الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الكهف: [الآية 82]

سورة الكهف
وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿82﴾

تفسير الجلالين:

«وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز» مال مدفون من ذهب وفضة «لهما وكان أبوهما صالحا» فحفظا بصلاحه في أنفسهما ومالهما «فأراد ربك أن يبلغا أشدهما» أي إيناس رشدهما «ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك» مفعول له عامله أراد «وما فعلته» أي ما ذكر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار «عن أمري» أي اختباري بل بأمر إلهام من الله «ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا» يقال اسطاع واستطاع بمعنى أطاق، ففي هذا وما قبله جمع بين اللغتين ونوعت العبارة في: فأردت، فأردنا فأراد ربك.

تفسير الشيخ محي الدين:

قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)

ما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعضه إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره ، وإن كان يقول إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، ولما كانت الخلافة ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك ، فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا ، وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه ، فلم تعم عبوديته عند رعيته الذين هم أتباعه ، وظهر ملكه بهم وباتباعهم والأخذ عنه ، فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب ، وبذلك المقدار يستتر من عبوديته ، لذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فكانت هذه الآية دواء لهذه العلة ، وبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء والرسل في الدنيا البكاء والنوح ، فإنه موضع تتقى فتنته ، فقال الكامل صلّى اللّه عليه وسلم: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» عن أمر اللّه ، قيل له : قل ، فقال ، وبهذا علمنا أنه عن أمر اللّه ، لأنه نقل الأمر إلينا كما نقل المأمور ، وكان هذا القول دواء للمرض الذي قام بمن عبد عيسى عليه السلام من أمته ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لنا كثيرا في هذا المقام في حق نفسه وتعليما لنا «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فلم ير لنفسه فضلا علينا ، أي حكم البشرية فيّ حكمها فيكم ،


[إشارة: لم أمر الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يقول " قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " ]

فكان ذلك من التأديب الإلهي الذي أدب اللّه تعالى به نبيه عليه السلام فيما أوحى به إليه ،

فقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ]

يعني لنفسه ولحق غيره ، [ وأرضى كما يرضى البشر ]

يعني لنفسه ولغيره ، ويعني أن أغضب عليهم وأرضى لنفسي [ اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائي عليه رحمة له ورضوانا ]

ثم ذكر المرتبة وهو قوله «يُوحى إِلَيَّ» ولما كان صلّى اللّه عليه وسلم لم تؤثر فيه المراتب إذا نالها ، قال وهو في المرتبة العليا [ أنا سيد الناس ]

وفي رواية [ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ] فنفى أن يقصد بذلك الفخر ، لأنه ذكر الرتبة التي لها الفخر الذي هو صلّى اللّه عليه وسلم مترجم عنها وناطق بلسانها ، فذكر رتبة الشفاعة والمقام المحمود ، فالفخر للرتبة ولا فخر بالذات إلا للّه وحده ، فلم تحكم فيه المرتبة ، وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخلافة

" إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ "، فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته ، وسبب ذلك أنه رأى لطيفته ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها ، فشاهد ذاته العنصرية ، فعلم أنها تحت قوة الأفلاك العلوية ، ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق الإنساني والحيواني والنبات والمعادن ، فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضلا على كل من تولد منها ، وأنه مثل لهم وهم أمثال له ، فقال : «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية ،

فعرف نفسه فقال:

[ يا أبا بكر ما أخرجك ، قال : الجوع ، قال : وأنا أخرجني الجوع ] فكشف عن حجرين قد وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه -إشارة- كان عليه السلام نائب الحق ، فهو وجهه في العالم ، فكان الحق يقول له : «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» أي استتر بعبوديتك ،

ولا تظهر مكانتك عندي . واعلم أن جميع ما سوى اللّه يمكن حصرهم في الأجناس الآتية ،

وهم الملك والفلك والكوكب والطبيعة والعنصر والمعدن والنبات والحيوان والإنسان ،

وما من صنف ذكرناه من هؤلاء الأصناف إلا وقد عبد منهم أشخاص ،

فمنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب ، ومنهم من عبد الأفلاك ،

ومنهم من عبد العناصر ، ومنهم من عبد الأحجار ،

ومنهم من عبد الأشجار ، ومنهم من عبد الحيوان ، ومنهم من عبد الجن والإنس ، فالمخلص في العبادة التي هي ذاتية له أن لا يقصد إلا من أوجده وخلقه ،

وهو اللّه تعالى ، فتخلص له هذه العبادة ولا يعامل بها أحدا ممن ذكرناه ، أي لا يراه في شيء فيذل له ، واعلم أنه ما من شيء في الكون إلا وفيه ضرر ونفع ، فاستجلب بهذه الصفة الإلهية


نفوس المحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار ، فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياء وإن لم يشعروا ، ولما علم اللّه ما أودعه في خلقه ، وما جعل في الثقلين من الحاجة إلى ما أودع اللّه في الموجودات وفي الناس بعضهم إلى بعض قال : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ»

فذكر لقاء اللّه ليدل على حالة الرضى من غير احتمال ، كما ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وذلك في الجنة ، فإنها دار الرضوان ،

فما كل من لقي اللّه سعيد «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» أي لا يشوبه فساد ، والصالح الذي لا يدخله خلل ، فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح ، وليس الخلل في العمل وعدم الصلاح فيه إلا الشرك ، فقال : «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» أي لا يذل إلا اللّه لا لغيره ،

لأنه إذا لم ير شيئا سوى اللّه وأنه الواضع أسباب المضار والمنافع ، لجأ إلى اللّه في دفع ما يضره ونيل ما ينفعه من غير تعيين سبب ، ونكر «أَحَداً» فدخل تحته كل شيء له أحدية ، وعم كل ما ينطلق عليه اسم أحد ، وهو كل شيء في عالم الخلق والأمر ،

وعم الشرك الأصغر ، وهو الشرك الذي في العموم ، وهو الربوبية المستورة المنتهكة ، في مثل فعلت وصنعت وفعل فلان ولولا فلان ، فهذا هو الشرك المغفور ، فإنك إذا راجعت أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى اللّه تعالى ،

والشرك الذي في الخصوص ، فهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ، وهو الظلم العظيم ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل اللّه ورجل كثير المال ، فيقول اللّه للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي ؟

قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول الملائكة له : كذبت ،

ويقول اللّه : إنما قرأت ليقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال فيقول اللّه له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما آتيتك ؟

قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ،

ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جواد فقيل ذلك ، ويؤتى بالذي قتل في سبيل اللّه فيقول اللّه : فيما ذا قتلت ؟

فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ، ثم ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول من يسعر


بهم النار يوم القيامة ]

فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه ،

يقول اللّه تعالى :" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

وجاء في الحديث الغريب الصحيح [ من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ] فنكر تعالى العمل وما خص عملا من عمل ، والضمير في فيه يعود على العمل ، والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك ، وضمير هو يعود على المشرك - تحقيق إخلاص العمل للّه من الشرك

[ - الإخلاص في العمل ]

-الإخلاص في العمل -هو أن تقف كشفا على أن العامل ذلك العمل هو اللّه ، كما هو في نفس الأمر ، أي عمل كان ذلك العمل ، مذموما أو محمودا أو ما كان ، فذلك حكم اللّه تعالى فيه ما هو عين العمل ، لذلك فإن اللّه لا يتبرأ من العمل فإنه العامل بلا شك ، فإخلاص العمل للّه هو نصيب اللّه من العمل ، لأن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر اللّه فيه عمله ، فيلتبس الأمر للصورة الظاهرة ، والصورة الظاهرة لا تشك أن العمل بالشهود ظاهر منها ، فهي إضافة صحيحة ، فإن البصر لا يقع إلا على آلة وهي مصرّفة لأمر آخر ، لا يقع الحس الظاهر عليه ، بدليل الموت ووجود الآلة وسلب العمل ، فإذن الآلة ما هي العامل ، والحس ما أدرك إلا الآلة ، فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه الآلة والمصرف لها ، المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاملة الناطقة والحيوانية ، فقد انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس ،

فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود - في الجمع والوجود - في النفس الناطقة ما أدرك أهل النظر في الآلة المحسوسة سواء ، فعرفوا أن ما وراء النفس الناطقة هو العامل ، وهو مسمى اللّه ، فالنفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء ، ومتى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة ، مع ثبوت الآلات وتصرفها لظهور صورة العمل من العامل ،

فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال ،

قال صلّى اللّه عليه وسلم فيما صح عنه : [ أتدرون ما حق اللّه على العباد ، قالو :اللّه ورسوله أعلم ، قال : إن حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم قال : أتدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ، أن يدخلهم الجنة ]

فنكر صلّى اللّه عليه وسلم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء ، وهو قوله تعالى «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

- وجه آخر -في تفسير قوله تعالى في هذه الآية ،


كأنه تعالى يقول : إن الحق لا يعبد من حيث أحديته ، لأن الأحدية تنافي وجود العابد ، فكأنه يقول : لا يعبد إلا الرب من حيث ربوبيته ، فإن الرب أوجدك ، فتعلق به وتذلل له ولا تشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة ، فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية ،

فإن الأحدية لا تعرفك ولا تقبلك ، فيكون تعبد في غير معبد ، وتطمع في غير مطمع ، وتعمل في غير معمل ، وهي عبادة الجاهل ، فنفى عبادة العابدين من التعلق بالأحدية ، فإن الأحدية لا تثبت إلا للّه مطلقا ، وإنما ما سوى اللّه فلا أحدية له مطلقا ،

فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن ، ويأخذ أهل الرسوم في ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى ، فيحملون الأحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء ، وهو تفسير صحيح أيضا ، فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له ، إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني بخلاف كلام المخلوقين .

(19) سورة مريم مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(110) الفتوحات ج 3 / 225 ، 50 - ج 1 / 664 - ج 3 / 225 ، 191 ، 337 ، 23 ، 225 ، 23 - كتاب النجاة - كتاب المشاهد - الفتوحات ج 2 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 1 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 4 / 536 - ج 2 / 221">221 - ج 3 / 477 - ح2 / 581

تفسير ابن كثير:

في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة; لأنه قال أولا ( حتى إذا أتيا أهل قرية ) [ الكهف : 77 ] وقال هاهنا : فكان لغلامين يتيمين في المدينة كما قال تعالى : ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك [ محمد : 13 ] ، وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ الزخرف : 31 ] يعني : مكة والطائف . ومعنى الآية : أن هذا الجدار إنما أصلحه لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما . قال عكرمة ، وقتادة ، وغير واحد : كان تحته مال مدفون لهما . وهذا ظاهر السياق من الآية ، وهو اختيار ابن جرير ، رحمه الله . وقال العوفي عن ابن عباس : كان تحته كنز علم . وكذا قال سعيد بن جبير ، وقال مجاهد : صحف فيها علم ، وقد ورد في حديث مرفوع ما يقوي ذلك ، قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده المشهور : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا بشر بن المنذر ، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي عن عياش بن عباس القتباني عن ابن حجيرة ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، [ رفعه ] قال : " إن الكنز الذي ذكر الله في كتابه : لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه : عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب ؟ وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك ؟ وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " . بشر بن المنذر هذا يقال له : قاضي المصيصة . قال الحافظ أبو جعفر العقيلي : في حديثه وهم . وقد روي في هذا آثار عن السلف ، فقال ابن جرير في تفسيره : حدثني يعقوب ، حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة حدثنا سلمة ، عن نعيم العنبري - وكان من جلساء الحسن - قال : سمعت الحسن - يعني البصري - يقول في قوله : وكان تحته كنز لهما قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن؟ وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش عن عمر مولى غفرة قال : إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف : وكان تحته كنز لهما قال : كان لوحا من ذهب مصمت مكتوبا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجب لمن عرف النار ثم ضحك! عجب لمن أيقن بالقدر ثم نصب! عجب لمن أيقن بالموت ثم أمن! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وحدثني أحمد بن حازم الغفاري ، حدثنا هنادة بنت مالك الشيبانية قالت : سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول : سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله تعالى وكان تحته كنز لهما قال : سطران ونصف لم يتم الثالث : عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل؟ وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح؟ وقد قال تعالى : وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [ الأنبياء : 47 ] قالت : وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر منهما صلاح ، وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء ، وكان نساجا . وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ، وورد به الحديث المتقدم وإن صح ، لا ينافي قول عكرمة : أنه كان مالا لأنهم ذكروا أنه كان لوحا من ذهب ، وفيه مال جزيل ، أكثر ما زادوا أنه كان مودعا فيه علم ، وهو حكم ومواعظ ، والله أعلم . وقوله : وكان أبوهما صالحا فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته ، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة ، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم ، كما جاء في القرآن ووردت السنة به . قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما ، ولم يذكر لهما صلاح ، وتقدم أنه كان الأب السابع . [ فالله أعلم ] وقوله : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما : هاهنا أسند الإرادة إلى الله تعالى; لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله; وقال في الغلام : فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه وقال في السفينة : فأردت أن أعيبها ، فالله أعلم . وقوله : رحمة من ربك وما فعلته عن أمري أي : هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة ، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة ، ووالدي الغلام ، وولدي الرجل الصالح ، وما فعلته عن أمري لكني أمرت به ووقفت عليه ، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر ، عليه السلام ، مع ما تقدم من قوله : فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما . وقال آخرون : كان رسولا . وقيل بل كان ملكا . نقله الماوردي في تفسيره . وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبيا . بل كان وليا . فالله أعلم . وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، عليه السلام قالوا : وكان يكنى أبا العباس ، ويلقب بالخضر ، وكان من أبناء الملوك ، ذكره النووي في تهذيب الأسماء ، وحكى هو وغيره في كونه باقيا إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين ، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه ، وذكروا في ذلك حكايات وآثارا عن السلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث . ولا يصح شيء من ذلك ، وأشهرها أحاديث التعزية وإسناده ضعيف . ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك ، واحتجوا بقوله تعالى : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد [ الأنبياء : 34 ] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض " ، وبأنه لم ينقل أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ولا حضر عنده ، ولا قاتل معه . ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه; لأنه عليه السلام كان مبعوثا إلى جميع الثقلين : الجن والإنس ، وقد قال : " لو كان موسى وعيسى حيين ما وسعهما إلا اتباعي " وأخبر قبل موته بقليل : أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف ، إلى غير ذلك من الدلائل . قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ في الخضر قال ] إنما سمي " خضرا " ; لأنه جلس على فروة بيضاء ، فإذا هي تحته [ تهتز ] خضراء " . ورواه أيضا عن عبد الرزاق . وقد ثبت أيضا في صحيح البخاري ، عن همام ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سمي الخضر ; لأنه جلس على فروة ، فإذا هي تهتز [ من خلفه ] خضراء " والمراد بالفروة هاهنا الحشيش اليابس ، وهو الهشيم من النبات ، قاله عبد الرزاق . وقيل : المراد بذلك وجه الأرض . وقوله : ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أي : هذا تفسير ما ضقت به ذرعا ، ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء ، ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال : [ ما لم ] تسطع وقبل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلا فقال : سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فقابل الأثقل بالأثقل ، والأخف بالأخف ، كما قال تعالى : فما اسطاعوا أن يظهروه وهو الصعود إلى أعلاه ، وما استطاعوا له نقبا [ الكهف : 97 ] ، وهو أشق من ذلك ، فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى والله أعلم . فإن قيل : فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب : أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما ، وفتى موسى معه تبع ، وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون ، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى ، عليهما السلام . وهذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال : حدثنا ابن حميد ، حدثنا سلمة ، حدثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن أبيه ، عن عكرمة قال : قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث وقد كان معه؟ فقال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء [ فخلد ، فأخذه ] العالم ، فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر ، فإنها تموج به إلى يوم القيامة; وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب إسناد ضعيف ، والحسن متروك ، وأبوه غير معروف . . . . "


تفسير الطبري :

قوله تعالى{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة}هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم، واسمهما أصرم وصريم. وقد قال عليه الصلاة والسلام : (لا يتم بعد بلوغ) هذا هو الظاهر. وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ إن كانا يتيمين، على معنى الشفقة عليهما. وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب، وفي غيرهم من الحيوان من قبل فقد الأم. ودل قوله{في المدينة}على أن القرية تسمى مدينة؛ ومنه الحديث (أمرت بقرية تأكل القرى...) وفي حديث الهجرة (لمن أنت) فقال الرجل : من أهل المدينة؛ يعني مكة. قوله تعالى{وكان تحته كنز لهما} اختلف الناس في الكنز؛ فقال عكرمة وقتادة : كان مالا جسيما وهو الظاهر من اسم الكنز إذ هو في اللغة المال المجموع؛ وقد مضى القول فيه. وقال ابن عباس : (كان علما في صحف مدفونة) عنه أيضا قال : (كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه بسم الله الرحمن الرحيم، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبت لمن يؤمن بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها، لا إله إلا الله محمد رسول الله) وروي نحوه عن عكرمة وعمر مولى غفرة، ورواه عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى{وكان أبوهما صالحا} ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دِنْيَةً. وقيل : هو الأب السابع؛ قاله جعفر بن محمد. وقيل : العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكر بصلاح؛ وكان يسمى كاشحا؛ قال مقاتل اسم أمهما دنيا؛ ذكره النقاش. ففيه ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه وقد روي أن الله تعالى يحفظ الصالح في سبعة من ذريته؛ وعلى هذا يدل قوله تعالى{إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}[الأعراف : 196] قوله تعالى{وما فعلته عن أمري} يقتضي أن الخضر نبي؛ وقد تقدم الخلاف في ذلك. {ذلك تأويل} أي تفسير. {ما لم تستطع عليه صبرا} قرأت فرقة {تستطيع} وقرأ الجمهور {تسطع} قال أبو حاتم : كذا نقرأ كما في خط المصحف. وهنا خمس مسائل الأولى : إن قال قائل لم يسمع لفتى موسى ذكر في أول الآية ولا في آخرها، قيل له : اختلف في ذلك؛ فقال عكرمة لابن عباس : - لم يسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه؟ فقال(شرب الفتى من الماء فخلد، وأخذه العالم فطبق عليه سفينة ثم أرسله في البحر، وإنها لتموج به فيه إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب منه) قال القشيري : وهذا إن ثبت فليس الفتى يوشع بن نون؛ فإن يوشع بن نون قد عمر بعد موسى وكان خليفته؛ والأظهر أن موسى صرف فتاه لما لقي الخضر. وقال شيخنا الإمام أبو العباس : يحتمل أن يكون اكتفي بذكر المتبوع عن التابع والله أعلم. الثانية : إن قال قائل : كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله تعالى، وقال في خرق السفينة{فأرادت أن أعيبها} فأضاف العيب إلى نفسه؟ قيل له : إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله تعالى أن يريده وقيل : لما كان ذلك خيرا كله أضافه إلى الله تعالى وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله{وإذا مرضت فهو يشفين} فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند إلى نفسه المرض، إذ هو معنى نقص ومصيبة، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح، وهذا كما قال تعالى{بيدك الخير}[آل عمران : 26] واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع، إذ هو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء خبير ولا اعتراض بما حكاه عليه السلام عن ربه عز وجل أنه يقول يوم القيامة : (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني) فإن ذلك تنزُّلُ في الخطاب وتلطف في العتاب مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال وبمقادير ثواب هذه الأعمال وقد تقدم هذا المعنى والله تعالى أعلم. ولله تعالى أن يطلق على نفسه ما يشاء، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة والأفعال الشريفة جل وتعالى عن النقائص والآفات علوا كبيرا. وقال في الغلام{فأردنا} فكأنه أضاف القتل إلى نفسه، والتبديل إلى الله تعالى والأشد كمال الخلق والعقل. وقد مضى الكلام فيه في {الأنعام} والحمد لله. الثالثة : قال شيخنا الإمام أبو العباس : ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هذه الأحكام الشرعية، فقالوا : هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص، بل إنما يزاد منهم ما يقع في قلوبهم، ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم. وقالوا : وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون أحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر؛ فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم، عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وقد جاء فيما ينقلون : استفت قلبك وإن أفتاك المفتون. قال شيخنا رضي الله عنه : وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب؛ لأنه إنكار ما علم من الشرائع؛ فإن الله تعالى قد أجرى سنته، وأنفذ حكمته، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين. خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه؛ اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك؛ كما قال تعالى{الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصيرا}[الحج : 75] وقال تعالى{الله أعلم حيث يجعل رسالته}[الأنعام : 241] وقال تعالى{كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}[البقرة : 213] إلى غير ذلك من الآيات. وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال : إن هناك طريقا آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام؛ الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول. وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة، فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام : (إن روح القدس نفث في روعي...) الحديث. الرابعة : ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر مات صلى الله عليه وسلم. وقالت فرقة : حي لأنه شرب من عين الحياة، وأنه باق في الأرض وأنه يحج البيت. قال ابن عطية : وقد أطنب النقاش في هذا المعنى، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره، وكلها لا تقوم على ساق. ولو كان الخضر عليه السلام حيا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور؛ والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره ومما يقضي بموت الخضر عليه السلام الآن قوله عليه الصلاة السلام : (أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد). قلت : إلى هذا ذهب البخاري واختاره القاضي أبو بكر بن العربي، والصحيح القول الثاني وهو أنه حي على ما نذكره. والحديث خرجه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال : (أرأيتكم ليتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد) قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة؛ وإنما قال عليه الصلاة والسلام : (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد) يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. ورواه أيضا من حديث جابر بن عبدالله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : (تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة) وفي أخرى قال سالم : تذاكرنا أنها (هي مخلوقة يومئذ). وفي أخرى : (ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ). وفسرها عبدالرحمن صاحب السقاية قال : نقص العمر. وعن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث قال علماؤنا : وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أخبر قبل موته بشهر أن من كان من بني آدم موجودا في ذلك لا يزيد عمره على مائة سنة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : (ما من نفس منفوسة) وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك، ولا الحيوان غير العاقل؛ لقوله : (ممن هو على ظهر الأرض أحد) وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل، فتعين أن المراد بنو آدم. وقد بين ابن عمر هذا المعنى؛ فقال : يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول : إن الخضر حي لعموم قوله : (ما من نفس منفوسة) لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصا فيه، بل هو قابل للتخصيص. فكما لم يتناول عيسى عليه السلام، فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة، فكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام وليس مشاهد للناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضا، فمثل هذا العموم لا يتناوله. وقد قيل : إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى عليه الصلاة والسلام، كما تقدم. وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا. وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس له : والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار؛ وروى محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبدالله بن شوذب قال : الخضر عليه السلام من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام في الموسم. وعن عمرو بن دينار قال : إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض، فإذا رفع ماتا. وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبدالمعطي بن محمود بن عبدالمعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر عليه السلام ولقوه، يفيد مجموعها غاية الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما. وقد جاء في صحيح مسلم : (أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس...) الحديث؛ وفي آخره قال أبو إسحاق : يعني أن هذا الرجل هو الخضر. وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف : بسند يوقفه إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه (أنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء، وذكر أن فيه ثوابا عظيما ومغفرة ورحمة لمن قال في أثر كل صلاة، وهو : يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين، أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك) وذكر أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الدعاء بعينه نحوا مما ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في سماعه من الخضر. وذكر أيضا اجتماع إلياس مع النبي عليه الصلاة والسلام. وإذا جاز بقاء إلياس إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم جاز بقاء الخضر، وقد ذكر أنهما يجتمعان عند البيت في كل حول، وأنهما يقولان عند افتراقهما : (ما شاء الله ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله ما شاء، ما يكون من نعمة فمن الله، ما شاء الله ما شاء الله، توكلت على الله، حسبنا الله ونعم الوكيل) وأما خبر إلياس فيأتي في {الصافات} إن شاء الله تعالى. وذكر أبو عمر بن عبدالبر في كتاب التمهيد : عن علي رضي الله تعالى عنه قال : (لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم أهل البيت { كل نفس ذائقة الموت...}[آل عمران : 185] - الآية - إن في الله خَلَفَا من كل هالك، وعوضا من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب) فكانوا يرون أنه الخضر عليه الصلاة السلام. يعني أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. والألف واللام في قوله : (على الأرض) للعهد لا للجنس وهي أرض العرب، بدليل تصرفهم فيها وإليها غالبا دون أرض يأجوج ومأجوج، وأقاصي جزر الهند والسند مما لا يقرع السمع اسمه، ولا يعلم علمه. ولا جواب عن الدجال. قال السهيلي : واختلف في اسم الخضر اختلافا متباينا؛ فعن ابن منبه أنه قال : أبليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل : هو ابن عاميل بن سماقحين بن أريا بن علقما بن عيصو بن إسحاق، وأن أباه كان ملكا، وأن أمه كانت بنت فارس واسمها ألمى، وأنها ولدته في مغارة، وأنه وجد هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية، فأخذه الرجل فرباه، فلما شب وطلب الملك - أبوه - كاتبا وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على إبراهيم وشيث، كان ممن أقدم عليه الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه، فلما استحسن خطه ومعرفته وبحث جلية أمره عرف أنه ابنه فضمه لنفسه وولاه أمر الناس ثم إن الخضر فر من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها، فهو حي إلى أن يخرج الدجال، وأنه الرجل الذي يقتله الدجال ويقطعه ثم يحييه الله تعالى. وقيل : لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا لا يصح وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى : إنه مات قبل انقضاء المائة، من قوله عليه الصلاة والسلام : (إلى رأس مائة عام لا يبقى على هذه الأرض ممن هو عليها أحد) يعني من كان حيا حين قال هذه المقالة قلت : قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه، وبينا حياة الخضر إلى الآن، والله أعلم. الخامسة : قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني؛ قال : كن بساما ولا تكن ضحاكا، ودع اللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تعب على الخطائين خطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران.

التفسير الميسّر:

وأما الحائط الذي عدَّلتُ مَيْلَه حتى استوى فإنه كان لغلامين يتيمين في القرية التي فيها الجدار، وكان تحته كنز لهما من الذهب والفضة، وكان أبوهما رجلا صالحًا، فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتهما، ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما، وما فعلتُ يا موسى جميع الذي رأيتَني فعلتُه عن أمري ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله، ذلك الذي بَيَّنْتُ لك أسبابه هو عاقبة الأمور التي لم تستطع صبرًا على ترك السؤال عنها والإنكار عليَّ فيها.

تفسير السعدي

{ وَأَمَّا الْجِدَارُ ْ} الذي أقمته { فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ْ} أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما، لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضا بصلاح والدهما.

{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ْ} أي: فلهذا هدمت الجدار، واستخرجت ما تحته من كنزهما، وأعدته مجانا.

{ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ْ} أي: هذا الذي فعلته رحمة من الله، آتاها الله عبده الخضر { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ْ} أي: أتيت شيئا من قبل نفسي، ومجرد إرادتي، وإنما ذلك من رحمة الله وأمره.

{ ذَلِكَ ْ} الذي فسرته لك { تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ْ} وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله. فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.

ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.

ومنها: جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى.

ومنها: أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى: { لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ْ}

وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة.

ومنها: إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى: { وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ْ}

ومنها: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ}

ومنها: استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده.

ومنها: استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله: { آتِنَا غَدَاءَنَا ْ} إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعا.

ومنها: أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: { لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ} والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفرعلى الحقيقة. وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه { آتِنَا غَدَاءَنَا ْ} فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده.

ومنها: أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره.

وأما قوله في آخر القصة: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ْ} فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ْ} { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ْ}

ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله [لعباده] نوعان:

علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده. ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ْ}

ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام:

{ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ} فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.

ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى -بلا شك- أفضل من الخضر.

ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة.

فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه.

فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.

ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: { تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ ْ} أي: مما علمك الله تعالى.

ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله: { أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ}

ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر -يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه- إنه لا يصبر معه.

ومنها: أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ْ} فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر.

ومنها: الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود.

ومنها: تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء: إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول { إِنْ شَاءَ اللَّهُ ْ}

ومنها: أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى قال: { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ْ} فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل.

ومنها: أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا، لا يتعلق في موضع البحث.

ومنها: جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها.

ومنها: أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله: { لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ْ}

ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر.

ومنها: أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى عليه السلام، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل عليه السلام، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار.

ومنها: القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه " يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير " ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا.

ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن " عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير " كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن.

ومنها: أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله: { يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ْ} ولم ينكر عليهم عملهم.

ومنها: أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة.

ومنها: أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ْ}

ومنها: أن القتل قصاصا غير منكر لقوله { بِغَيْرِ نَفْسٍ ْ}

ومنها: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته.

ومنها: أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح.

ومنها: استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله { فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ْ} وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله: { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ْ} كما قال إبراهيم عليه السلام { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ْ} وقالت الجن: { وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ْ} مع أن الكل بقضاء الله وقدره.

ومنها: أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى.

ومنها: أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة.

ومنها: أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة.


تفسير البغوي

قوله عز وجل : ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ) وكان اسمهما أصرم وصريم ( وكان تحته كنز لهما ) اختلفوا في ذلك الكنز . روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان ذهبا وفضة " .

وقال عكرمة : كان مالا .

وعن سعيد بن جبير : كان الكنز صحفا فيها علم .

وعن ابن عباس : أنه قال كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه : " عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح! عجبا لمن أيقن بالحساب كيف يغفل! عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب! عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب! عجبا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها! لا إله إلا الله محمد رسول الله " . وفي الجانب الآخر مكتوب : " أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه " وهذا قول أكثر المفسرين وروي ذلك مرفوعا .

قال الزجاج : الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ، ويجوز عند التقييد أن يقال عنده كنز علم ، وهذا اللوح كان جامعا لهما .

( وكان أبوهما صالحا ) قيل : كان اسمه " كاسح " وكان من الأتقياء . قال ابن عباس : حفظا بصلاح أبويهما .

وقيل : كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء .

قال محمد بن المنكدر : إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده [ وولد ولده ] وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم .

قال سعيد بن المسيب : إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي .

قوله عز وجل : ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) أي : يبلغا ويعقلا . وقيل : أن يدركا شدتهما وقوتهما . وقيل : ثماني عشرة سنة .

( ويستخرجا ) حينئذ ( كنزهما رحمة ) نعمة ( من ربك )

( وما فعلته عن أمري ) أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله وإلهامه ( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) أي لم تطق عليه صبرا و " استطاع " و " اسطاع " بمعنى واحد .

روي أن موسى لما أراد أن يفارقه قال له : أوصني ، قال : لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به .

واختلفوا في أن الخضر حي أم ميت ؟ قيل : إن الخضر وإلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم . وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمات لطلب عين الحياة . وكان الخضر على مقدمته فوقع الخضر على العين فنزل واغتسل وتوضأ وشرب وصلى شكرا لله عز وجل وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد .

وذهب آخرون إلى أنه ميت لقوله تعالى : " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " ( الأنبياء - 34 ) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة : " أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم حي على ظهر الأرض أحد " . ولو كان الخضر حيا لكان لا يعيش بعده " .


الإعراب:

(وَأَمَّا) الواو عاطفة أما حرف شرط (الْجِدارُ) مبتدأ (فَكانَ) الفاء رابطة للجواب وكان فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر تقديره هو يعود على الجدار (لِغُلامَيْنِ) متعلقان بالخبر المحذوف (يَتِيمَيْنِ) صفة (فِي الْمَدِينَةِ) متعلقان بصفة محذوفة لغلامين (وَكانَ) الواو عاطفة وماض ناقص (تَحْتَهُ) ظرف مكان متعلق بالخبر المقدم المحذوف والهاء مضاف إليه (كَنْزٌ) اسم كان (لَهُما) متعلقان بصفة لكنز محذوفة (وَكانَ) معطوفة على كان الأولى (أَبُوهُما) اسم كان مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة والهاء مضاف إليه (صالِحاً) خبر كان (فَأَرادَ) الفاء رابطة وماض (رَبُّكَ) فاعل والكاف مضاف إليه (أَنْ) حرف ناصب (يَبْلُغا) مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وألف الاثنين فاعل (أَشُدَّهُما) مفعول به والهاء مضاف إليه والمصدر مفعول به (وَيَسْتَخْرِجا) معطوف على يبلغا وإعرابه مثله (كَنزَهُما) مفعول به والهاء مضاف إليه (رَحْمَةً) مفعول لأجله (مِنْ رَبِّكَ) متعلقان برحمة (وَما) الواو استئنافية وما نافية (فَعَلْتُهُ) ماض والتاء فاعله والهاء مفعوله والجملة مستأنفة (عَنْ أَمْرِي) متعلقان بحال محذوفة (ذلِكَ) ذا اسم إشارة في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب (تَأْوِيلُ) خبر والجملة مستأنفة (ما) اسم موصول في محل جر بالإضافة (لَمْ) حرف جزم ونفي وقلب (تَسْطِعْ) فعل مضارع مجزوم وفاعله مستتر والجملة صلة (عَلَيْهِ) متعلقان بصبرا (صَبْراً) مفعول به منصوب

---

Traslation and Transliteration:

Waamma aljidaru fakana lighulamayni yateemayni fee almadeenati wakana tahtahu kanzun lahuma wakana aboohuma salihan faarada rabbuka an yablugha ashuddahuma wayastakhrija kanzahuma rahmatan min rabbika wama faAAaltuhu AAan amree thalika taweelu ma lam tastiAA AAalayhi sabran

بيانات السورة

اسم السورة سورة الكهف (Al-Kahf - The Cave)
ترتيبها 18
عدد آياتها 110
عدد كلماتها 1583
عدد حروفها 6425
معنى اسمها (الكَهْفُ): جَمْعُهُ (كُهُوفٌ)، وَهُوَ الْمَغَارَةُ الْوَاسِعَةُ فِي الْجَبَلِ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الكَهْفِ)
مقاصدها الْعِصْمَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِتَنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقَصَصِ الْأَرْبَعِ فِيهَا
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعْضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تَعْصِمُ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قال ﷺ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». (رَوَاهُ مُسلِم). هِيَ نُورٌ لِصَاحِبِهَا، قَالَ ﷺ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ البَيْهَقِي). مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَاَل: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) - «هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الكَهْفِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ بِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا ١٠٧﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْكَهْفِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الإِسْرَاءِ): اخْتُتِمَتِ (الْإِسْرَاءُ) بِالْحَمْدِ فَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ...١١١﴾، وَافْتُتِحَتِ (الْكَهْفُ) بِالْحَمْدِ فَقَالَ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ ... ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!