و النوع الثالث قرب بالعمل
و ينقسم على قسمين قرب بأداء الواجبات و قرب بالمندوبات في عمل الظاهر و الباطن فأما قرب العلم فأعلاه توحيد اللّٰه في الوهته فإنه لا إله إلا هو فإن كان عن شهود لا عن نظر و فكر فهو من أولي العلم الذين ذكرهم اللّٰه في قوله ﴿شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ الْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ﴾ [آل عمران:18] لأن الشهادة إن لم تكن عن شهود و إلا فلا فإن الشهود لا يدخله الريب و لا الشكوك و إن وحده بالدليل الذي أعطاه النظر فما هو من هذه الطائفة المذكورة فإنه ما من صاحب فكر و إن أنتج له علما إلا و قد يخطر له دخل في دليله و شبهة في برهانه يؤديه ذلك إلى التحير و النظر في رد تلك الشبهة فلذلك لا يقوى صاحب النظر في علم ما يعطيه لنظر قوة صاحب الشهود و هذا الصنف إذا قضى اللّٰه عليه بدخول النار لأسباب أوجبت له ذلك فهو الذي يخرجه الحق من النار بعد شفاعة الشافعين و أما قرب العمل فهو علم ظاهر و هو ما يتعلق بالجوارح و علم باطن و هو ما يتعلق بالنفس فأعم الأعمال الباطنة الايمان بالله و ما جاء من عنده لقول الرسول لا للعلم بذلك و عمل الايمان يعم جميع الأفعال و التروك فما من مؤمن يرتكب معصية ظاهرة أو باطنة إلا و له فيها قربة إلى اللّٰه من حيث إيمانه بها إنها معصية فلا يخلص أبد المؤمن عمل سيئ دون أن يخالطه عمل صالح قوله تعالى فيمن هذه صفته ﴿عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة:102] و ما ذكر لهم قربة فما تاب هنا في هذه الآية عليهم ليتوبوا و إنما هو رجوع بالعفو و التجاوز و عسى من اللّٰه واجبة عند جميع العلماء فالشرط المصحح لقبول جميع الفرائض فرض الايمان ثم يتقرب العبد بأداء الفرائض فمن حصل له هنا ثمرتها كان سمعا للحق و بصرا فيريد الحق بإرادته على غير علم منه أن مراده مراد لله وقوعه فإن علم فليس هو صاحب هذا المقام هذا ميزان أداء الفرائض و هو أحب ما يتقرب به إلى اللّٰه و أما قرب النوافل فإنه أيضا يحبه اللّٰه و محبة اللّٰه أعطته أن يكون الحق سمعه و بصره هذا ميزانها في قرب النوافل و لما كانت المحبة لها مراتب متميزة في المحب قيل محب و أحب و قد وصف اللّٰه نفسه بأحب في قوله بأحب إلي من أداء ما افترضته عليه و في النوافل قال أحببته من غير مفاضلة و افترض عليه الايمان به و بما جاء من عنده فالمؤمن له مرتبة الحب و الأحب و أما عمل الجوارح فإنه قرب أيضا و لا بد أن تجني الجارحة ثمرتها أي ثمرة عملها في حق كل إنسان من غير تقييد و لكن هم في ذلك على طبقات مختلفة في أي دار كانوا أو من أي صنف كانوا و سواء قصد القرب بذلك العمل أو لم يقصد فإن العمل يطلب ميزانه و قد وقع من الجارحة فهو حق لها و النية حق للنفس حتى أنه لو ذكر اللّٰه بيمين فاجرة يقتطع بها حق امرئ لكان للجارحة أجر ذكر اللّٰه لما جرى على اللسان و على النفس وزر ما نوته من ذلك و التنبيه على ما ذكرناه كون حكم ظاهر الشرع أسقط عنه بيمينه حق الطالب فإذا كان أثرها في الظاهر بهذه القوة في الدنيا فما ظنك بما تجنيه تلك الجارحة الذاكرة ربها في الأخرى فإن الجارحة لا خبر لها بما نوته النفس من ذلك فحظها النطق بذكر اللّٰه لا تدري أن ذلك الذكر يعود منه وبال على النفس أم لا و لا تدري هل هو مشروع أم غير مشروع و لذلك إذا شهدت الجوارح و الجلود بما وقع منها من الأعمال على النفس المدبرة لها ما تشهد بوقوع معصية و لا طاعة و إنما شهادتها بما عملته و اللّٰه يعلم حكمه في ذلك العمل و لهذا إذا كان يوم القيامة ﴿تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور:24]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية