و هذا الركن هو الذي يعطي الصور في العالم كله و حياته في حركاته ثم إن هذا الركن جعله اللّٰه مالحا لما فيه من مصالح العالم فإنه بما فيه من الملوحة يصفي الجو من الوخم و العفونات التي تطرأ فيه من أبخرة الأرض و أنفاس العالم و ذلك أن الأرض بطبعها ما تعطي التعفين لأنها باردة يابسة فيحصل فيها من الماء رطوبات عرضية تكثر فإذا كثرت و سخنتها أشعة الكواكب مثل الشمس و غيرها بمرور هذه الأشعة على الأثير ثم بما في جو الأرض من حركات الهواء المنضغط فإن الحركة سبب موجب لظهور الحرارة و يظهر ذلك في الحمامات في الأرض الكبريتية فإذا تضاعفت كمية الحرارة على هذه الرطوبات صعدت بها علوا بخارا فمن هنالك يطرأ التعفين في الجو فيذهب ذلك التعفين ما في البحر من الملوحة فيصفو الجو و ذلك من رحمة اللّٰه بخلقه فلا يشعر بذلك إلا العلماء من عباد اللّٰه
[إن اللّٰه جعل للبقاع في الماء حكما]
ثم إن اللّٰه جعل للبقاع في الماء حكما و أصل ذلك الحكم من الماء هذا هو العجب فجعل من الأرض سباخا تعطي ماء مالحا إذا عظم ذلك منها و تعطي فعاما و مرا و زعاقا كما تعطي أيضا عذبا فراتا كل ذلك بجعل اللّٰه تعالى و أصل هذا كله مما أعطى الماء الأرض من الرطوبات و أعطاها الهواء و الحركات من الحرارة و تختلف أمزجة الأرض فمن الماء عذب فرات لمصالح العباد فيما يستعملونه من الشرب و غير ذلك و منه ملح أجاج لمصالح العباد فيما يذهب به من عفونات الهواء فما من ركن إلا و قد جعله اللّٰه مؤثرا و مؤثرا فيه أصل ذلك في العلم الإلهي ﴿وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية