The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل إياك أعنى واسمعى يا جارة وهو منزل تفريق الأمر وصورة الكتم فى الكشف من الحضرة المحمدية

قوة الكثير فلا يقاومه الكثير وفيه علم تأثير الكون في الكون هل يفتقر إلى أمر إلهي أو إلى العلم أو منه ما يكون عن علم ومنه ما يكون عن أمر إلهي ومراتب الخلق في ذلك وفيه علم سرد الأخبار وما فائدتها الزائدة على تأنيس النفوس بها فإن النفوس تستحلي الأحاديث بطبعها وفيه علم تفاضل العالم في العلم وفيه علم ما ينبغي أن يضاف إلى الحق من الأمور وما لا ينبغي وإن كان له وفيه علم عزة النفس أن يلحق بها المذام مع كونها متصفة بها فما الذي يحجبها حتى تتصف بالمذام ولا تحب أن توصف بها وفيه علم مفاضلة النفوس بعضها بعضا على الإطلاق وفيه علم سبب دوام النعم وعدم دوام نقيضه بها وفيه علم المدد ولما ذا يرجع انتهاؤها فيما يوصف منها بالانتهاء هل هو للفعل الموجود فيها أو هل هو لأمر آخر وفيه علم تقاسيم الزمان إلى أزمنة وهو عين واحدة وفيه علم طلب الأعمال الجزاء وإن تنزه العاملون عنها وفيه علم من أعلى منزلة هل المتنزه عن طلب الأعواض أو طالب الأعواض وفيه علم بدء الرسالة في العالم ما سببه وهل في العالم من خرج عن التكليف أم لا وفيه علم ما يتميز به العالي من الأسفل هل بنفسه أو بأمر نسبي والأشرف منهما وفيه علم اختلاف الآيات لاختلاف الأعصار والأحوال وأين ذلك من العلم الإلهي وفيه علم دخول الواسع في الضيق من غير إن يتسع الضيق أو يضيق الواسع وفيه علم الفرق بين الإناث والذكور في كل صنف صنف وفيه علم من يصح عليه اسم الأخوة ممن لا يصح ومراتب الأخوة وفيه علم الموازنات الإلهية والموضوعة وفيه علم السبب الذي يقوم بالإنسان حتى يعمى قلبه عن طريق الحق مع علمه بالإمكان وهو من أعجب الأشياء مثل قول من قال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ من عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً من السَّماءِ مع علمهم بأن ذلك ممكن ولم يوفقهم الله أن يقولوا تب علينا أو أسعدنا وفيه علم مراتب الوحي الإلهي في الإنسان وفيه علم الدلالة التي لا يمكن ردها وفيه علم الفرقان بين النظم والمنظوم والنثر والمنثور وهو علم المقيد والمطلق وفيه علم التقلب من حال إلى حال ومن منزل إلى منزل وفيه علم تنزل الأرواح النارية من أين تنزل وعلى من تنزل وأين محلها وما ينبغي أن ينسب إليها والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب التاسع والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل إياك أعني فاسمعي يا جارة وهو منزل تفريق الأمر وصورة الكتم في الكشف من الحضرة المحمدية»

انظر إلى نقص ظل الشخص فيه إذا *** ما الشمس تعلو فتفني ظله فيه‏

ذاك الدليل على تحريكه أبدا *** بدأ وفيئا وهذا القدر يكفيه‏

لو كان يسكن وقتا ما بدا أثر *** في الكون من كن وذاك الحكم من فيه‏

فالكون من نفس الرحمن ليس له *** أصل سواه فحكم القول يبديه‏

خلاف ما يقتضيه العقل فارم به *** فإن حكمة شرع الله تقضيه‏

ما إن رأيت له عينا ولا أثرا *** ولو يكون لكان العقل يخفيه‏

[إن الله ما خلق شيئا إلا وخلق له ضدا ومثلا وخلافا]

اعلم أيدك الله بروح منه أن الأشياء لما خلقها الله على حكم ما اقتضاه الوجود الأصل الذي هو عليه وله وجد كل ما سوى الله تعالى فما خلق شيئا إلا وخلق له ضدا ومثلا وخلافا فجعل الموافقة في الخلاف والمنافرة في الضد والمناسبة في المثل فأشد الأشياء مواصلة ومحبة واتحادا الخلاف مع مخالفه ولهذا يكون الخلاف بحسب من يخالفه ولا يتميز عن صاحبه إلا بحكمه فيتحد الخلافان بالمحل ويتميزان بالحكم فيه وأما المثل مع مثله فإن المناسبة تجمع بينهما في المودة فيحب كل مثل مثله بما فيه من مناسبة المثلية وإن لم يجتمعا فيشبه المثل الخلاف في المحبة وإن كان بينهما فرقان بالحقائق فيهما ويشبه الضد في أنهما لا يجتمعان أبدا فهما كغائب أحب غائبا وهام فيه عشقا وحكمت الموانع بأن لا يجتمعا وأما الضد مع ضده فالمنافرة بينهما ذاتية وليس بينهما المودة التي بين الخلافين فكل واحد من الضدين يريد ذهاب عين ضده من الوجود بخلاف الخلافين فالمودة التي بينهما تمنع كل واحد منهما أن يريد ذهاب عين خلافه من الوجود لكن يريد ويشتهي أن لو يمكن الاتحاد به حتى لا تقع المشاهدة إلا على واحد بعينه ويغيب فيه الآخر إيثارا من كل خلاف على نفسه لخلافه لكنهما لا يجتمعان أبدا لذاتهما مثال المثلين بياضان ومثال الضدين بياض وسواد ومثال الخلافين لون ورائحة أو طعم‏

في محل واحد والمراد من هذا الذي ذكرناه تعريفك بنسبة العبد من الله ما له من هذه النسب‏

[إن الإنسان مجتمع الأضداد]

فاعلم إن الإنسان الكامل جمع بذاته هذه الأمور كلها وليس ذلك لغيره فهو مع الحق مثل ضد خلاف كما إن ما ذكرناه له هذا الحكم أيضا على كل واحد من هؤلاء الثلاثة فإن البياض يخالف البياض بالمحل فإن المحل يميزه فيقال هذا البياض ما هو هذا البياض ويضاد مثله فإنهما لا يجمعهما محل واحد وهو مثل له لأن الحد والحقيقة تشملهما من جميع الوجوه فكل واحد مما ذكرناه يقبل ما يقبله الآخر من المثلية والضدية والخلافية والذي يحتاج إليه في هذا الباب معرفة الإنسان مع قرينه من الإنس إن عم أو مع غيره من العالم من حيث نسبة ما إن خص ومعرفة الإنسان مع الحق ليعلم صورته منه على ما ذا يكون فإنه قد اعتنى به غاية العناية ما لم يعتن بمخلوق بكونه جعله خليفة وأعطاه الكمال بعلم الأسماء وخلقه على الصورة الإلهية وأكمل من الصورة الإلهية ما يمكن أن يكون في الوجود فالإنسان الكامل مثل من حيث الصورة الإلهية ضد من حيث إنه لا يصح أن يكون في حال كونه عبدا ربا لمن هو له عبد خلاف من حيث إن الحق سمعه وبصره وقواه فأثبته وأثبت نفسه في عين واحدة فمن عرف نفسه عرف ربه معرفة مثل وضد وخلاف فهو الولي العدو قال تعالى لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ يخاطب المؤمنين أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ لكونهم أمثالا لكم لما بين المثلين من الضدية فقال للمؤمن عامل العدو بضدية المثل لا بمودة

المثل لأن حقيقتكما واحدة فافهم فإن العدو يريد إخراجك من الوجود كما قدمنا في معرفة الضد ولذلك قال تعالى في هذه الآية وقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ من الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وإِيَّاكُمْ فما عاملكم العدو وإن كان مثلكم إلا بضدية المثل لا بمودته وهذا عين ما ذكرناه من أن الضد يريد ذهاب عين ضده من الوجود فأمرنا إذا أرادوا ذلك بنا أن نقاتلهم فنذهب أعيانهم من الموضع الذي يكونون فيه فننقلهم إلى البرزخ بالقتل فانظر ما أعجب القرآن وما أعطى صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من العلم بالأمور وإن لم تسر هذه الضدية في ذات المثل فليس بمؤمن ولا هو عند الله بمكان ولكن يحتاج إلى ميزان وكشف صحيح حتى يعرف العدو الذاتي الذي ينبغي أن يعامله بمثل هذه المعاملة من العدو العرضي الذي تعرض له هذه العداوة ثم تزول عنه لزوال ذلك العارض الذي أوجبها كما قال تعالى يخبر عن بعض العباد بما يقول يوم القيامة يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وكانَ الشَّيْطانُ يعني شيطان الإنس لا شيطان الجن لِلْإِنْسانِ خَذُولًا فإنه قال ما أضلني عن الذكر إلا فلان وسمي إنسانا مثله حيث أصغى إليه وقلده في مقالته وحال بينه وبين اتباع ما أمره الله باتباعه وهو ما جاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وسبب ذلك ما جاءهم به عن الله من التحجير الجديد وإن كانوا في تحجير إذ لا بد منه لمصالح العالم ولكنهم كانوا قد ألفوه ونشئوا عليه ولم يعرفوا غيره فهم ما أنكروا التحجير وإنما أنكروا هذا التحجير الخاص ومفارقة المألوف بالطبع عسير ولهذا لا يألف الطبع الألم وإن تمادى به فإنه يسر بزواله لعدم ألفة الطبع به فلو ألفه لتالم بزواله ولما لم يتمكن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية وإن كان يفضل بعضهم بعضا فادناهم منزلة من هو إنسان حيواني وأعلاهم من هو ظل الله وهو الإنسان الكامل نائب الحق يكون الحق لسانه وجميع قواه وما بين هذين المقامين مراتب ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولا وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثا ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول إذ الوارث لا يكون وارثا إلا بعد موت من يرثه فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة فالأمر ينزل من الله على الدوام لا ينقطع فلا يقبله إلا الرسل خاصة على الكمال فإذا فقدوا حينئذ وجد ذلك الاستعداد في غير الرسل فقبلوا ذلك التنزل الإلهي في قلوبهم فسموا ورثة لم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن الله بالتنزل الإلهي فإن كان في ذلك التنزل الإلهي حكم أخذه هذا المنزل عليه وحكم به وهو المعبر عنه بلسان علماء الرسوم بالمجتهد الذي يستنبط الحكم عندهم وهو العالم بقول الله لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فهذا

حظ الناس اليوم من التشريع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ونحن نقول به ولكن لا نقول بأن الاجتهاد هو ما ذكره علماء الرسوم بل الاجتهاد عندنا بذل الوسع في تحصيل الاستعداد الباطن الذي به يقبل هذا التنزل الخاص الذي لا يقبله في زمان النبوة والرسالة إلا نبي أو رسول إلا أنه لا سبيل إلى مخالفة حكم ثابت قد تقرر من الرسول ص‏

في نفس الأمر فإن لم يكن ذلك في نفس الأمر فلا يلقى إلى هذا المجتهد الذي ذكرناه إلا ما هو الحكم عليه في نفس الأمر حتى أنه لو كان الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حيا لحكم به مع أنه قرر حكم المجتهد وإن أخطأ فما أخطأ المجتهد إلا في الاستعداد كما ذكرناه فلو أصاب في الاستعداد ما أخطأ مجتهد أبدا بل لا يكون مجتهدا في الحكم وإنما هو ناقل ما قبله من الحق النازل عليه في تجليه وهذا عزيز في الأمة ما يوجد إلا في أفراد وعلامتهم أنهم ما يختلفون في الحكم أصلا لوحدانية الرسالة في هذا الزمان فإذا اختلفوا فما هم الذين ذكرناهم فيكون صاحب الحق إذا كانت الأحكام منحصرة القسمة واحدا منهم فإن بقي قسم لم يقع به حكم ربما كان الحق فيه ومع هذا تعبد كل واحد بما أعطاه دليله فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فوقع الاجتهاد في الاجتهاد وإذا تقرر أن التنزل الإلهي لم ينقطع وإنه على ضروب وكلها علم سواء كان تنزل حكم شرعي أو غير ذلك بحسب المواطن أ لا ترى موطن الآخرة في الجنة التنزل فيه دائم ولكن ليس فيه حكم تحجير جملة واحدة بخلاف تنزله في الدنيا فهذا أعني بحكم المواطن والكل تعريف إلهي ولما كان في الإنسان الكامل المثل والضد والخلاف كما هو في الأسماء الإلهية المثل كالرحمن الرحيم والخلاف كالرحمن الصبور والضد كالضار النافع‏

قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يرفع هممنا إلى الرتب العالية لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لكن صاحبكم خليل الله!

والله يقول واتَّخَذَ الله إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لربه أنت الصاحب في السفر

فإذا علمت أن الله لا يستحيل عليه خلة عباده فاجهد أن تكون أنت ذلك الخليل بأن تنظر إلى ما يؤدي إلى تحصيل هذه الخلة الشريفة فإنك لا تجد لها سببا إلا الموافقة ولا علم لنا بموافقتنا الحق إلا موافقتنا شرعه فما حرم حرمناه وما أحل حللناه وما أباحه أبحناه وما كرهه كرهناه وما ندب إليه ندبنا إليه وما أوجبه أوجبناه فإذا عمك هذا في نفسك وكانت هذه صفتك وقمت فيها مقام حق صحت لك الخلة لا بل المحبة التي هي أعظم وأخص من الخلة لأن الخليل يصحبك لك والمحب يصحبك لنفسه فشتان ما بين الخلة والمحبة وقد دللتك على تحصيل هذين المقامين فالخليل يعتضد بخليله والحبيب يبطن في محبه فيقيه بنفسه فالحق مجن المحبوب والخليل مجن خليله أ لا ترى إلى ما أجرى الله في نفوس العالم حيث يجعلون الخبز والملح سببا موجبا لأن يكون كل واحد من الشخصين اللذين بينهما الممالحة فداء لصاحبه يقيه من كل مكروه ويحفظ عليه حفظه على نفسه وكذلك هو الأمر عليه في عينه ولما شهدناه مع الحق مشاهدة عين ووقعت الممالحة ورأيت أثرها بحمد الله برهانا قاطعا قلت في ذلك‏

لآكلن الخبز والملحا *** حتى أرى البرهان والفتحا

وأنظر الأمر الذي قد بدا *** يثبت في اللوح فلا يمحي‏

وأطلب الحرب من أجل العدا *** لا أطلب السلم ولا الصلحا

فلو أتاني الأمر من عنده *** أمر يريني الكشف والشرحا

ألزمت نفسي طلبا للعلى *** أن تؤثر المعروف والنصحا

وقلت للباني ألا فابن لي *** من عمل الأرواح لي صرحا

عسى أرى بلقيس إذ شمرت *** عن ساقها إذ أبصرت صرحا

تخيلت بأنه لجة *** فأضربت عن عرشها صفحا

ما عرفت إذ أبصرت نفسها *** سترا ولا كشفا ولا لمحا

فأعطاه الخبز والملح أن لا يتخذ عدوا لله محبوبا ولا محبا ولما علم الله ما هو عليه الإنسان في جبلته من حبه المحسن لإحسانه ومن استجلابه الود من أشكاله بالتودد إليهم علم أنه تعالى إذا قال لهم لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي إنهم لما ذكرناه لا يقومون في هذا النهي في جانب الحق مقام ما يستحقه الحق فزاد في الخطاب فقال وعَدُوَّكُمْ وذلك ليبغضهم إلينا لعلمه بأنا نحب أنفسنا ونؤثر أهواءنا عليه تعالى فليس في القرآن ذم في حقنا من الله أعظم من هذا فإنه لو علم منا إيثاره على أهوائنا لاكتفى بقوله عَدُوِّي ثم تمم على نسق واحد فقال يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ يعني من موطنه فإن مفارقة الأوطان من‏

أشق ما يجري على الإنسان فلما علم الله أنكم لا يقوم عندكم إخراج الرسول مع بقائكم في أوطانكم ذلك مقام ما يستحقه الرسول منكم قال وإِيَّاكُمْ فشرككم في الإخراج مع الرسول كما شرككم في العداوة مع الله لتكونوا أحرص على أن لا تلقوا إليهم بالمودة وأن تتخذوهم أعداء والمؤمنون هنا كل ما سوى الرسول فإن الرسول إذا تبين له أن شخصا ما عدو لله تبرأ منه قال تعالى في حق إبراهيم وأبيه آزر بعد ما وعظه وأظهر الشفقة عليه لكونه كان عنده في حد الإمكان أن يرجع إلى الله وتوحيده من شركه فلما بين الله له في وحيه وكشف له عن أمر أبيه وتبين إبراهيم أن أباه آزر عدو لله تبرأ منه مع كونه أباه فأثنى الله عليه فقال فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ وقد كان إبراهيم في حق أبيه أواها حليما لا الآن وقد ورد في الخبر أن إبراهيم يجد أباه بين رجليه في صورة ذيخ فيأخذه بيده فيرمي به في النار

فانظر ما أثر عند الخليل إيثاره لجناب الحق من عداوة أبيه في الله تعالى فالله يجعلنا ممن آثر الحق على هواه وأن يجعل ذلك مناه فما أعظمها عندي من حسرة حيث لم نكن بهذه المثابة عند الله حتى نكتفي بذكر عداوتهم لله وإخراج الرسول فهنا ينبغي أن تسكب العبرات فالسعيد من وجد ذلك من نفسه فلم يدخل تحت هذا الخطاب وعلى قدر ما ينقصك من هذا الحال ينقصك من المعرفة بالله ومن الوقت الذي فتح الله علي في هذا الطريق ما لقيت أحدا على هذا القدم فعرفته به وإن كان عليه في نفس الأمر ولكن ما عرفني الله به وربما عرضت له به فلم أجد عنده إلا النقيض لكني أعلم أن في الأرض عبادا لهم هذا المقام فالحمد لله الذي فتح علي به ونرجو إن شاء الله البقاء عليه فإن أكثر أبواب المعرفة بالله تحول بين هذا المقام وبين المؤمنين والعلماء فهو مقام غامض صعب التصور تقدح فيه معارف إلهية كثيرة ومتى لم يحصل لأحد هذا المقام ذوقا

[إن بين الله وبين من هو عدو لله مناسبة]

فاعلم أنه بينه وبين من هو عدو لله مناسبة ولتلك المناسبة لم يتبرأ منه إذا تبين له لأنه قبل التبيين يعذر قال تعالى ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى‏ من بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ وقال ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ومن حَوْلَهُمْ من الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ الله ولا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ فليس بأصحاب الجحيم إلا أعداء الله تعالى الذين هم أهل الجحيم‏

فكن مع الحق لا تبغي به بدلا *** وأفرد الحق لا تضرب له مثلا

والله ولي الإعانة والتوفيق واعلم أن هذا المنزل يحوي على علم الزيادة من الخير وفيه علم ما يتميز به الحق من الباطل والحدود التي تفصل بين الأشياء وتميز بعضها عن بعض وفيه علم عبيد الكنايات لا عبيد الأسماء وما بينهما من المراتب في الرفعة والشرف ومن أشد وصلة في العبودية هل عبد الكناية أو عبد الاسم وفيه علم ما يتعلق بالعالم كله من العلوم وفيه علم ما يختص به الحق من الصفات دون خلقه وفيه علم التنزيه لما ذا يرجع هل لوجود أو لعدم وفيه علم الموازين وفيه علم ما أوجب اتخاذ الشريك في العالم وكل‏

مولود فإنما يولد على الفطرة فمن أين كفر الأول وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه أو يمجسانه وهل العقل ينزل هنا من حيث فكره منزلة الأبوين في كون هذا الشخص قد أخرجه نظره من فطرته إلى إثبات الشريك وفيه علم ما يملكه الإنسان بذاته مما لا يملكه وتصرفه فيما لا يملكه لما ذا تصرف فيه وفيه علم ما يؤول إليه قائل الزور والشاهد به وكون الحاكم غير معصوم باتباع هواه ولما ذا أبقاه الله حاكما في ظاهر الأمر وإن كان معزولا في باطن الأمر فيما حكم فيه بهواه وقوله تعالى قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وفيه علم العلامات التي يعرف بها الصادق من الكاذب وهي من العلامات التي لا تنقال بل يجدها الإنسان من نفسه إذا كان من أهل المراقبة لأحواله فلا يفوته علم ذلك ومن لم تكن المراقبة حاله فإنه لا يعرف تلك العلامات أصلا والمؤمنون أحق بمعرفتها من أصحاب النظر وفيه علم ما يختص به الشيوخ في هذا الطريق يعرف به حال المريدين متى يستحقون أن يكونوا مريدين وأن يقبل عليهم الشيخ قبول إفادة وليس للشيخ في هذا الطريق أن ينبه المريد على صورة ما يكون بحصول معناها في نفسه حصول الفتح له ونيل السعادة لئلا يظهر بالصورة في ذلك والباطن معرى عن المعنى الموجب لتلك الصورة فإن قلت فهذا لا ينبغي للشيخ أن يستره عن المريد قلنا بل ينبغي أن يستره عن المريد وواجب عليه ذلك لعلمه أن المعنى الموجب لظهور تلك الصورة إذا قام بالمريد أوجب له ظهور تلك الصورة فيعلم الشيخ عند ذلك أن الله قد أهل ذلك المريد

لأن يكون من أهل الحق وإذا أعلمه الشيخ بذلك المعنى الموجب لإظهار هذه الصورة والنفس مجبولة على الخيانة وعدم الصدق ظهر بالصورة مع عدم المعنى فيقع الغلط كما يظهر المنافق بصورة المؤمن في العمل الظاهر والباطن معرى عن الموجب لذلك العمل وفيه علم الضيق في النار ما سببه مع ما فيه من السعة وفيه علم ما يقرن مع المؤمن في الجنة وما يقرن مع المشرك في النار والفرق بين الوجود والتوحيد فإن المشرك مؤمن بالوجود غير موحد والعذاب أوجبه في النار عدم التوحيد لا إثبات الوجود فمن هنا تعرف قرين المشرك من قرين المؤمن وفيه علم دخول جميع الممكنات في الوجود من حيث أجناسها وأنواعها لا من حيث أشخاصها وآحادها لا بل أشخاص بعضها لا كلها وهنا نظر دقيق يعطيه الكشف هل الخلق الجديد في الصور كلها في الوجود لحاملها التي بعض الناس في لبس منها أو لا فمن رأى التجديد قال لا تتناهى أشخاص كل نوع أبدا ومن رأى أن لا تجديد قال في الآخرة إنه قد تناهت أشخاص هذا النوع الإنساني فلا يوجد إنسان بعد ذلك وهي مسألة دقيقة لا يتمكن لنا الكلام فيها جملة واحدة فإنها من جملة الأسرار التي لا تذاع إلا لأهلها فإنها من العلوم التي تنقال إلا لأهل الروائح ومن لا شم له لا يقبل الأخبار عن حقيقتها وفيه علم ما يعطي مما لا يعطي وفيه علم ما هي السعادة في أن يجهل فإن العلم يعطي في العالم إذا علم أمرا ما فقد اكتفى به وصار يطلب علما آخر إذ الحاصل لا يبتغى فإذا قال علمت كذا فمن المحال أن تتشوق النفس إليه بعد حصوله فذلك لا يعلم أحد الله أبدا لأنه يؤدي إلى الاستغناء عنه من حيث علمه به فإن قلت بل علمه به جعله لا يستغني عنه قلنا لك ما هذا هو العلم به بل العلم الذي ذكرته هو العلم بكونه لا يستغني عنه والعلم به الذي أردناه أمر آخر فأنت عالم بالحكم لا به فلا تعارض بين ما اعترضت به علينا وبين ما قلنا فافهم وفيه علم ابتلاء العالم بعضه ببعض هل هو من باب الرحمة بالعالم أو من باب الشقاء وفيه علم الموانع التي منعت من قبول ما جاء من عند الله مع تشوق النفوس إلى رؤية الغريب إذا ورد والقبول عليه فإن رحمة الشريعة لا يدركها إلا العلماء خاصة ولهذا لا يردها عالم حيث يراها ولهذا أمرنا بالإيمان بها وإن كانت قد نسخت وارتفع حكمها وصار العمل بها حراما علينا وفيه علم نفع العلم وفيه علم ما تراه شيئا وليس بشي‏ء وهو شي‏ء لأنك رأيته شيئا مثاله السراب تراه ماء والآل الذي هو شخص الإنسان في السراب يعظم فلا يشك في عظمه فإذا جئته لم تجده كما رأيته ولا تشك فيما رأيته وغيرك في ذلك الحين ممن هو على المسافة التي رأيته أنت فيها عظيما يراه عظيما وأنت تراه ليس بعظيم حين جئته وهو علم إلهي شريف وفيه علم المفاضلة بين الضدين كالمفاضلة بين السواد والبياض وذلك لكون اللون جمعهما فوقعت المفاضلة فلا بد في كل مفاضلة في الوجود من جامع يجمع بينهما أي يجتمع فيه جميع من في الوجود ولهذا فرت الباطنية في الباري إذا قيل لها إنه موجودا لي ليس بمعدوم وما علمت أنها وقعت في عين ما فرت منه فإنه أيضا كما ينطلق على الموجود الحادث لفظة موجود ينطلق عليه اسم ليس بمعدوم فقد وقعت الشركة في أنه ليس بمعدوم وكذا جميع ما يسأل عنه الباطني ولهذا كانوا أجهل الناس بالحقائق وفيه علم الغمام وهو من الغم وكون الحق يأتي فيه يوم القيامة أو الملائكة أو الحق والملائكة فما يعطى من الغم وفيه علم متى ينفرد الحق بالملك أو لم يزل منفردا به ولكن جهل في موطن وعرف في موطن وهو هو ليس غيره فإنه تعالى ملك بالحقيقة والمخلوق ملك بالجعل قال تعالى وجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ومن هنا تعلم من هو ملك الملك وفيه علم الظلم الذي أتت به الشرائع وما أثره وعلم الظلم الذي يعطيه العقل وما أثره وعلم الظلم المحمود والمذموم وفيه علم الفرق بين شياطين الإنس وبين شياطين الجن وما ينبغي أن يصحب ومن لا ينبغي أن‏

يصحب مطلقا من هذا النوع الإنساني وفيه علم التجاء الدعاة إلى الله إذا لم تسمع دعوتهم سواء كان رسولا أو وارثا وفيه علم كون الحق جعل لكل شي‏ء ضدا وفيه علم اختصاص أحد الضدين بالحب الإلهي والآخر بالبغض الإلهي والصدور من عين واحدة أو هو من يدين مختلفتين في الحكم وفيه علم حدوث الأحكام بحدوث النوازل وأن الشرع ما انقطع ولا ينقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإن انقطعت النبوة فالشرع ما انقطع ما دام في العالم مجتهد وفيه علم المضاهاة الإلهية للاكوان فهل ذلك لعلو قدر الأكوان أو لأمر آخر مثل قوله تعالى ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً وفيه علم من يمشي على بطنه من الأناسي وفي أي صورة يحشر من هذا مشيه وفيه علم من حبس نفسه مع الأدنى مع معرفته بالأعلى‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!