The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


175. الموقف الخامس والسبعون بعد المائة

قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس: 114/1].

الربّ اسم للمرتبة الجامعة للأسماء، المتعلقة بالحق والخلق، والمختصّة بالخلق، فالمتعلقة بالحق والخلق كالعليم والسميع والبصير، فإن علمه يتعلّق بذاته وبمخلوقاته، وكذا سمعه وبصره ونحو ذلك، والأسماء المختصة بالخلق هي أسماء الأفعال  كالخالق والمصوّر وأمثالهما فإنها لا تعلّق له بالحق تعالى ـ. والربّ والمربوب أمران متلازمان، تلازم المتضايفين والمنتسبين، فل ينفك أحدهما عن الآخر، ربّ بلا مربوب لا يكون، ومربوب بلا ربّ لا يوجد، والناس يعم الجن والإنس، والناقص والكامل، والمراد هنا الناس الكاملون، فهو لفظ عام أريد به خاص، كما في قوله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾[آل عمران: 3/ 173].والقائل و احد، فا (النَّاسُ) هنا كلمات الله التامّات، التي يحق الله بها الحق، ويبطل الباطل، كما قال: ﴿وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ﴾[الأنفال: 8/ 7- 8].

وكثيراً ما كان (صلى الله عليه وسلم) يتعّوذ بهن، كقوله: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة» .

وقوله: «أعوذ بكلمات الله التامات»

وإنّما خصّهم بهذه الإضافة، وإن كان تعالى ربّهم ورب غيرهم، زيادة تشريف وإعظام لهم:

﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾[الناس: 114/2].

الملك اسم للمرتبة التي تحتها أسماء الأفعال فقط، وهذا هو الفرق بين مرتبة الربوبية والملكية، فإن الربوبية كما قدّمنا جامعة للأسماء المشتركة بين الحق والخلق، والمختصة بالخلق، والملكية مختصّة بالأسماء المختصّة بالخلق، كالقادر والمريد والمعطي والمانع والضار والوهاب ونحوها، فهو قادر على الممكنات لا على نفسه، ومريد لها، وقس على هذا جميع أسماء الأفعال. فالملك لا يكون بغير مملكة يتصرّف فيها، فالملكية تحت الربوبية، كما أن الربوبية تحت الرحمانية، كما أن الرحمانية تحت الواحدية، كما أن الواحدية تحت الأحدية. والناس هنا المراد بهم بعض ما شمله لفظ الناس وهم الجن، فهو عام أريد به خاصّ أيضاً، وإنما خصّهم بالإضافة هنا لأنَّ الجن لهم قدرة التطوّر في الصور والتشكّل بالأشكال المختلفة، والاقتدار على الأفعال العظيمة، والنفوذ في الأجسام، ومنهم شياطين ومردة، فربّما يتوهم أنَّ الحكم الربّاني والإقتدار الإلهي غير نافذ فيهم، فأخبر تعالى أنهم مع هذه الصفات المتقدمة، من جملة المملكة التي يتصرف فيها الملك الحق، وإنهم في قبضته وتحت قهر تصرفه.

﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾[الناس: 114/3].

الإله اسم للمرتبة الجامعة لجميع الأسماء ذاتية وصفاتية، وفعلية جلالية، وجماليّة وكمالية، وهذه المرتبة فوق المراتب كلها، من حيث إنها مرتبة إعطاء كل ذي حق حقه، من الحق والخلق، فلها الحيطة والشمول على كل مظهر حقّي وخلقي، فهي الجامعة للضدّين يظهر فيها القديم بصورة الحادث، كما في قوله (صلى الله عليه وسلم): ((رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة، على وجهه فراش من ذهب، وفي رجليه نعلان)) .

ويظهر الحادث فيها بصورة القديم، كما في قوله (صلى الله عليه وسلم).

((إنَّ الله خلق آدم على صورته))أو ((صورة الرحمن)).

روايتان، فالناس هنا المراد هم ما يعمّه لفظة الناس من الجن والإنس، فهو تعميم بعد تخصيص، فانظر كيف ذكر مرتبتين من المراتب الخاصة، وذكر لكل واحدة م يناسبها في لفظة الناس، ثم ذكر المرتبة العامة وذكر ما يناسبها وهو عموم الناس، وإن القرآن يجلّ عن تكرار لفظة لغير زيادة معنى.

﴿ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾[الناس: 114/4].

"أل" في الوسواس للجنس، فإنَّ للشيطان وسوسة، وللنفس وللشكّ وللظنّ وللوهم وسوسة، وللهوى وسوسة، كما قال: ﴿وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم ﴾[الأنعام: 6/ 119].

وقال: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾[يوسف:12/ 53]

﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾[النجم: 53/ 28].

إلى غير ذلك. فهذه كلّها أمرنا تعالى بالاستعاذة منها. فإذا حضر النور الحق، وجاء العلم الصدق، خنست وبطل أثرها وتأخرت، فانظر إلى الوهم كيف يخنس عند النتيجة، بعد المساعدة على المقدمات. وما أمرنا تعالى بالاستعاذة من شرّ الوسواس، على أننا نجعل الوسواس مقابلاً له مقابلة الضد، فيكون بمثابة الشريك في المملكة؛ وإنما أمرنا أن نستعيذ به منه، فإنه المنفرد بالضرّ والنفع تعالى نستعيذ بأسمائه الجماليّة، من أسمائه الجلاليّة، كما قال السيد الكامل معلم الخير: ((أعوذ بك منك)).

فليس الوسواس إلاَّ مظهر المضل، ونحوه. وأنه تعالى نهانا أن نخاف غيره، في غير ما آية وحديث، وحيث كانت هذه الأشياء المعبّر عنها بالوسواس، من الأسباب التي جعلها الحكيم العليم وسائط لوصول الشرّ والضلال، و الشرائع جاءت باعتبار الوسائط ومراعاتها ظاهراً، مع اعتقاد أنه لا مؤثر إلاَّ هو تعالى حذّرنا من الاغترار بها، والركون إليها.

قال بعض الأكابر:في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾[فاطر: 35 /6].

وأنَّ طائفة لما سمعوا هذه الآية فهموا منها عداوة الشيطان فقط، فاستعدو لعداوته بالحذر منه، والاشتغال بمراقبته، وسد أبواب هجومه، والتيقظ لمكائده، ففاتهم بذلك خير عظيم، وطائفة فهموا منها الشيطان لكم عدوّ وأنا لكم صديق، فتعلّقوا به تعالى ، وانحاشوا إليه واشتغلوا بمراقبته فكفاهم شرّ العدو، وحصلوا على خبر عظيم، فالطائفة الأولى العباد والزهاد والثانية العارفون بالله.

﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾[الناس: 114/5].

صفة لجنس الوسواس.

﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ﴾[الناس: 114/6]

بيان للناس الموسوس في صدورهم وهم الجن و الإنس، وإن للجن وهماً ونفثاً وظناً وشكاً، كما لابن آدم، وما أضل أول ضال، الحارث، إلاَّ نفسه ووهمه، ولو كان له شيطان يوسوسه لدار أو تسلسل، وذلك محال.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!