزال المنازل في القوالب لأي معنى تنزل في الصور ولا تنزل معاني كما هي في نفس الأمر وفيه علم أسباب رفع الحرج في حق من ارتفع عنه فإنه محال رفعه عن العالم إذ لو ارتفع لزال العالم عن درجة الكمال وهو كامل بالمرتبة وإن قبل الزيادة بأشخاص الأنواع فلا يتصف بالنقص من أجلها وفيه علم ما لا يكفر من الايمان المعقودة إذا حنث صاحبها في صورة الأمر وهي مسألة ينكرها الفقهاء ويفتون بخلافها وفيه علم ما يعد من مذام الأخلاق وهو من مكارمها عند الله وفيه علم مخالفة الحق عبده المقرب فيما يريده منه مثل قوله تعالى إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ وأمثاله وفيه علم حكم من خرج عن الجماعة أو أخرج يدا من طاعة إمام بعد عقد بيعته وثبوتها وفيه علم السابق‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!