The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الرؤية والرؤية وسوابق الأشياء فى الحضرة الربية وأن للكفار قدما كما أن للمؤمنين قدما وقدوم كل طائفة على قدمها وآتية بإمامها عدلا وفضلا من الحضرة المحمدية

وفيه علم سبب إدخال الآلام واللذات على الحيوان الطبيعي وعين ما يتألم به حيوان يلتذ به حيوان آخر وفيه علم تأثير الأضعف في الأقوى وأصل ذلك من تأثير النسب في الموجودات وهي أمور عدمية بل لا مؤثر إلا هي وفيه علم من يعلم أنه لا يخبر إلا عن الله ويؤاخذ بما نسب ويهلك وآخر يخبر عن نفسه وينجو وآخر يخبر عن الله وينجو فالهالك من يخبر عن عقد والناجي من يخبر عن ذوق فأهل الأذواق أهل الله والخاصة من أوليائه وفيه علم الانقياد المنجي والانقياد المهلك وفيه علم أشكال العالم وتشكله والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الرابع والسبعون وثلاثمائة» في معرفة منزل الرؤية

والرؤية وسوابق الأشياء في الحضرة الربية وأن للكفار قدما كما إن للمؤمنين قدما وقدوم كل طائفة على قدمها وآتية بإمامها عدلا وفضلا من الحضرة المحمدية

من كان في ظلمة الأكوان كان له *** حكم العناية دون الخلق أجمعه‏

ونال كشف غطاء الحس من كتب *** وأبصر الكل مفتوحا بموضعه‏

يجري على السنة البيضاء سيرته *** يشاهد الحق مربوطا بمهيعه‏

[إن الله تعالى جعل العرش محل أحدية الكلمة]

اعلم أيدك الله بالشهود وجعلك من أهل الجمع والوجود إن الله تعالى لما جعل العرش محل أحدية الكلمة وهو الرحمن لا غيره وخلق الكرسي فانقسمت فيه الكلمة إلى أمرين ليخلق من كل شي‏ء زوجين ليكون أحد الزوجين متصفا بالعلو والآخر بالسفل الواحد بالفعل والآخر بالانفعال فظهرت الشفيعة من الكرسي بالفعل وكانت في الكلمة الواحدة بالقوة ليعلم أن الموجود الأول أنه وإن كان واحد العين من حيث ذاته فإن له حكم نسبة إلى ما ظهر من العالم عنه فهو ذات وجودية ونسبة فهذا أصل شفيعة العالم ولا بد من رابط معقول بين الذات والنسبة حتى تقبل الذات هذه النسبة فظهرت الفردية بمعقولية الرابط فكانت الثلاثة أول الأفراد ولا رابع في الأصل فالثلاثة أول الأفراد في العدد إلى ما لا يتناهى والشفيعة المعبر عنها بالاثنين أول الأزواج إلى ما لا يتناهى في العدد فما من شفع إلا ويوتره واحد يكون بذلك فردية ذلك الشفع وما من فرد إلا ويشفعه واحد يكون به شفعية ذلك الفرد فالأمر الذي يشفع الفرد ويفرد الشفع هو الغني الذي له الحكم ولا يحكم عليه ولا يفتقر ويفتقر إليه فتدلت إلى الكرسي القدمان لما انقسمت فيه الكلمة الرحمانية فإن الكرسي نفسه به ظهرت قسمة الكلمة لأنه الثاني بعد العرش المحيط من صور الأجسام الظاهرة في الجوهر الأصل وهما شكلان في الجسم الكل الطبيعي فتدلت إليه القدمان فاستقرت كل قدم في مكان ليس هو المكان الذي استقرت فيه الأخرى وهو منتهى استقرارهما فسمى المكان الواحد جهنما والآخر جنة وليس بعدهما مكان تنتقل إليه هاتان القدمان فهاتان القدمان لا يستمدان إلا من الأصل الذي منه ظهرت وهو الرحمن فلا

يعطيان إلا الرحمة فإن النهاية ترجع إلى الأصل بالحكم غير أنه بين البدء والنهاية طريق ميز ذلك الطريق بين البداية والغاية ولو لا تلك الطريق ما كان بدء ولا غاية فكان سفرا للأمر النازل بينهن والسفر مظنة التعب والشقاء فهذا سبب ظهور ما ظهر في العالم دنيا وآخرة وبرزخا من الشقاء وعند انتهاء الاستقرار يلقى عصا التسيار وتقع الراحة في دار القرار والبوار فإن قلت فكان ينبغي عند الحلول في الدار الواحدة المسماة نارا أن توجد الراحة وليس الأمر كذلك قلنا صدقت ولكن فإنك نظر وذلك أن المسافرين على نوعين مسافر يكون سفره كإقامة بما هو فيه من الترفه من كونه مخدوما حاصلة له جميع أغراضه في محفة محمول على أعناق الرجال محفوظ من تغير الأهواء فهذا مثله في الوصول إلى المنزل مثل أهل الجنة في الجنة ومسافر يقطع الطريق على قدميه قليل الزاد ضعيف المؤنة إذا وصل إلى المنزل بقيت معه بقية التعب والمشقة زمانا حتى تذهب عنه ثم يجد الراحة فهذا مثل من يتعذب ويشقى في النار التي هي منزله ثم تعمه الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ومسافر بينهما ليست له رفاهية صاحب الجنة ولا شظف صاحب النار فهو بين راحة وتعب فهي الطائفة التي تخرج من النار بشفاعة الشافعين وبإخراج أرحم الراحمين وهم على طبقات فلذلك يكون فيهم المتقدم والمتأخر بقدر ما يبقى معهم من التعب فيزول في النار شيئا بعد شي‏ء فإذا انتهت مدته خرج إلى محل الراحة وهو الجنة إما بشفاعة شافع وإما بالإخراج العام وهو إخراج أرحم الراحمين فالأنبياء والمؤمنون يشفعون في أهل الايمان وأهل الايمان طائفتان منهم المؤمن عن نظر وتحصيل‏

دليل وهم الذين علموا الآيات والدلالات والمعجزات وهؤلاء هم الذين يشفع فيهم النبيون ومنهم المؤمن تقليدا بما أعطاه أبواه إذ ربياه أو أهل الدار التي نشأ فيها فهذا النوع يشفع فيهم المؤمنون كما أنهم أعطوهم الايمان في الدنيا بالتربية وأما الملائكة فتشفع فيمن كان على مكارم الأخلاق في الدنيا وإن لم يكن مؤمنا وما ثم شافع رابع وبقي من يخرجه أرحم الراحمين وهم الذين ما عملوا خيرا قط لا من جهة الايمان ولا بإتيان مكارم الأخلاق غير إن العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل تلك الدار وبقي أهل هذه الدار الأخرى فيها فغلقت أبواب الدار وأطبقت ووقع الياس من الخروج فحينئذ تعم الرحمة أهلها لأنهم قد يئسوا من الخروج منها فإنهم كانوا يخافون منها الخروج لما رأوا إخراج أرحم الراحمين وهم قد جعلهم الله على مزاج بصلح لساكن تلك الدار ويتضرر بالخروج منها كما قد بيناه فلما يئسوا فرحوا فنعيمهم هذا القدر وهو أول نعيم يجدونه وحالهم فيها كما قدمناه بعد فراغ مدة الشقاء فيستعذبون العذاب فتزول الآلام ويبقى العذاب ولهذا سمي عذابا لأن المال إلى استعذابه لمن قام به كما يستحلي الجرب من يحكه فإذا حكه من غير جرب أو غير حاجة من يبوسة تطرأ على بعض بدنه تألم بالحك هكذا الأمر يقتضيه حال المزاج الذي يعرض للإنسان فافهم نعيم كل دار تسعد إن شاء الله تعالى أ لا ترى إلى صدق ما قلناه إن النار لا تزال متالمة لما فيها من النقص وعدم الامتلاء حتى يضع الجبار فيها قدمه وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي والقدم الأخرى التي مستقرها الجنة قوله وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ فالاسم الرب مع هؤلاء والجبار مع الآخرين لأنها دار جلال وجبروت وهيبة والجنة دار جمال وأنس وتنزل إلهي لطيف فقدم الصدق إحدى قدمي الكرسي وهما قبضتان الواحدة للنار ولا يبالي والأخرى للجنة ولا يبالي لأنهما في المال إلى الرحمة فلذلك لا يبالي فيهما ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة ما وقع الأخذ بالجرائم ولا وصف الله نفسه بالغضب ولا كان البطش الشديد فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ وقال في أهل الشقاء أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً فلو لا المبالاة ما ظهر هذا الحكم فللأمور والأحكام مواطن إذا عرفها أهلها لم يتعد بكل حكم موطنه وبهذا يعرف العالم من غير العالم فالعالم لا يزال يتأدب مع الله ويعامله في كل موطن بما يريد الحق أن يعامله به في ذلك الموطن ومن لا يعلم ليس كذلك فبالقدمين أغنى وأفقر وبهما أمات وأحيا وبهما أهل وأقفر وبهما خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والْأُنْثى‏ وبهما أذل وأعز وأعطى ومنع وأضر ونفع ولولاهما ما وقع شي‏ء في العالم مما وقع ولولاهما ما ظهر في العالم شرك فإن القدمين اشتركتا في الحكم في العالم فلكل واحدة منهما دار تحكم فيها وأهل تحكم فيهم بما شاء الله من الحكم وقد أومأنا إليه وإلى تفاصيله فإن الأحكام كالحدود تتغير بتغير الموجب لها فالمحدود في الافتراء يحد بحد لا يقام فيه إذا قتل بل يتولاه حد آخر خلاف هذا والمفتري هو القاتل عينه فتغيرت الحدود عليه لتغير الموجب لها فافهم فكذلك أحوال الأحكام الإلهية تتغير لتغير المواطن فالعناية الكبرى التي لله بالعالم كون استواءه على العرش المحيط بالعالم باسمه الرحمن وإليه يرجع الأمر كله ولذلك هو أرحم الراحمين لأن الرحماء في العالم لو لا رحمته ما كانوا رحماء فرحمته أسبق ولما كانت القدمان عبارة عن تقابل الأسماء الإلهية مثل الأول والآخر والظاهر والباطن ومثل ذلك ظهر عنها في العالم حكم ذلك في عالم الغيب والشهادة والجلال والجمال والقرب والبعد والهيبة والأنس والجمع والفرق والستر والتجلي والغيبة والحضور والقبض والبسط والدنيا والآخرة والجنة والنار كما إن بالواحد كان لكل معلوم أحدية يمتاز بها من غيره كما إن عن الفردية وهي الثلاثة ظهر حكم الطرفين والواسطة وهي البرزخ والشي‏ء

الذي هو بينهما كالحار والبارد والفاتر وعن الفردية ظهرت الأفراد وعن الاثنين ظهرت الأشفاع ولا يخلو كل عدد أن يكون شفعا أو وترا إلى ما لا يتناهى التضعيف فيه والواحد يضعفه أبدا فبقوة الواحد ظهر ما ظهر من الحكم في العدد والحكم لله الواحد القهار فلو لا أنه سمي بالمتقابلين ما تسمى بالقهار لأنه من المحال أن يقاومه مخلوق أصلا فإذا ما هو قهار إلا من حيث إنه تسمى بالمتقابلين فلا يقاومه غيره فهو المعز المذل فيقع بين الاسمين حكم القاهر والمقهور بظهور أحد الحكمين في المحل فلذلك هو الواحد من حيث إنه يسمى القهار من حيث أنه يسمى بالمتقابلين ولا بد من نفوذ حكم أحد الاسمين فالنافذ الحكم هو القاهر

والقهار من حيث إن أسماء التقابل له كثيرة كما ذكرناها من المحيي والمميت والضار والنافع وما أشبه ذلك ومن هاتين القدمين ظهر في النبوة المبعوث وغير المبعوث وفي المؤمنين المؤمن عن نظر وعن غير نظر فحكمهما سار في العالم فقد بان لك الأمر فلا ينهتك الستر كما يحكمك الشفع كذا يحكمك الوتر وأما معرفة الحجاب والرؤية وهما من أحكام القدمين وإن كان حكم الرؤية باقيا إلا أن متعلقها الحجاب فهي ترى الحجاب فما زال حكمها فما ثم قاهر لها ولا مضاد إلا أن الرائي له عرض في متعلق خاص إذا لم تتعلق رؤيته به هناك يظهر حكم الحجاب فالغرض هو المقهور لا الرؤية فمن أراد أن يزول عنه حكم القهر فليصحب الله بلا غرض ولا تشوف بل ينظر كل ما وقع في العالم وفي نفسه يجعله كالمراد له فيلتذ به ويتلقاه بالقبول والبشر والرضي فلا يزال من هذه حاله مقيما في النعيم الدائم لا يتصف بالذلة ولا بأنه مقهور فتدركه الآلام لذلك وعزيز صاحب هذا المقام وما رأيت له ذائقا لأنه يجهل الطريق إليه فإن الإنسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر ما وإذا كانت حقيقة الإنسان ظهور الطلب فيه فليجعل متعلق طلبه مجهولا غير معين إلا من جهة واحدة وهو أن يكون متعلق طلبه ما يحدثه الله في العالم في نفسه أو في غيره فما وقعت عليه عينه أو تعلق به سمعه أو وجده في نفسه أو عامله به أحد فليكن ذلك عين مطلوبه المجهول قد عينه له الوقوع فيكون قد وفي حقيقة كونه طالبا وتحصل له اللذة بكل واقع منه أو فيه أو من غيره أو في غيره فإن اقتضى ذلك الواقع التغيير له تغير لطلب الحق منه التغير وهو طالب الواقع والتغير هو الواقع وليس بمقهور فيه بل هو ملتذ في تغييره كما هو ملتذ في الموت للتغير وما ثم طريق إلى تحصيل هذا المقام إلا ما ذكرناه فلا نقل كما قال من جهل الأمر فطلب المحال فقال أريد أن لا أريد وإنما الطلب الصحيح الذي تعطيه حقيقة الإنسان أن يقول أريد ما تريد وأما طريقتها في العموم فسهل على أهل الله وذلك أن الإنسان لا يخلو من حالة يكون عليها ويقوم فيها عن إرادة منه وعن كره بأن يقام فيها من غير إرادة ولا بد أن يحكم لتلك الحال حكم شرعي يتعلق بها فيقف عند حكم الشرع فيريد ما أراده الشرع فيتصف بالإرادة لما أراد الشرع خاصة فلا يبقى له غرض في مراد معين وكذلك من قال إن العبد ينبغي أن يكون مع الله بغير إرادة لا يصح وإنما يصح لو قال إن العبد من يكون متعلق إرادته ما يريد الحق به إذ لا يخلو عن إرادة فمن طلب رؤية الحق عن أمر الحق فهو عبد ممتثل أمر سيده ومن طلب رؤية الحق عن غير أمر الحق فلا بد أن يتألم إذا لم يقع له وجدان لما تعلقت به إرادته فهو الجاني على نفسه فإن خالق الأشياء والمرادات والحوادث يحكم ولا يحكم عليه فليكن العبد معه على ما يريده فإنه يجوز بهذا الراحة المعجلة في الدنيا وقد ورد في الأخبار الإلهية يا عبدي أريد وتريد ولا يكون إلا ما أريد فهذا تنبيه على دواء إذا استعمله الإنسان زال عنه الألم الذي ذكرناه ولذلك‏

ورد في الإلهيات عن كعب الأحبار أن الله تعالى يقول يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك وهو موضع إرادة العبد وأنت محمود وإن لم ترض بما قسمت لك سلطت عليك الدنيا حتى تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم وعزتي وجلالي لا تنال منها إلا ما قدرت لك وأنت مذموم‏

وهذا أيضا دواء وأما قوله تعالى وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله فهو عزاء أفاد علما ليثبت به العبد في القيامة حكما فهو تلقين حجة ورحمة من الله وفضل‏

[الطلب سعاية والرؤية امتنان‏]

واعلم أنه كل ما ينال بسعاية فليس فيه امتنان والطلب سعاية والرؤية امتنان فلا يصح أن يطلب فإذا وقع ما وقع من الرؤية عن طلب فليست هي الرؤية على الحقيقة الحاصلة عن الطلب فإن مطلوبه من المرئي أن يراه إنما هو أن يراه على ما هو له وهو لا يتجلى له إلا في صورة علمه به لأنه إن لم يكن كذلك أنكره فما تجلى له إلا في غير ما طلب فكانت الرؤية إحسانا فإنه ما جاءه عين ما طلب وهو يتخيل أن ذلك عين ما طلب وليس هو فإذا وقع له الالتذاذ بما رآه وتخيل أنه مطلوبه تجلى له بعد ذلك من غير طلب فكان ذلك التجلي أيضا امتنانا إلهيا أعطاه من العلم به ما لم يكن عنده ولا خطر على باله فإذا فهمت ما ذكرته لك علمت أن رؤية الله لا تكون بطلب ولا تنال جزاء كما تنال النعم بالجنان وهذه مسألة ما في علمي أن أحدا نبه عليها من خلق الله إلا الله مع أن رجال الله يعلمونها وما نبهوا عليها لتخيلهم إن هذه المسألة قريبة المأخذ سهلة المتناول أو وقوعها من المحال لا بد من أحد الحكمين فإن الله ما سوى بين الخلق في العلم به فلا بد من التفاضل في ذلك بين عباد الله فإن المعتزلي يمنع الرؤية والأشعري يجوزها عقلا

ويثبتها شرعا في مقتضى نظره والفيلسوف ينفيها عقلا إذ لا قدم له في الشرع والايمان وأهل الله يثبتونها كشفا وذوقا ولو كان قبل الكشف ما كان فإن الكشف يرده لما أعطاه ما يبقيه على ما كان عليه إلا إن كان ممن يقول بما جاء به أهل الكشف فإنه لا يتغير عليه الحال إلا بقدر ما بين العلم ورؤية المعلوم واعلم أن الله من حيث نفسه له أحدية الأحد ومن حيث أسماؤه له أحدية الكثرة

إِنَّمَا الله إِلهٌ واحِدٌ *** ودليلي قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ

فإذا ما تهت في أسمائه *** فاعلم أن التيه من أجل العدد

يرجع الكل إليه كلما *** قرأ القارئ الله الصَّمَدُ

لَمْ يَلِدْ حقا ولَمْ يُولَدْ ولم *** يكن كفوا للاله من أحد

فيحار العقل فيه عند ما *** يغلب الوهم عليه بالمدد

ثم يأتيه مشدا أزل *** جاء في الشرع ويتلوه أبد

وبنا كان له الحكم به *** فإذا زلنا فكون ينفرد

وهذا هو السبب الموجب لطلب تجليه تعالى في الصور المختلفة وتحوله فيها لاختلاف المعتقدات في العالم إلى هذه الكثرة فكان أصل اختلاف المعتقدات في العالم هذه الكثرة في العين الواحدة ولهذا وقع الإنكار من أهل الموقف عند ظهوره وقوله أَنَا رَبُّكُمْ فلو تجلى لهم في الصورة التي أخذ عليهم الميثاق فيها ما أنكره أحد فبعد وقوع الإنكار تحول لهم في الصورة التي أخذ عليهم فيها الميثاق فأقروا به لأنهم عرفوه ولهم إدلال إقرارهم وأما تجليه تعالى في الكثيب للرؤية فهنالك يتجلى في صور الاعتقادات لاختلافهم في ذلك في مراتبهم ولم يختلف في أخذ الميثاق فذلك هو التجلي العالم للكثرة وتجلى الكثيب هو التجلي العام في الكثرة والتجلي الذي يكون من الله لعبده وهو في ملكه هو التجلي الخاص الواحد للواحد فرؤيتنا إياه في يوم المواقف في القيامة يخالف رؤيتنا إياه في أخذ الميثاق ويخالف رؤيتنا إياه في الكثيب ويخالف رؤيتنا إياه ونحن في ملكنا وفي قصورنا وأهلينا فمنه كان الخلاف الذي حكم علينا به في القرآن العزيز في قوله تعالى ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ وقوله إِلَّا من رَحِمَ رَبُّكَ فهم الذين عرفوه في الاختلاف فلم ينكروه فهم الذين أطلعهم الله على أحدية الكثرة وهؤلاء هم أهل الله وخاصته فقد خالف المرحومون بهذا الأمر الذي اختصهم الله به من سواهم من الطوائف فدخلوا بهذا النعت في حكم قوله ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ لأنهم خالفوا أولئك وخالفهم أولئك فما أعطانا الاستثناء إلا ما ذكرناه فكان سبحانه أول مسألة خلاف ظهر في العالم لأن كل موجود في العالم أول ما ينظر في سبب وجوده لأنه يعلم في نفسه أنه لم يكن ثم كان بحدوثه لنفسه واختلفت فطرهم في ذلك فاختلفوا في السبب الموجب لظهورهم ما هو فلذلك كان الحق أول مسألة خلاف في العالم ولما كان أصل الخلاف في العالم في المعتقدات وكان السبب أيضا وجود كل شي‏ء من العالم على مزاج لا يكون للشي‏ء الآخر لهذا كان مال الجميع إلى الرحمة لأنه خلقهم وأظهرهم في العماء وهو نفس الرحمن فهم كالحروف في نفس المتكلم في المخارج وهي مختلفة كذلك اختلف العالم في المزاج والاعتقاد مع أحديته أنه عالم محدث أ لا تراه قد تسمى بالمدبر المفصل فقال عز وجل يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ وكل ما ذكرناه آنفا هو تفصيل الآيات فيه وفينا ودلالة عليه وعلينا وكذلك نحن أدلة عليه وعلينا فإن أعظم الدلالات وأوضحها دلالة الشي‏ء على نفسه والتدبر من الله عين التفكر في المفكرين منافيا لتدبر تميز العالم بعضه من بعض ومن الله وبالتفكر عرف العالم ذلك ودليله الذي فكر فيه هو عين ما شاهده من نفسه ومن غيره سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أن ذلك المرئي هو الحق‏

إن التدبر مثل الفكر في الحدث *** وفي المهيمن تدبير بلا نظر

فأخلص الفكر إن الفكر مهلكة *** به يفرق بين الله والبشر

فتحقق ما أوردناه في هذا الباب وما أبان الحق في هذا المنزل من علم الرؤية تنتفع بذلك في الدنيا إن كنت من‏

أهل الشهود والجمع والوجود وفي الآخرة وتنظيم في سلك من استثنى الله كقوله إِلَّا من رَحِمَ رَبُّكَ فإن فهم العامة فيه خلاف فهم خاصة الله وأهله وهم أهل الذكر لأنهم فهموه على مراد الله فيه أعطاهم ذلك الأهلية فثم عين تجمع وعين تفرق في عين واحدة سواء ذلك في جانب الحق أو جانب الخلق والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وفي هذا المنزل من العلوم علم أصناف الكتب المنزلة والعلم بكل واحد منها بحسب الاسم الدال عليه فمن هناك تعرف رتبة ذلك الكتاب وإن كان كل اسم لكتاب صالحا لكل كتاب لأنه اسم صفة فيه ولكن ما اختص بهذا الاسم وحده على التعيين إلا لكونه هو فيه أتم حكما من غيره من الأسماء

كقوله عليه السلام أقضاكم علي وأفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل‏

وقد ذكرنا الكتب وأسماءها في هذا الكتاب أعني طرفا من ذلك في منزل القرآن وفي كتاب مواقع النجوم في عضو اللسان فإن الله تعالى لما أشار إلينا في القرآن العزيز إلى ما أنزله علينا نارة أوقع الإشارة إلى عين الكتاب فقال ذلِكَ الْكِتابُ وتارة أشار إلى آياته وقال تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ فتارة ترك الإشارة وذكر الكتاب من غير إشارة ولكل حكم من هذه الأحكام فهم منا يخصه لا بد من ذلك وفيه علم الفرق بين السحر والمعجزة وفيه علم ما للناس عند الله من حيث ما قام بهم من الصفات فيعلم من ذلك منزلته من ربه فإن الله ينزل على عبده منه حيث أنزل العبد ربه من نفسه فالعبد أنزل نفسه من ربه فلا يلومن إلا نفسه إذا رأى منزلة غيره تفوق رفعة منزلته هذا هو الخسران المبين حيث كان متمكنا من ذلك فلم يفعل ولذلك كان يوم القيامة يقال فيه يَوْمُ التَّغابُنِ فإنه يوم كشف الغطاء وتتبين الأمور الواقعة في الدنيا ما أثمرت هنالك فيقول الكافر وهو الجاهل يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي لعلمه أنه كان متمكنا من ذلك فلم يفعل فعذابه ندمه وما غبن فيه نفسه أشد عليه من أسباب العذاب من خارج وهذا هو العذاب الأكبر وفيه علم الاستدلال على الله بما ذا يكون هل بالله أو بالعالم أو بما فيه من النسب وفيه علم فائدة اختلاف الأنوار حتى كان منها الكاشف ومنها المحرق وفيه علم مقادير الحركات الزمانية وحكم اسم الدهر عليها وهو اسم من أسماء الله تعالى وفيه علم اختلاف الآيات لاختلاف صفات الناظرين فيها وفيه علم ما يذم من الغفلة وما يحمد وفيه علم الأسباب الموجبة لما يؤول إليه من أثرت فيه في الآخرة وفيه علم ما تكلم به أول إنسان في نشئه وهو الحمد لله وهو آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فبدأ العالم بالثناء وختم بالثناء فأين الشقاء السرمد حاشا الله أن يسبق غضبه رحمته فهو الصادق أو يخصص اتساع رحمته بعد ما أعطاها مرتبة العموم حكاية في هذا اجتمع سهل بن عبد الله بإبليس فقال له إبليس في مناظرته إياه إن الله تعالى يقول ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وكل تعطي العموم وشي‏ء أنكر النكرات فإنا لا أقطع يأسي من رحمة الله قال سهل فبقيت حائرا ثم إني تنبهت في زعمي إلى تقييدها فقلت له يا إبليس إن الله قيدها بقوله فَسَأَكْتُبُها قال فقال لي يا سهل التقييد صفتك لا صفته فلم أجد جوابا له على ذلك وفيه علم ما يحمد من التأني والتثبط وما يذم وعلم ما يحمد من العجلة في الأمور وما يذم وفيه علم الرجوع إلى الله عن القهر إذا رجع مثله إليه بالإحسان وهل يستوي الرجوعان أم لا يستويان وهذه مسألة حار فيها أهل الله أعني في رجوع الاضطرار ورجوع الاختيار إذ كان في الاختيار رائحة ربوبية والاضطرار كله عبودية فهذا سبب الخلاف في أي الرجوعين أتم في حق الإنسان وفيه علم المحاضرات والمناظرات في مجالس العلماء بينهم وأن ذلك كله من محاضرات الأسماء الإلهية بعضها مع بعض ثم ظهر ذلك في الملإ الأعلى إذ يختصمون مع شغلهم بالله وأنهم عليه السلام في تسبيحهم لا يفترون ولا يسأمون فهل خصومتهم من تسبيحهم كما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يذكر الله على كل أحيانه مع كونه كان يتحدث مع الأعراب في مجالستهم ومع أهله فهل كل ذلك هو ذكر الله أم لا وأما اختلاف من خلق من الطبائع فغير منكور لأن الطبائع متضادة فكل أحد يدرك ذلك ولا ينكر المنازعة في عالم الطبيعة وينكر ونها فيما فوق الطبيعة وأما أهل الله فلا ينكرون النزاع في الوجود أصلا لعلمهم بالأسماء الإلهية وأنها على صورة العالم بل الله أوجد العالم على صورتها لأنها الأصل وفيها المقابل والمخالف والموافق والمساعد وفيه علم الفرق بين من كان معلمه الله ومن كان معلمه نظره الفكري ومن كان معلمه مخلوق مثله فأما صاحب‏

نظر فيلحق بمعلمه وأما صاحب إلقاء إلهي فيلحق بمعلمه ولا سيما في العلم الإلهي الذي لا يعلم في الحقيقة إلا بإعلامه فإنه يعز أن يدرك بالإعلام الإلهي فكيف بالنظر الفكري ولذلك نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عن التفكر في ذات الله وقد غفل الناس عن هذا القدر فما منهم من سلم من التفكر فيها والحكم عليها من حيث الفكر وليس لأبي حامد الغزالي عند نازلة بحمد الله أكبر من هذه فإنه تكلم في ذات الله من حيث النظر الفكري في المضنون به على غير أهله وفي غيره ولذلك أخطأ في كل ما قاله وما أصاب وجاء أبو حامد وأمثاله في ذلك بأقصى غايات الجهل وبأبلغ مناقضة لما أعلمنا الله به من ذلك واحتاجوا لما أعطاهم الفكر خلاف ما وقع به الإعلام الإلهي إلى تأويل بعيد لينصروا جانب الفكر على جانب إعلام الله عن نفسه ما ينبغي أن ينسب إليه وكيف ينبغي أن ينسب إليه تعالى فما رأيت أحدا وقف موقف أدب في ذلك إلا خاض فيه على عماية إلا القليل من أهل الله لما سمعوا ما جاءت به رسله صلوات الله عليهم فيما وصف به نفسه وكلوا علم ذلك إليه ولم يتأولوا حتى أعطاهم الله الفهم فيه بإعلام آخر أنزله في قلوبهم فكانت المسألة منه تعالى وشرحها منه تعالى فعرفوه به لا بنظرهم فالله يجعلنا من الأدباء الأمناء الأتقياء الأبرياء الأخفياء الذين اصطفاهم الحق لنفسه وخبأهم في خزائن العادات في أحوالهم وفيه علم قول المبلغ عن الله تعالى قولا بلغه عن الله لو قاله عن نفسه على مجرى العرف فيه لكان رادا على نفسه بما

ادعاه أنه جاء به من عند الله فلما قاله عن أمر الله عرف بالأمر الإلهي معنى ذلك وهو قول الإنسان إذا أمر بالخير أحدا من خلق الله من سلطان أو غيره فيجني عليه ذلك الأمر بالخير ممن أمره به ضرارا في نفسه إما نفسيا وإما حسيا أو المجموع فإن الراد له والضار عليه استهان بالله وهو أشد ما يمشي على الداعي إلى الله لأنه على بصيرة من الله فيما دعا إليه من الخير فيقول عند ذلك ليتني ما دعوته إلى شي‏ء من هذا لما طرأ عليه من الضرر في ذلك فهي مزلة العارفين إذا قالوا مثل ذلك فإن الله يقول وقُلِ الْحَقُّ من رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاءَ فَلْيَكْفُرْ فإذا قالها العبد عن أمر الله مثل قوله تعالى إذ قال لنبيه عليه السلام قُلْ فأمره لَوْ شاءَ الله ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولا أَدْراكُمْ به ولكنه شاء فتلوته عليكم وأدراكم به يقول فهمكم إياه فعلمتهم أنه الحق كما قال وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ فإذا قالها الوارث أو من قالها على هذا الحد فهو معرف معلم ما هو الأمر عليه ولهذا أمر الله بقول مثل هذا وكثير ما يقع من الناس العتب على أهل الله إذا أمروا بخير يعقبهم ذلك ضررا في أنفسهم محسوسا وذلك لا يقع من مؤمن ولا من قائل عن كشف فإن الرسول عليه السلام قيل له فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وقيل له بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وكذلك يجب على الوارث فكيف يصح منه الندم على فعل ما يجب عليه فعله لضرر قام به أو شفقة على من لم يسمع حيث زاد في شقائه لما أعلمه حين لم يصغ إلى ذلك وهذا كله حديث نفس والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فلا يصرفنك عن ذلك صارف ولقد رأيت قوما ممن يدعي أنه من أهل هذا الشأن إذا رد عليهم في وجوههم ما جاءوا به عن الحق انقبضوا وقالوا فضولنا أدانا إلى ذلك ولو شاء الله ما تكلمنا بشي‏ء من هذا مع مثال هؤلاء ونحن جنينا على أنفسنا وقد تبنا وما نرجع نقول مثل هذا القول عند أمثال هؤلاء ويظهرون الندم على ذلك وهذا كله جهل منهم بالأمر ودليل قاطع على أنه ليس بمخبر عن الله ولا أوصل شيئا من ذلك عن إذن إلهي في ذلك فإن المخبر عن الله لا يرى في باطنه إلا النور الساطع سواء قبل قوله أو رد أو أوذى والمتكلم عن نفسه وإن قال الحق أعقبه إذا رد عليه ندم وضيق وحرج في نفسه وجعل كلامه فضولا فرد الحق الواجب فضولا فهذا جهل على جهل فالنصيحة لعباد الله واجبة على كل مؤمن بالله ولا يبالي ما

يطرأ عليه من الذي ينصحه من الضرر فإن الله يقول في الورثة ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ من النَّاسِ وهذا القول عطف على قوله ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذكر ذلك في معرض الثناء عليهم وذم الذين لم يصغوا إلى ما بلغ الرسول ولا الوارث إليهم وأية فرحة أعظم ممن يفرح بثناء الله عليه قُلْ بِفَضْلِ الله وبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وفيه علم الصفات التي يتميز بها أهل الاستحقاق حتى يوفيهم حقوقهم من تعين ذلك عليه ومن الحقوق من يقتضي الثناء الجميل على من لا يوفيه حقه من ذلك كالمجرم المستحق للعذاب بأجرامه فيعفى عنه فهذا حق قد أبطل وهو محمود كما إن الغيبة حق وهي مذمومة ومن عرف هذا عرف الحق‏

ما هو وفرق بينه وبين الصدق وعلم عند ذلك أن الغيبة ليست بحق وأنها صدق ولهذا يسأل الصادق عن صدقه ولا يسأل ذو الحق إذا قام به فالغيبة والنميمة وأشباههما صدق لا حق إذ الحق ما وجب والصدق ما أخبر به على الوجه الذي هو عليه وقد يجب فيكون حقا وقد لا يجب ويكون صدقا لا حقا فلهذا يسأل الصادق عن صدقه إن كان وجب عليه نجا وإن كان لم يجب عليه بل منع من ذلك هلك فيه فمن علم الفرق بين الحق والصدق تعين عليه أن يتكلم في الاستحقاق وفيه علم ما ينتج من ذل لغير الله على إنزاله منه منزلة ربه جهلا منه به فإن ذل للصفة من غير اعتبار المحل كان له في ذلك الذي حكم آخر وفيه علم ما يحكم على الله وهو خير الحاكمين ومن هنا تعلم أن صفاته لو كانت زائدة على ذاته كما يقوله المتكلم من الأشاعرة لحكم على الذات ما هو زائد عليها ولا هو عينها وهذه مسألة زلت فيها أقدام كثيرين من العلماء وأضلهم فيها قياس الشاهد على الغائب أو طرد الدلالة شاهدا وغائبا وهذا غاية الغلط فإن الحكم على المحكوم عليه بأمر ما من غير أن يعلم ذات المحكوم عليه وحقيقته جهل عظيم من الحاكم عليه بذلك فلا تطرد الدلالة في نسبة أمر إلى شي‏ء من غير أن تعرف حقيقة ذلك المنسوب إليه وفيه علم إن الله لا يجوز لأحد من المخلوقين التحكم عليه ولو بلغ من المنزلة ما بلغ إلى أن يأمره بذلك فيحكم عليه بأمره فيما يجوز له أن يوجبه على نفسه إن كان من العالم بخلاف الحق فإن المكلف تحت الحجر فلو أوجب على نفسه فعل ما حرم عليه فعله لم يجز له ذلك وكان كفارة ما أوجبه كفارة يمين فلم يخل عن عقوبة وإن لم يفعل ما أوجبه إذ لم يجز له ذلك ولا كفارة على من أوجب على نفسه فعل ما أبيح له فعله ولا مندوحة له إلا أن يفعله ولا بد وفيه علم المكر الخفي وتعجيل الجزاء عليه وفيه علم موجب الاضطرار في الاختيار وما ينفع الاضطرار وفيه علم الأسباب التي تنسى العالم بأمر ما يقتضيه حكم ذلك العلم من العمل وهي كثيرة وفيه علم الحسرة وهو أن أحد لا يؤاخذه على ما جناه سوى ما جناه فهو الذي آخذ نفسه فلا يلومن إلا نفسه ومن اتقى مثل هذا فقد فاز فوزا عظيما وبهذا تقوم الحجة لله على خلقه وإنه إذا تكرم عليهم بعدم تسليطهم عليهم وعفا وغفر وجب له الثناء بصفة الكرم والإحسان وفيه علم دعوة الله عباده لما ذا يدعوهم هل إلى عمل ما كلفهم أو إلى ما ينتجه عمل ما كلفهم في الدار الآخرة وإن الله ما كلف عباده ولا دعاهم إلى تكليف قط بغير واسطة فإنه بالذات لا يدعو إلى ما فيه مشقة فلهذا اتخذ الرسل عليهم الصلاة والسلام وقال جل ثناؤه وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وفيه علم الجزاء الوفاق وإذا أعطى ما هو خارج عن الجزاء فذلك من الاسم الواهب والوهاب وفيه علم العذاب المتخيل وفيه علم تذكر العالم ما كان نسيه إذ كان لم يعمل به فإن العامل بالعلم هو المنشئ صورته فمن المحال أن ينساه وفيه علم حسن التعليم إذ ما كل معلم يحسن التعليم وفيه علم التأسي بالله كيف يكون وهو المطلق في أفعاله وأنت المقيد وفيه علم البحث والحث على العمل بالأولى والأوجب وفيه علم الفرق بين العلم والظن أعني غلبة الظن وفيه علم العصمة والاعتصام وفيه علم ما يقال للمعاند إذا لم يرجع إلى الحق وهو ما يرجع إلى علم الإنصاف وفيه علم ما يعلم به إن أفعال العباد أفعال الحق لكن تضاف إلى العباد بوجه وإلى الحق بوجه فإن الإضافة في اللسان في اصطلاح النحاة محضة وغير محضة ومن الأفعال ما هي محضة لله إذا أضيفت إليه ومنها غير محضة لما فيها من الاشتراك فلم تخلص فالعبودية لله خالصة ومأمور بتخليصها كما قال تعالى وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وهو ما تعبدهم به وقوله قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي وهو ما تعبده به في هذا الموضع وقوله إِنَّ الله لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً كلمة تحقيق فإن الناس لا يملكون شيئا حتى يكون ما يأخذ منهم بغير وجه حق غاصبا فكل ما يقال فيه إنه ملك لهم فهو ملك لله ومن ذلك أعمالهم ثم قال ولكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فكنى سبحانه عن نفسه بأنفسهم لما وقع الظلم في العالم وقيل به فكأنه قال ولكن نفسه يظلم إن كان هذا ظلما ولا بد والمالك لا يظلم نفسه في ملكه فلو كان ما عند الناس ملك لهم ما حجر الله عليهم التصرف فيه ولا حد لهم فيه حدودا متنوعة فهذا يدلك على إن أفعال المكلف ما هي له وإنما هي لله فالظلم إلى الحقيقة في الناس دعواهم فيما ليس لهم إنه لهم فما عاقبهم الله إلا على الدعوى الكاذبة وفيه علم إدراج الكثير في القليل حتى يقال فيه إنه قليل وهو كثير في نفس الأمر وفيه علم الآجال في الأشياء ومعنى قوله لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ على تلك الساعة



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!