الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة الشهادة وهي للاسم المهيمن»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[8] - «حضرة الشهادة وهي للاسم المهيمن»

إن المهيمن يشهد الأسرارا *** فينا وفيه ويستر الأنوارا

عنا وعنه بنا إذا ما نوره *** يعمى البصائر فيه والأبصارا

ولذاك ما اتخذ الحجاب لنفسه *** والجند والأعوان والأنصارا

جاءت به الإرسال من عرش العما *** ليحير الألباب والأفكارا

ويفوز أهل الذكر من ملكوته *** بالذكر حين يشاهدوا الأخبارا

[المهيمن هو الشاهد على الشي‏ء بما هو له وعليه‏]

صاحبها عبد المهيمن المهيمن هو الشاهد على الشي‏ء بما هو له وعليه ولله حقوق على العباد وللعباد حقوق على الله تعالى ذاتية ووضعية ومن هذه الحضرة يقول الله تعالى وأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ فلا بد لصاحب هذه الحضرة من العلم بما لله عليه من الحقوق وبما له عليه من الحقوق لا بد من ذلك وافترق أهل هذا المقام بعد تحصيل هذا في الحقوق التي لهم عند الله فمن قائل بها على أنها حقوق ومن قائل بها لا على أنها حقوق فيأخذونها منه على جهة الامتنان وهم القائلون بأن الله لا يجب عليه شي‏ء لكونهم حدوا الواجب بما لا يليق أن يدخل في ذلك جناب الحق ومن لم يحده بذلك الحد أدخل الحق في الوجوب كما أدخل الحق نفسه فيه فقال كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وقال حرمت الظلم على نفسي وقال وأكره مساءته ولا يَرْضى‏ لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وقال إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وقال وما يَفْعَلُوا من خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ فأدخل نفسه بكل ما ذكرناه تحت حكم الأحكام التي شرعها لعباده من وجوب وحظر وندب وكراهة وإباحة والحق متى أقام نفسه في خطابه إيانا في صورة ما من الصور فإنا نحمل عليه أحكام تلك الصورة لأنه لذلك تجلى فيها فنشهد له على أنفسنا ونشهد عليه لأنفسنا وهذه الشهادة له وعليه لا تكون إلا في يوم الفصل والقضاء أي وقت كان فإنه ما يختص به يوم القيامة فقط بل قد يقام فيه العبد هنا في حال من الأحوال بل كل حكم يكون في الدنيا في مجلس الشرع هو من يوم الفصل والقضاء ويدخل في حكم هذه الحضرة وفي غير فصل ولا قضاء لا يكون لهذه الحضرة حكم وإنما ذلك في حضرة المراقبة وسترد إن شاء الله تعالى في هذا الباب‏

[إن القرآن منزل من منزل الحضرة المهيمن‏]

واعلم أنه من هذه الحضرة نزل هذا الكتاب المسمى قرآنا

خاصة دون سائر الكتب والصحف المنزلة وما خلق الله من أمة من أمم نبي ورسول من هذه الحضرة إلا هذه الأمة المحمدية وهي خير أمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ولهذا أنزل الله في القرآن في حق هذه الأمة لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فنأتي يوم القيامة يقدمنا القرآن ونحن نقدم سائر أهل الموقف ويقدم القراء منا من ليس له من القرآن مثله فأكثرنا قرآنا أسبقنا في التقدم والرقي في المعراج المظهر للفضل بين الناس يوم القيامة فإن للقراء منابر لكل منبر درج على عدد آي القرآن يصعد الناس فيه بقدر ما حفظوا منه في صدورهم ولهم منابر أخر لها درج على عدد آي القرآن يرقى فيها العاملون بما حققوه من القرآن فمن عمل بمقتضى كل آية بقدر ما تعطيه في أي شي‏ء نزلت رقى إليها عملا وما من آية إلا ولها عمل في كل شخص لمن تدبر القرآن وفي القيامة منابر على عدد كلمات القرآن ومنابر على عدد حروفه يرقون فيها العلماء بالله العاملون بما أعطاهم الله من العلم بذلك فيظهرون على معارج حروف القرآن وكلماته بسور تلك الحروف والكلمات والآيات والسور والحروف الصغار منه وبه يتميزون على أهل الموقف في هذه الأمة لأن أناجيلهم في صدورهم فيا فرحة القرآن بهؤلاء فإنهم محل تجليه وظهوره فإذا تلا الحق على أهل السعادة من الخلق سورة طه تلاها عليها كلاما وتجلى لهم فيها عند تلاوته صورة فيشهدون ويسمعون فكل شخص حفظها من الأمة يتحلى بها هنالك كما تحلى بها في الدنيا بالحاء المهملة فإذا ظهروا بها في وقت تجلى الحق بها وتلاوته إياها تشابهت الصور فلم يعرف المتلو عليهم الحق من الخلق إلا بالتلاوة فإنهم صامتون منصتون لتلاوته ولا يكون في الصف الأول بين يدي الحق في مجلس التلاوة إلا هؤلاء الذين أشبهوه في الصورة القرآنية الطاهية ولا يتميزون عنه إلا بالإنصات خاصة فلا يمر على أهل النظر ساعة أعظم في اللذة منها فمن استظهر القرآن هنا بجميع روايانه حفظا وعلما وعملا فقد فاز بما أنزل الله له القرآن وصحت له الإمامة وكان على الصورة الإلهية الجامعة فمن استعمله القرآن هنا استعمل القرآن هناك ومن تركه هنا تركه هناك وكَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى‏ وورد في الخبر فيمن حفظ آية ثم نسيها عذبه الله يوم القيامة عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين‏

وما أحسن ما نبه النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على منزلة القرآن بقوله لا يقول أحدكم نسيت آية كذا وكذا بل نسيتها

فلم يجعل لتارك القرآن أثرا في النسيان احتراما لمقام القرآن وقالت عائشة في خلق النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان خلقه القرآن‏

وليس إلا ما ذكرناه من الاتصاف به والتحلي على حد ما ذكرناه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!