فما رأيت غيري *** إذ كان جملتي
و رأيت في هذه الواقعة أنواعا كثيرة من مبشرات إلهية بالتقريب الإلهي و ما يدل على العناية و الاعتناء فأرجو من اللّٰه أن يحقق ذلك في الشاهد فإن الأدب يعطي أن أقول في مثل هذا ما قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن يكن من عند اللّٰه يمضه مع علمه بأنه من عند اللّٰه فما قلت مثل هذا قط في واقعة إلا و خرجت مثل فلق الصبح فإني في هذا القول متأس و مقتد «برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم لما رأى في المنام أن جبريل عليه السلام أتاه بعائشة في سرقة حرير حمراء و قال له هذه زوجتك فلما قصها على أصحابه قال إن يكن من عند اللّٰه يمضه» فجاء بالشرط لسلطان الاحتمال الذي يعطيه مقام النوم و حضرة الخيال فكان كما رأى و كما قيل له فزوجها بعد ذلك فاتخذت ذلك في كل مبشرة أراها و انتفعت بالاتباع فيه و ما قلت هذا كله إلا امتثالا لأمر اللّٰه في قوله ﴿وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11] و أية نعمة أعظم من هذه النعم الإلهية الموافقة للكتاب و السنة
[ماء زمزم هو علم خفى في صورة طبيعية عنصرية]
ثم نرجع و نقول فإذا فرغ من طواف الإفاضة إن كان عليه سعى خرج يسعى على ما قررنا قبل في السعي عند الكلام عليه و إلا أتى زمزم فتضلع من مائها و هي بئر فهو علم خفي في صورة طبيعية عنصرية قد اندرج فيها تحيي بها النفوس يدل على العبودية المحضة فإن حكم اللّٰه تعالى في الطبيعة أعظم منه في السموات و الأرض لأنهما من عالم الطبيعة عندنا و عن الطبيعة ظهر كل جسم و جسد و جسماني في عالم الأجسام العلوي و السفلي
(وصل)في فصل
قوله تعالى ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ وَ الْحَجِّ﴾ و لم يقل للحاج فأنزل الحج في الآية منزلة الناس ما أنزله منزلة الديون و البيوع و إن كان المعنى يطلبه فعلمنا إن حكم الحج عند اللّٰه ليس حكم الأشياء التي تعتبر فيها الأهلة أعني مواقيت الأهلة
[أكثر أفعال الحج تعبد محض]
و الحج فعل مضاف مخصوص معين يفعله الإنسان كسائر أفعاله في بيوعه و مدايناته فاعتنى بذكر هذه الأفعال المخصوصة لأنها أفعال مخصوصة لله عزَّ وجلَّ بالقصد ليس للعبد فيها منفعة دنيوية إلا القليل من الرياضة البدنية و لهذا تميز حكم الحج عن سائر العبادات في أغلب أحواله و أفعاله في التعليل فأكثره تعبد محض لا يعقل له معنى عند الفقهاء فكان بذاته عين الحكمة ما وضع لحكمة موجبة و فيه أجر لا يكون في غيره من العبادات و تجل إلهي لا يكون في غيره من الأعمال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية