«إلى ربك يومئذ المساق» أي السوق وهذا يدل على العامل في إذا، والمعنى إذا بلغت النفس الحلقوم تساق إلى حكم ربها.
ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (35) يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36)
فلينظر الإنسان ويتفكر ويعتبر أن اللّه ما خلقه سدى ، وإن طال المدى ، ومن نظر واهتدى ، وباع الضلالة بالهدى ، عجّل بالفدا ، من أجل تحكم الأعدا ، ومن عرف الضلالة والهدى لم يطل عليه المدى ، وعلم أن اللّه لا يترك خلقه سدى ، كما لم يتركه ابتدأ ،
وإن لم ينزل منازل السعداء ، فإن اللّه برحمته التي وسعت كل شيء لا يسرمد عليه الردا ،
وكيف يسرمده وهو عين الردا ، فهو في مقام الفدا ، وإشارة سهام العدا ، فله الرحمة آخرا خالدا مخلدا فيها أبدا .
------------
(36) الفتوحات ج 1 /
332 - ج 4 /
356 ، 29
وقوله : ( إلى ربك يومئذ المساق ) أي : المرجع والمآب ، وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات ، فيقول الله عز وجل : ردوا عبدي إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى . كما ورد في حديث البراء الطويل . وقد قال الله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ) [ الأنعام : 61 ، 62 ] .
قوله تعالى {كلا إذا بلغت التراقي} {كلا} ردع وزجر؛ أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة؛ ثم استأنف فقال {إذا بلغت التراقي} أي بلغت النفس أو الروح التراقي؛ فأخبر عما لم يجر له ذكر، لعلم المخاطب به؛ كقوله تعالى {حتى توارت بالحجاب}[
ص : 32] وقوله تعالى {فلولا إذا بلغت الحلقوم}[
الواقعة : 83] وقد تقدم. وقيل {كلا} معناه حقا؛ أي حقا أن المساق إلى الله {إذا بلغت التراقي} أي إذا ارتقت النفس إلى التراقي. وكان ابن عباس يقول : إذا بلغت نفس الكافر التراقي. والتراقي جمع ترقوة وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر، موضع الحشرجة؛ قال دريد بن الصمة. ورب عظيمة دافعت عنهم ** وقد بلغت نفوسهم التراقي وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت. قوله تعالى {وقيل من راق} اختلف فيه؛ فقيل : هو من الرقية؛ عن ابن عباس وعكرمة وغيرهما. روي سماك عن عكرمة قال : من راق يرقي : أي يشفي. وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس : أي هل من طبيب يشفيه؛ وقال أبو قلابة وقتادة؛ وقال الشاعر : هل للفتى من بنات الدهر من واق ** أم هل له من حمام الموت من راق وكان هذا على وجه الاستبعاد واليأس؛ أي من يقدر أن يرقي من الموت. وعن ابن عباس أيضا وأبي الجوزاء أنه من رقي يرقى : إذا صعد، والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقيل : إن ملك الموت يقول من راق؟ أي من يرقى بهذه النفس؛ وذلك أن نفس الكافر تكره الملائكة قربها، فيقول ملك الموت : يا فلان اصعد بها. وأظهر عاصم وقوم النون في قوله تعالى {من راق} واللام في قوله {بل ران} لئلا يشبه مراق وهو بائع المرقة، وبران في تثنية البر. والصحيح ترك الإظهار، وكسرة القاف في {من راق}، وفتحة النون في {بل ران} تكفي في زوال اللبس. وأمثل مما ذكر : قصد الوقف على {من} و{بل}، فأظهرهما؛ قاله القشيري. قوله تعالى {وظن} أي أيقن الإنسان {أنه الفراق} أي فراق الدنيا والأهل والمال والولد، وذلك حين عاين الملائكة. قال الشاعر : فراق ليس يشبهه فراق ** قد انقطع الرجاء عن التلاق {والتفت الساق بالساق} أي فاتصلت الشدة بالشدة؛ شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة؛ قاله ابن عباس والحسن وغيرهما. وقال الشعبي وغيره : المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب. وقال قتادة : أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى. وقال سعيد بن المسيب والحسن أيضا : هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن. وقال زيد بن أسلم : التفت ساق الكفن بساق الميت. وقال الحسن أيضا : ماتت رجلاه ويبست ساقاه فلم تحملاه، ولقد كان عليهما جوالا. قال النحاس : القول الأول أحسنها. وروى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس {والتفت الساق بالساق} قال : آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحمه الله؛ أي شدة كرب الموت بشدة هول المطلع؛ والدليل على هذا قوله تعالى {إلى ربك يومئذ المساق} وقال مجاهد : بلاء ببلاء. يقول : تتابعت عليه الشدائد. وقال الضحاك وابن زيد : اجتمع عليه أمران شديدان : الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه، والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن والشدائد العظام؛ ومنه قولهم : قامت الدنيا على ساق، وقامت الحرب على ساق. قال الشاعر : وقامت الحرب بنا على ساق وقد مضى هذا المعنى في آخر سورة {ن والقلم}. وقال قوم : الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه، فهذه الساق الأولى، ثم يكون بعدهما ساق البعث وشدائده {إلى ربك} أي إلى خالقك {يومئذ} أي يوم القيامة {المساق} أي المرجع. وفي بعض التفاسير قال : يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات. والمساق : المصدر من ساق يسوق، كالمقال من قال يقول.
حقًّا إذا وصلت الروح إلى أعالي الصدر، وقال بعض الحاضرين لبعض: هل مِن راق يَرْقيه ويَشْفيه مما هو فيه؟ وأيقن المحتضر أنَّ الذي نزل به هو فراق الدنيا؛ لمعاينته ملائكة الموت، واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، إلى الله تعالى مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.
فتساق إلى الله تعالى، حتى يجازيها بأعمالها، ويقررها بفعالها.
فهذا الزجر، [الذي ذكره الله] يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على بغيه وكفره وعناده.
"إلى ربك يومئذ المساق"، أي مرجع العباد يومئذ إلى الله يساقون إليه.
و(إِلى رَبِّكَ) خبر مقدم و(يَوْمَئِذٍ) ظرف زمان مضاف إلى مثله و(الْمَساقُ) مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية جواب الشرط لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Ila rabbika yawmaithin almasaqu
Unto thy Lord that day will be the driving.
O gün, Rabbinin tapısına götürülür.
c'est vers ton Seigneur, ce jour-là que tu seras conduit.
zu deinem HERRN ist an diesem Tag das Hinbringen.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة القيامة (Al-Qiyamat - The Resurrection) |
ترتيبها |
75 |
عدد آياتها |
40 |
عدد كلماتها |
164 |
عدد حروفها |
664 |
معنى اسمها |
(الْقِيَامَةُ): مِنْ أَسْمَاءِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يُبْعَثُونَ لِلْحِسَابِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْقِيَامَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ﴾ |
مقاصدها |
إِثْبَاتُ عَقِيدَةِ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعْضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، ... (وَهَلْ أَتَى وَلاَ أُقْسِمُ بِيَومِ الْقِيَامَةِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْقِيَامَةِ) بِآخِرِهَا: تَذْكِيرُ الْإِنْسَانِ بِخَلْقِهِ وَهِدَايَتِهِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ ٣﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَن يُتۡرَكَ سُدًى ٣٦﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْقِيَامَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْمُدَّثِّرِ): لَمَّا خَتَمَ اللهُ تَعَالَى (الْمُدَّثِّرَ) بِذِكْرِ الْيَومِ الْآخِرِ بِقَولِهِ: ﴿كَلَّاۖ بَل لَّا يَخَافُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ ٥٣﴾، افْتَتَحَ (الْقِيَامَةَ) بِتَفَصِيلِ هَذَا الْيَومِ؛ فَقَالَ: ﴿لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ١﴾... الآيَات |