The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل تزاور الموتى وأسراره من الحضرة الموسوية

أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ والتعليم بالسؤال في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال بقوله قالوا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا به ويتعلق به من سوء الأدب مقاومة القهر الإلهي ومقاومة العبد السيد في أمر ما من سفساف الأخلاق إذ ليس ذلك من صفات العبودة فيستعين العبد إذا كان ضعيفا بأخيه المؤمن في ذلك ويجب على الآخر معونته بالتعليم والتعزية فإن المؤمن كثير بأخيه وإذا انفرد الإنسان بهمه عظم عليه وإذا وجد من يلقيه إليه ليقاسمه فيه ويستريح عليه ويخف عنه فأعانه الآخر يحسن الإصغاء إليه فيما يلقى إليه من همه وجوابه إياه بما يسره في ذلك ومشاركته بإظهار التألم لما ناله فذلك الصديق الصادق المعين كما قيل‏

صديقي من يقاسمني همومي *** ويرمي بالعداوة من رمانى‏

وقال الآخر

إذا الحمل الثقيل تقسمته *** رقاب الخلق خف على الرقاب‏

فهذا قد بينا لك بعض ما يحويه هذا المنزل بالإجمال لا بالتفصيل مخافة التطويل فما تركنا منه شيئا ولا أعلمناك منه بشي‏ء وهكذا فعلنا في كل منزل إن شاء الله تعالى والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثاني والثمانون ومائتان في معرفة منزل تزاور الموتى وأسراره من الحضرة الموسوية»

إذا جهلت أرواحنا علم ذاتها *** فذلك موت والجسوم قبور

وإن علمت فالحشر فيها محقق *** وكان لها من أجل ذاك نشور

فما العلم إلا بين نور وظلمة *** وكل كلام دون ذلك زور

[الموت عبارة عن مفارقة الروح الجسد]

اعلم أن الموت عبارة عن مفارقة الروح الجسد الذي كانت به حياته الحسية وهو طارئ عليهما بعد ما كانا موصوفين بالاجتماع الذي هو علة الحياة فكذلك موت النفس بعدم العلم فإن قلت إن العلم بالله طارئ الذي هو حياة النفوس والجهل ثابت لها قبل وجود العلم فكيف يوصف الجاهل بالموت وما تقدمه علم قلنا إن العلم بالله سبق إلى نفس كل إنسان في الأخذ الميثاقي حين أشهدهم على أنفسهم فلما عمرت الأنفس الأجسام الطبيعية في الدنيا فارقها العلم بتوحيد الله فبقيت النفوس ميتة بالجهل بتوحيد الله ثم بعد ذلك أحيا الله بعض النفوس بالعلم بتوحيد الله وأحياها كلها بالعلم بوجود الله إذ كان من ضرورة العقل العلم بوجود الله فلهذا سميناه ميتا قال تعالى أَ ومن كانَ مَيْتاً يعني بما كان الله قد قبض منه روح العلم بالله فَأَحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي به في النَّاسِ فرد إليه علمه فحيي به كما ترد الأرواح إلى أجسامها في الدار الآخرة يوم البعث وقوله كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ يريد مقابلة النور الذي يمشي به في الناس وما هو عين الحياة فالحياة الإقرار بالوجود أي بوجود الله والنور المجعول العلم بتوحيد الله والظلمات الجهل بتوحيد الله والموت الجهل بوجود الله ولهذا لم يذكر الله في الآية عنا في الأخذ الميثاقي إلا الإقرار بوجود الله لا بتوحيده ما تعرض للتوحيد فيها فقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ف قالُوا بَلى‏ فأقروا له بالربوبية أي أنه سيدهم وقد يكون العبد مملوكا لاثنين بحكم الشركة فأي سيد قال له أ لست بربك فلا بد أن يقول العبد بلى ويصدق فلهذا قلنا إن الإقرار إنما كان بوجود الله ربا له أي مالكا وسيدا ولهذا أردف الله في الآية حين قال فَأَحْيَيْناهُ فلم يكتف حتى قال وجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي به في النَّاسِ يريد العلم بتوحيد الله لا غيره فإنه العلم الذي يقع به الشرف له والسعادة وما عدا هذا لا يقوم مقامه في هذه المنزلة فتأمل ما قلناه فقد علمت أن ورود الموت على النفوس إنما كان عن حياة سابقة إذ الموت لا يرد إلا على حي والتفرق لا يكون إلا عن اجتماع وبعد أن علمت هذا

[أن علم الواحد بالكثرة يوجب له الجهل بنفسه‏]

فاعلم أنه من خصائص هذا المنزل أن علم الواحد بالكثرة يوجب له الجهل بنفسه لأن الكثرة مشهودة له وذلك أن الروح لا يعقل نفسه إلا مع هذا الجسم محل الكم والكثرة ولم يشهد نفسه قط وحده مع كونه في نفسه غير منقسم ولا يعرف إنسانيته إلا بوجود الجسم معه ولهذا إذا سئل عن حده وحقيقته يقول جسم متغذ حساس ناطق هذا هو حقيقة الإنسان وحده الذاتي النفسي فيأخذ أبدا في حده إذا سئل عنه من كونه إنسانا هذه الكثرة فلا يعقل أحديته في ذاته وإنما يعقل أحدية الجنس لا الأحدية الحقيقية والذي يحصل له بالاكتساب أنه واحد في عينه علم دليل فكري لا علم ذوق شهودي كشفي وكذلك العلم بالله إنما متعلقة العلم بتوحيد الألوهة لمسمى الله لا توحيد الذات‏

فإن الذات لا يصح أن تعلم أصلا فالعلم بتوحيد الله علم دليل فكري لا علم شهود كشفي فالعلم بالتوحيد لا يكون ذوقا أبدا ولا تعلق له إلا بالمراتب وأين التوحيد في الذات مع ما قد ورد من الصفات المعنوية واختلاف الناس فيها واختلاف أعيانها بالحد والحقيقة وإن هذه ليست عين هذه هذا في العقل وفي الشرع ثم انفرد التعريف الإلهي باليد والعين والقدم والأصابع وغير ذلك وهذه كلها تنافي توحيد الذات ولا تنافي توحيد الألوهة ولهذا ورد التنازع في‏

قوله عليه السلام إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما

لأن أحدية المرتبة لا تقبل الثاني ولا تحمل الشركة لأن المطلوب الصلاح لا الفساد والإيجاد لا الإعدام وقال تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا فوحد الإله وما قال لو كانت ذات الإله تنقسم لفسدتا ما تعرض لشي‏ء من ذلك وإن الإله عند المتكلمين مجموع ذوات فإن الصفات أعيان زائدة موجودة قائمة بذات الحق وبالمجموع يكون إلها فأين التوحيد الذي يزعمونه وكذلك العقلاء من الفلاسفة الإله عندهم مجموع نسب فأين الوحدانية عندهم فإنهم يصفونه بالعلم والحياة واللذة والابتهاج بكماله فالوحدة أمر يسمع واسم على غير مسمى حقيقي إذا أنصفت فلا إله إلا الله الواحد في ألوهيته القهار للمنازعين له في ألوهيته من عباده والمزاحمين له في أفعاله وما عدا هذين الصنفين فلهم الله الواحد الغفار وبعد أن علمت هذا فلا تحجبك هذه الكثرة عن توحيد الله تعالى ولكن بينت لك متعلق توحيدك وما تعرضنا إلى الذات في عينها لأن الفكر فيها ممنوع شرعا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتفكروا في ذات الله‏

وقال تعالى ويُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ يعني أن تتفكروا فيها فتحكموا عليها بأمر أنها كذا وكذا وما حجر الكلام في الألوهة ولا تدرك بفكر ومشاهدتها من حيث نفسها ممنوعة عند أهل الله وإنما لها مظاهر تظهر فيها بتلك المظاهر تتعلق رؤية العباد وقد وردت بها الشرائع وما بأيدينا من العلم به إلا صفات تنزيه أو صفات أفعال ومن زعم أن عنده علما بصفة نفسية ثبوتية فباطل زعمه فإنها كانت تحده ولا حد لذاته فهذا باب مغلق دون الكون لا يصح أن يفتح انفرد به الحق سبحانه وإذا كان الحق على ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن علمه بما علمه الله‏

فقال اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك فعنده أسماء لا يعلمها إلا هوهي راجعة إليه وقد منع باستئثاره أنه لا يعلمها أحدا من خلقه وأسماؤه ليست أعلاما ولا جوامد وإنما أسماؤه على طريق المحمدة والمدح والثناء ولهذا كانت حسني لما يفهم من معانيها بخلاف الأسماء الأعلام التي لا تدل إلا على الأعيان المسماة بها خاصة لا على جهة المدح ولا جهة الذم وأعظمها عندنا الاسم الله الذي لا تقع فيه المشاركة فأين التوحيد مع هذا التعريف الذي يزعمه هذا الزاعم أنه قد حصل على علم التوحيد النفسي وإذا لم يشهد له شرع ولا عقل ولا كشف وما ثم غير هؤلاء وهم عدول فكيف بك بما خرج عن هؤلاء فالزم ما كلفته من زيارة الموتى وهو اللحوق بهم والانخراط في سلكهم وهو العجز عن إدراك الأمر على ما هو عليه وإنما نحن متصرفون في أفعال المقاربة وهي كاد وأخواتها

فيقال كاد العروس يكون أميرا وما هو أمير في نفس الأمر وكاد زيد يحج أي قارب الحج وقال تعالى إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها فوصفه بأنه ما رآها ولا قارب رؤيتها فإنه نفى القرب بدخول لم على يكاد وهو حرف نفي وجزم يدخل على الأفعال المضارعة للأسماء فينفيها ويتعلق بهذا المنزل علم الزجر والردع لمن قال من الناس إنه قد علم ذات الحق أنه لا ينكشف له جهله بما زعم أنه عالم به إلا في الدار الآخرة فيعلم هناك أن الأمر على خلاف ما كان يعتقده من علمه وأنه لا يعلم دنيا ولا آخرة قال تعالى وبَدا لَهُمْ من الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فعم فبدا لكل طائفة تعتقد أمرا ما مما الأمر ليس عليه نفي ذلك المعتقد وما تعرض في الآية بما انتفى ذلك هل بالعجز أو بمعرفة النقيض وكلا الأمرين كائن في الدار الآخرة كمن يقول بإنفاذ الوعيد لمن مات عاصيا على غير توبة فيغفر الله له يوم القيامة فقد بدا له من الله ما لم يكن يعلمه من التجاوز وزال علمه بالمؤاخذة فكل طائفة يبدو لها من الله بحسب مسألتها فلو كان العلم في نفس الأمر علم يقين لما تبدل وإنما هو حسبان وظن قد احتجب عن صاحبه بصورة علم فهو يقول إنه يعلم والحق يقول له تظن وتحسب وأين مقام من مقام فما كل أمر يعلم ولا كل أمر يجهل فاعلم العلماء من علم ما يعلم أنه يعلم وما لا يعلم أنه لا يعلم‏

قال صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك‏

فقد علم أنه ثم أمر لا يحاط به وقال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!