الفتوحات المكية

وصايا الشيخ الأكبر

وهو الباب 560 الذي ختم به الشيخ محي الدين موسوعة الفتوحات المكية بمجموعة وصايا جامعة

وهو يمثل السفرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين وفق مخطوطة قونية


[أن الله عند لسان كل قائل‏]

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

[أن الله عند لسان كل قائل‏]

واعلم أن الله راعي أقوال عباده وأن الله عند لسان كل قائل فما نهاك الله عنه إن تتلفظ به فلا تتلفظ به وإن لم تعتقده فإن الله سائلك عنه روينا أن الملك لا يكتب على العبد ما يعمله حتى يتكلم به قال تعالى ما يَلْفِظُ من قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يريد الملك الذي يحصي عليك أقوالك يقول تعالى إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ وأقوالك من أفعالك انظر في قوله تعالى ولا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبِيلِ الله أَمْواتٌ فنهاك عن القول فإنه كذب الله من قال مثل هذا القول فإن الله قال فيهم إنهم أحياء أ لا ترى إلى قوله تعالى حيث يقول ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وقال لا يُحِبُّ الله الْجَهْرَ بِالسُّوءِ من الْقَوْلِ وقال لا خَيْرَ في كَثِيرٍ من نَجْواهُمْ وهو القول فإذا تكلمت فتكلم بميزان ما شرع الله لك أن تتكلم به وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يمزح ولا يقول إلا حقا

فعليك بقول الحق الذي يرضى الله فما كل حق يقال يرضى الله فإن النميمة حق والغيبة حق وهي لا ترضي الله وقد نهيت أن تغتاب وإن تنم بأحد ومن مراعاة الله الأقوال‏

ما رويناه في صحيح مسلم عن الله تعالى لما مطرت السماء قال عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو كافر بي مؤمن بالكوكب وأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب‏

فراعى أقوال القائلين وكان أبو هريرة يقول إذا مطرت السماء مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ من رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ولو كنت تعتقد أن الله هو الذي وضع الأسباب ونصبها وأجرى العادة عندنا بأنه يفعل الأشياء عندها لا بها ومع هذا كله لا تقل ما نهاك الله عنه أن تقوله وتتلفظ به فإنه كما نهاك عن أمور نهاك عن القول وإن كان حقا وانظر ما أحكم قول الله عز وجل في قوله مؤمن بي كافر بالكوكب وكافر بي مؤمن بالكوكب فإنه مهما قال بفضل الله فقد ستر الكوكب حيث لم ينطق باسمه ومن قال بالكوكب فقد ستر الله وإن اعتقد أنه الفاعل منزل المطر ولكن لم يتلفظ باسمه فجاء تعالى بلفظ الكفر الذي هو الستر فإياك والاستمطار بالأنواء أن تتلفظ به فأحرى إن تعتقده فإن اعتقادك إن كنت مؤمنا أن الله نصبها أدلة عادية وكل دليل عادي يجوز خرق العادة فيه فاحذر من غوائل العادات ولا تصرفنك عن حدود الله التي حد لك فلا تتعداها فإن الله ما حدها حتى راعاها وذلك في كل شي‏ء

ورد في الخبر الصحيح أن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين حريفا وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيرفع بها في عليين‏

فلا تنطق إلا بما يرضى الله لا بما يسخط الله عليك وذلك لا يتمكن لك إلا بمعرفة ما حده لك في نطقك وهذا باب أغفله الناس‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم‏

وقال الحكيم لا شي‏ء أحق بسجن من لسان وقد جعله الله خلف بابين الشفتين والأسنان ومع هذا يكثر الفضول ويفتح الأبواب‏

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!