فمن أراد أن يسبح الحق في هجيره فليسبحه بمعنى قوله ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] أي بالثناء الذي أثنى به على نفسه فإنه ما أضافه إلا اللّٰه هكذا هو تسبيح كل ما سوانا فإنا لا نفقة تسبيحهم إلا إذا أعلمنا اللّٰه به و هذا ضد ما تعطيه حقيقة التسبيح بل هذا تسبيح عن التسبيح مثل قولهم التوبة من التوبة فإن التسبيح تنزيه و لا ينزه إلا عن كل نعت محدث يتصف به المخلوق و ما نزل إلينا من اللّٰه نعت في كتاب و لا سنة إلا و هو شرب المخلوق و جعل ذلك تعالى حمد نفسه و ذكر عن كل شيء أنه يسبح بحمده أي بالثناء الذي أنزله من عنده ﴿وَ الْمَلاٰئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً﴾ فمن سبحه عن هذه المحامد فما سبحه بحمده بل أكذبه و إنما سبحه بعقله و دليله في زعمه و الجمع بين الأمرين أن تسبحه بحمده و هو التنزيه عن التنزيه و ذلك عين الاشتراك في النسبة كعدم العدم الذي هو وجود و إن أرادوا به المبالغة في التنزيه فذلك ليس بحمد اللّٰه بل حمد اللّٰه نفسه بما ذكرناه فإذا سبحه بحمده و هو الإقرار بما ورد من عنده مما أثنى به على نفسه أو مما أنزله عليك في قلبك و جاء به إليك في وجودك مما لم ينقل إليك و اجعل ذلك التسبيح كالصورة و اجعل قوله و الحق وراء ذلك كله كالروح التي لا تشاهد عينها لتلك الصورة و يكفيك من العلم بها مشاهدتك أثرها فإنك تعلم أن وراء تلك الصورة أمرا آخر هو روحها كذلك تعلم أن الحق وراء كل ثناء لك فيه شرب و من المحال أن يكون عندك ثناء على اللّٰه معين في الدنيا و الآخرة لا يكون لك فيه شرب فإنه لا يصح لك أن تثني عليه بما لا تعقله و مهما عقلت شيئا أو علمته كان صفتك و لا بد فلا يصح في الكون على ما تعطيه الحقائق التسبيح الذي يتوهمه علماء الرسوم و إنما يصح التسبيح عن التسبيح ما دام رب و عبد و لا يزال عبد و رب فلا يزال الأمر هكذا فسبح بعد ذلك أو لا تسبح فأنت مسبح شئت أو أبيت و علمت أم جهلت و لو لا ما هو الأمر على هذا في نفسه ما صح أن يظهر في العالم عين شرك و لا مشرك و قد ظهر في الوجود المشرك و الشرك فلا بد له من مستند إلهي عنه ظهر هذا الحكم و ليس إلا ما ذكرنا من أن العبد له شرب في كل ما يسبح به ربه من المحامد و أعلى المحامد بلا خلاف عقلا و شرعا
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية