The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى الشرب

أراد صلى الله عليه وسلم أن تتميز مراتب القوم عندهم فقال لأبي بكر ما تركت لأهلك فقال الله ورسوله وهذا غاية الأدب حيث قال ورسوله فإنه لو قال الله لم يتمكن له أن يرجع في شي‏ء من ذلك إلا حتى يرده الله عليه من غير واسطة حالا وذوقا فلما علم ذلك قال ورسوله فلو رد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله شيئا قبله لأهله من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه تركه لأهله فما حكم فيه إلا من استنابه رب المال فانظر ما أحكم هذا وما أشد معرفة أبي بكر بمراتب الأمور وتخيل عمر أنه يسبق أبا بكر في ذلك اليوم لأنه رأى إتيانه بشطر ماله عظيما ثم قال لعمر بن الخطاب ما تركت لأهلك قال شطر مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكما ما بين كلمتيكما قال عمر فعلمت أني لا أسبق أبا بكر أبدا

والإنسان ينبغي أن يكون عالي الهمة يرغب في أعلى المراتب عند الله ويوفي كل مرتبة حقها فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر شيئا من ماله تنبيها للحاضرين على ما علمه من صدق أبي بكر في ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم منه الرفق والرحمة فلو رد شيئا من ذلك عليه تطرق الاحتمال في حق أبي بكر أنه خطر له رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم فعوض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أبي بكر بما يقتضيه نظره صلى الله عليه وسلم وجاءه عبد الرحمن بن عوف بجميع ماله فرده عليه كله وقال أمسك عليك مالك فإنه ما دعاه إلى ذلك ولو دعاه إلى ذلك لقبله منه كما قبله من أبي بكر ويعطي حكم ذوق العقل الرياضات النفسية وتهذيب الأخلاق فتتضمن الرياضة المجاهدات البدنية ولا تتضمن المجاهدة الرياضات والرياضات أتم في الحكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق فمن جبل عليها فهو منور الذات مقدس ومن لم يجبل عليها فإن الرياضة تلحقه بها وتحكم عليه والرياضة تذليل الصعب من الأمور فمن ذلل صعبا فقد راضه وأزال عن النفس جموحها فإنها تحب الرئاسة والتقدم على أشكالها والرياضة تمنع النفس من هذا الخاطر وسلطانه ولا ترى لها شفوفا على غيرها لاشتراكها معهم في العبودية وإحاطة القبضة بالكل فبما ذا ترأس فتمتثل أمر الله من حيث إنها مخاطبة من عند الله بذلك وتود أن يكون كل مخاطب من العبيد مسارعا إلى امتثال أمر سيده إيثار الجنابة ما يخطر لها في المسارعة أن تسبق غيرها من النفوس فيكون لها بذلك مزية على غيرها لا يقتضي مقام الرياضة ذلك فإن الرياضة خروج عن الأغراض النفسية مطلقا من غير تقييد وأما الذوق الذي مبدؤه نفس عينه كما قدمنا فلا يحتاج إلى رياضة ولا مجاهدة فإن الرياضة لا تكون إلا في صعب الانقياد كثير الجموح أو منعوت بالجموح والمجاهدة إحساس بالمشقة وهذه العين التي ذكرناها ما تركت صعبا فتحكم عليه الرياضات فهو ذلول في نفسه أعطته ذلك مشاهدة تلك العين دفعة وأما الإحساس بالمشقات البدنية فذلك حس الطبع لا حس النفس فهو صاحب لذة في مشقة يحكم فيها بحكم ما عين الله له من الحقوق حيث‏

قال له على لسان المبين عنه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لعينك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزورك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه‏

فالذائق لهذه العين حكمه ما شرع له ليس له ولا عنده رياضة في قبول ذلك أصلا والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ والذوق يعطيك بعد ذلك التجلي العلم ومنه تحقيق ميزانه ومرتبته فيتأدب معه بما يستحقه في النظر إليه فإنه نظير العين فيما لا مساغ لها فيه وهو الذي يورث عندك الظماء إذا لم تكن مؤمنا فإن كنت مؤمنا فالإيمان يعطيك الظماء ويشتد عطشك ويقل على قدر إيمانك ومن ليس بمؤمن لا ظمأ عنده البتة لشرب التجلي وإن أدركه العطش للعلم فمن حيث النظر الفكري وأما لعلوم التجلي فليس إلا الايمان ولا يحصل إيمان إلا والظماء يصحبه فيزيد بالذوق فافهم‏

«الباب التاسع والأربعون ومائتان في الشرب»

الشرب بين مقام الذوق والري *** مثل القضية بين النشر والطي‏

إن الحقوق التي للحق قائمة *** عليك فاحذر إذا ما كنت في الغي‏

أنت الغني به إذ كان عينكم *** فلا سبيل إلى مطل ولا لي‏

غيلان لم يك مثلي في محبته *** إذا تناظرت العشاق في مي‏

وصل الوفاء وهجر المطل من شيمي *** فإنني حاتمي الأصل من طي‏

اعلم أيدك الله أن الشرب هو ما تستفيده في النفس الثاني مضافا إلى ما استفدته في نفس الذوق بالغا ما بلغ على مذهب من يرى الري ومن لا يراه‏

[الشرب إما أن يكون عن عطش وإما عن التذاذ]

واعلم أن الشرب قد يكون عن عطش وقد يكون عن التذاذ لا عن عطش كشرب أهل الجنة بعد شربهم من الحوض الذي قام لهم مقام الذوق فشربهم من الحوض عن ظمأ ثم لا يظمئون بعد ذلك أبدا فإن أهل الجنة لا يظمئون فيها وهم يشربون فيها شرب شهوة والتذاذ لا شرب ظمأ ولا دفع ألمه‏

[اختلاف الشرب باختلاف المشروب‏]

واعلم أن الشرب يختلف باختلاف المشروب فإن كان المشروب نوعا واحدا فإنه يختلف باختلاف أمزجة الشاربين وهو استعدادهم فمن الناس من يكون مشروبه ماء ومنهم من يكون مشروبه لبنا ومنهم من يكون مشروبه خمرا ومنهم من يكون مشروبه عسلا بحسب الصورة التي يتجلى فيها ذلك العلم فإن هذه الأصناف صور علوم مختلفة قد ذكرناها في جزء لنا سميناه مراتب علوم الوهب ودليلنا على ما قلناه إنها علوم رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم‏

فإنه قال أريت كأني أوتيت بقدح لبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظافري ثم أعطيت فضلي عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم‏

فهذا علم تجلى في صورة لبن كذلك تتجلى العلوم في صور المشروبات ولما كانت الجنة دار الرؤية والتجلي وما ذكر الله فيها سوى أربعة أنهار أَنْهارٌ من ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وأَنْهارٌ من لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وأَنْهارٌ من خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وأَنْهارٌ من عَسَلٍ مُصَفًّى علمنا قطعا إن التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور ماء ولبن وخمر وعسل ولكل تجل صنف مخصوص من الناس وأحوال مخصوصة في الشخص الواحد فمنه ما هو لأصحاب المنابر وهم الرسل ومنه ما هو لأصحاب الأسرة وهم الأنبياء ومنه ما هو لأصحاب الكراسي وهم الورثة الأولياء العارفون ومنه ما هو لأصحاب المراتب وهم المؤمنون وما ثم صنف خامس وكل صنف يفضل بعضه على بعضه كما قال الله في ذلك تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وقوله فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى‏ بَعْضٍ فإن الأعمال كانت هنا في زمن التكليف مقسمة على أربع جهات ولذلك لما علم إبليس بهذه الجهات قال ثُمَّ

لَآتِيَنَّهُمْ من بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومن خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ ولم يذكر بقية الجهات لأنه لم يقترن بها عمل فإنها للتنزل الإلهي والوهب الرباني الرحماني الذي له العزة والمنع والسلطان فالعلوم وإن كثرت فإن هذه الأربعة تجمعها وهي مجال إلهية في منصات ربانية في صور رحمانية وهي في حق قوم مع الأنفاس دائما وهم الذين لا يقولون بالري وفي حق قوم إلى أمد معين عينه لهم قوله تعالى يوم الزور والرؤية ردوهم إلى قصورهم وهم الذين يقولون بالري في هذه المشروبات كلها وفي بعضها والمتنوع في الكل من الناس من يكون مشروبه واحدا مما ذكرناه لا ينتقل عنه أبدا ومنهم من يتنوع في المشروبات وهو الأتم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب مزج الماء باللبن فيشربه ومزج العسل باللبن وما بقي إلا الخمر وليست دار الدنيا بمحل لإباحته في شرع محمد صلى الله عليه وسلم الذي مات عليه فلم يمكن لنا أن نضرب به المثل بالفعل كما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالفعل بشرب اللبن بالماء وشرب العسل باللبن فشربه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا وممزوجا بما هو حلال له ولذلك أيضا

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في اللبن إذا شربه اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه‏

لأنه تقوم معه صورة ضرب المثل به في العلم في حديث الرؤيا الصحيح وهو مأمور بطلب الزيادة من العلم بقوله وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فكان اللبن مذكرا له بطلب الزيادة منه وكان يقول في سائر الأطعمة اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه‏

وكان صلى الله عليه وسلم إذا شرب ماء زمزم تضلع منه وكان يحب الحلوى والعسل‏

فهذه كلها أعني المشروبات وضعها الله ضرب أمثلة لأصناف علوم تتجلى للعارفين في صور هذه المحسوسات وخص الخمر بالجنة دون الدنيا وقرن به اللذة للشاربين منه ولم يقل ذلك في غيره من المشروبات وذلك لأنه ما في المشروبات من يعطي الطرب والسرور التام والابتهاج إلا شرب الخمر فيلتذ به شاربه وتسري اللذة في أعضائه وتحكم على قواه الظاهرة والباطنة وما في المشروبات من له سلطان وتحكم على العقل سوى الخمر فهو للعلم الإلهي الذوقي الذي تمجه العقول من جهة أفكارها ولا يقبله إلا الايمان كما أن علم العلماء في علم هذا الطريق تهمة لأن علم هذا الطريق له أثر فيها فهو الحاكم المؤثر في غيره من أصناف العلوم ولا يؤثر فيه غيره لقوة سلطانه لأنه مؤثر في العقل والعقل أقوى ما يكون وكذلك يزيل حكم الوهم والوهم‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!