فعلم أنه واحد في ألوهيته من حيث قوله ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اللّٰهُ﴾ [محمد:19] فذلك يسمى إيمانا و يسمى المؤمن به على هذا الحد صديقا فإن نظر في دليل يدل على صدق قوله ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اللّٰهُ﴾ [محمد:19] و عثر على توحيده بعد نظره فصدق الرسول في قوله و صدق اللّٰه في قوله له لا إله إلا اللّٰه فليس بصديق و هو مؤمن عن دليل فهو عالم فقد بان لك منزل الصديقية و أن الصديق هو صاحب النور الإيماني الذي يجده ضرورة في عين قلبه كنور البصر الذي جعله اللّٰه في البصر فلم يكن للعبد فيه كسب كذلك نور الصديق في بصيرته و لهذا قال ﴿أُولٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدٰاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [الحديد:19] من حيث الشهادة ﴿وَ نُورُهُمْ﴾ [الحديد:19] من حيث الصديقية فجعل النور للصديقية و الأجر للشهادة و هي بنية مبالغة في التصديق و الصديق كشريب و خمير و سكير فليس بين النبوة التي هي نبوة التشريع و الصديقية مقام و لا منزلة فمن تخطي رقاب الصديقين وقع في النبوة الرسالية و من ادعى نبوة التشريع بعد محمد صلى اللّٰه عليه و سلم فقد كذب بل كذب و كفر بما جاء به الصادق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم
[مقام القربة]
غير أن ثم مقام القربة و هي النبوة العامة لا نبوة التشريع فيثبتها نبي التشريع فيثبتها الصديق لإثبات النبي المشرع إياها لا من حيث نفسه و حينئذ يكون صديقا كمسألة موسى و الخضر و فتى موسى الذي هو صديقه و لكل رسول صديقون إما من عالم الإنس و الجان أو من أحدهما فكل من آمن عن نور في قلبه ليس له دليل من خارج سوى قول الرسول قل و لا يجد توقفا و بادر فذلك الصديق فإن آمن عن نظر و دليل من خارج أو توقف عند القول حتى أوجد اللّٰه ذلك النور في قلبه فآمن فهو مؤمن لا صديق فنور الصديق معد قبل وجود المصدق به و نور المؤمن غير الصديق يوجد بعد «قول الرسول قل لا إله إلا اللّٰه» و نور المؤمن يكونه قربة بعد النظر في الدليل الذي أعطاه العلم بالتوحيد فهو في علمه بالتوحيد صاحب نور علم لا نور إيمان و هو في كون ذلك العلم و النظر قربة إلى اللّٰه صاحب نور إيمان فإن نور العلم بتوحيد اللّٰه قد شهدوا اللّٰه بتوحيده قبل ذلك و الرسل منهم قد وحدوه قبل أن يكونوا أنبياء و رسلا فإن الرسول ما أشرك قط قال تعالى ﴿شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ وَ الْمَلاٰئِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ﴾ [آل عمران:18]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية