الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة العدل»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[30] - «حضرة العدل»

العدل لا يصلح إلا لمن *** يفصل في الخلق إذا يعدل‏

فإن أبي أكوانه عدله *** فإنه بحقه يفضل‏

ينعم بالفضل على خلقه *** ويستر الستر إذا يسبل‏

[العدل هو ميل إلى أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم الصحيح التابع للمحكوم عليه‏]

يدعى صاحبها عبد العدل وهو ميل إلى أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم الصحيح التابع للمحكوم عليه وله أو للإقرار أو الشهود وغير ذلك لا يكون عدلا في الحكم ومن هذه الحضرة العجيبة خلق الله العالم على صورته ومن هنا كان عدلا لأنه تعالى عدل من حضرة الوجوب الذاتي إلى الوجوب بالغير أو إلى حضرة الإمكان كيف شئت فقل وعدل أيضا بالممكنات من حضرة ثبوتها إلى وجودها فأوجدهم بعد أن لم يكونوا بكونه جعلهم مظاهر وبكونه كان مجلى لظهور أحكامهم ومن هذه الحضرة عدوله من شأن يجوزه العقل في حق الممكن إلى شأن آخر يجوزه أيضا العقل والعدول لا بد منه فلا يعقل في الوجود إلا العدل فإنه ما ظهر الوجود إلا بالميل وهو العدل فما في الكون إلا عدل حيث فرضته وبالعدل ظهرت الأمثال وسمي المثل عدلا قال الله تعالى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً والَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ وهنا له وجوه في العدل منها عدولهم إلى القول بأن له أمثالا ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ومنها إنهم بربهم عدلوا لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ومنها أن الباء هنا بمعنى اللام فلربهم عدلوا لكون من عدلوا إليه إنما عدلوا إليه لكونه عندهم إلها فما عدلوا إلا لله كقوله ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أي للحق كذلك بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ولما قال الله عز وجل في هذه الآية الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ جعلوا له أمثالا فخاطب المانية الذين يقولون إن الإله الذي خلق الظلمة ما هو الإله الذي خلق النور فعدلوا بالواحد آخر وكذلك الذين يقولون بخلق السموات والأرض إنها معلولة لعلة ليست علته الإله أي ليست العلة الأولى لأن تلك العلة عندهم إنما صدر عنها أمر واحد لحقيقة أحديتها وليس إلا العقل الأول فهؤلاء أيضا ممن قيل فيهم إنهم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ وسماهم كفارا لأنهم إما ستروا أو منهم من ستر عقله عن التصرف فيما ينبغي له بالنظر الصحيح في إثبات الحق والأمر في نفسه على ما هو عليه فاقتصر على ما بدا له ولم يوف الأمر حقه في النظر وأما إن علم وجحد فستر عن الغير ما هو الأمر عليه في نفسه لمنفعة تحصل له من رياسة أو مال فلهذا قيل فيهم إنهم كفروا أي ستروا فإن الله حكيم يضع الخطاب موضعه والعدل هو الرب تعالى والرب عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ والعدل الميل فالميل عين الاستقامة

فيما لا تكون استقامته إلا عين الميل فإن الحكم العدل لا يحكم إلا بين اثنين فلا بد أن يميل بالحكم مع صاحب الحق وإذا مال إلى واحد مال عن الآخر ضرورة فليست الاستقامة ما يتوهمه الناس فأغصان الأشجار وإن تداخل بعضها على بعض فهي كلها مستقيمة في عين ذلك العدول والميل لأنها مشت بحكم المادة على مجراها الطبيعي وكذلك الأسماء الإلهية يدخل بعضها على بعض بالمنع والعطاء والإعزاز والإذلال والإضلال والهداية فهو المانع المعطي المعز المذل المضل الهادي فمن يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وكلها نسب حقيقية ما ترى فِيها عِوَجاً ولا أَمْتاً

إن الإله بجوده *** يعطي العبيد إذا افتقر

ما شاءه مما له *** ما ثم إلا ما ذكر

لما وقفت تحققا *** منه على سر القدر

وشهدته فرأيته *** سمع الحبيب مع البصر

فيه بدت أحكامه *** وله نهي وله أمر

ويقال هذا مؤمن *** ويقال هذا قد كفر

فلنا الحقائق كلها *** ولنا التحكم والأثر

ما الأمر إلا هكذا *** ما الأمر ما يعطي النظر

الحكم ليس لغيرنا *** في كل ما تعطي الصور

والأمر فيه فيصل *** في الكون من خير وشر

لم تستفد منه سوى *** أكواننا وكذا ظهر

وانظر بربك لا *** بعقلك في شئونك واعتبر

هذا هو الحق الصراح *** لمن تحقق وادكر

الحكم حكم ذواتنا *** لا حكمه فاعدل وسر

عنه إليه بما لنا *** تعثر على الأمر الخطر

لا تأتلي لا تأتني *** فإليك منك المستقر

إن الغني صفة له *** عنا فنستر ما ستر

لو لا افتقار المحدثات *** إليه ما جاء الخبر

هذا هو الميت الذي *** يوم القيامة قد نشر

أن هذا هو السر الذي أخفاه الله عمن شاء من عباده قد ظهر في حكم افتقارنا في غناه فأظهره الله لمن شاء أيضا فتأمل هذا الغني وهذا الفقر وانظر بنور بصيرتك في هذا الوجود والفقد وقل لِلَّهِ الْأَمْرُ من قَبْلُ ومن بَعْدُ

فحضرة العدل ما تنفك في نصب *** وحضرة الجور في بلوى وفي تعب‏

لو كان ثم مريح كان يحكم لي *** بالاستراحة في لهوي وفي لعبي‏

أنا جنيت على نفسي فبي حكمت *** على أسمائه الحسنى مع النسب‏

فإن لي نسبا فيه الهلاك كما *** لربنا نسب ينجي من العطب‏

هو التقى فاتق الرحمن أن له *** مكرا خفيا بأهل الوعد والنسب‏

واحذر غوائله في كل مكرمة *** واضمم إليك جناحيك من الرهب‏

يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول الله تبارك وتعالى اليوم يعني يوم القيامة أضع نسبكم وأرفع نسبي أين المتقون‏

قال الله تعالى مخبرا عباده إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ ويقول الله تعالى فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!