The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى المكر

حجاب يحجب به الإنسان وأنه موضع المكر والاستدراج فإن العاقل لا يقف في مواطن إمكان المكر فيها بل ينبغي له أن لا يقف إلا في موضع يكون على بصيرة فيه كما فعل موسى في غربة الوطن فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وجَعَلَنِي من الْمُرْسَلِينَ فاغترب بجسمه عن وطنه خوفا منهم فلو كان مثل خروج محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مهاجرا لم يكن خوفه منهم بل كان مشهوده خوفه من الله أن يسلطهم عليه فوهب له مع الرسالة التي كانت له قبل هجرته السيادة على العالمين فإن الهجرة كانت له مطلوبة وهي الاغتراب عن وطنه فعلامة صدق المريد في غربته عن وطنه حصول مقصوده فإذا لم يحصل فخلل في غربته إذا طلبه وجده فليس بصادق وإذا فارقه بالكلية ظاهرا وباطنا فلا بد من حصول المقصود فمن تعلق قلبه بوطنه في حال غربته فما اغترب الغربة المطلوبة وأما الغربة عن الحق التي هي من حقيقة الدهش عن المعرفة

[الوجوب والإمكان‏]

فاعلم إن الإمكان موطنه غير موطن الوجوب بل هما موطنان للواجب والممكن وموطن الممكن العدم أو لا وهو موطنه الحقيقي فإذا اتصف بالوجود فقد اغترب عن وطنه بلا شك وكان في حال سكناه في وطنه مشاهدا للحق فإنه جار له إذ وصف العدم له أزلا وصف الوجود لله أزلا فاغترب عن وطنه بالوجود ففارق مجاورة الحق ولزم الحدوث بهذه الغربة والحق غير متصف بهذه الصفة ولم يتصف الحق بالحدوث أزلا في حال عدمه فاغترب عن الحق بحدوثه ولما حصل له الوجود الحادث ووقعت المشاركة في الوجود بينه وبين الحق دهش فإنه رأى ما لا يعرفه فإنه عرف نفسه متميزا عن الحق بحال العدم فلما فارق هذا الحال بالوجود أدركه الدهش عن المعرفة الأولى وهذه الغربة حال رجلين رجل لم يأنس بهذا المقام ولا وصل إليه بطريق استدراج وترق من حال إلى حال بل أتاه بغتة فجاءه ما لم يعهده ولا ألفه فرأى نفسه تضعف عن حمله فيخاف من عدم عينه فيدهش عن تحصيل تلك المعرفة ويرجع إلى حسه عاجلا فيتغرب عن الحق في تلك الرجعة ورأينا من أهل هذا المقام أبا العباس أحمد العصاد المعروف بمصر بالحريري وما رأينا غيره وأما الرجل الآخر فهو رجل ما من معرفة ترد عليه إلا وتدهشه لعظيم ما يرى مما هو أعلى مما حصل له وأمكن فيتغرب عن الحق الذي كان بيده ويحصل من هذه المعرفة حقا يقوم به إلى وقت تجل آخر يعطي فيه معرفة تدهشه لما ذكرناه فيتغرب أيضا عن الحق الذي حصل له في هذه المعرفة دائما أبدا دنيا وآخرة وأما العارفون المكملون فليس عندهم غربة أصلا وإنهم أعيان ثابتة في أماكنهم لم يبرحوا عن وطنهم ولما كان الحق مرآة لهم ظهرت صورهم فيه ظهور الصور في المرآة فما هي تلك الصور أعيانهم لكونهم يظهرون بحكم شكل المرآة ولا تلك الصور عين المرآة لأن المرآة ما في ذاتها تفصيل ما ظهر منهم وما هم فما اغتربوا وإنما هم أهل شهود في وجود وإنما أضيف إليهم الوجود من أجل حدوث الأحكام إذ لا تظهر إلا من موجود فمرتبة الغربة ليست من منازل الرجال فهي منزلة أدنى ينزلها المتوسطون والمريدون وأما الأكابر فما يرون أنه اغترب شي‏ء عن وطنه بل الواجب واجب والممكن ممكن والمحال محال فتعين وطن كل مستوطن ولو قامت غربة بهم لانقلبت الحقائق وعاد الواجب ممكنا والممكن واجبا والمحال ممكنا والأمر ليس كذلك والغربة عند العلماء بالحقائق في هذا المقام غير موجودة ولا واقعة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الأحد والثلاثون ومائتان في المكر»

يستدرج العاقل في عقله *** من حيث لا يعلمه الماكر

ومكره عاد عليه وما *** يدري بذاك الفطن الخابر

فمن أراد الأمن من مكره *** ليحصل الباطن والظاهر

يحقق الميزان من شرعه *** فيعلم الرابح والخاسر

[أن المكر يطلقه على إرداف النعم مع المخالفة]

اعلم أن المكر يطلقه أهل الله على إرداف النعم مع المخالفة وإبقاء الحال مع سوء الأدب وإظهار الآيات من غير أمر ولا حد واعلم أنه من المكر عندنا بالعبد أن يرزق العبد العلم

الذي يطلب العمل ويحرم العمل به وقد يرزق العمل ويحرم الإخلاص فيه فإذا رأيت هذا من نفسك أو علمته من غيرك فاعلم إن المتصف به ممكور به ولقد رأيت في‏

واقعة وأنا ببغداد سنة ثمان وستمائة قد فتحت أبواب السماء ونزلت خزائن المكر الإلهي مثل المطر العام وسمعت ملكا يقول ما ذا نزل الليلة من المكر فاستيقظت مرعوبا ونظرت في السلامة من ذلك فلم أجدها إلا في العلم بالميزان المشروع فمن أراد الله به خيرا وعصمه من غوائل المكر فلا يضع ميزان الشرع من يده وشهود حاله وهذه حالة المعصوم والمحفوظ فأما إرداف النعم مع المخالفة فهو موجود اليوم كثير في المنتمين إلى طريق الله وعاينت من الممكور بهم خلقا كثيرا لا يحصى عددهم إلا الله وهو أمر عام وأما إبقاء الحال مع سوء الأدب فهو في أصحاب الهمم وهم قليلون على أنا رأينا منهم جماعة بالمغرب وبهذه البلاد وهو أنهم يسيئون الأدب مع الحق بالخروج عن مراسمه مع بقاء الحال المؤثرة في العالم عليهم مكرا من الله فيتخيلون أنهم لو لم يكونوا على حق في ذلك لتغير عليهم الحال نعوذ بالله من مكره الخفي قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ وقال ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقال إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً وهو من كاد من أفعال المقاربة أي كاد إن يكون حقا لظهوره بصفة حق فهو كالسحر المشتق من السحر الذي له وجه إلى الليل ووجه إلى النهار فيظهر للممكور به وجه النهار منه فيتخيل أنه الحق نعوذ بالله من الجهل واعلم أن المكر الإلهي إنما أخفاه الله عن الممكور به خاصة لا عن غير الممكور به ولهذا قال من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ فأعاد الضمير على المضمر في سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وقال ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فمضمرهم هو المضمر في مكروا فكان مكر الله بهؤلاء عين مكرهم الذي اتصفوا به وهُمْ لا يَشْعُرُونَ ثم قد يمكر بهم بأمر زائد على مكرهم فإنه أرسله سبحانه نكرة فقال ومَكَرْنا مَكْراً فدخل فيه عين مكرهم ومكر آخر زائد على مكرهم وقد يكون المكر الإلهي في حق بعض الناس من الممكور بهم يعطي الشقاء وهو في العامة وقد يكون يعطي نقصان الحظ وهو المكر بالخاصة وخاصة الخاصة لسر إلهي وهو أن لا يأمن أحد مكر الله لما ورد في ذلك من الذم الإلهي في قوله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ومن خسر فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ فأخفى المكر الإلهي وأشده سترا في المتأولين ولا سيما إن كانوا من أهل الاجتهاد وممن يعتقد أن كل مجتهد مصيب وكل من لا يدعوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ وعلم قطعي فما هو صاحب أتباع لأن المجتهد مشرع ما هو متبع إلا على مذهبنا فإن المجتهد إنما يجتهد في طلب الدليل على الحكم لا في استنباط الحكم من الخبر بتأويل يمكن أن يكون المقصود خلافه فإذا أمكن فليس صاحبه ممن هو على بصيرة وإن صادف الحق بالتأويل فكان صاحب أجرين بحكم الاتفاق لا بحكم القصد فإنه ليس على بصيرة وإن لم يصادف الحق كان له أجر طلب الحق فنقص حظه فهذا مكر إلهي خفي بهذا العالم المتأول فإنه من المتأهلين أن يدعو إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ بتعليم الله إياه إذا كان من المتقين فمكر العموم الإلهي في إرداف النعم على أثر المخالفات وزوالها عند الموافقات فلا يؤخذ بها فإن كان من علماء عامة الطريق فيرى إن ذلك من حكم قوة الصورة التي خلق عليها فيدعي القهر والتأثير في الحكم الإلهي بالوعيد ويرى أن عموم الحكمة أن يعطي الأسماء الإلهية حقها فيرى أن الاسم الغفار والغفور وأخواته ليس له حكم إلا في المخالفة فإن لم تقم به مخالفات لم يعط بعض الأسماء الإلهية حقها في هذه الدار ويحتج لنفسه بقول الله يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وكذلك يفعل وهذا النظر كله لا يخطر له عند المخالفة وإنما يخطر له ذلك بعد وقوع المخالفة فلو تقدمها هذا الخاطر لمنع من المخالفة فإنه شهود والشهود يمنعه من انتهاك الحرمة الشرعية ولهذا

ورد الخبر إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا

فمنهم من يعتبر ومنهم من لا يعتبر كما قال وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فمنهم من عبده ومنهم من أشرك به فما يلزم نفوذ حكم العلة في كل معلول فلو أبقى عليهم عقلهم ما وقع منهم ما وقع كذلك لو كان المشهود له عند إرادة وقوع المخالفة للأسماء الإلهية لمنعه الحياء من المسمى أن ينتهك حرمة خطابه في دار تكليفه فالمخالف يقاوم القهر الإلهي ومن قاوم القهر الإلهي هلك فإذا أردف النعم على من هذه حالته تخيل أن ذلك بقوة نفسه ونفوذ همته وعناية الله به حيث رزقه من القوة ما أثر بها في الشديد العقاب وغاب عن الحليم وعن الإمهال‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!