المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الرحمن: [تفسير البغوي]
كتاب معالم التنزيل، للحسين بن مسعود البغوي، المحدّث والفقيه الشافعي، توفي (510 هـ). وهو تفسير متوسط نقل فيه مصنفه الصحيح من تفسير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولا يذكر الضعيف.سورة الرحمن | ||
مكية، " الرحمن "، قيل: نزلت حين قالوا: وما الرحمن؟ وقيل: هو جواب لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر.
" علم القرآن "، قال الكلبي : علم القرآن محمداً. وقيل: ((علم القرآن)) يسره للذكر.
( خلق الإنسان ) يعني آدم عليه السلام ، قاله ابن عباس وقتادة .
( علمه البيان ) أسماء كل شيء ، وقيل : علمه اللغات كلها ، وكان آدم يتكلم بسبعمائة [ ألف ] لغة أفضلها العربية .
وقال الآخرون : " الإنسان " اسم جنس ، وأراد به جميع الناس " علمه البيان " النطق والكتابة والفهم والإفهام ، حتى عرف ما يقول وما يقال له . هذا قول أبي العالية وابن زيد والحسن .
وقال السدي : علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به .
وقال ابن كيسان : " خلق الإنسان " يعني : محمدا - صلى الله عليه وسلم - " علمه البيان " يعني بيان ما كان وما يكون لأنه كان يبين [ عن ] الأولين والآخرين وعن يوم الدين .
" الشمس والقمر بحسبان "، قال مجاهد : كحسبان الرحى. وقال غيره: أي يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها، قاله ابن عباس و قتادة . وقال ابن زيد و ابن كيسان : يعني بهما تحسب الأوقات والآجال لولا الليل والنهار ةالشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئاً. وقال الضحاك : يجريان بقدر، والحسبان يكون مصدر حسبت حساباً وحسباناً، مثل الغفران والكفران، والرجحان والنقصان، وقد يكون جمع الحساب كالشهبان والركبان.
( والنجم والشجر يسجدان ) النجم ما ليس له ساق من النبات ، والشجر ما له ساق يبقى في الشتاء ، وسجودهما سجود ظلهما كما قال : " يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله " ( النحل - 48 ) قال مجاهد : النجم هو الكوكب وسجوده طلوعه .
( والسماء رفعها ) فوق الأرض ( ووضع الميزان ) قال مجاهد : أراد بالميزان العدل . المعنى : أنه أمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى :
( ألا تطغوا في الميزان ) أي لا تجاوزوا العدل . وقال الحسن وقتادة والضحاك : أراد به الذي يوزن به ليوصل به إلى الإنصاف والانتصاف ، وأصل الوزن التقدير " ألا تطغوا " يعني لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان .
( وأقيموا الوزن بالقسط ) بالعدل ، وقال أبو الدرداء وعطاء : معناه أقيموا لسان الميزان بالعدل . قال ابن عيينة : الإقامة باليد والقسط بالقلب ( ولا تخسروا ) ولا تنقصوا ( الميزان ) ولا تطففوا في الكيل والوزن .
" والأرض وضعها للأنام "، للخلق الذين بثهم فيها.
( فيها فاكهة ) يعني : أنواع الفواكه ، قال ابن كيسان : يعني ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى ( والنخل ذات الأكمام ) الأوعية التي يكون فيها الثمر لأن ثمر النخل يكون في غلاف ما لم ينشق ، واحدها كم ، وكل ما ستر شيئا فهو كم وكمة ، ومنه كم القميص ، ويقال للقلنسوة كمة ، قال الضحاك : " ذات الأكمام " أي ذات الغلف . وقال الحسن : أكمامها : لفيفها . [ وقال ابن زيد : هو الطلع قبل أن ينشق ] .
( والحب ذو العصف ) أراد بالحب جميع الحبوب التي تحرث في الأرض ، قال مجاهد : هو ورق الزرع . قال ابن كيسان : " العصف " ورق كل شيء يخرج منه الحب ، يبدو أولا ورقا وهو العصف ثم يكون سوقا ، ثم يحدث الله فيه أكماما ثم يحدث في الأكمام الحب . وقال ابن عباس في رواية الوالبي : هو التبن . وهو قول الضحاك وقتادة . وقال عطية عنه : هو ورق الزرع الأخضر إذا قطع رءوسه ويبس ، نظيره : " كعصف مأكول " ( الفيل - 5 ) .
( والريحان ) هو الرزق في قول الأكثرين ، قال ابن عباس : كل ريحان في القرآن فهو رزق . وقال الحسن وابن زيد هو ريحانكم الذي يشم ، قال الضحاك : " العصف " : هو التبن . و " الريحان " ثمرته .
وقراءة العامة : " والحب ذو العصف والريحان " ، كلها مرفوعات بالرد على الفاكهة . وقرأ ابن عامر " والحب ذا العصف والريحان " بنصب الباء والنون وذا بالألف على معنى : خلق الإنسان وخلق هذه الأشياء . وقرأ حمزة والكسائي " والريحان " بالجر عطفا على العصف فذكر قوت الناس والأنعام ، ثم خاطب الجن والإنس فقال :
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) أيها الثقلان ، يريد من هذه الأشياء المذكورة . وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريرا للنعمة وتأكيدا في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع ، يعدد على الخلق آلاءه ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ، كقول الرجل لمن أحسن إليه وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها : ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عريانا فكسوتك أفتنكر هذا ؟ ألم تك خاملا ؟ فعززتك أفتنكر هذا ؟ ومثل هذا التكرار شائع في كلام العرب حسن تقريرا .
وقيل : خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى : " ألقيا في جهنم " ( ق - 24 ) .
وروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله : قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : " ما لي أراكم سكوتا ، للجن [ كانوا ] أحسن منكم ردا ، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد " .
" خلق الإنسان من صلصال كالفخار ".
( وخلق الجان ) وهو أبو الجن . وقال الضحاك : هو إبليس ( من مارج من نار ) وهو الصافي من لهب النار الذي لا دخان فيه . قال مجاهد : وهو ما اختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت ، من قولهم : مرج أمر القوم ، إذا اختلط .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان "
" رب المشرقين "، مشرق الصيف ومشرق الشتاء. " ورب المغربين "، مغرب الصيف ومغرب الشتاء.
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" مرج البحرين "، العذب والمالح أرسلهما وخلاهما " يلتقيان ".
( بينهما برزخ ) حاجز من قدرة الله تعالى ( لا يبغيان ) لا يختلطان ولا يتغيران ولا يبغي أحدهما على صاحبه . وقال قتادة : لا يطغيان على الناس بالغرق . وقال الحسن : " مرج البحرين " بحر الروم وبحر الهند ، وأنتم الحاجز بينهما . وعن قتادة أيضا : بحر فارس وبحر الروم بينهما برزخ يعني الجزائر . قال مجاهد والضحاك : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( يخرج منهما ) قرأ أهل المدينة والبصرة : " يخرج " بضم الياء وفتح الراء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الراء ( اللؤلؤ والمرجان ) وإنما يخرج من المالح دون العذب وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئان ثم يخص أحدهما بفعل ، كما قال - عز وجل - : " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم " ( الأنعام - 130 ) . وكانت الرسل من الإنس دون الجن . وقال بعضهم يخرج من ماء السماء وماء البحر . قال ابن جريج : إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فحيثما وقعت قطرة كانت لؤلؤة ، واللؤلؤة : ما عظم من الدر ، والمرجان : صغارها . وقال مقاتل ومجاهد على الضد من هذا . وقيل : " المرجان " الخرز الأحمر . وقال عطاء الخراساني : هو اليسر .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( وله الجواري ) السفن الكبار ( المنشآت ) قرأ حمزة وأبو بكر : " المنشئات " بكسر الشين ، أي : المنشئات للسير [ يعني اللاتي ابتدأن وأنشأن السير ] . وقرأ الآخرون بفتح الشين أي المرفوعات ، وهي التي رفع خشبها بعضها على بعض . وقيل : هي ما رفع قلعه من السفن وأما ما لم يرفع قلعه فليس من المنشئات . وقيل المخلوقات المسخرات ( في البحر كالأعلام ) كالجبال جمع علم وهو الجبل الطويل ، شبه السفن في البحر ، بالجبال في البر
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" كل من عليها "، أي على الأرض من حيوان فإنه هالك " فان ".
" ويبقى وجه ربك ذو الجلال "، ذو العظمة والكبرياء، " والإكرام "، مكرم أنبيائه وأوليائه بلطفه مع جلاله وعظمته.
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( يسأله من في السماوات والأرض ) من ملك وإنس وجن . وقال قتادة : لا يستغني عنه أهل السماء والأرض . قال ابن عباس : فأهل السماوات يسألونه المغفرة وأهل الأرض يسألونه الرحمة [ والرزق والتوبة والمغفرة ] وقال مقاتل : يسأله أهل الأرض الرزق والمغفرة وتسأله الملائكة أيضا لهم الرزق والمغفرة .
( كل يوم هو في شأن ) قال مقاتل : نزلت في اليهود حين قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا .
قال المفسرون : من شأنه أن يحيي ويميت ، ويرزق ، ويعز قوما ، ويذل قوما ، ويشفي مريضا ، ويفك عانيا ويفرج مكروبا ، ويجيب داعيا ، ويعطي سائلا ويغفر ذنبا إلى ما لا يحصى من أفعاله وأحداثه في خلقه ما يشاء .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزكي - إملاء - أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزاز ، أخبرنا يحيى بن الربيع المكي ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، أخبرنا أبو حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إن مما خلق الله - عز وجل - لوحا من درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور وكتابه نور ، ينظر الله - عز وجل - فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء فذلك قوله : " كل يوم هو في شأن " .
قال سفيان بن عيينة : الدهر كله عند الله يومان أحدهما مدة أيام الدنيا والآخر يوم القيامة ، فالشأن الذي هو فيه اليوم الذي هو مدة الدنيا : الإخبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة ، والإعطاء والمنع ، وشأن يوم القيامة : الجزاء والحساب ، والثواب والعقاب .
وقيل : شأنه جل ذكره أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر ، عسكرا من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا ، وعسكرا من الدنيا إلى القبور ، ثم يرتحلون جميعا إلى الله - عز وجل - .
قال الحسين بن الفضل : هو سوق المقادير إلى المواقيت . وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية : كل يوم له إلى العبيد بر جديد .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان "
( سنفرغ لكم ) قرأ حمزة والكسائي : سيفرغ بالياء لقوله : " يسأله من في السماوات والأرض " ، " ويبقى وجه ربك " " وله الجوار " فأتبع الخبر .
وقرأ الآخرون بالنون ، وليس المراد منه الفراغ عن شغل ، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، ولكنه وعيد من الله تعالى [ للخلق ] بالمحاسبة ، كقول القائل : لأتفرغن لك ، وما به شغل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن .
وقال آخرون : معناه : سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم ، كقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لي . وقال بعضهم : إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم ، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم ، فيتم ذلك ويفرغ منه ، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل .
( أيها الثقلان ) أي الجن والإنس ، سميا ثقلين لأنهما ثقل على الأرض أحياء وأمواتا ، قال الله تعالى : " وأخرجت الأرض أثقالها " ، ( الزلزلة - 2 ) وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فجعلهما ثقلين إعظاما لقدرهما .
وقال جعفر بن محمد الصادق : سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا ) أي تجوزوا وتخرجوا ، ( من أقطار السماوات والأرض ) أي من جوانبهما وأطرافهما ( فانفذوا ) معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السماوات والأرض : فاهربوا واخرجوا منها . [ والمعنى ] حيثما كنتم أدرككم الموت ، كما قال جل ذكره : " أينما تكونوا يدرككم الموت " ، ( النساء - 78 ) وقيل : يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا ( لا تنفذون إلا بسلطان ) أي : بملك ، وقيل بحجة ، والسلطان : القوة التي يتسلط بها على الأمر ، فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان ، يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني . وروي عن ابن عباس قال : معناه : إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله - عز وجل - . وقيل قوله : " إلا بسلطان " أي إلا إلى سلطان كقوله : " وقد أحسن بي " ( يوسف - 100 ) أي إلي .
( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وفي الخبر : يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا ) الآية فذلك قوله - عز وجل - :
( يرسل عليكما شواظ من نار ) . ( يرسل عليكما شواظ من نار ) قرأ ابن كثير " شواظ " : بكسر الشين والآخرون بضمها ، وهما لغتان ، مثل صوار من البقر وصوار . وهو اللهيب الذي لا دخان فيه هذا قول أكثر المفسرين . وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع من النار ( ونحاس ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو " ونحاس " بجر السين عطفا على النار ، وقرأ الباقون برفعها عطفا على الشواظ .
قال سعيد بن جبير والكلبي : " النحاس " : الدخان وهو رواية عطاء عن ابن عباس .
ومعنى الرفع يرسل عليكما شواظ ، ويرسل نحاس ، أي يرسل هذا مرة وهذا مرة ، ويجوز أن يرسلا معا من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر ، ومن كسر بالعطف على النار يكون ضعيفا؛ لأنه لا يكون شواظ من نحاس ، فيجوز أن يكون تقديره : شواظ من نار وشيء من نحاس ، على أنه حكي أن الشواظ لا يكون من النار والدخان جميعا .
قال مجاهد وقتادة : النحاس هو الصفر المذاب يصب على رءوسهم ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وقال عبد الله بن مسعود : هو المهل .
( فلا تنتصران ) أي فلا تمتنعان من الله ولا يكون لكم ناصر منه .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان".
( فإذا انشقت ) [ انفرجت ] ( السماء ) فصارت أبوابا لنزول الملائكة ( فكانت وردة كالدهان ) أي كلون الفرس الورد ، وهو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة والصفرة . قال قتادة : إنها اليوم خضراء ، ويكون لها يومئذ لون آخر يضرب إلى الحمرة .
وقيل : إنها تتلون ألوانا يومئذ كلون الفرس الورد يكون في الربيع أصفر وفي أول الشتاء أحمر فإذا اشتد الشتاء كان أغبر فشبه السماء في تلونها عند انشقاقها بهذا الفرس في تلونه .
( كالدهان ) جمع دهن ، شبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل ، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه ، وهو قول الضحاك ومجاهد وقتادة والربيع .
وقال عطاء بن أبي رباح : " كالدهان " كعصير الزيت يتلون في الساعة ألوانا .
وقال مقاتل : كدهن الورد الصافي . وقال ابن جريج : تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم .
وقال الكلبي : كالدهان أي كالأديم الأحمر وجمعه أدهنة ودهن
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) قال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم ؛ لأن الله - عز وجل - علمها منهم ، وكتبت الملائكة عليهم ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس .
وعنه أيضا : لا تسأل الملائكة المجرمين ؛ لأنهم يعرفونهم بسيماهم . دليله : ما بعده ، وهذا قول مجاهد .
وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله : " فوربك لنسألنهم أجمعين " ( الحجر - 92 ) قال : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا ؛ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا ؟
وعن عكرمة أنه قال : إنها مواطن ، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها .
وعن ابن عباس أيضا : لا يسألون سؤال شفقة ورحمة وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ .
وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( يعرف المجرمون بسيماهم ) وهو سواد الوجوه وزرقة العيون ، كما قال جل ذكره : " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " ( آل عمران - 106 ( فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف ويلقون في النار .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
ثم يقال لهم: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون "، المشركون
( يطوفون بينها وبين حميم آن ) قد انتهى حره . قال الزجاج : أنى يأنى فهو آن إذا انتهى في النضج ، والمعنى : أنهم يسعون بين الجحيم والحميم فإذا استغاثوا من حر النار جعل عذابهم الحميم الآني الذي صار كالمهل . وهو قوله " وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل " ( الكهف - 29 ) وقال كعب الأحبار : " آن " واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم خلقا جديدا فيلقون في النار وذلك قوله : " يطوفون بينها وبين حميم آن " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان "، وكل ما ذكر الله تعالى من قوله : " كل من عليها فان " إلى هاهنا مواعظ وزواجر وتخويف . وكل ذلك نعمة من الله تعالى ؛ لأنها تزجر عن المعاصي ولذلك ختم كل آية بقوله :
ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه فقال : ( ولمن خاف مقام ربه ) أي : مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة . وقيل : قيام ربه عليه ، بيانه قوله : " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " ( الرعد - 33 ) . وقال إبراهيم ومجاهد : هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله . ( جنتان ) قال مقاتل : جنة عدن وجنة نعيم . قال محمد بن علي الترمذي : جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته .
قال الضحاك : هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله وما عمل من خير أفضى به إلى الله ، لا يحب أن يطلع عليه أحد .
وقال قتادة : إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله ودأبوا بالليل والنهار .
أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي ، أخبرنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي ، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يونس ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني ، وأخبرنا محمد بن عبيد الهمداني ، أخبرنا هاشم بن القاسم عن أبي عقيل هو الثقفي عن يزيد بن سنان سمعت [ بكير ] بن فيروز قال : سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أخبرنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزى عن عطاء بن يسار ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقص على المنبر وهو يقول : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " قلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ولمن خاف مقام ربه جنتان " فقلت الثانية : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " . فقلت الثالثة : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ قال : " وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان "، ثم وصف الجنتين فقال:
( ذواتا أفنان ) أغصان ، واحدها فنن ، وهو الغصن المستقيم طولا . وهذا قول مجاهد وعكرمة والكلبي . وقال عكرمة : ظل الأغصان على الحيطان . قال الحسن : ذواتا ظلال . قال ابن عباس : ألوان . قال سعيد بن جبير والضحاك : ألوان الفاكهة ، واحدها فن من قولهم أفنن فلان في حديثه إذا أخذ في فنون منه وضروب . وجمع عطاء بين القولين فقال : في كل غصن فنون من الفاكهة . وقال قتادة : ذواتا فضل وسعة على ما سواهما
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( فيهما عينان تجريان ) قال ابن عباس : بالكرامة والزيادة على أهل الجنة . قال الحسن : تجريان بالماء الزلال ، إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل . وقال عطية : إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( فيهما من كل فاكهة زوجان ) صنفان ونوعان قيل : معناه : إن فيهما من كل ما يتفكه به ضربين رطبا ويابسا . قال ابن عباس : ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( متكئين على فرش ) جمع فراش ( بطائنها ) جمع بطانة ، وهي التي تحت الظهارة . وقال الزجاج : وهي مما يلي الأرض . ( من إستبرق ) وهو ما غلظ من الديباج . قال ابن مسعود وأبو هريرة : هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر ؟ وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق ، فما الظواهر ؟ قال : هذا مما قال الله - عز وجل - : " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " ( السجدة - 17 ) وعنه أيضا قال : بطائنها من إستبرق فظواهرها من نور جامد . وقال ابن عباس : وصف البطائن وترك الظواهر ؛ لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر .
( وجنى الجنتين دان ) الجنى ما يجتنى من الثمار ، يريد : ثمرها دان قريب يناله القائم والقاعد والنائم . قال ابن عباس : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله ، إن شاء قائما وإن شاء قاعدا . قال قتادة : لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( فيهن قاصرات الطرف ) غاضات الأعين ، قصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم . ولا يردن غيرهم . قال ابن زيد : تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجتك . ( لم يطمثهن ) لم يجامعهن ولم [ يفترعهن ] وأصله من الطمث ، وهو الدم ومنه قيل للحائض : طامث ، كأنه قال : لم تدمهن بالجماع ( إنس قبلهم ولا جان ) قال الزجاج : فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي . قال مجاهد : إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه .
قال مقاتل في قوله : ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) لأنهن خلقن في الجنة . فعلى قوله : هؤلاء من حور الجنة .
وقال الشعبي : هن من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن خلقا ، وهو قول الكلبي يعني : لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان .
وقرأ طلحة بن مصرف : " لا يطمثهن " بضم الميم فيهما .
وقرأ الكسائي إحداهما بالضم ، فإن كسر الأولى ضم الثانية وإن ضم الأولى كسر الثانية ؛ لما روى أبو إسحاق السبيعي قال : كنت أصلي خلف أصحاب علي - رضي الله عنه - فأسمعهم يقرءون : لم يطمثهن بالرفع ، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله بن مسعود فأسمعهم يقرءون بكسر الميم ، وكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الأخرى لئلا يخرج عن هذين الأثرين .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" كأنهن الياقوت والمرجان " قال قتادة : صفاء الياقوت في بياض المرجان .
وروينا عن أبي سعيد في صفة أهل الجنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لكل رجل منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ سوقهن دون لحمهما ودمائهما وجلدهما " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، لكل امرئ منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن ، يسبحون الله بكرة وعشيا لا يسقمون ولا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يتمخطون ، آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب ، ووقود مجامرهم الألوة ، ورشحهم المسك " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين ، أخبرنا هارون بن محمد بن هارون ، أخبرنا حازم بن يحيى الحلواني ، أخبرنا سهيل بن عثمان العسكري ، أخبرنا عبيدة بن حميد ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة من أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من حرير ، ومخها ، إن الله تعالى يقول : كأنهن الياقوت والمرجان ، فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه " .
وقال عمرو بن ميمون : " إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " أي ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة . وقال ابن عباس : هل جزاء من قال : لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا الجنة ؟ .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، أخبرنا [ ابن شيبة ] ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام ، أخبرنا الحجاج بن يوسف المكتب ، أخبرنا بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " ثم قال : [ هل تدرون ما قال ربكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ] قال : " يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
( ومن دونهما جنتان ) أي من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان . قال ابن عباس : من دونهما في الدرج . وقال ابن زيد : من دونهما في الفضل . وقال أبو موسى الأشعري : جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للتابعين . وقال ابن جريج : هن أربع ، جنتان للمقربين السابقين فيهما من كل فاكهة زوجان ، وجنتان لأصحاب اليمين والتابعين ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا علي بن عبد الله ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن أبي عمران ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن " .
وقال الكسائي : " ومن دونهما جنتان " أي أمامهما وقبلهما ، يدل عليه قول الضحاك : الجنتان الأوليان من ذهب وفضة ، والأخريان من ياقوت .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" مدهامتان " ناعمتان سوداوان من ريهما وشدة خضرتهما ؛ لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد . يقال : إدهام الزرع إذا علاه السواد ريا ادهيماما فهو مدهام .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" فيهما عينان نضاختان "فوارتان بالماء لا تنقطعان . " والنضخ " : فوران الماء من العين . قال ابن عباس : تنضخان بالخير والبركة على أهل الجنة . وقال ابن مسعود : تنضخان بالمسك والكافور على أولياء الله . وقال أنس بن مالك : تنضخان بالمسك والعنبر في دور أهل الجنة كطش المطر .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" فيهما فاكهة ونخل ورمان " قال بعضهم : ليس النخل والرمان من الفاكهة ، والعامة على أنها من الفاكهة ، وإنما أعاد ذكر النخل والرمان وهما من جملة الفواكه للتخصيص والتفصيل . كما قال تعالى : " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال " ( البقرة - 98 ) .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سفيان ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر ، وورقها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة فيها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال القلال أو الدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس له عجم .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" فيهن "، يعني في الجنات الأربع ( خيرات حسان ) روى الحسن عن أبيه عن أم سلمة قالت : قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني عن قوله : ( خيرات حسان ) قال : " خيرات الأخلاق حسان الوجوه " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" حور مقصورات " محبوسات مستورات في الحجال . يقال : امرأة مقصورة وقصيرة إذا كانت مخدرة مستورة لا تخرج . وقال مجاهد : يعني قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين لهم بدلا .
وروينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى [ أهل ] الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .
( في الخيام ) جمع خيمة ، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، أخبرنا عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان "
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" متكئين على رفرف خضر "، قال سعيد بن جبير : " الرفرف " : رياض الجنة . " خضر " : مخضبة . ويروى ذلك عن ابن عباس واحدتها رفرفة ، وقال : الرفارف جمع الجمع . وقيل : " الرفرف " : البسط ، وهو قول الحسن ومقاتل والقرظي وروى العوفي عن ابن عباس : " الرفرف " : فضول المجالس والبسط .
وقال الضحاك وقتادة : هي مجالس خضر فوق الفرش . وقال ابن كيسان : هي المرافق . وقال ابن عيينة الزرابي وقال غيره : كل ثوب عريض عند العرب فهو رفرف .
( وعبقري حسان ) هي الزرابي والطنافس الثخان ، وهي جمع واحدتها عبقرية . وقال قتادة : " العبقري " عتاق الزرابي ، وقال أبو العالية : هي الطنافس المخملة إلى الرقة . وقال القتيبي : كل ثوب موشى عند العرب : عبقري .
وقال أبو عبيدة : هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي .
قال الخليل : كل جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب : عبقري ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمر - رضي الله عنه - : " فلم أر عبقريا يفري فريه " .
" فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
" تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام "، قرأ أهل الشام " ذو الجلال " بالواو وكذلك هو في مصاحفهم إجراء على الاسم .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، حدثنا أبو بكر الجوربذي ، أخبرنا أحمد بن حرب ، أخبرنا أبو معاوية الضرير عن عاصم عن عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من الصلاة لم يقعد إلا مقدار ما يقول : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " .
اسم السورة | سورة الرحمن (Ar-Rahman - The Beneficent) |
ترتيبها | 55 |
عدد آياتها | 78 |
عدد كلماتها | 352 |
عدد حروفها | 1585 |
معنى اسمها | (الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ) اسْمَانِ لِلَّهِ تَعَالَى مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ المُبَالَغَةِ. وَ(الرَّحْمَنُ) لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَ(الرَّحِيمُ) خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ |
سبب تسميتها | حَدِيثُ السُّورَةِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِبَيَانِ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ |
أسماؤها الأخرى | اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الرَحْمَنِ)، وتُسَمَّى (عَرَوسَ القُرْآنِ) |
مقاصدها | إِظْهَارُ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى الاعْتِرَافِ بِهَا؛ بِتَكْرَارِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (31) مَرَّةً فِي السُّورَةِ |
أسباب نزولها | سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها | مِن النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّوِيْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (الرَّحمنَ والنَّجمِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها | مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرّحْمَنِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن اسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ، فَافتُتِحَتْ باسْمِ اللهِ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١﴾، وَاختُتِمَتْ بِهِ، فَقَالَ: ﴿تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٨﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّحْمَنِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَمَرِ): لَمَّا أبْرَزَ قَولَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ ٥٥﴾ بِصُورَةِ التَّنكِيرِ فكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَنِ المُتَّصِفُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْجَلِيلَتَيْنِ؟ فَقِيلَ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١﴾ ﷻ. |