﴿عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود:57] فهو بكل شيء محفوظ لأنه بالأشياء معلوم فالأشياء تحفظ العلم به عند العلماء به و العلم صفته و العلم المعلوم و المعلوم أعطاه العلم بنفسه فالمعلوم يحفظ عليه العلم و يزيل عنه العلم فهو يتقلب لتقلبه فحفظ اللّٰه علمه من حيث ما هو معلوم له
فحفظ الحق موسوم *** و حفظ الخلق معلوم
و ما أربى على هذا *** فمدخول و موهوم
لأن المعلومات تحفظ على العالم بها علمه بها و لا عالم إلا اللّٰه على الحقيقة و الحق يحفظ على العالم نسبة الوجود إليه فهو يحفظ عليه وجوده و إنما قلنا المعلومات لأن الحق معلوم لنفسه و الخلق معلومون لله و الحق ليس بمعلوم للخلق فقد علمنا ما يحفظ الحق و ما يحفظ الخلق فإن زدت و قلت إن العالم يحفظ المعلوم فمدخول هذا القول و هو وهم من قائله لأن التابع بأمر المتبوع و العلم يتبع المعلوم فتفطن لهذا الأمر فإنه حسن يجعلك تنزل الأشياء منازلها و تحفظ عليها حدودها فتكون حفيظا ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] و إنما ألحقنا الحفظية بالحفظ لما وصف الحق بها نفسه في كتابه و على لسان رسوله فلما كان لها حكم في الوجود الحق و سعى الانتقام و العفو في إزالتها خفنا أن يعتقد إزالة عينها و ما زالت إلا إضافتها فجعل محلها جهنم فهي غضب اللّٰه الدائم فهي تنتقم دائما في زعمها و لا تشعر بما يجد الساكن فيها و كذلك حياتها و عقاربها في لدغها و نهشها تلدغ انتقاما و تنهش غصبا لله و ما عندها علم بما يجده الملدوغ إذا عمته الرحمة من الالتذاذ إذ بذلك اللدغ فإنه بمنزلة الجرب بالحك أنت تدميه و هو يجد اللذة بذلك الإدماء و كلما قوى الحق عليه تضاعفت اللذة حتى أنه يبادر إلى حك نفسه بيده لما يجد في ذلك من الالتذاذ به مع سيلان دمه في ذلك الحك فجهنم دار الغضب الإلهي و حاملته و المتصفة به و كذلك من فيها من وزعة الغضب و المغضوب عليه بما يجده لا بما في نفوس هؤلاء و لكن لا يحصل لهم هذا إلا بعد استيفاء الحدود و الإحساس بالآلام عند نضج الجلود فتبدل لذوق العذاب كما تبدلت الأحوال عليهم في الدنيا بأنواع المخالفات فلكل نوع عذاب و لهم جلد خاص يحس بالألم كما كان هنا دائما في تجديد خلق و الناس في هذا التجديد في لبس فإذا انتهى زمان المخالفة المعينة انتهى نضج الجلد فإن شرع عند انتهاء المخالفة في مخالفة أخرى أعقب النضج تبديلا بجلد آخر ليذوق العذاب كما ذاق اللذة بالمخالفة و إن تصرف بين المخالفتين بمكارم خلق استراح بين النضج و التبديل بقدر ذلك فهم على طبقات في العذاب في جهنم و من أوصل المخالفات و مذام الأخلاق بعضها ببعض فهم الذين لا يفتر عنهم العذاب فلما انتهى بهم العمر إلى الأجل المسمى انتهت المخالفة فتنتهي العقوبة فيهم إلى ذلك الحد و تكتنفهم الرحمة التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و لا تشعر بذلك جهنم و لا وزعتها أعني ما فيها من الحيوانات المضرة لا ملائكة العذاب فتبقى أحوال جهنم على ما هي عليه و الرحمة قد أوجدت لهم نعيما لهم في تلك الصورة بحكمها فإن الرحمة هي السلطانة الماضية الحكم على الدوام فافهم ما أومأنا إليه فإنه من لباب الحفظ الإلهي حفظ المراتب
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية