قال اللّٰه عز و جل ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] فابتدأ بلام العلة و ختم بياء الإضافة و «قال فيما أوحى به إلى موسى عليه السّلام يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك و خلقتك من أجلي» و «قال لنا على لسان رسوله ﷺ الصوم لي» و «قال الصوم لا مثل له فإنه له» و ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] و أذل الأذلاء من كان له عزَّ وجلَّ لأن ذلك الذليل على قدر من ذل تحت عزه و لا عز أعظم من عز الحق فلا ذل أذل ممن هو لله و من ذل لله فإنه لا يذل لغير اللّٰه أصلا إلا أن يذل لعين الصفة حيث يراها في مخلوق أو غير مخلوق فيتخيل من لا علم له بما شهده هذا الذليل أنه ذل تحت سلطان هذا العزيز و إنما ذل تحت سلطان العزة و هي لله فما ذل إلا للحق المنعوت بهذا النعت و ينبغي له أن يذل فلها يذل كل ذليل في العالم فمنهم العالم بذلك في حال ذله و منهم من لا يعلم و أما الخزي فلا يخزي إذا كان لله فإن الخزي لا يكون من اللّٰه لمن هو له و إنما يكون لمن هو لغير اللّٰه في شهوده و لذلك قالت خديجة و ورقة بن نوفل لرسول اللّٰه ﷺ كلا و اللّٰه لا يخزيك اللّٰه أبدا لما ذكر له ابتداء نزول الناموس عليه فالخزي الذي يقوم بالعبد إنما هو ما جناه على نفسه بجهله و تعديه رسوم سيده و حدوده فالذل صفة شريفة إذا كانت الذلة لله و الخزي صفة ذميمة بكل وجه إذا قامت بالنفس فجميع مذام الأخلاق و سفسافها صفات مخزية عند اللّٰه و في العرف و جميع مكارم الأخلاق صفات شريفة في حق و خلق أ لا ترى إلى «قول رسول اللّٰه ﷺ إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية