المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة آل عمران: [الآية 68]
سورة آل عمران | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 / 482 ، 347 ، 482تفسير ابن كثير:
ثم قال تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) يقول تعالى : أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعوه على دينه ، وهذا النبي - يعني محمدا صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن بعدهم .
قال سعيد بن منصور : أخبرنا أبو الأحوص ، عن سعيد بن مسروق ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل " . ثم قرأ : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه [ وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ] ) .
وقد رواه الترمذي والبزار من حديث أبي أحمد الزبيري ، عن سفيان الثوري ، عن أبيه ، به ثم قال البزار : ورواه غير أبي أحمد ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن عبد الله ، ولم يذكر مسروقا . وكذا رواه الترمذي من طريق وكيع ، عن سفيان ، ثم قال : وهذا أصح لكن رواه وكيع في تفسيره فقال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكره .
وقوله : ( والله ولي المؤمنين ) أي : ولي جميع المؤمنين برسله .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
تفسير الآيات من 65الى 68 :ـ لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه، أحدها: أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم، الوجه الثاني: أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم، فهل هذا يعقل؟! فلهذا قال { أفلا تعقلون } أي: فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك، الوجه الثالث: أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفا مسلما، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا من إبراهيم وليس منهم، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب. وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه، وفيها أيضا حث على علم التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ) أي : من اتبعه في زمانه ، ( وهذا النبي ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ( والذين آمنوا ) معه ، يعني من هذه الأمة ( والله ولي المؤمنين )
روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، ورواه محمد بن إسحاق عن ابن شهاب بإسناده ، حديث هجرة الحبشة ، لما هاجر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة واستقرت بهم الدار وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان من أمر بدر ما كان فاجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثأرا ممن قتل منكم ببدر ، فاجمعوا مالا وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ولينتدب لذلك رجلان من ذوي رأيكم فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد مع الهدايا الأدم وغيره ، فركبا البحر وأتيا الحبشة فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له : إن قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبون وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك ، لأنهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم أنه رسول الله ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء ، وإنا كنا قد ضيقنا عليهم الأمر وألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد ، ولا يخرج منهم أحد قد قتلهم الجوع والعطش فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم ، وقالا وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك ، قال : فدعاهم النجاشي فلما حضروا ، صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله ، فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته ، فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله وما أجابهم به النجاشي ، فساءهما ذلك ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ، فقال لهم النجاشي : ما منعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبيا صادقا فأمرنا بالتحية التي رضيها الله وهي السلام تحية أهل الجنة ، فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والإنجيل قال : أيكم الهاتف : يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر : أنا ، قال : فتكلم ، قال : إنك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر فتسمع محاورتنا فقال عمرو لجعفر : تكلم ، فقال جعفر للنجاشي : سل هذين الرجلين أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم ، فقال النجاشي : أعبيد هم أم أحرار؟ فقال عمرو : بل أحرار كرام ، فقال النجاشي : نجوا من العبودية ثم قال جعفر : سلهما هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا؟ قال النجاشي : إن كان قنطارا فعلي قضاؤه ، فقال عمرو : لا ولا قيراطا ، قال النجاشي : فما تطلبون منهم؟ قال عمرو : كنا وهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا فتركوا ذلك وابتغوا غيره فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا ، فقال النجاشي : ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذي اتبعتموه اصدقني ، قال جعفر : أما الدين الذي كنا عليه فتركناه فهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة ، وأما الدين الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب عيسى ابن مريم موافقا له ، فقال النجاشي : يا جعفر تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك ، ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا مرسلا فقالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى وقال : من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي ، فقال النجاشي لجعفر : ماذا يقول لكم هذا الرجل وما يأمركم به وما ينهاكم عنه؟ فقال : يقرأ علينا كتاب الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له ، فقال : اقرأ علي مما يقرأ عليكم فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع وقالوا : زدنا يا جعفر من هذا الحديث الطيب فقرأ عليهم سورة الكهف فأراد عمرو أن يغضب النجاشي فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه ، فقال النجاشي : ما تقولون في عيسى وأمه فقرأ عليهم سورة مريم فلما أتى جعفر على ذكر مريم وعيسى عليهما السلام رفع النجاشي نفثة من سواكه قدر ما تقذى العين فقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا ، ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي [ يقول ] : آمنون من سبكم أو آذاكم غرم ، ثم قال : أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم ، قال عمرو : يا نجاشي ومن حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن تبعهم فأنكر ذلك المشركون وادعوا في دين إبراهيم ، ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه وقال : إنما هديتكم لي رشوة فاقبضوها فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة ، قال جعفر : فانصرفنا فكنا في خير دار وأكرم جوار ، وأنزل الله تعالى ذلك اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصومتهم في إبراهيم وهو بالمدينة قوله عز وجل ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) .
الإعراب:
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) أولى اسم إن والذين خبرها والناس مضاف إليه اللام هي المزحلقة بإبراهيم متعلقان باسم التفضيل أولى اتبعوه فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة صلة الموصول (وَهذَا النَّبِيُّ) هذا اسم إشارة معطوف على الذين النبي بدل من هذا مرفوع (وَالَّذِينَ) اسم موصول معطوف على هذا (آمَنُوا) فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول.
(وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) لفظ الجلالة مبتدأ وولي خبر المتقين مضاف إليه والجملة استئنافية.