فاعلم إن الحق المخلوق به و العالم المخلوق أمران محققان أنهما أمران عند الجميع غير أنهما نظير الجوهر الهبائي و الصورة و معلوم عند الجماعة أن الأفعال تصدر من الصورة و لكن من هو الصورة هل العالم أو المخلوق به الذي هو الحق الذي قال اللّٰه فيه ﴿مٰا خَلَقْنٰاهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ﴾ [الدخان:39] و ﴿بِالْحَقِّ أَنْزَلْنٰاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء:105] فمن رأى أن الحق المخلوق به مظهر صور العالم ظهرت فيه بحسب ما تعطيه حقائق الصور على اختلافها بحسب الأفعال إلى الخلق و من رأى أن أعيان الممكنات التي هي العالم هو الجوهر الهبائي و أن الحق المخلوق به هو الصورة في هذا العالم و تنوعت أشكال صوره لاختلاف أعيان العالم فاختلفت عليه النعوت و الألقاب كما تنسب الأسماء الإلهية من اختلاف آثارها في العالم فمن رأى هذا نسب الفعل إلى اللّٰه بصورة الصورة الظاهرة و من رأى أن ظهور الصورة لا يتمكن إلا في الجوهر الهبائي و أن الوجود لا يصح للجوهر الهبائي في عينه إلا بحصول الصورة فلا تعرف الصورة إلا بالجوهر الهبائي و لا يوجد الجوهر الهبائي إلا بالصورة نسب الأفعال إلى اللّٰه بوجه و إلى العباد بوجه فعلق المحامد و الحسن بما ينسب من الأفعال للحق و علق المذام و القبح بما ينسب من الأفعال للعباد بالخلق الذي هو العالم لحكم الاشتراك العقلي و التوقف في العلم بكل واحد منهما و توقف كمال الوجود على وجودهما و قد رميت بك على الجادة
[و ما رميت إذ رميت و لكن اللّٰه رمى]
فهذا تفسير ﴿وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ﴾ [الأنفال:17]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية