«قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا» هو القرآن «أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه» أي تقدمه كالتوراة «يهدي إلى الحق» الإسلام «وإلى طريق مستقيم» أي طريقه.
وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)
أولو العزم من الرسل هم الذين لقوا الشدائد في تمهيد السبيل ، وهم الذين أرسلوا بالسيف لكمالهم .
(47) سورة محمّد مدنيّة
------------
(35) الفتوحات ج 4 /
347 - كتاب تلقيح الأذهان
ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرا عنهم : ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى [ مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق ] ) ، ولم يذكروا عيسى ; لأن عيسى ، عليه السلام ، أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم ، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة ، فالعمدة هو التوراة ; فلهذا قالوا : أنزل من بعد موسى . وهكذا قال ورقة بن نوفل ، حين أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصة نزول جبريل [ عليه السلام ] عليه أول مرة ، فقال : بخ بخ ، هذا الناموس الذي كان يأتي موسى ، يا ليتني أكون فيها جذعا .
( مصدقا لما بين يديه ) أي : من الكتب المنزلة قبله على الأنبياء . وقولهم : ( يهدي إلى الحق ) أي : في الاعتقاد والإخبار ، ( وإلى طريق مستقيم ) في الأعمال ، فإن القرآن يشتمل على شيئين خبر وطلب ، فخبره صدق ، وطلبه عدل ، كما قال : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] ، وقال ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) [ التوبة : 33 ] ، فالهدى هو : العلم النافع ، ودين الحق : هو العمل الصالح . وهكذا قالت الجن : ( يهدي إلى الحق ) في الاعتقادات ، ( وإلى طريق مستقيم ) أي : في العمليات .
قوله تعالى {قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى }أي القرآن، وكانوا مؤمنين بموسى. قال عطاء : كانوا يهودا فأسلموا، ولذلك قالوا {أنزل من بعد موسى}. وعن ابن عباس : أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى، فلذلك قالت {أنزل من بعد موسى}. {مصدقا لما بين يديه} يعني ما قبله من التوراة. {يهدي إلى الحق} دين الحق. {وإلى طريق مستقيم} دين الله القويم. {يا قومنا أجيبوا داعي الله} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أنه كان مبعوثا إلى الجن والإنس. قال مقاتل : ولم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم. قلت : يدل على قوله ما في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة). قال مجاهد : الأحمر والأسود : الجن والإنس. وفي رواية من حديث أبي هريرة (وبعثت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون). قوله تعالى {وآمنوا به} أي بالداعي، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل{به}أي بالله، لقوله {يغفر لكم من ذنوبكم}. قال ابن عباس : فاستجاب لهم من قومهم سبعون رجلا، فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقوه بالبطحاء، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم. مسألة : هذه الآي تدل على أن الجن كالإنس في الأمر والنهي والثواب والعقاب. وقال الحسن : ليس لمؤمني الجن ثواب غير نجاتهم من النار، يدل عليه قوله تعالى{يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم }. وبه قال أبو حنيفة قال : ليس ثواب الجن إلا أن يجاروا من النار، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم. وقال آخرون : إنهم كما يعاقبون في الإساءة يجازون في الإحسان مثل الإنس. وإليه ذهب مالك والشافعي وابن أبي ليلي. وقد قال الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون. قال القشيري : والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشيء، والعلم عند الله. قلت : قوله تعالى {ولكل درجات مما عملوا} [
الأنعام : 132] يدل على أنهم يثابون ويدخلون الجنة، لأنه قال في أول الآية {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} إلى أن قال {ولكل درجات مما عملوا} [
الأنعام : 130]. والله أعلم، وسيأتي لهذا في سورة [الرحمن]مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
قالوا: يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى، مصدقًا لما قبله من كتب الله التي أنزلها على رسله، يهدي إلى الحق والصواب، وإلى طريق صحيح مستقيم.
{ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى } لأن كتاب موسى أصل للإنجيل وعمدة لبني إسرائيل في أحكام الشرع، وإنما الإنجيل متمم ومكمل ومغير لبعض الأحكام.
{ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي } هذا الكتاب الذي سمعناه { إِلَى الْحَقِّ } وهو الصواب في كل مطلوب وخبر { وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } موصل إلى الله وإلى جنته من العلم بالله وبأحكامه الدينية وأحكام الجزاء.
( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) قال عطاء : كان دينهم اليهودية ، لذلك قالوا : إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى .
(قالُوا) ماض وفاعله والجملة مستأنفة (يا قَوْمَنا) منادى مضاف منصوب (إِنَّا) إن واسمها (سَمِعْنا) ماض وفاعله (كِتاباً) مفعول به والجملة خبر إنا (أُنْزِلَ) ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة صفة كتابا (مِنْ بَعْدِ) متعلقان بالفعل (مُوسى) مضاف إليه (مُصَدِّقاً) صفة كتابا (لِما) متعلقان بمصدقا (بَيْنَ) ظرف مكان (يَدَيْهِ) مضاف إليه (يَهْدِي) مضارع فاعله مستتر والجملة صفة كتابا (إِلَى الْحَقِّ) متعلقان بالفعل (وَإِلى طَرِيقٍ) معطوفان على ما قبلهما (مُسْتَقِيمٍ) صفة طريق.
Traslation and Transliteration:
Qaloo ya qawmana inna samiAAna kitaban onzila min baAAdi moosa musaddiqan lima bayna yadayhi yahdee ila alhaqqi waila tareeqin mustaqeemin
They said: O our people! Lo! we have heard a scripture which hath been revealed after Moses, confirming that which was before it, guiding unto the truth and a right road.
Ey kavmimiz demişlerdi, gerçekten de biz, Musa'dan sonra indirilmiş bir kitap duyduk ki önceki kitapları gerçeklemede, gerçeği ve doğru yolu göstermede.
Ils dirent: «O notre peuple! Nous venons d'entendre un Livre qui a été descendu après Moïse, confirmant ce qui l'a précédé. Il guide vers la vérité et vers un chemin droit.
Sie sagten: "Unsere Leute! Gewiß, wir hörten eine Schrift, die nach Musa hinabgesandt wurde, bestätigend dessen, was vor ihr war. Sie leitet zur Wahrheit und zu einem geradlinigen Weg recht.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الأحقاف (Al-Ahqaf - The Wind-Curved Sandhills) |
ترتيبها |
46 |
عدد آياتها |
35 |
عدد كلماتها |
646 |
عدد حروفها |
2602 |
معنى اسمها |
الأَحْقَافُ جَمْعُ (حِقْفٍ)، وَهُوَ مَا اعْوَجَّ مِنَ الرَّمْلِ وَاسْتَطَالَ، وَالمُرَادُ (بالأحْقَافِ) دِيَارُ قَومِ عَادٍ فِي الْيَمَنِ، وَكَانَتْ مَلِيئَةً بِالتِّلالِ العَظِيمَةِ مِنَ الرِّمَالِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الأَحْقَافِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأحْقَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (حَمْ الأَحْقَافِ) |
مقاصدها |
تَذْكِيرُ الْكَافِرِينَ بِنِعَمِ اللهِ، وَإِقَامَةِ الحُجَّةَ عَلَيهِم بِالرُّسُلِ، وَبَيَانُ عَاقِبَتِهِمْ فِي الدَّارَين |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَحْقَافِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ وَصْفِ أَهْلِ البَاطِلِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿... وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ ٣﴾، وَقَالَ فِي آخِرِ آيَةٍ مِنْهَا: ﴿...فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٣﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَحْقَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْجَاثِيَةِ): خُتِمَتِ (الجَاثِيَةُ) بِاسْمِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ؛ فَقَالَ: ﴿...وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٧﴾، وَافْتُتِحَتِ (الأَحْقَافُ) بِهِمَا؛ فَقَالَ: ﴿حمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ٢﴾. |