الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة المراقبة»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[43] - «حضرة المراقبة»

إن الرقيب لزيم حيثما كان *** لذاك يحفظ أعيانا وأكوانا

وقتا يكون على ذات مصرفة *** عن أمره كان ذاك الأمر ما كانا

وليس يخفى عليه من مراقبة *** شي‏ء وإن جل ذاك الأمر أوهانا

[الرقبى والعمرى‏]

يدعى صاحبها عبد الرقيب وليس في الحضرات من يعطي التنبيه على إن الحق معنا بذاته في قوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ إلا هذا الاسم الرقيب وهذه الحضرة لأنه على الحقيقة من الرقبى والرقبى إن تملك رقبة الشي‏ء بخلاف العمري فإذا ملكت رقبة الشي‏ء تبعته صفاته كلها وما ينسب إليه بخلاف الصفة لأنك إذا ملكت صفة ما لا يلزم أن تملك جميع الصفات وإذا ملكت الموصوف فبالضرورة تملك جميع الصفات لأنها لا تقوم بأنفسها وإنما تطلب الموصوف ولا تجده إلا عندك فتملكها عند ذلك فهي كالحبالة للصائد فأما ملكه إياك فمعلوم بما تعطيه حقيقتك وأما ملكك إياه فبقوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ووجه الشي‏ء ذاته وحقيقته والرقيب اسم فاعل على كل شي‏ء وهو المرقب عليه فإنه المشهود لكل شي‏ء فيرقب العبد في جميع حركاته وسكناته ويرقبه العبد في جميع آثاره في قلبه وخواطره وحركاته وحركات ما خرج عنه من العالم فلا يزال صاحب هذه الحضرة في مزيد علم إلهي أبدا علم ذات ينجر معه علم صفات ونعوت وأسماء ونسب وأحكام ولا بد لهذا الاسم من حكم الإحاطة حتى يصح شمول المراقبة ولما كانت المراقبة تقتضي الاستفادة والحفظ حذرا من الوقائع فالعلم قوله حتى نعلم فإذا ابتلاه راقبه حتى يرى ما يفعل فيما ابتلاه به لأنه ما ابتلاه ابتداء وإنما ابتلاه لدعواه لأنه قال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ فقالوا بَلى‏ فادعوا فابتلاهم ليرى صدق دعواهم ولقد رحم الله عباده حين أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ بما قبضهم وقررهم عليه من كونه ربهم وما أشهد هم على توحيده ويصدق المقر بالملك لمن له فيه شقص فجعل لهم الانفساح من أجل ما علم من يشرك من عباده الشرك المحمود والمذموم فغير المذموم شرك الأسباب فإن القائلين بها أكثر العباد مع كونهم لا يعتقدون فيها إلا أنها موضوعة من عند الله والمذموم من الشرك أن يجعل المشرك مَعَ الله إِلهاً آخَرَ من واحد فما زاد ولذلك قال من قال من المشركين أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ فقوله إن هذا لشي‏ء عجاب عندنا هو قول الله وقوله أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً حكاية الله لنا عن المشرك أنه قال هكذا إما لفظا وإما معنى فقال الله عند قولهم ذلك إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ حيث جعلوا الإله الواحد آلهة وخصوص وصفة إنه إله وبه يتميز فلا يتكثر بما به يتميز ويشهد لهذا النظر قولهم فيما حكى الله عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى‏ فعصم الله هذا الاسم الله أن يقع فيه اشتراك فهم يعلمون أنهم نصبوهم آلهة ولهذا وقع الذم عليهم بقوله أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ والإله من لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ من قَبْلُ ومن بَعْدُ وأما لطفه بهم في هذا الإشهاد فهو القبض والقبض يقتضي القهر فما أقروا به إلا مع القهر فالمشرك منهم أقر على كره فلما تخيلوا أنهم قد خرجوا من القبضة لجهلهم بما هو الأمر عليه قالوا بالشركة فإذا قيل لهم في ذلك احتجوا بما كانوا عليه من القبض فيعذرون في دعواهم أنهم ما أدعو ذلك إلا جبرا لا اختيارا والحكم في الأشياء للأحوال فمن راقب أحواله علم من أين صدر فلا يخلو هذا المراقب إما أن يكون ميزان الشريعة بيده فإنه يرى بعين إيمانه إن كان من أهل الايمان أو بعين شهوده إن كان من أهل الشهود ومن لم يكن له إحدى هذين العينين فهو أعمى فيرى الحق والميزان بيده يخفض ويرفع فيقتدي بربه ويتأسى وما عنده إلا ميزان ما شرع له لا يلتفت مع الايمان إلى ميزان عقله فيزن ما يرد عليه من الأحوال من جانب ربه فيخفض ويرفع ويزيد في الناقص وينقص من الزائد فيأخذ من عباده بالعدل ويعطي بالفضل فلا يزال ما دام هذا الميزان بيده معصوما في مراقبته ويصح عنده إنه عند الاسم الرقيب لأنه قد تحقق بنعته بسيده فأسعد العبيد من يراقب سيده مراقبة سيده إياه فيراقب الحق مراقبة عبده لمن يراقب فيكون معه بحيث يرى منه ومن ملك المراقبة كان له التصريف كيف شاء في المراقب فإن الله مع عبده حيث كان‏

هكذا الأمر فاعتبر *** واحفظ السر وازدجر

إنما الأمر مثل ما *** قلته فيه فافتكر.

فالعبد وإن كان مقيدا بالشرع فإن الشرع قد جعله مسرح العين في تصرفه ويحمده الميزان ويذمه والمراقب معه أينما كان من محمود ومذموم فإذا كان العبد هو المراقب ولا يرى الحق مجردا عن الخلق تجريد تنزيه وتقديس أبدا لأنه لا تصح هناك مراقبة فلا بد أن يراه في الخلق في حضرة الأفعال فيكون المراقب وهو العبد حيث كان الحق من‏

خلقه لأنه في الخلق يشهده فينظر ما يقتضيه ذلك الأثر في ذلك الخلق المعين فيزنه بالميزان الموضوع ويكون معه بحسب ما يعطيه ميزان الحق فينظر أي اسم إلهي يكون له الحكم في ذلك الأمر الموزون فيتوجه إليه باسم إلهي يكون عليه هذا المراقب الذي هو العبد كان ما كان من الأسماء الإلهية فإن كان يقتضي ما لا يوافق غرضه ولا يلائم مزاجه ولا يحمده شرعه سأل رفع ذلك الحكم منه إن كان نظره شرعا بالتوبة والمغفرة وإن كان ذا غرض سأل الموافقة وإن كان ممن يقول بالملاءمة سأل الأصلح والأولى طبعا فهو بحسب ما يكون عليه في حاله‏

فمن ملك الرقبى فقد ملك الكلاء *** ومن ملك الكل يصح له الجزء

فلا تعم عن إدراك كل مراقب *** فقد بانت الأسرار إذ أخرج الخب‏ء

فإن الرقيب الحق في كل حالة *** لديه قبول الحال إن شاء والدرء

فمن راقب الحق الرقيب بعينه *** فذاك الرقيب الحق والمثل والكف‏ء

فللخلق أحكام إذا هي حققت *** يكون له منها الإعادة والبدء

ويظهر في الحق الذي قلت مثل ما *** يضاف إلى المخلوق في كونه النش‏ء

دليلي حدوث الصور في كل ناظر *** إليه وما في كل ما قلته هزء


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!