الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


لقلة علمه ودناءة همته

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

لقلة علمه ودناءة همته

لقلة علمه ودناءة همته فقال وإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى‏ لَنْ نَصْبِرَ عَلى‏ طَعامٍ واحِدٍ يشير إلى أن الصبر مع الله صعب فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من بَقْلِها وقِثَّائِها وفُومِها وعَدَسِها وبَصَلِها فقال لهم أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى‏ وهو ما ذكروه بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وهو ما أنزل الله عليهم من المن والسلوى فأشار إلى دناءة همتهم بقوله اهْبِطُوا مِصْراً لما نزلوا إلى الأدون من الأعلى قيل لهم اهبطوا مصر فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ إنما هي أعمالكم ترد عليكم وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ لأنهم هبطوا وباؤُ بِغَضَبٍ من الله لأنهم لم يختاروا ما اختار الله لهم وكفروا بالأنبياء وبآيات الله وقتلوا الأنبياء بغير الحق وعصوا واعتدوا ومما ذمهم به القساوة فقال بعد تقرير ما أنعم الله به عليهم ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ من بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وإنما كانت أشد قسوة لأن من الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله وأنتم ما عندكم في قلوبكم من هذا شي‏ء يذمهم بذلك ومما ذم من يقول ما توسوس به نفسه وما يسول له شيطانه هذا من عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا به ثَمَناً قَلِيلًا من الجاه والرئاسة عليهم وما يحصلوه من المال فأخبر الله تعالى أن لهم الويل من الله من أجل ذلك هذا كله ذكره الله في كتابه لنا لنجتنب مثل هذه الصفات ومما أوصى به عباده مما يحمده أن لا تعبدوا إِلَّا الله وبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وذِي الْقُرْبى‏ والْيَتامى‏ والْمَساكِينِ وقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فمن يعمل بوصيته ووصف حاله على جهة الذم يسمعنا تعالى ما جرى من عباده حتى لا نسلك مسلكهم الذي ذمهم الله به فقال عقيب هذا القول ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ... ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ من دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ والْعُدْوانِ وإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى‏ تُفادُوهُمْ وهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ كما قال في حقهم وحق أمثالهم إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ويُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الله ورُسُلِهِ ويَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ ويُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا وأخبر أن هؤلاء هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وقال فَما جَزاءُ من يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ في الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى‏ أَشَدِّ الْعَذابِ وما الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فإنه أخبر عن هؤلاء أنهم الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ولا هُمْ يُنْصَرُونَ كما اشتروا أولئك الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ كما اشتروا أمثالهم الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فتعجب الله من صبرهم على النار بقوله فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فدل على أنهم عرفوا الحق وجحدوا مع اليقين كما قال في حق من هذه صفته في النمل وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ إنها يعني الآيات براهين على صدقهم فيما أخبروا به عن الله ظُلْماً وعُلُوًّا وأي آية كانت للعرب معجزة مثل القرآن ولذلك قال ذلِكَ بِأَنَّ الله نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وقال في الذين يكتمون ما أنزل الله من الْبَيِّناتِ والْهُدى‏ من بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتابِ إن أولئك يَلْعَنُهُمُ الله ويَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ وإنه من سئل عن علم تعين عليه الجواب عنه وهو يعلمه فكتمه وهو مما أنزله الله ألجمه الله بلجام من نار وإن الذين كتموا ما أَنْزَلَ الله من الْكِتابِ واشتروا به ثمنا قليلا أي بكتمانهم لما حصلوه من المال والرئاسة بذلك إن أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ في الْآخِرَةِ ولا يُكَلِّمُهُمُ الله (وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) يَوْمَ الْقِيامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وأوصى عباده أيضا فقال لهم لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولكِنَّ الْبِرَّ من آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ... وأَقامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكاةَ والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا والصَّابِرِينَ في الْبَأْساءِ والضَّرَّاءِ وحِينَ الْبَأْسِ فأخبر أن أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ وأوصى ولي الدم أن يعفو ويخلي بين القاتل والمقتول يوم القيامة وأخبر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن حكم القاتل قوادا حكم القاتل اعتداء

وهو قوله وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فقال في صاحب التسعة أ ما إن قتله كان مثله فتركه ولم يقتله فَمَنْ عُفِيَ لَهُ من أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ من ولي الدم وأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ من القاتل إلى ولي الدم فَمَنِ اعْتَدى‏ بَعْدَ ذلِكَ أي إن قتله بعد ذلك غدرا وقد رضي بالدية وبما عفا عنه منها فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ وذكر في حق من حضرته الوفاة أن يوصي مما له التصرف فيه من ماله وهو الثلث للاقربين وهم الذين لا حظ لهم في الميراث وللوالدين وهو مذهب ابن عباس حتى أنه يعصي عنده من لم يوص لوالديه عند الموت بالمعروف وهو أنه‏

لا يتجاوز ثلث ماله وأخبر أنه حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ وأخبر أنه من بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ من الموصي إن إثمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ من الأولياء والحكام وأخبر عن الساعي بالصلح بين الموصي والموصى له أنه فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ فهذه كلها وصايا إلهية منصوص عليها ومنها أيضا أخبر الحق أنه لا يتبع المتشابه من الكتاب ويتأوله على ما يعطيه نظره إلا من في قلبه زيغ أي ميل عن الحق وأخبر أنه ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله وإن الراسخين في الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا به كُلٌّ من عِنْدِ رَبِّنا ومن جعله معطوفا فيكون الرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ من أعلمهم الله بتأويل من أراد بذلك وأقام الله عذر عباده في قوله زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ الآيات وأخبر عن الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وقِنا عَذابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ والصَّادِقِينَ والْقانِتِينَ والْمُنْفِقِينَ والْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ وهم الذين اتقوا أن لهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي من تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وأخبر سبحانه أن الذين يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ويَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ من النَّاسِ أن لهم عذاب أليم وما لَهُمْ من ناصِرِينَ ينجيهم من ذلك العذاب ونهانا أن نتخذ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ من دُونِ الْمُؤْمِنِينَ في نصرة دينه إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وإنه من فعل ذلك فَلَيْسَ من الله في شَيْ‏ءٍ وقد حذرنا الله نفسه وقاله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين نهانا عن التفكر في ذات الله‏

إنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وقال الله لنبيه أن يقول لنا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي وأخبر أنه من اتبع رسول الله فقال يُحْبِبْكُمُ الله ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!