الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة منزل سرّ الإخلاص فى الدين وما هو الدين ولماذا سمى الشرع دينا وقول النبى --ص-- الخير عادة |
ويترك الحكم به وفي أي النوازل يكون ذلك ومن هو على الصواب في هذه المسألة هل من يقول إنه يحكم بعلمه أو المخالف وعندي في هذه المسألة لو كنت عالما بأمر ما وشهد الشهود بخلاف علمي ولا يجوز لي أن أحكم بعلمي إذا كنت ممن يقول بذلك استنبت في الحكم من لا علم له بالأمر وتركت الحكم فيه وهذا هو الوجه الصحيح عندي والذي أعمل به وإن كان في النفس منه شيء وهذا عندي في الحكم في الأموال وأما الحكم في الأبدان فلا أحكم إلا بعلمي إذا علمت البراءة فإن لم تكن البراءة وعلمت صدق المفتري حكمت بالشهود وتركت علمي وعلم سبب هذا الذي ذهبت إليه يتضمنه هذا المنزل وفيه علم ما يفضل به العالم على الإنسان وهو أن له عليه ولادة وفيه علم مسمى الساعة وفيه علم هل يصح التكبر من العالم على الله أم لا وفيه علم ما تطلبه الأشياء من الأمور طلبا ذاتيا هل يصح فيه خرق العادة فيكون بالجعل أم لا وإن انخرقت فيه العادة فما محل خرق العادة هل في الطالب فيتبعه ما كانت تقتضيه ذاته أم لا وفيه علم حضرة تقرير النعم على المنعم عليه ما يكون من ذلك على جهة التعليم أو على جحده لذلك وفيه علم أصل حياة العالم الحسية والمعنوية هل ترجع إلى أصل واحد أم لا وهل في الطبيعة حياة حتى تعطي الحياة الحسية أم لا وفيه علم النشأة الإنسانية الدنياوية وأحوالها في مدة بقائها في هذه الدار وما يؤول إليه أمرها من حيث جسميتها بعد الموت وفيه علم الموت والحياة هل ذلك نسبة أو عين موجودة تظهر في مواطن مختلفة وحكم المميت هل يميت بموت فيكون سببا أو يميت فقط وكذلك الحياة فيكون عين الميت عين الموت بحكم المميت وفيه علم القضاء وفضله عن القدر وفيه علم كون الآية التي يأتي بها الرسول ليست بشرط ولا يجب عليه الإتيان بها وفيه علم مراعاة الله عباده مع سوء أدبهم مع الله وفيه علم عموم نفع الايمان في الآخرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ «الباب الخامس والأربعون وثلاثمائة في معرفة منزل سر الإخلاص في الدين وما هو الدين ولما ذا سمي الشرع دينا وقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الخير عادة»لكل شخص من القرآن سورته *** وسورتي من كتاب الله تنزيل أتى بها الملأ العلوي يقدمه *** عند التنزل ميكال وجبريل أتى بها تنثني لينا معاطفها *** وفي جوانبها هدى وتضليل إذا نظرت ترى في آيها عجبا *** نار ونور وتنزيه وتمثيل بكر النواظر في أجفانها دعج *** لم يقترع طرفها بكحله الميل [الإخلاص في الدين]تجلت لنا هذه السورة بمدينة حلب وقيل لي لما رأيتها هذه سورة لم يطمثها إنس ولا جان فرأيت لها ومنها ميلا عظيما إلى جانبي وقد مثلت لي في شبه هذا المنزل الذي كنت دخلته قبل ذلك ثم قيل لي هي خالِصَةً لَكَ من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فلما قيل لي ذلك فهمت الأشاعرة وعلمت أنها ذاتي وعين صورتي لا غيري فإنه ما لموجود شيء مخلص له ليس لغيره قديمه وحديثه إلا ذاته خاصة فقلت ها أنا ذا فعلمت عند ذلك معنى التخليص وعلمت ما تلي علي فيما أنزل علي من القرآن عند التلاوة وذلك أنه لما نزل الإلهام بتلاوة سورة الإخلاص رزقت عين الفهم في تسميتها بهذا الاسم دون غيرها من السور فإنها كلها نسب الله وصفته وهي عين مجموع العالم ففهمت الإشارة بها في إن العالم مع كونه هو الحق المبين من حيث مجموعه لا من حيث جزء جزء منه فتخلص النسب لله من حيث ذاته فهذا المجموع هو في الحق عين واحدة وهو في العالم عين الحق المبين قالت طائفة من الأمة اليهودية أنسب لنا ربك فنسبه لمجموع العالم بما نزل عليه من الله تعالى في ذلك فقيل له قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ فنعته بالأحدية ولكل جزء من العالم أحدية تخصه لا يشارك فيها بها يتميز ويتعين عن كل ما سواه مع ما له من صفات الاشتراك ثم قيل له الله الصَّمَدُ وهو الذي يصمد إليه في الأمور أي يلجأ والأسباب الموضوعة كلها في العالم يلجأ إليها ولهذا سميت أسبابا لتواصل مسبباتها إلى الصمد الأول الذي إليه تلجأ الأسباب لَمْ يَلِدْ وهو العقيم الذي لا يولد له وبهذه الصفة نعت الريح بالعقيم لأنه من الرياح ما هي لواقح ومنها ما هي عقيم ولَمْ يُولَدْ آدم عليه السلام فإن الولادة معلومة عند السائلين فخوطبوا بما هو معلوم عندهم ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أراد بالكفو هنا الصاحبة لأجل مقال من قال إن المسيح ابن الله وعزير ابن الله والكفاءة المثل والمرأة لا تماثل الرجل أبدا فإن الله يقول ولِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ فليست له بكفو فإن المنفعل ما هو كفو لفاعله والعالم منفعل عن الله فما هو كفو لله وحواء منفعلة عن آدم فله عليها درجة الفاعلية فليست له بكفو من هذا الوجه ولما قال إنه للرجال عليهن درجة لم يجعل عيسى عليه السلام منفعلا عن مريم حتى لا يكون الرجل منفعلا عن المرأة كما كانت حواء عن آدم فَتَمَثَّلَ لَها جبريل أو الملك بَشَراً سَوِيًّا وقال لها أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا فوهبها عيسى عليه السلام فكان انفعال عيسى عن الملك الممثل في صورة الرجل ولذلك خرج على صورة أبيه ذكرا بشرا روحا فجمع بين الصورتين التين كان عليهما أبوه الذي هو الملك فإنه روح من حيث عينه بشر من حيث تمثله في صورة البشر فسمى هذه السورة سورة الإخلاص أي خلص الحق للعالم من التنزيه الذي يبرهن عليه العقل وخلصه من العالم بمجموع هذه الصفات في عين واحدة وهي أعني هذه الصفات مفرقة في العالم لا يجمعها عين واحد فإن آدم عليه السلام أكمل صورة ظهرت في العالم ومع هذا نقصه لَمْ يَلِدْ فإنه أحد صمد لَمْ يُولَدْ ولم تكن له حواء كفوا فخلصت هذه السورة الحق من التشبيه كما خلصته من التنزيه فإذا فهمت ما أشرنا إليه [إن سر الإخلاص هو سر القدر الذي أخفى الله علمه عن العالم]فاعلم إن سر الإخلاص هو سر القدر الذي أخفى الله علمه عن العالم لا بل عن أكثر العالم فميز الأشياء بحدودها فهذا معنى سر القدر فإنه التوقيف عينه وبه تميزت الأشياء وبه تميز الخالق من المخلوق والمحدث من القديم فتميز المحدث بنعت ثابت يعلم ويشهد وما تميز القديم من المحدث بنعت ثبوتي يعلم بل تميز بسلب ما تميز به المحدث عنه لا غير فهو المعلوم سبحانه المجهول فلا يعلم إلا هو ولا يجهل إلا هو فسبحان من كان العلم به عين الجهل به وكان الجهل به عين العلم به وأعظم من هذا التمييز لا يكون ولا أوضح منه لمن عقل واستبصر وأما الإخلاص في الدين فهو الجزاء الوفاق فما ثم الأجزاء وفاق لا ينقص ولا يزيد فإن الله جعله جَزاءً وِفاقاً إنباء عن حقيقة لأن المجازي لا يمكن أن يقبل ما لا يعطيه استعداده وباستعداده قبل ما ظهر عليه من الدين الذي يطلب الجزاء فيه بعينه أعني الاستعداد قبل الجزاء فكان الجزاء وفاقا والجزاء ما هو إلا للعمل ولا يأخذه العامل إلا من عمله ولهذا قيل إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهو الصحيح فإنه يصدر من العاملين عمل من غير قصد ما رأته عينه ولا سمعته أذنه ولا خطر على قلبه إلا عند ما ظهر منه رأته عينه عند ذلك وخطر له كما يرى ما في الجنة مما لم يره في الدنيا ولا سمع به ولا خطر على قلبه فذلك هو الجزاء الوفاق لهذا النوع من العمل وهذا العمل هو من قوله تعالى ونُنْشِئَكُمْ في ما لا تَعْلَمُونَ فأظهره في منزل لا يعلمه من جهة فكره ولا رأته عينه ولا سمعته أذنه إنه يقام فيه فيكون جزاؤه ما ذكره في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فخلص الجزاء لهذا العمل بصفة الوفاق وهذا من سر القدر ولما كان الدين هو عمل الخير والدين العادة ذكر عليه السلام إن الخير عادة وهذا الذكر بشارة من عالم بالأمور وهو الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بأن النفس خيرة بالذات وما تقبل الشر إلا لجاجة من القرين بما يلج عليها به فلم يجعل الشر من ذاتها فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم الخير عادة والشر لجاجة ولما ألح القرين على النفس ولج بالشر الذي هو عين مخالفة أمر الله ونهيه وضاقت منافسها من هذا الإلحاح واللجاج أوحى الله إليها بل كلمها من الوجه الخاص الذي لا يعرفه الملك بأن تقبل منه ما ألح عليها به من الشر فرأى الحق فيها استيحاشا وخوفا من المكر الإلهي فأشهدها حضرة التبديل وأشهدها مال المكلفين إلى الرحمة وتلا عليها يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وتلا عليها في المسرفين لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فأزال وحشتها وقبلت من القرين الشر الذي جاء به إليها فسر بما وقع منها من القبول لجهله بعموم الرحمة وعموم العفو والمغفرة وإن الله ما جعل العفو إلا لهذا الصنف الذي يتلقى من الشيطان القرين ما جاء به من الشر وما علم إن الله قد جعل النفس في قبولها شر القرين باللجاج والإلحاح منزلة المكره والمكره غير مؤاخذ فسمى الشر لجاجة بشارة إلهية لا يشعر بها كل أحد وجعل الخير عادة فإن النفس بالذات خيرة لأن أباها الروح القدسي الطاهر فطبعها الخير لا غيره وأمها هذه الصورة المسواة من هذه الأخلاط فأول قبول ظهر فيها قبول السواء والعدل وهو قوله فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ وقبول العدل عين الخير وقبلت بالأصالة هذه النشأة مجاورة الأضداد وهي الأخلاط ومن عادة الضد المنافرة عن ضده ولم يوجد هنا تنافر فدل على خيرية الأصل ثم قبولها بعد التعديل والتسوية لنفخ الروح القدسي فكان أول قبول قبلته على ما زاد على نشأتها نفخ هذا الروح الخير الطاهر المطهر فلهذا كان الخير لها عادة بالطبع الذي طبعت عليه ولهذا ترجع في المال إلى أصلها فإن الأصل منها ما ذكرناه من قبول الخير فتلحقها الرحمة في المال كما كان وجودها عين الرحمة فختم الأمر بما به بدأ والخاتمة عين السابقة ومما يؤيد ما ذكرناه أن أول نشأة إنسانية التي كانت أصل النشآت الإنسانية كانت في غاية التقديس وأوج الشرف بكونها مخلوقة على الصورة الإلهية فلم يظهر عنها إلا المناسب فكما كان المناسب لها مع وجود المخالفة التي تعطيها حقائق الأسماء الإلهية المقابلة أن لا يتطرق إليها لمخالفة بعضها بعضا لسان ذم كذلك ما ظهر من المخالفة في هذه النشأة الإنسانية لا يتطرق إليها في المال تسرمد عذاب فإن الأصل يحميها من ذلك وهو الصورة فكانت مجبورة في مخالفتها فلا بد من المخالفة لأنه لا بد من تقابل الأسماء في الذي خلقت على صورته فالنافع ما هو الضار ولا المعطي هو المانع ولا بد من ظهور هذه الحقائق في هذه النشأة حتى يصح كمال الصورة فالطائع يقابل العاصي والمشرك يقابل الموحد والمعطل يقابل المثبت والموافق يقابل المخالف من إمداد الأسماء الإلهية وهو قوله كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ من عَطاءِ رَبِّكَ يعني الطائع والعاصي وأهل الخير والشر وما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً أي ممنوعا لأنه يعطي لذاته والمحال القوابل تقبل باستعدادها واستعدادها أثر الأسماء الإلهية فيها ومن الأسماء الإلهية الموافق والمخالف مثل الموافق الرحيم والغفور وأشباهه ومثل المخالف المعز والمذل فلا بد أن يكون استعداد هذا المحل في حكم اسم من هذه الأسماء فيكون قبوله للحكم الإلهي بحسب ذلك فأما مخالف وإما موافق ومن كان هذا حاله كيف يتعلق به ذم ذاتي والأعراض لا ثبات لها فالخير في الإنسان ذاتي وهو الذي يبقى لها حكمه والشر عرضي فيزول ولو بعد حين قال تعالى ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ وهذا مثل قوله يا عِبادِيَ فأضافهم إلى نفسه كما أضاف إلى نفسه نفوسهم في خلقها فقال ونَفَخْتُ فِيهِ من رُوحِي وكُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ من عَطاءِ رَبِّكَ ثم قال الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ والإسراف كرم عام خارج عن الحد والمقدار وكذا قال في الإنفاق لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا أي لم يوسعوا ما يخرج عن الحاجة ولَمْ يَقْتُرُوا لم ينقصوا مما تمس إليه الحاجة لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله فإنها وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وأنتم من الأشياء وقد عرفتكم كيف أنشأتكم ومن أي شيء أنشأتكم من روح مطهرة وطبيعة موافقة قابلة طائعة غير عاصية ولا مخالفة إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فما أبقى منها شيئا فبأي شيء يسرمد عليهم العذاب ولا يكون إلا جَزاءً وِفاقاً وقد غفر وما غفر له فلا حكم له فإن الذي غفر له هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ والغفور الرحيم لذاته فلا يبرح من حين له يغفر مغفورا له لا يعود إليه حكم الذنب لأن الحافظ هو الغفور الرحيم فلو أزاله وغفره غير هذا الاسم وأمثاله أمكن أن لا يثبت لعدم الحافظ له فتنبه لما أعلمناك به فإنه من لباب المعرفة [أن الكمل من رجال الله الخلفاء في العالم]واعلم أن الكمل من رجال الله الخلفاء في العالم الذين عبدوا على المشاهدة لا على الغيب هم الذين تكون لهم الرؤية الإلهية جزاء لا زيادة ومن نزل عن هذا الكمال هو الذي تكون له زيادة على الجزاء في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ وهوقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا وزنت فارجح لما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما كان عليه فلما وزنه قال للذي بيده الميزان أرجح ليزيد له على ما يستحق لما رأى أن الحق قد ذكر الزيادة على المعاوضة وقال في هذا المقام أحسنكم أحسنكم قضاء فهذا هو الإخلاص في الدين الذي هو الجزاء وهنا يظهر معنى قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأعوذ بك منك لأنه لما نطق صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بالاستعاذة به بضمير الخطاب من غير تعيين اسم لم يجد له مقابلا لأنه ما عين اسما فلم يجد من يستعيذ منه فرأى نفسه على صورته فقال منك فاستعاذ بالله من نفسه لأن النفس الذي هو المثل وردت في القرآن مثل قوله فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ أي أمثالكم وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لا أزكي على الله أحدا وقال كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي أمثالكم فيتوجه قوله وأعوذ بك منك أن الكافين واحدة ويتوجه أن الكاف في منك تعود على المثل وهو نفس المستعيذ فإنه خليفة محصل للصورة على أتم الوجوه فاستعاذ بالله من نفسه لما يعلمه من المكر الخفي الإلهي فإنه ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط بل هي شرف وابتلاء فمن ظهر بحكم الصورة على الكمال فقد حاز الشرف بكلتي يديه فإن الصورة الإلهية لا يلحقها ذم بكل وجه ومن نقص عن هذا الكمال كان في حقه مكرا إلهيا من حيث لا يشعر كما إن الخلافة في العالم ابتلاء لا تشريف ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنها في الآخرة مندمة لما يتعين على صاحبها من الحقوق التي يطالب بها يوم القيامة حتى يتمنى أنه لم يل أمرا من أمور العالم وقد جعلنا رعاة فقال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فلكل شخص حكم من الصورة الإلهية فمن جمعت له الصورة بكمالها لم يسأل فإن الله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ ومن لا ينطق عن الهوى لا يسأل عما يقول سؤال مناقشة وحساب ولكن قد يسأل سؤال استفهام لإظهار علم يستفيده السامعون كسؤال الحق رسله وهم لا ينطقون عن الهوى يوم يجمعهم فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ فيقولون لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فيعلم أهل الموقف أصحاب الكشف أن الرسل هم أتم العالم كشفا ومع هذا فما أطلعهم الله على إجابة القلوب من أممهم ولا إجابة من وصلت إليهم دعوتهم ولم يكونوا حاضرين ولا من كان حاضرا وأجابه بلسانه هل أجابه بقلبه كما أجابه بلسانه فإن قلت فقد سمع إجابة من أجابه بلسانه وما أجابه به قلنا لقرائن الأحوال حكم لا يعرفه إلا من شاهدها وقد عرفنا من عين جواب الرسل عليه السلام أنهم فهموا عن الله عند هذا السؤال أنه أراد إجابة القلوب فإنهم قالوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فلو فهموا من سؤاله تعالى إجابة الألسنة لفصلوا بين من سمعوا إجابته بإقراره بلسانه وبين من لم يسمعوا ذلك منه فلما ذكروا في الجواب الغيوب علمنا إن السؤال كان عن جواب القلوب واستفدنا من هذا أن الذي يكشف له ما يلزم أن يعم كشفه كل شيء لكن عنده استعداد الكشف لا غير فما جلى له الحق من أسرار العالم في مرآة قلبه إن كان معنى أو في مرآة بصره إن كان صورة كشفه ورآه لا غير فإن قلت فمن كان الحق بصره قد سمعتك تقول فيمن هذا حاله إنه يدرك كل مبصر في الكون ولا يغيب عن بصره شيء لأنه ناظر بحق قلنا صدقت ولكن فرق ما بين المقام والحال والأحوال لا بقاء لها وهذا حال فعند حصوله صح له هذا الكشف في ذلك الزمان ولما رفع عنه رجع ينظر بعين خلق بإمداد حق لا بحق فيكون حكمه حكم خواص الخلق له الكشف الجزئي لا الكلي إذ لا يكشف إلا المعتاد الذي للعموم فإذا كشف كل مبصر في العالم كشفه على ما هو عليه في وقته فلما رفع عنه لم يعرف ما آل إليه أمر تلك المبصرات في زمان رفع هذا الكشف هل بقوا على ما كانوا عليه أو هل انتقلوا عن ذلك وطلب الله منهم العلم بذلك لقولهم لا عِلْمَ لَنا والجواب بالظنون لا يليق ثم تمموا فقالوا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فقيدوه بالغيوب فإنه في يوم تبلى فيه السرائر والسرائر غيوب العالم بعضهم عن بعض فعلمنا الحق بهذه الآية التأدب مع أصحاب الكشف وأن نعلم مراتب الكشف لئلا ننزل صاحب الكشف فوق منزلته ونطلب منه ما لا يستحقه حاله فنتعبه ولا نعذره ونصفه بالجهل في ذلك ولا علم لنا بأنا جهلنا فتكون جهالتان وكما إن للملائكة مقامات معلومة كذلك للبشر مقامات معلومة منها يكون المزيد لهم لا يتعدونها وإن زادوا علما فمن ذلك المقام وهو المقام الذي يكون فيه عند آخر نفس يكون منه ويفارق الروح تركيب هيكله المسمى موتا فمن ذلك المقام يكون له المزيد ولهذا يقع التفاضل بين الناس في الدار الآخرة ويزيد الله الذين أوتوا العلم وهم مؤمنون على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم درجات وبالمقامات فضل الله كل صنف بعضه على بعض وفي هذا المنزل من العلوم علم العرش هل العرش الذي استوى عليه الاسم الرحمن هو العرش الذي يأتي عليه الله الحكم العدل يوم القيامة للفصل والقضاء الذي تحمله الثمانية أو هو عرش آخر وهل إن كان عرشا آخر غير الذي استوى عليه فما معنى قول الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما نزلت هذه الآية ويَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ يعني يوم الآخرة قال وهم اليوم أربعة وما هؤلاء الثمانية المنكرة هل كلهم أملاك أو ليسوا بأملاك أو بعضهم أملاك وبعضهم غير أملاك وهل العرش سريرا وهو ملك معين من الملك ما هو الملك كله لأنه فيه أتى للفصل والقضاء بين عباده وعباده من الملك فلا بد أن يكون ملكا معينا وهل هذا العرش الذي يأتي عليه يوم القيامة هو ظلل الغمام التي يأتي فيها الله يوم القيامة أم لا والملائكة هي التي تأتي في ظُلَلٍ من الْغَمامِ ويكون إتيان الله مطلقا من هذا التقييد وفيه علم نهاية سطح العرش هل له فوقية أم لا وما معنى له حول وما معنى الاستواء عليه إذا لم يتصف بأن له فوقا فإنه نهاية الجسم فلا خلاء ولا ملأ بعده وهذا كله إذا كان العرش سريرا أو ملكا خاصا من العالم فإن كان العرش عبارة عن العالم كله لا عالم الأجسام كان له حكم آخر ليس هذا حكمه هذا كله يتضمنه هذا المنزل ويحتاج إلى العلم به ليعلم الأمر على ما هو عليه وفيه علم اختلاف الاستواء باختلاف الأدوات الداخلة وبعدم الأدوات وفيه علم اختلاف الجماعات ولم لم يكن الكل جماعة واحدة وبما ذا تميزت جماعة من أخرى وما الصفة التي عدمتها كل جماعة حتى تفرقت الجماعات ولم تفترق إلى آحاد وفيه علم أول قوة يكون لها الحكم عند البعث من قوى الحس وهل يتقدمها حكم قوة أخرى من قوى الحس قبل البعث أم لا وفيه علم انتشار الروح الإلهي على الأجسام كلها وفيه علم أحوال حكم الله يوم القيامة في الخلق وبأي اسم يتجلى في ذلك اليوم وفيه علم القوة الإلهية والنشر والطي في أي أوان يكون وهل يتقدم بعث العالم أو يتأخر فإن تأخر فأين يكون العالم عند ذلك وهل تجتمع الملائكة والبشر في صعيد واحد في ذلك اليوم أم لا وفيه علم منزلة من وصف الحق بأوصاف الخلق من الذم ومبلغه من العلم في ذلك وفيه علم تأديب الصغير والكبير وهو قوله إياك أعني فاسمعي يا جارة وفيه علم الأدوات في ترتيب الخطاب وما تفيد كل أداة منها واشتراك الأدوات في الصورة واختلافها في الحكم كلفظة لا فصورتها واحدة وهي من جملة الأدوات وأحكامها مختلفة بحسب الحضرة التي تتجلى فيها فيكون حكمه النفي ويكون النهي ويكون العطف وهكذا سائر الأدوات وهذا من علم البيان الذي علمه الإنسان وفيه علم الايمان المذموم في الشرع وهل حكم الايمان في نفسه حكم الشرع فيه أم لا وهل يعدل به عن حقيقته فيظهر له تجل في غير حقيقته صورته فيسمى به الصورة التي انتقل إليها وفيه علم مراتب الكذب ومحموده من مذمومه وأين يجب استعماله وأين يحرم استعماله ومراتب المكذبين وفيه علم مرتبة الخنثى وهو الذي تنسب إليه الذكورة فيقبلها وتنسب إليه الأنوثة فيقبلها فهل هو ذكر أو أنثى أو لا ذكر ولا أنثى فإن الله قال خَلَقَ الذَّكَرَ والْأُنْثى فهل يتضمن هذا الخطاب الخنثى فإنه مخلوق ينسب إليه الأمران فيدخل تحت هذا الخطاب أو هو خارج عن هذا الخطاب ويدخل تحت قوله الله خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فإن الخنثى برزخ متوسط فإن اسم الحيوان ينطلق عليه ولا بد فإنه ليس من خصائص الإنسان كما أن الذكورة والأنوثة ليست من خصائص النوع الإنساني وفيه علم التهيؤ لانتظار الفجئات لأنه لا يدري بما يأتي وهذا مقام لم أر أحدا أتم مني فيه لله الحمد على ذلك وفيه علم التعمل في اكتساب الأهم فالأهم وهو من الحزم وأين موطنه من موطن التراخي وفيما ذا يكون التراخي أولى من الحزم وما يحمد من الحزم مع كونه سواء الظن ويبتني على هذا أمور كثيرة فهو علم شريف وفيه علم ما آل العالم المكلف من الإنس والجان والذين هم الملائكة وهل يرتفع عنهم الخوف أم لا يزال يستصحبهم أبد الآبدين وفيه علم التجلي في غير صورة العلم وفيه علم حجاب النعم ومتى هو الإنسان أتم حضورا مع الله هل في حال الشدة أو في حال الرخاء ولأي حال هو الحمد العام والحمد الخاص وفيه علم اختلاف المحامد لاختلاف الأحوال وفيه علم الأنس بمن يقع الأنس هل بالمناسب أو بغير المناسب أو بهما وفيه علم الاعتماد على الأسباب هل كله مذموم أو محمود أو منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود وما هو سبب بوضع الحق وما هو سبب بوضع الخلق وفيه علم مراتب العلم بالموت وفيه علم نفي الوكالة من الخلق وفيه علم الكفاية وبمن يكتفى وهل يصح الاكتفاء بمخلوق في أمر أم لا وفيه علم ما هو الإحسان ومن هو المحسن وعلم الإساءة ومن هو المسيء وفيه علم المثلين إذا تماثلا من جميع الوجوه المعنوية هل يصطحبان أم لا فإن الفائدة قد ارتفعت ما بينهما وهذه مسألة لا يتنبه إليها إلا منور البصيرة من لا يزال مع الأنفاس يستفيد ومن ليست له هذه الحالة فليس بإنسان كامل الإنسانية لأنه ما أعطى النظر إلا ليستفيد وفيه علم الفرق بين معاملة الله ومعاملة الخلق وهل تتساوى عند العامل المراقبة في المعاملتين أم لا ولا سيما عند من يرى أن الله قد جعل للعالم حقوقا بعضه على بعضه فيتعين على العامل مراقبة الخلق لأداء الحقوق التي أوجبها الله عليه لهم فهل ذلك من مراقبته فيكون ما راقب إلا الحق أو هل ذلك من مراقبة الخلق فيرجع ذلك إلى استحقاق هذه الحقوق وهل استحقها العالم على هذا الشخص لذاتهم أعني لذات المستحقين أو هل يستحقها بجعل الله فيعلم من هذا المنزل صورة الأمر على حقيقته من جمع أو تفصيل وفيه علم تفاضل طبقات العذاب والنعيم وفيه علم ضرب الأمثال ومن ينبغي أن يضرب له مثل ومن ينبغي أن لا يضرب له مثل لقوله فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ وهو قد ضرب الأمثال فقال إِنَّ الله يَعْلَمُ كيف يضربها وأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فناط بهم الجهل بالمواطن فالعالم يقطع عمره في نظر ما ضرب الله له من الأمثال ولا يستنبط مثلا من نفسه ولا سيما لله وما أظن يفي عمر الإنسان بتحصيل علم ما ضرب الله له من الأمثال وفيه علم من يبين عن الله هل يسمى هاديا أم لا فإنه مهدي بلا شك وفيه علم حال |