«الذين هم في صلاتهم خاشعون» متواضعون.
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
[ «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» ]
فأمر نبيه أن يقول «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» هذه الفرق التي وفّت النظر استطاعتها التي آتيتها ، فلم تصل إلا إلى التعطيل أو الشرك «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» فإنهم ما تعدوا ما آتاهم اللّه ، فيشفع هنا فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من حيث لا يشعرون ، فإذا نالتهم السعادة بالخروج من النار ، وقد غفر لهم اللّه بسؤال الرسول فيهم إذ قال «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» حين أمره اللّه بذلك ، وما أمره بهذا الدعاء إلا ليجيبه ، فأجابه في ذلك ، فعرفوا قدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عند ذلك إذا دخلوا الجنة ، فينتمون إليه فيها لأنه السيد الأكبر ، وهذا الدعاء يعم كل من هو بهذه المثابة من وقت آدم إلى نفخة الصعق ، لأنه ما خصص في دعوته إلا من هذه صفته ، ومن ينبغي أن يرحم ويغفر له ، فكل موحد للّه ولو بدليله وإن لم يكن مؤمنا ففي الجنة ، يدخله اللّه خاصة لا غيره ، ويشفع المؤمنون والأنبياء في أهل الكبائر من أهل الإيمان ، لأن الأنبياء بعثت بالخير وهو الإيمان ، والموحدون الذين لم يؤمنوا لكونهم ما بعث إليهم رسول ، أو كانوا في فترة ، فهم الذين يحشر كل واحد منهم أمة وحده ، فإن بعث في أمة - هو فيهم - رسول فلم يؤمن به مع علمه بأحدية خالقه دخل النار ، فما يخرج منها إلا بإخراج خالقه ، لأن الخلود في النار لا يكون بالنص لأهل التوحيد بأي وجه حصل لهم ، قال صلّى اللّه عليه وسلم [ من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللّه دخل الجنة ]
ولم يقل يقول ولا يؤمن ، وإنما ذكر العلم خاصة ، فلا يبقى في النار إلا مشرك أو معطل لا عن شبهة ولا عن نظر مستوف في النظر قوته ، فلم يبق في النار إلا المقلدة الذين كان في قوتهم واستعدادهم أن ينظروا فما نظرو
- مسئلة -قوله تعالى : «خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» من باب المفاضلة ، فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه ، فهي رحمته تعالى ، لا رحمتهم ، ظهرت
في صورة مخلوق ، كما قال في [ سمع اللّه لمن حمده ] أن ذلك القول هو قول اللّه على لسان عبده ، فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل ، فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول اللّه ،
وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق ، فتعيّن التفاضل والأفضلية بالمحال ، إلا أن رحمة اللّه بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة ، فإنه يرحم عن ذوق ، فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم ، والحق ليس كذلك ، فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم ، فهو خير الراحمين ، فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة اللّه مطلقة .
(24) سورة النّور مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(118) الفتوحات ج 3 /
285 ، 553
الذين هم في صلاتهم خاشعون ) " قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( خاشعون ) : خائفون ساكنون . وكذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والزهري .
وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : الخشوع : خشوع القلب . وكذا قال إبراهيم النخعي .
وقال الحسن البصري : كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضوا بذلك أبصارهم ، وخفضوا الجناح .
وقال محمد بن سيرين : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية : ( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون ) خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم .
[ و ] قال ابن سيرين : وكانوا يقولون : لا يجاوز بصره مصلاه ، فإن كان قد اعتاد النظر فليغمض . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
ثم روى ابن جرير عنه ، وعن عطاء بن أبي رباح أيضا مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، حتى نزلت هذه الآية .
والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فرغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي ، عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حبب إلي الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن رجل من أسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا بلال ، أرحنا بالصلاة " .
وقال الإمام أحمد أيضا; حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، أن محمد بن الحنفية قال : دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار ، فحضرت الصلاة ، فقال : يا جارية ، ائتني بوضوء لعلي أصلي فأستريح . فرآنا أنكرنا عليه ذلك ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قم يا بلال ، فأرحنا بالصلاة " .
فيه تسع مسائل: الأولى: قوله تعالى {قد أفلح المؤمنون } ""روى البيهقي من حديث أنس"" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لما خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون). و""روى النسائي عن عبدالله بن السائب"" قال : حضرت رسول الله صلى يوم الفتح فصلى في قبل الكعبة، فخلع نعليه فوضعهما عن يساره فافتتح سورة المؤمنين، فلما جاء ذكر موسى أو عيسى عليهما السلام أخذته سعلة فركع. خرجه مسلم بمعناه. وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل؛ وأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه وقال : (اللهم زدنا ولا تنقصنا وارضنا وارض عنا - ثم قال - أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة - ثم قرأ - قد أفلح المؤمنون) حتى ختم عشر آيات؛ صححه ابن العربي. وقال النحاس : معنى - من أقامهن - من أقام عليهن ولم يخالف ما فيهن؛ كما تقول : فلان يقوم بعمله. ثم نزل بعد هذه الآيات فرض الوضوء والحج فدخل معهن. وقرأ طلحة بن مصرف{قد أفلح المؤمنون} بضم الألف على الفعل المجهول؛ أي أبقوا في الثواب والخير. وقد مضى في أول - البقرة - من الفلاح لغة ومعنى، والحمد لله وحده. الثانية: قوله تعالى {خاشعون } روى المعتمر عن خالد عن محمد بن سيرين قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى السماء في الصلاة؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية{الذين هم في صلاتهم خاشعون }. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر حيث يسجد. وفي رواية هشيم : كان المسلمون يلتفتون في الصلاة وينظرون حتى أنزل الله {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}؛ فأقبلوا على صلاتهم وجعلوا ينظرون أمامهم. وقد تقدم ما للعلماء في حكم المصلي إلى حيث ينظر في- البقرة - عند قوله {فول وجهك شطر المسجد الحرام } [البقرة-144]. وتقدم أيضا معنى الخشوع لغة ومعنى في البقرة أيضا عند قوله تعالى {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } [البقرة-45]. والخشوع محله القلب؛ فإذا خشع خشعت الجوارح كلها لخشوعه؛ إذ هو ملكها، حسبما بيناه أول البقرة. وكان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها يهاب الرحمن أن يمد بصره إلى شيء وأن يحدث نفسه بشيء من الدنيا. وقال عطاء : هو ألا يعبث بشيء من جسده في الصلاة. وأبصر صلى الله عليه وسلم صلى يعبث بلحيته في الصلاة فقال : (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه). وقال أبو ذر قال النبي صلى الله عليه وسلم. (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يحركن الحصى ). ""رواه الترمذي"". وقال الشاعر : ألا في الصلاة الخير والفضل أجمع ** لأن بها الآراب لله تخضع وأول فرض من شريعة ديننا ** وآخر ما يبقى إذا الدين يرفع فمن قام للتكبير لاقته رحمة ** وكان كعبد باب مولاه يقرع وصار لرب العرش حين صلاته ** نجيا فيا طوباه لو كان يخشع و""روى أبو عمر أن الجوني قال : قيل لعائشة ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : أتقرؤون سورة المؤمنين؟ قيل نعم. قالت : اقرؤوا؛ فقرئ عليها{قد أفلح المؤمنون - حتى بلغ - يحافظون }. و""روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما"" قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلحظ في صلاته يمينا وشمالا، ولا يلوي عنقه خلف ظهره. وقال كعب بن مالك في حديثه الطويل : ثم أصلي قريبا منه - يعني من النبي صلى الله عليه وسلم - وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني... الحديث؛ ولم يأمره بإعادة. الثالثة: اختلف الناس في الخشوع، هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين. والصحيح الأول، ومحله القلب، وهو أول علم يرفع من الناس؛ قاله عبادة بن الصامت، رواه الترمذي من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء، وقال : هذا حديث حسن غريب. وقد خرجه النسائي من حديث جبير بن نفير أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي من طريق صحيحة. قال أبو عيسى : ومعاوية بن صالح ثقة عند أهل الحديث، ولا نعلم أحدا تكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان. قلت : معاوية بن صالح أبو عمرو ويقال أبو عمر الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال : صالح الحديث، كتب حديثه ولا يحتج به. واختلف فيه قول يحيى بن معين، ووثقه عبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي، واحتج به مسلم في صحيحه. وتقدم في - البقرة - معنى اللغو والزكاة فلا معنى للإعادة. وقال الضحاك : إن اللغو هنا الشرك. وقال الحسن : إنه المعاصي كلها. فهذا قول جامع يدخل فيه قول من قال : هو الشرك؛ وقول من قال هو الغناء؛ كما ""روى مالك بن أنس"" عن محمد بن المنكدر، على ما يأتي في- لقمان - بيانه. ومعنى-فاعلون - أي مؤدون؛ وهي فصيحة، وقد جاءت في كلام العرب. قال أمية ابن أبي الصلت : المطعمون الطعام في السنة الأز ** مة والفاعلون للزكوات الرابعة: قوله {والذين هم لفروجهم حافظون}قال ابن العربي من غريب القرآن أن هذه الآيات العشر عامة في الرجال والنساء، كسائر ألفاظ القرآن التي هي محتملة لهم فإنها عامة فيهم، إلا قول {والذين هم لفروجهم حافظون}فإنما خاطب بها الرجال خاصة دون الزوجات،{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخرى كآيات الإحصان عموما وخصوصا وغير ذلك من الأدلة. قلت : وعلى هذا التأويل في الآية فلا يحل لامرأة أن يطأها من تملكه إجماعا من العلماء؛ لأنها غير داخلة في الآية، ولكنها لو أعتقته بعد ملكها له جاز له أن يتزوجها كما يجوز لغيره عند الجمهور. وروي عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا على نكاحهما. قال أبو عمر : ولا يقل هذا أحد من فقهاء الأمصار؛ لأن تملكها عندهم يبطل النكاح بينهما، وليس ذلك بطلاق وإنا هو فسخ للنكاح؛ وأنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يراجعها إلا بنكاح جديد ولو كانت في عدة منه. الخامسة: قال محمد بن الحكم : سمعت حرملة بن عبدالعزيز قال : سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة، فتلا هذه الآية { والذين هم لفروجهم حافظون} - إلى قوله - { العادون}. وهذا لأنهم يكنون عن الذكر بعميرة؛ وفيه يقول الشاعر : إذا حللت بواد لا أنيس به ** فاجلد عميرة لا داء ولا حرج ويسميه أهل العراق الاستمناء، وهو استفعال من المني. وأحمد بن حنبل على ورعه يجوزه، ويحتج بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة؛ أصله القصد والحجامة. وعامة العلماء على تحريمه. وقال بعض العلماء : إنه كالفاعل بنفسه، وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة، ويا ليتها لم تقل؛ ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها. فإن قيل : إنها خير من نكاح الأمة؛ قلنا : نكاح الأمة ولو كانت كافرة على مذهب بعض العلماء خير من هذا، وإن كان قد قال به قائل أيضا، ولكن الاستمناء ضعيف في الدليل أو بالرجل الدنيء فكيف بالرجل الكبير. السادسة: قوله {إلا على أزواجهم} قال الفراء : أي من أزواجهم اللاتي أحل الله لهم لا يجاوزون. {أو ما ملكت أيمانهم} في موضع خفض معطوفة على {أزواجهم} و { ما} مصدرية. وهذا يقتضي تحريم الزنى وما قلناه من الاستنماء ونكاح المتعة؛ لأن المتمتع بها لا تجري مجرى الزوجات، لا ترث ولا تورث، ولا يلحق به ولدها، ولا يخرج من نكاحها بطلاق يستأنف لها، وإنما يخرج بانقضاء المدة التي عقدت عليها وصارت كالمستأجرة. ابن العربي : إن قلنا إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل ينطلق عليها اسم الزوجية. وإن قلنا بالحق الذي أجمعت عليه الأمة من تحريم نكاح المتعة لما كانت زوجة فلم تدخل في الآية. قلت : وفائدة هذا الخلاف هل يجب الحد ولا يلحق الولد كالزنى الصريح أو يدفع الحد للشبهة ويلحق الولد، قولان لأصحابنا. وقد كان للمتعة في التحليل والتحريم أحوال؛ فمن ذلك أنها كانت مباحة ثم حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن خيبر، ثم حللها في غزاة الفتح؛ ثم حرمها بعد؛ قاله ابن خويزمنداد من أصحابنا وغيره، وإليه أشار ابن العربي. وقد مضى في -النساء- القول فيها مستوفى. السابعة: قوله {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} فسمى من نكح ما لا يحل عاديا وأوجب عليه الحد لعدوانه، واللائط عاد قرآنا ولغة، بدليل قوله تعالى { بل أنتم قوم عادون } [الشعراء-166] وكما تقدم في -الأعراف-؛ فوجب أن يقام الحد عليهم، وهذا ظاهر لا غبار عليه. قلت : فيه نظر، ما لم يكن جاهلا أو متأولا، وإن كان الإجماع منعقدا على أن قوله {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} خص به الرجال دون النساء؛ فقد ""روى معمر عن قتادة قال : تسررت امرأة غلامها؛ فذكر ذلك لعمر فسألها : ما حملك على ذلك؟ قالت : كنت أراه يحل لي ملك يميني كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين؛ فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تأولت كتاب الله عز وجل على غير تأويله، لا رجم عليها. فقال عمر : لا جرم! والله لا أحلك لحر بعده أبدا. عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها، وأم العبد ألا يقربها. وعن أبي بكر بن عبدالله أنه سمع أباه يقول : أنا حضرت عمر ابن عبدالعزيز جاءته امرأة بغلام لها وضيء فقالت : إني استسررته فمنعني بنو عمي عن ذلك، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها؛ فإنه عني بني عمي؛ فقال عمر : أتزوجت قبله؟ قالت نعم؛ قال : أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة؛ ولكن اذهبوا به فبيعوه إلى من يخرج به إلى غير بلدها. و{وراء} بمعنى سوى، وهو مفعول بـ {ابتغى} أي من طلب سوى الأزواج والولائد المملوكة له. وقال الزجاج : أي فمن ابتغى ما بعد ذلك؛ فمفعول الابتغاء محذوف، و{وراء} ظرف. و{ذلك} يشار به إلى كل مذكور مؤنثا كان أو مذكرا. {فأولئك هم العادون} أي المجاوزون الحد؛ من عدا أي جاوز الحد وجازه. قرأ الجمهور {لأماناتهم} بالجمع. وابن كثير بالإفراد. والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلا. وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك؛ وغاية ذلك حفظه والقيام به. والأمانة أعم من العهد، وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد. التاسعة: قرأ الجمهور {صلواتهم} وحمزة والكسائي {صلاتهم} بالإفراد؛ وهذا الإفراد اسم جنس فهو في معنى الجميع. والمحافظة على الصلاة إقامتها والمبادرة إليها أوائل أوقاتها، وإتمام ركوعها وسجودها. وقد تقدم في -البقرة- مستوفى. ثم قال {أولئك هم الوارثون} أي من عمل بما ذكر في هذه الآيات فهم الوارثون؛ أي يرثون منازل أهل النار من الجنة. وفي الخبر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكنا في الجنة ومسكنا في النار فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار ويجعل الكفار في منازلهم في النار). ""خرجه ابن ماجة بمعناه"". عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله {أولئك هم الوارثون}). إسناده صحيح. ويحتمل أن يسمى الحصول على الجنة وراثة من حيث حصولها دون غيرهم، فهو اسم مستعار على الوجهين. والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها. خرجه الترمذي من حديث الربيع بن النضر أم حارثة، وقال : حديث حسن صحيح. ""وفي حديث مسلم"" (فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة). قال أبو حاتم محمد بن حبان : قوله صلى الله عليه وسلم (فإنه أوسط الجنة) يريد أن الفردوس في وسط الجنان في العرض وهو أعلى الجنة، يريد في الارتفاع. وهذا كله يصحح قول أبي هريرة : إن الفردوس جبل الجنة التي تتفجر منه أنهار الجنة. واللفظة فيما قال مجاهد : رومية عربت. وقيل : هي فارسية عربت. وقيل : حبشية؛ وإن ثبت ذلك فهو وفاق بين اللغات. وقال الضحاك : هو عربي وهو الكرم؛ والعرب تقول للكرم فراديس. {هم فيها خالدون} فأنث على معنى الجنة.
الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون، تَفْرُغُ لها قلوبهم، وتسكن جوارحهم.
{ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }
والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرا لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدبا بين يدي ربه، مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثابا عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها.
( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) اختلفوا في معنى الخشوع ، فقال ابن عباس : مخبتون أذلاء . وقال الحسن وقتادة : خائفون . وقال مقاتل : متواضعون . وقال مجاهد : هو غض البصر وخفض الصوت .
والخشوع قريب من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن ، والخشوع في القلب والبدن والبصر والصوت ، قال الله عز وجل : " وخشعت الأصوات للرحمن " ( طه - 108 ) .
وعن علي رضي الله عنه : هو أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا . وقال سعيد بن جبير : هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره ، ولا يلتفت من الخشوع لله عز وجل .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، أخبرنا أبو الأحوص ، أخبرنا أشعث بن سليم ، عن أبيه ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : " هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد " .
وأخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو الحسن القاسم بن بكر الطيالسي ببغداد ، أخبرنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، أخبرنا عبد الغفار بن عبيد الله ، أخبرنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أبي الأحوص ، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال الله مقبلا على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه " .
وقال عمرو بن دينار : هو السكون وحسن الهيئة . وقال ابن سيرين وغيره : هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك .
وقال أبو هريرة : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزل : ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) رموا بأبصارهم إلى مواضع السجود .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا علي بن عبد الله ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، أخبرنا ابن أبي عروبة ، أخبرنا قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم " ، فاشتد قوله في ذلك حتى قال : " لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم " .
وقال عطاء : هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " .
أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أخبرنا أبو محمد الجراحي ، أخبرنا أبو العباس المحبوبي ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا سعيد ، عن عبد الرحمن المخزومي ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي الأحوص ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه " .
وقيل : الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة ، والإعراض عما سواها ، والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر .
(الَّذِينَ) اسم موصول صفة للمؤمنون (هُمْ) مبتدأ (فِي صَلاتِهِمْ) متعلقان بالخبر بعدهما (خاشِعُونَ) خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة صلة لا محل لها من الإعراب
Traslation and Transliteration:
Allatheena hum fee salatihim khashiAAoona
Who are humble in their prayers,
Öyle kişilerdir onlar ki namazlarını gönül alçaklığıyla kılarlar.
ceux qui sont humbles dans leur Salât,
Diejenigen, die in ihrem rituellen Gebet voller Ehrfurcht sind.