الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


[أن كل من نصر دين الله في أي زمان كان فهو من الأنصار]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

[أن كل من نصر دين الله في أي زمان كان فهو من الأنصار]

واعلم أن كل من نصر دين الله في أي زمان كان فهو من الأنصار وهو داخل في حكم هذا الحديث واعلم أن الأنصار لدين الله رجلان الواحد نصر دين الله ابتداء من نفسه من غير إن يعرف وجوب ذلك عليه ورجل عرف نصرة الدين عليه بقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ الله فأمرهم بنصرة الله فادى واجبا في نصرته فله أجر النصرة وأجر أداء الواجب بما نواه من امتثال أمر الله في ذلك وتعين عليه ولو كفاه غيره مئونة ذلك فلا يتأخر عن أمر الله ونصرة الله قد تكون بما يعطي من العلم المظهر للحق الدافع للباطل فهو جهاد معنوي محسوس فكونه معنويا لأن الباطن يقبله فإن العلم متعلقة النفس وأما كونه محسوسا فما يتعلق بذلك من العبارة عنه باللسان أو الكتابة فيحصل للسامع أو الناظر بطريق السمع من المتكلم أو بطريق النظر من الكتابة وجهاد العدو نصرة محسوسة ما هي معنوية فإنه ما نال العدو من المقاتل له شيئا في الباطن برده عن اعتقاده كما ناله من العالم إذا علمه وأصغى إليه وو فقه الله للقبول وفتح عين فهمه لما يورده عليه العالم في تعليمه وهي أعظم نصرة وهو أعظم أنصاري لله‏

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس‏

وقد طلعت الشمس على كل عالم عامل بخير فأنت خير منه إذا نصرت بتعليم العلم دين الله في نفس هذا المخاطب وعليك بصدق الحديث وأداء الأمانة وصدق الوعد فاجتنب الكذب والخيانة وخلف الوعد وإذا خاصمت أحدا فلا تفجر عليه‏

فإن علامة المنافق وآيته إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإذا خاصم فجر

وأعظم الخيانة أن تحدث أخاك بحديث يرى أنك صادق فيه وأنت على غير ذلك وإن الإنسان إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به وكذلك الشيطان إذ أمر ابن آدم بالمعصية فعصى تبرأ منه الشيطان خوفا من الله تعالى فاعمل على ذوق هذه الروائح المعنوية واستنشاقها فإن له حجبا على أنفك تمنعك من إدراك أنتن ذلك فلا يكن الشيطان مع كفره أدرك للأمور وأخوف من الله منك واعتبر في تبريه من ذلك فإنها خميرة من الله في قلبه إلى زمان ما يظهر حكمها فيه مع كونه مجبولا على الإغواء كما هو مجبول على التبري والخوف من الله أخبر الله عنه أنه يقول لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فإذا كفر يقول الشيطان إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ فما أخذ الشيطان قط يعلمه لشرف علمه وإنما يؤخذ لصدق الحق فيما قاله فيما شرعه فيمن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها فالشيطان يوم القيامة يحمل أثقال غيره فإنه في كل إغواء يتوب عقيبه ثم يشرع في إغواء آخر فيؤخذ بعمل غيره لأنه من وسوسته والإنسان الذي لا يتوب إذا سن سنة سيئة يحمل ثقلها وأثقال من عمل بها فيكون الشيطان أسعد حالا منه بكثير وإياك أن تخلف وعدك ولتخلف‏

إيعادك ولكن سم إخلاف إيعادك تجاوزا حتى لا تتسمى بأنك مخلف ما أوعدت به من الشر وهذه شبهة المعتزلة وغاب عنها قوله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه وما تواطئوا عليه أعني الأعراب إذا أوعدت أو وعدت بالشر التجاوز عنه وجعلت ذلك من مكارم الأخلاق فعاملهم الحق بما تواطئوا عليه فزلت هنا المعتزلة زلة عظيمة أوقعها في ذلك استحالة الكذب على الله تعالى في خبره وما علمت إن مثل هذا لا يسمى كذبا في العرف الذي نزل به الشرع فحجبهم دليل عقلي عن علم وضع حكمي وهذا من قصور بعض العقول ووقوفها في كل موطن مع أدلتها ولا ينبغي لها ذلك ولتنظر إلى المقاصد الشرعية في الخطاب ومن خاطب وبأي لسان خاطب وبأي عرف أوقع المعاملة في تلك الأمة المخصوصة يقول بعض الأعراب في كرم خلقه وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادى ومنجز موعدي لكن لا ينبغي أن يقال مخلف بل ينبغي أن يقال إنه عفو متجاوز عن عبده‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!