قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم «وما منا» معشر الملائكة أحد «إلا له مقام معلوم» في السماوات يعبد الله فيه لا يتجاوزه.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)
والحمد للّه أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّه ، فعواقب
[ إشارة : الحمد للّه ]
الثناء على اللّه بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى اللّه ، وعاقب الأمر آخره «رَبِّ الْعالَمِينَ» من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حمد اللّه رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة - إشارة - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة .
(38) سورة ص مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(182) الفتوحات ج 3 /
537 ، 196
ثم قال تعالى منزها للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) أي : له موضع مخصوص في السماوات ومقامات العبادة لا يتجاوزه ولا يتعداه .
وقال ابن عساكر في ترجمته لمحمد بن خالد بسنده إلى عبد الرحمن بن العلاء بن سعد ، عن أبيه - وكان ممن بايع يوم الفتح - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لجلسائه : " أطت السماء وحق لها أن تئط ، ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد " . ثم قرأ : ( وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ) .
وقال الضحاك في تفسيره : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) قال : كان مسروق يروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد أو قائم " . فذلك قوله : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) .
وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن في السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه ، ثم قرأ عبد الله له : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) وكذا قال سعيد بن جبير .
وقال قتادة : كانوا يصلون الرجال والنساء جميعا ، حتى نزلت : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) ، فتقدم الرجال وتأخر النساء .
هذا من قول الملائكة تعظيما لله عز وجل، وإنكارا منهم عبادة من عبدهم. {وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون} قال مقاتل : هذه الثلاث الآيات نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى، فتأخر جبريل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أهنا تفارقني) فقال ما أستطيع أن أتقدم عن مكاني. وأنزل الله تعالى حكاية عن قول الملائكة {وما منا إلا له مقام معلوم} الآيات. والتقدير عند الكوفيين : وما منا إلا من له مقام معلوم. فحذف الموصول. وتقديره عند البصريين : وما منا ملك إلا له مقام معلوم؛ أي مكان معلوم في العبادة؛ قال ابن مسعود وابن جبير. وقال ابن عباس : ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي سبح. وقالت عائشة رضي الله عنها : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم). وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني كنت شجرة تعضد) خرجه أبو عيسى الترمذي وقال فيه حديث حسن غريب. ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال : لوددت أني كنت شجرة تعضد. ويروى عن أبي ذر موقوفا. وقال قتادة : كان يصلي الرجال والنساء جميعا حتى نزلت هذه الآية {وما منا إلا له مقام معلوم}. قال : فتقدم الرجال وتأخر النساء. {وإنا لنحن الصافون} قال الكلبي : صفوفهم كصفوف أهل الدنيا في الأرض. وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد؛ فقال : (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها) فقلنا يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال؟ (يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف) وكان عمر يقول إذا قام للصلاة : أقيموا صفوفكم واستووا إنما يريد الله بكم هدي الملائكة عند ربها ويقرأ: {وإنا لنحن الصافون} تأخر يا فلان تقدم يا فلان؛ ثم يتقدم فيكبر. وقد مضى في سورة [الحجر] بيانه. وقال أبو مالك : كان الناس يصلون متبددين فأنزل الله تعالى: {وإنا لنحن الصافون} فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصطفوا. وقال الشعبي. جاء جبريل أو ملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه؛ إن الملائكة لتصلي وتسبح ما في السماء ملك فارغ. وقيل : أي لنحن الصافون أجنحتنا في الهواء وقوفا ننتظر ما نؤمر به. وقيل : أي نحن الصافون حول العرش. {وإنا لنحن المسبحون} أي المصلون؛ قال قتادة. وقيل : أي المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون. والمراد أنهم يخبرون أنهم يعبدون الله بالتسبيح والصلاة وليسوا معبودين ولا بنات الله. وقيل: {وما منا إلا له مقام معلوم} من قول الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين للمشركين؛ أي لكل واحد منا ومنكم في الآخرة مقام معلوم وهو مقام الحساب. وقيل : أي منا من له مقام الخوف، ومنا من له مقام الرجاء، ومنا من له مقام الإخلاص، ومنا من له مقام الشكر. إلى غيرها من المقامات. قلت : والأظهر أن ذلك راجع إلى قول الملائكة: {وما منا إلا له مقام معلوم} والله أعلم.
قالت الملائكة: وما منا أحدٌ إلا له مقام في السماء معلوم، وإنا لنحن الواقفون صفوفًا في عبادة الله وطاعته، وإنا لنحن المنزِّهون الله عن كل ما لا يليق به.
هذا [فيه] بيان براءة الملائكة عليهم السلام، عما قاله فيهم المشركون، وأنهم عباد اللّه، لا يعصونه طرفة عين، فما منهم من أحد إلا له مقام وتدبير قد أمره اللّه به لا يتعداه ولا يتجاوزه، وليس لهم من الأمر شيء.
قوله عز وجل : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) يقول جبرائيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم ، أي : ما منا ملك إلا له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه .
قال ابن عباس : ما في السماوات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي أو يسبح .
وروينا عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله "
قال السدي : إلا له مقام معلوم في القربة والمشاهدة .
وقال أبو بكر الوراق : إلا له مقام معلوم يعبد الله عليه ، كالخوف والرجاء والمحبة والرضا .
(وَما) الواو حرف استئناف وما نافية (مِنَّا) متعلقان بمحذوف صفة المبتدأ المحذوف والخبر الجملة الاسمية الواقعة بعد إلا (إِلَّا) أداة حصر (لَهُ) متعلقان بمحذوف خبر مقدم (مَقامٌ) مبتدأ مؤخر (مَعْلُومٌ) صفة
Traslation and Transliteration:
Wama minna illa lahu maqamun maAAloomun
There is not one of us but hath his known position.
Ve melekler derler ki: Bizden hiçbir fert yoktur ki onun malum ve muayyen bir makamı olmasın.
Il n'y en a pas un, parmi nous, qui n'ait une place connue;
Und es ist keiner unter uns (Engeln), außer daß es für ihn eine bekannte Stellung gibt.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الصافات (As-Saffat - Those who set the Ranks) |
ترتيبها |
37 |
عدد آياتها |
182 |
عدد كلماتها |
865 |
عدد حروفها |
3790 |
معنى اسمها |
الصَّافَّاتُ: جَمْعُ (الصَّافَّةُ)، وَالمُرَادُ (بِالصَّافَّاتِ): المَلائِكَةُ تَصُفُّ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ المُصَليِّنَ فِي الصَّلاةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّافَّاتِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الذَّبْحِ) |
مقاصدها |
امْتِنَانُ اللهِ تعَالَى علَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرُّسُلِ، وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسائِي) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) بِآخِرِهَا: تَنْزِيهُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِي أَوّلِ السُّورَةِ: ﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَيهِمْ فِي خِتَامِهَا فَقَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يسٓ): خُتِمَتْ (يسٓ) بِسَعَةِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾، وافتُتِحَتِ (الصَّافَّاتُ) بذَلِكَ فَقَالَ: ﴿رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ ٥﴾. |