الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة منزل ثلاثة أسرار طلسمية مصورة مدبرة من الحضرة المحمدية | |
|
علم طهارة النفوس هل طهارتها ذاتية أو مكتسبة وفيه علم فضل الشهادتين وما يحمد من الشرك وما يذم وفيه علم مرتبة المؤمن من غيره مع الاشتراك في الإنسانية ولوازمها وحدودها والذي وقع به التمييز موجود في كل إنسان لأنه محقق في نفس الأمر فنسبته إلى كل إنسان نسبة واحدة فلما ذا خصص به المؤمن من غيره وفيه علم مراعاة الأكوان من الأكابر دون الحق هل ذلك من الرحمة بهم أو هو من خور الطبع وفيه علم مرتبة الواجبات الإلهية وفيه علم الشروط والشهادة والقضايا المبثوثة في العالم وفيه علم الانتساب إلى الله ومن ينبغي أن ينسب إلى الله وبما ذا يقع النسب إلى الله الزائد على العبودة وفيه علم غريب وهو نزول الحق إلى العالم في صفاتهم أو عروج العالم إلى الله بصفاته فإن الأمر فيه في غاية الغموض فإن أكثر العلماء بالله يقولون إن الحق نزل إلى نعوت عباده والحقائق تأبى ذلك والكشف وفيه علم الأنوار النبوية المقتبسة من السبحات الإلهية لا الوجهية وفيه علم النقض بعد الإبرام فلما ذا أبرم وفيه علم الاختصاص وأهله في المحسوس والمعقول وفيه علم قرب النفوس وبعدها من الحضرة الإلهية وفيه علم التحجير على الأكابر من العلماء بالله وشهودهم لا يقضى به وفيه علم الآداب الإلهية وما ذا حجب الله عن عباده من المعارف وهل المعارف هي العلوم أو تختلف حقائقها كما اختلفت أسماؤها وفيه علم النفوس والأرواح هل هما شيء واحد أو يفترقان وفيه علم السبب الذي لأجله ظهر السلام في كل ملة وفي الملائكة قال تعالى سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ وفيه علم الاسم الإلهي الصبور هل للاسم الحليم فيه حكم أم لا وفيه علم أسباب رفع الأذى من بعض العالم وهل يرتفع من العالم حتى لا يبقى له حكم أم لا وفيه علم فضل ما سوى الإنسان على الإنسان هل هو عام من جميع الوجوه أو يفضل عليه في شيء ويفضل هو على غيره في شيء وما العلة في ذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ «الباب الثاني والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار طلسمية مصورة مدبرة من الحضرة المحمدية»يا قرة العين إن القلب يهواك *** لولاك ما كنت في قتلاك لولاك ما لي سوى عين مالي قد علمت به *** فإن رضيت بذاك القدر أغناك إن الوجود له فقر ومسكنة *** إلى الكمال فبيت الفقر مأواك لا تعجزن لإدراك الكمال فما *** في الكون من يعرف المطلوب إلاك [سمي الطلسم بهذا الاسم لمقلوبه يعني أنه مسلط على كل من وكل به]اعلم أيدك الله أنه إنما سمي الطلسم بهذا الاسم لمقلوبه يعني أنه مسلط على كل من وكل به فكل مسلط طلسم ما دام مسلطا فمن ذلك ما له تسليط على العقول وهو أشدها فإنه لا يتركها تقبل من الأخبار الإلهية والعلوم النبوية الكشفية إلا ما يدخل لها تحت تأويلها وميزانها وإن لم يكن بهذه المثابة فلا تقبله وهذا أصعب تسليط في العالم فإن صاحبه المحجور عليه يفوته علم كثير بالله فطلسمه الفكر وسلطه الله عليه أن يفكر به ليعلم أنه لا يعلم أمر من الأمور إلا بالله فعكس الأمر هذا المسلط فقال له لا تعلم الله يا عقل إلا بي والطلسم الآخر الخيال سلطه الله على المعاني يكسوها مواد يظهرها فيها لا يتمكن لمعنى يمنع نفسه منه والطلسم الثالث طلسم العادات سلطه الله على النفوس الناطقة فهي مهما فقدت شيئا منها جرت إليه تطلبه لما له عليها من السلطان وقوة التأثير وما يتميز الرجال إلا في رفع هذه الطلسمات الثلاثة فأما الطلسم الأول فرأيت جماعة من أهل الله قد استحكم فيهم سلطانه بحيث إنهم لا يلتذون بشيء من العلوم الإلهية التذاذهم بعلم يكون فيه رائحة فكر فيكونون به أعظم لذة من علمهم بما يعطيهم الايمان المحض بنوره الذي هو أكشف الأنوار وأوضحها بيانا وسبب ذلك ما نذكره وذلك أن نور الايمان وهب إلهي ليس فيه من الكسب شيء ولا أثر للادلة فيه البتة فإنا قد رأينا من حصل العلم بالأدلة وبما دلت عليه بحيث لا يشك ومع هذا لا أثر للإيمان فيه بوجه من الوجوه فلما خرج عن كسب العبد فكأنه إذا فرح بما أعطاه نور الايمان من العلم فرح بما ليس له وأنه إذا أعمل الفكر في تحصيل علم بأمر ما وحصل له عن فكره ونظره فيه واجتهاده كان له تعمل واكتساب فكانت لذته بما هو كسب له أعظم مما ليس له فيه كسب لأنه فيما اكتسبه خلاق ولم يكن ذلك من هؤلاء إلا لجهلهم بأصولهم وبنفوسهم لأنهم لو علموا أنهم ما خرجوا من العدم إلى الوجود إلا بالمنة والوهب وهبة الله لهم فأوجدهم فلم يكن لهم تعمل في ذلك وهم في غاية من الالتذاذ بوجودهم فكانوا على ما يعطي هذا الأصل أفرح بعلوم الوهب الذي يعطيهم نور الايمان من الذي يعطيهم الفكر بنظره ثم الحجاب الآخر في جهلهم بنفوسهم وبما فيهم إن العقل والفكر ما حصل لهم من الحق بتعمل ولا اكتساب بل بوهب إلهي وهم به فرحون فهلا كان فرحهم بما وهبهم الحق من العلم بنور الايمان أعظم من فرحهم بما نالوه من جهة الفكر ثم إنهم من جهلهم وحجابهم إنهم يشهدون في أوقات في علم ما اتخذوه بالفكر شبها تدخل عليهم فيه فتزيله من أيديهم أو تحيرهم فيه فيغتمون لذلك الغم الشديد ويعملون فكرهم في أمر من أنواع الدلالات إما أن يزيل عنهم تلك الشبهات حتى يعلموا أنها شبهات فيرجعوا إلى ما كانوا عليه بلا مزيد ويخسرون ما يعطيه المزيد الإلهي في كل نفس وإما أن يعطيهم الفكر أن تلك الشبهة ليست بشبهة بل هي دليل أعطاهم العلم بضد ما كانوا عليه وأين الأمر الذي كانوا عليه فيفرحون به ويقولون هو علم لم يكن كذلك بل كان شبهة فلو فتح الله عليهم لكانوا في هذا الذي رجعوا إليه تحت إمكان أيضا كما ظهر لهم في حكم الأول الذي رجعوا عنه فلو لم يكن لصاحب الفكر في العلم الإلهي صارف يصرفه عنه إلا هذا لكان فيه كفاية وكلامنا هذا إنما هو في حق المؤمنين من أهل الله وأما من يرى أنه لا يأخذ إلا من الأرواح العلوية وإنها الممدة لهم وإنهم يستنزلونها لتفيدهم وأن جميع ما هم فيه إنما هو منهم كما يرون أن كل ما يحجبهم عن مثل هذا إنما هو نظرهم إلى شهواتهم واشتغالهم بالأمور الطبيعية من أكل وشرب ونكاح وغير ذلك من مثل هذه الأمور فلا كلام لنا معهم فإنهم عبيد أكوان لا عبيد الله ليس لهم من الله رائحة إلا بعلم واحد إنه الأصل من غير تفصيل ولا استرسال واستصحاب وظهور في كل جزء جزء من العالم الأعلى مساحة ومعنى والعالم الأسفل مساحة ومعنى فهم عن هذا كله محجوبون وبه غير قائلين ولما كان الطلسم في أصل الوضع لا يضعه واضعه إلا لخفاء ما يمكن أن يشهد ويحصل أعملت الحيلة في رفع حكم ذلك الطلسم حتى يبدو ما كان يخفيه مما ينتفع به فالإنسان من حيث قيوميته التي يعتقدها في نفسه هو طلسم على نفسه وبتلك القيومية استخدم فكره وجميع قواه لأنه يعتقد أنه رب في ذاته وفي ملكه مالك ثم رأى الحق قد كلفه واستعمله فزاد تحقيقا في قيوميته ولو لم يكن له قيام بما كلفه الحق ما كلفه فيقول باستعمالي لهذه القوي يكون لي الدليل على أني صدقت ربي وهو الصادق فيما كلفني به من استعمالها ولم يتحقق هذا المسكين المواضع التي يستعملها فيها ثم إنهم رأوا أن أشرف ما يكتسبونه بها العلم بذات الله وما ينبغي لها أن تكون عليه فتركوا استعمال قواهم فيما يمكن لهم أن يصلوا إليه واستعملوها فيما لا يمكن الوصول إليه مع تبيين الحق لهم فيما شرع من قول الله ويُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ أي لا تستعملوا فيها الفكر وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا تتفكروا في ذات الله فعصوا الله ورسوله مع أنهم من أهل الله بالمعصية المقدرة عليهم فلا بد من نفوذ حكمها فيهم فالله يجعلنا ممن عصمه الله أن يستعمل قواه فيما ليس لها التصرف فيه إنه ولي كريم منعم محسان فإذا أراد الله أن يوفقك لرفع حكم هذا الطلسم حتى تشهد ما حجبك عنه وفقك لإزالة قيوميتك بقيوميته واستعملك في فقرك وذلك وشهود أصلك واستعمل فكرك في أنك لك موهوب وإنك صادر من عين منته عليك في وجودك وفي تقلبك في أطوار نشأتك المحسوسة والمعنوية وفي إسلامك وإيمانك إلى أن جعلك من أهله واصطنعك لنفسه وحجب غيرك ممن هو مثلك لا ليد لك عليه بل سابق عناية بك ومنة اختصاص فإذا وفقك لمثل هذا النظر وفقك للنظر أيضا في قواك وما بين لك من مصارفها فلم تتعد بها مصرفها الإلهي ووقفت عند حدوده وعرفت قدرك فعرفت قدره وجعلت أمرك كله فيما تصرفت فيه وهبا إلهيا من عين منته ونظرت إليه بنور الايمان الذي وهبك إياه فأشهدك الأمور كما هي عليه في نفسها وكشف لك عن الحق ورزقك اتباعه وكشف لك عن الباطل ورزقك الاجتناب عنه ورأيت جماعة في هذا الكشف من أصحاب الأفكار العقلاء النظار قد أراهم الفكر الحق باطلا فحققوه فاجتنبوا الحق واتبعوا الباطل ولا علم لهم بذلك إذ الباطل في جبلة كل أحد اجتنابه فإذا رأيتهم على ذلك رحمتهم فربما تدعوهم إليه وهم يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ من مَكانٍ بَعِيدٍ فيجهلونك فيما تدعوهم إليه من الحق كما كان صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يدعو أهل الشرك إلى التوحيد فيقول إذا دعاهم إلى ذلك ودعوه إلى ما هم عليه ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وأُشْرِكَ به ما لَيْسَ لِي به عِلْمٌ وأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ فيا ولي لا تقل في جوابي إنهم أيضا يقولون له مثل ما قال لهم ليس الأمر كذلك فإنهم مشركون فقد أثبتوا بكونهم مشركين عين ما دعاهم إليه هذا الرسول وهو ما أثبت الشريك وهم قالوا إنما ندعوهم لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى فأثبتوا له سبحانه وتعالى التعظيم والمنزلة العظمى التي ليست لشركائهم فمن هناك لم يتمكن لهم أن يقولوا في الجواب مثل ما قال لهم فإنه قال لهم ما ليس لي به علم وهم علماء بما دعاهم الرسول إليه فلما دعاهم دعاهم بحالهم ولسانهم من حيث ما أثبتوا عين ما دعاهم إليه وزادوا الشريك الذي لا علم لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم به فإذا قال صاحب الكشف لصاحب الفكر مثل هذا كان جواب صاحب الفكر له أشد في البعد عن الله من المشركين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وكان المشركون أسعد حالة من أصحاب الفكر فإنهم أثبتوا على كل حال عين ما دعاهم إليه أنه له المنزلة العليا وهؤلاء قالوا إن الله لا يعلم ما نحن عليه حيث قالوا إنه أعظم من أن يعلم الجزئيات بل علمه في الأشياء علم كلي وهو أن يعلم أن في العالم من يتحرك ويسكن لا أنه يعلم أن زيد بن عمرو هو المتحرك عند زوال الشمس هذا أعطاهم فكرهم فمن هنا يعلم أن المشرك أسعد حالا منهم وأعطاهم فكرهم إن هذه النواميس الإلهية السائرة في العالم إمداد الأرواح العلوية للنفوس الفاضلة القابلة لمصالح العالم في الدنيا فهي أوضاع روحانية على السنة قوم قد خلصوا نفوسهم من رق الشهوات وأسر الطبيعة وصفوا مرائي قلوبهم فأقبلت عليهم الأرواح العلوية وجالسوا بأفكارهم الملأ الأعلى فأمدهم بما وضعوه في العالم من أسباب الخير فسموا أنبياء وحكماء ورسلا وليس إلا هذا وجعلوا ما وضعوه من الوعد والوعيد المغيب المسمى الدار الآخرة سياسات يسوسون بها النفوس الشوارد عن النظر فيما ينبغي لهم مما وجدوا له لا غير ونعوذ بالله من هذا القول وهذا العلم فهذا ما أعطاهم الفكر حيث استعملوه في غير موطنه وذهبوا به في غير مذهبه والله يَهْدِي من يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وأما الطلسم الثاني وهو الخيال فيجسد المعاني ويدخلها في قالب الصور الحسية فهو طلسم أيضا على أهل الأفهام القاصرة التي لا علم لها بالمعاني المجردة عن المواد فلا تشهدها ولا يشهد هؤلاء إلا صورا جسدية فيحرم من حكم عليه طلسم الخيال إدراك الأمور على ما هي عليه في أنفسها من غير تخيل فهؤلاء لا يقبلون شيئا من المعاني مع علمهم بأنها ليست صورا جسدية إلا حتى يصوروها في خيالهم صورا متجسدة متحيزة متميزة فيجمعون بين النقيضين فأنتم تعلمون أنها ليست صورا ولا يقبلونها إلا صورا فمن أراد رفع حكم هذا الطلسم فإن الطلسم لا يرتفع أبدا من هذه النشأة فإنه وضع إلهي وكذلك جميع الطلسمات الإلهية لا ترتفع أعيانها ولا ترفع أحكامها في الموضع الذي جعل الحق تعالى حكمها فيه ولكن بعض الناس خرجوا بها عن طريقها فذلك الحكم الذي أعطاه ذلك الخروج هو الذي يرتفع لا غيره فاعلم ذلك فيرتفع حكم صاحب هذا الطلسم إذا أبصر الفكر قد دخل لخزانة هذا الخيال ثم انصرف خارجا منه فيصحبه إلى العقل ليشاهد المعاني مجردة عن الصور كما هي في نفسها فأول ما يشهد من ذلك حقيقة الفكر الذي صحبه إلى العقل فيراه مجردا عن المواد التي كان الخيال يعطيه إياها فيشكر الله ويقول هكذا كنت أعلمه قبل إن أشهده وما كان الغرض إلا أن يوافق الشهود العلم فإذا ارتفع إلى العقل شاهده أيضا مجردا عن المواد في نفسه فيحصل له أنس بعالم المعاني المجرد عن المواد فإذا تحقق بهذه المشاهدة انتقل إلى مشاهدة الحق الذي هو أثره في التجرد من المعاني فإنه وإن تجردت المعاني المحدثة فما تجردت عن حدوثها وإمكانها فيشاهد فيها صاحب هذا المقام عدمها الأصلي الذي كان لها ويشاهد حدوثها ويشاهد إمكانها كل ذلك في غير صورة مادية فإذا ارتقى إلى الحق فأول ما يشاهد منه عين إمكانه فيقع له عند هذا تحير فيه فإنه علمه غير ممكن فيأخذ الحق بيده في ذلك بأن يعرفه أن الذي شاهده من الحق ابتداء عين الإمكان الذي يرجع إلى المشاهد وهو الذي يقول فيه إنه يمكن أن يشهدني الحق نفسه ويمكن أن لا يشهدني فهذا الإمكان هو الذي ظهر له من الحق في أول شهوده فإنه قد ترجح له بالشهود أحد الوجهين من الإمكان فيسكن عند ذلك وتزول عنه الحيرة ثم يتجلى له الحق في غير مادة لأنه ليس عند ذلك في عالم المواد فيعلم من الله على قدر ما كان ذلك التجلي ولا يقدر أحد على تعيين ما تجلى له من الحق إلا أنه تجلى في غير مادة لا غير وسبب ذلك أن الله يتجلى لكل عبد من العالم في حقيقة ما هي عين ما تجلى بها لعبد آخر ولا هي عين ما يتجلى له بها في مجلى آخر فلذلك لا يتعين ما تجلى فيه ولا ينقال فإذا رجع هذا العبد من هذا المقام إلى عالم نفسه عالم المواد صحبه تجلى الحق فما من حضرة يدخلها من الحضرات لها حكم إلا ويرى الحق قد تحول بحكم تلك الحضرة والعبد قد ضبط منه أو لا ما ضبط فيعلم أنه قد تحول في أمر آخر فلا يجهله بعد ذلك أبدا ولا ينحجب عنه فإن الله ما تجلى لأحد فانحجب عنه بعد ذلك فإنه غير ممكن أصلا فإذا نزل العبد إلى عالم خياله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة وقد كان قبل ذلك عرفها علما وإيمانا رأى الحق في حضرة الخيال صورة جسدية فلم ينكره وأنكره العابر والأجانب ثم نزل من عالم الخيال إلى عالم الحس والمحسوس فنزل الحق معه لنزوله فإنه لا يفارقه فيشاهده صورة كل ما شاهده من العالم لا يخص به صورة دون صورة من الأجسام والأعراض ويراه عين نفسه ويعلم أنه ما هو عين نفسه ولا عين العالم ولا يحار في ذلك لما حصل له من التحقيق بصحبة الحق في نزوله معه من المقام الذي يستحقه ولا عالم وراءه يتحول في كل حضرة بحسب حكمها وهذا مشهد عزيز ما رأيت من يقول به من غير شهود إلا في عالم الأجسام والأجساد وسبب ذلك عدم الصحبة مع الحق لما نزل من المقام الذي يستحقه فكان القائلون به في عالم الأجسام والأجساد مقلدين ويعرف ذلك من كونه لا يصحبهم ذلك وتتوالى الغفلات عليهم فإذا حضروا بنفوسهم حينئذ يقولون بذلك وصاحب الذوق لا غفلة عنده عن ذلك جملة واحدة فإنه معلوم عنده والغفلة إنما تكون عن شيء دون شيء لا تعم فكل ما يبقى من الأمور غير مشهود لصاحب الغفلة فإن صاحب الذوق يشهد الحق فيه فما بقي له مشهود في حال غفلته ومن ليس له هذا المقام ذوقا يغفل عن الحق بالأشياء حتى يستحضره في أوقات ما فهذا هو الفارق بين أصحاب الذوق وبين غيرهم فلا تغالط نفسك وما رأيت واحدا من أهل هذا المقام ذوقا إلا أنه أخبرتني أهلي مريم بنت محمد بن عبدون أنها أبصرت واحدا وصفت لي حاله فعلمت أنه من أهل هذا الشهود إلا أنها ذكرت عنه أحوالا تدل على عدم قوته فيه وضعفه مع تحققه بهذا الحال والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ وأما الطلسم الثالث وهو طلسم العادات الحاكمة على النفوس الناطقة لما حصل لها من الألفة بها وتوقف المنافع والمصالح عليها دائما لا يرتفع فإذا أراد من أراد أن يرتفع عن حكم هذا الطلسم إذ علم أنه لا يرتفع فإن الأسباب المألوفة هي أوضاع إلهية لا يمكن رفعها ولا دفعها يرجع هذا الشخص إلى النظر في وجهه الخاص به الذي لا أثر للسبب فيه وهو خفي جدا فيعمد إلى بابه فيفتحه ويكثر العكوف عليه ويحس بالأسباب تجذبه عنه ليأخذ منها ما بيدها من الأمانات له فلا يفعل ولا يقبل ما تأتيه به فإذا جاءه خاطر أن ذلك سوء أدب مع الله فخذ ما أعطاك وكُنْ من الشَّاكِرِينَ وإن هذه الأسباب لا يمكن رفعها فلا تبطل حكمة الله في حقك فتكون من الجاهلين فلا يصغ إلى هذا العتب ولا إلى هذا المعلم فإنه خاطر نفسي ما هو خاطر إلهي وليثبت على اعتكافه بالباب الخاص وليقل لذلك المعلم إن الله قد نهى أن تؤتى البيوت من ظهورها فلو كنت من الله لأتيت البيوت من أبوابها وأنا بيت لا يزيده على هذا فإذا أراده الحق لذلك المقام أدخل عليه ذلك السبب بما عنده من الأمانة له على باب ذلك الوجه الخاص الذي قد واجهه هذا العبد واعتكف عليه وذلك هو باب بيته فإذا أعطاه ذلك السبب ما أعطاه قبله منه لأنه ما جاءه إلا من باب الوجه الذي يطلب الأمر منه وقد أتى البيت هذا السبب من بابه وهذا هو المسمى خرق العوائد في العوائد فإن العالم لا يشهدون صاحب هذا المقام إلا آخذا من الأسباب فلا يفرقون بينهم وبينه فهو وحده يعرف كيف أخذ وليس هذا المقام إلا للملامية وهم أعلى الطوائف فإنهم في خرق العادة في عين العادة وبينهم في المقام ما بين المحجوب والمشاهد ولكن لا يشعرون وأصحاب خرق العوائد الظاهرة ما لهم هذا المقام ولا شموا منه رائحة أصلا وهم الآخذون من الأسباب فإن الأسباب ما زالت عنهم ولا تزول ولكن خفيت فإنه لا بد لصاحب خرق العادة الظاهرة من حركة حسية هي سبب وجود عين ذلك المطلوب فيغرف أو يقبض بيده في الهواء فيفتحه عن مقبوض عليه من ذهب أو غيره فلم يكن إلا بسبب حركة من يده وقبض فما خرج عن سبب لكنه غير معتاد بالجملة لكن القبض معتاد وحركة اليد معتادة وتحصيل هذا الذي حصل له من غير هذا الوجه معتاد وتحصيله من هذا الوجه غير معتاد فقيل فيه إنه خرق عادة فاعلم ذلك فمن أراد رفع حكم طلسم العادات فليعمل نفسه فيما ذكرناه فلا تحكم عليه العوائد وهو في العوائد غير معروف عند العامة والخاصة ومن علوم هذا المنزل علم الإشارات والخطاب وفيه علم الدخل بالشبه على أصحاب الأدلة وفيه علم الاسم الذي توجه على الخلق بالإيجاد والتقدير وعلم ما بين |

