المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة القدر: [الآية 1]
سورة القدر | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
[ كونها خير من ألف شهر : ]
-الوجه الأول -إن ليلة القدر إذا صادفها الإنسان هي خير له فيما ينعم اللّه به عليه من ألف شهر ، أن لو لم تكن إلا واحدة في ألف شهر ، فكيف وهي في كل اثني عشر شهرا في كل سنة ؟
- الوجه الثاني -ما أراد بألف شهر توقيتا ، بل أراد أنها خير على الإطلاق من جميع ليالي الزمان ، في أي وجود كان ، وفيه زمان رمضان ويوم الجمعة ويوم عاشوراء ويوم عرفة وليلة القدر ،
فكأنه قال : تضاعف خيرها ثلاثا وثمانين ضعفا وثلث ضعف ، لأنها ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، قد تكون الأربعة أشهر مما يكون فيها ليلة القدر ،
فيكون التضعيف في كل ليلة قدر أربعة وثمانين ضعفا ، فانظر ما في هذا الزمان من الخير ، فهي خير من ألف شهر من غير تحديد ،
وإن كان الزائد على ألف شهر غير محدود ، فلا يدري حيث ينتهي ، فما جعلها اللّه أنها تقاوم ألف شهر ، بل جعلها خيرا من ذلك ،
أي أفضل من ذلك من غير توقيت ، فإذا نالها العبد كان كمن عاش في عبادة ربه مخلصا أكثر من
ألف شهر ، من غير توقيت ، كمن يتعدى العمر الطبيعي يقع في العمر المجهول ، وإن كان لا بدّ له من الموت ولكن لا يدري ، هل يعد تعديه العمر الطبيعي بنفس واحد ، أو بآلاف من السنين ؟
فهكذا ليلة القدر إذ لم تكن محصورة كما قدمنا ، وجعل سبحانه إضافة الليل إلى القدر دون النهار لأن الليل شبيه بالغيب ، والتقدير لا يكون إلا غيبا ، فهي ليلة المقادير مقادير الأشياء ، والمقادير ما تطلب سوانا ، فلهذا أمرنا بطلب ليلة القدر ،
وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم [ التمسوها ] لنستقبلها ، وكان نزول القرآن في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، فأتى بغاية أسماء العدد البسيط الذي لا اسم بعده بسيط إلا ما يتركب ، كما كان القرآن آخر كتاب أنزل من اللّه ،
كما كان من أنزل عليه آخر الرسل وخاتمهم ، ثم أضاف ذلك الاسم الذي هو ألف إلى شهر بالتنكير ، فيدخل الفصول فيه ، والشهر العربي قدر قطع منازل درجات الفلك كله لسير القمر الذي به يظهر الشهر ، فلو قال : أزيد من ذلك لكرر ،
ولا تكرار في الوجود ، بل هو خلق جديد ، ولو نقص بذكر الأيام أو الجمع لما استوفى قطع درجات الفلك ، فلم تكن تعم رسالته ،
ولم يكن القرآن يعم جميع الكتب قبله ، لأنه ما ثمّ سير لكوكب يقطع الدرجات كلها في أصغر دورة إلا القمر ، الذي له الشهر العربي ،
فلذلك نزل في ليلة هي خير من ألف شهر ، أي أفضل من ألف شهر ، والأفضل زيادة ، والزيادة عيّنها ، وجعل الأفضلية في القدر وهي المنزلة عند اللّه لذلك المذكور ،
وكانت تلك الليلة المنزل فيها التي هي ليلة القدر موافقة ليلة النصف من شعبان ، فإنها «لَيْلَةِ الْقَدْرِ» تدور في السنة كلها ،
فأي ليلة شاء اللّه أي يجعلها محلا من ليالي السنة ، للقدر الذي به تسمى ليلة القدر جعل ذلك ،
فإن كان ذلك من ليالي السنة ليلة لها خصوص فضل على غيرها من ليالي السنة ، كليلة الجمعة وليلة عرفة وليلة النصف من شعبان وغير تلك من الليالي المعروفة ، فينضاف خير تلك الليلة إلى فضل القدر ، فتكون ليلة القدر تفضل ليلة القدر في السنة التي لا ينضاف إليها فضل غيره .
[سورة القدر (97) : آية 4]
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
«تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ» ما نزل فيها واحد «وَالرُّوحُ» القائم فيهم مقام الإمام في الجماعة «فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» وكل يقتضي جميع الأمور التي يريد الحق تنفيذها في خلقه.
[سورة القدر (97) : آية 5]
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
حتى نهاية غاية ، فإنها تتضمن حرف إلى التي للغاية ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [ من قام ليلة القدر فيوافقها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ] فألحقت من قامها برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المغفرة ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [ من حرم خيرها فقد حرم ] .
[ إشارة : في قيام ليلة القدر :]
-إشارة -من قام ليلة القدر من أجل ليلة القدر فقد قام لنفسه ، وإن كان قيامه لترغيب الحق في التماسها ، ومن قام لأجل الاسم الذي أقامه ، رمضان أو غيره ، فقيامه للّه لا لنفسه ، وهو أتم ، والكل شرع ، فمن الناس عبيد ومنهم أجراء ، ولأجل الإجارة نزلت الكتب الإلهية بها بين الأجير والمستأجر ، فلو كانوا عبيدا ما كتب الحق كتابا لهم على نفسه ، فإن العبد لا يوقّت على سيده ، إنما هو عامل في ملكه ، ومتناول ما يحتاج إليه ، فها أولئك لهم أجرهم ، والعبيد لهم نورهم ، وهو سيدهم ،
وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم [ التمسوها ] لنستقبلها كما يستقبل القادم إذا جاء من سفره ، والمسافر إذا جاء من سفره فلا بد له إذا كان له موجود من هدية لأهله الذين يستقبلونه ، فإذا استقبلوه واجتمعوا به دفع إليهم ما كان قد استعده به لهم ، فتلك المقادير فيهم ،
وبذلك فليفرحوا ، فمنهم من تكون هديته لقاء ربه ، ومنهم من تكون هديته التوفيق الإلهي والاعتصام ، وكل على حسب ما أراد المقدّر أن يهبه ويعطيه ، لا تحجير عليه في ذلك ، وجاء في حديث الترمذي عن أبي ذر ،
وفيه يقول [ فقام بنا حتى تخوفنا أن يفوت الفلاح ، قيل : وما الفلاح ؟ قال : السحور ] ينبه بذلك على أن الإنسان إنما هو في الصوم بالعرض ، فإنه لا بقاء له ، فإن الصوم للّه ، فالإنسان في بقائه آكل لا صائم ، فهو متغذ بالذات صائم بالعرض ، والفلاح البقاء ،
لهذا قال الصاحب لما اتصف في ليلته بالقيوم ،
قال : تخوفنا أن يفوتنا الفلاح ، وهو أن ينقضي زمان الليل وما عرفنا نفوسنا ، إذ في معرفتنا بها معرفة ربنا ، لكنهم ما فاتهم الفلاح بحمد اللّه ، بل أشهدهم اللّه نفوسهم بالغذاء ، ليشهدوا أن القيومية له ذاتية ، وقيومية العبد إنما هي بإمداد ما يتغذى به ،
فالتماسنا لليلة القدر لم يغننا عن حظوظ نفوسنا التي بها بقاؤنا ، وهو التغذي ، فإن التماسنا لها إنما هو لما ينالنا من خيرها في دار البقاء ، فما التمسناها بالعبادة إلا لحظ نفسي نبقى به في الدار الآخرة ، وأما التماسها في الجماعة فلمناسبة الجمعية في الإنسان ،
فإنه لا أعرف باللّه منه ، لجمعيته وعقله ومعرفته بنفسه .
(98) سورة البيّنة مدنيّة
------------
(3) الفتوحات ج 4 / 180 - ج 1 / 208 ، 658 - ج 3 / 159تفسير ابن كثير:
تفسير سورة القدر وهي مكية .
ر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر ، وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ الدخان : 3 ] وهي ليلة القدر ، وهي من شهر رمضان ، كما قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) [ البقرة : 185 ] .
قال ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } كما قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وذلك أن الله [تعالى] ، ابتدأ بإنزاله في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
تفسير البغوي
مكية
"إنا أنزلناه في ليلة القدر"، يعني القرآن، كناية عن غير مذكور، أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوضعه في بيت العزة، ثم كان ينزل به جبريل عليه السلام نجوماً في عشرين سنة.
الإعراب:
(إِنَّا) إن واسمها (أَنْزَلْناهُ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة الفعلية خبر إن والجملة الاسمية ابتدائية لا محل لها (فِي لَيْلَةِ) متعلقان بالفعل (الْقَدْرِ) مضاف إليه.