الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

«حضرة العلم وهي للاسم العليم والعالم والعلام»

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[20] - «حضرة العلم وهي للاسم العليم والعالم والعلام»

إن العلوم هي المطلوب بالنظر *** فانظر وفكر فإن الفكر معتبر

لو لا العلوم التي في الكون ما ظهرت *** أفكار من هو في الأشياء معتبر

هو الإمام الذي يدريه خالقه *** والنجم يعرفه والشمس والقمر

كيوسف حين خروا سجدا ومضت *** أحكامه فيهم بالله فاعتبروا

فلو ترى الشمس والأفلاك دائرة *** في نارها ونجوم الليل تنتثر

من بعد ما طمست أنوارها ومضت *** أحكامها وبدت في العين تنكدر

ماتوا وراح الذي قد كان يجمعهم *** في دار دنياهم فالكل قد قبروا

[العلماء في الحضرة العليم على ثلاث مراتب‏]

يدعى صاحب هذه الحضرة عبد العليم والعلماء في هذه الحضرة على ثلاث مراتب عالم علمه ذاته وعالم علمه موهوب وعالم علمه مكتسب وله حكم في الإلهيات وله حكم في الكون ففي الله علمه بكل شي‏ء لذاته وعموم تعلقها بكل معلوم وقد بينا من أين تعلق علمه بالعالم والمكتسب في الله قوله حَتَّى نَعْلَمَ والموهوب في الله ما أعطاه العبد من تصرفه في المباح فإنه لا يتعين تقييده تعين الواجب والمحظور والمندوب والمكروه فحصول العلم بالتصريف في المباح علم وهب يعلمه الحق من العبد بطريق إلهية لأنه لا يجب عليه الإتيان به كما يجب عليه اعتقاده فيه إنه مباح والايمان به واجب وأما مراتب هذه العلوم في الكون فهينة الخطب فإن الكون قابل للعلم بالذات فالعلم الذاتي له هو ما يدركه من العلم بعين وجوده خاصة لا يفتقر في تحصيله إلى أمر آخر إلا بمجرد كونه فإذا ورد عليه ما لا يقبله إلا بكونه موجودا على مزاج خاص هو علمه الذاتي له والمكتسب ما له في تحصيله تعمل من أي نوع كان من العلوم المكتسبة والموهوب هو ما لم يخطر بالبال ولا له فيه اكتساب كعلم الأفراد وهو علم الخضر فعلمه من لدنه علما رحمة من عند الله به حتى كان مثل موسى عليه السلام الذي كلمه ربه يستفيد منه ما لم يكن عنده ولا أحاط به خبرا يقول لم نذق له طعما فيما علمه الله من العلم بالله‏

[ما من موجود في العالم إلا وله وجه خاص إلى موجدة]

واعلم أنه ما من موجود في العالم إلا وله وجه خاص إلى موجدة إذا كان من عالم الخلق وإن كان من عالم الأمر فما له سوى ذلك الوجه الخاص وإن الله يتجلى لكل موجود من ذلك الوجه الخاص فيعطيه من العلم به ما لا يعلمه منه إلا ذلك الموجود وسواء علم ذلك الموجود أو لم يعلمه أعني أن له وجها خاصا وأن له من الله علما من حيث ذلك الوجه وما فضل أهل الله إلا بعلمهم بذلك الوجه ثم يتفاضل أهل الله في ذلك فمنهم من يعلم أن لله تجليا لذلك الموجود من هذا الوجه الخاص ومنهم من لا يعلم ذلك والذين يعلمون ذلك منهم من يعلم العلم الذي يحصل له من ذلك التجلي ومنهم من لا يعلمه أعني على التعيين وما أعني بالعلم إلا متعلق العلم هل هو كون أو هو الله من حيث أمر ما والعلم المتعلق بالله إما علم بالذات وهو سلب وتنزيه أو إثبات وتشبيه وإما علم باسم ما من الأسماء الإلهية من حيث ما سمي الحق به نفسه من كونه منعوتا بالقول والكلام وإما علم باسم ما من أسماء الأسماء من حيث ما تقتضيها عبارات المحدثات وإما علم نسب إلهية وإما علم صفات معنوية وإما علم نعوت ثبوتية إضافية تطلب أحكاما متقابلة وإما علم ما ينبغي أن يطلق منه عليه وما ينبغي أن لا يطلق ولكل علم أهل وأما ما يتعلق بالكون من العلم الإلهي الذي يعطيه الله من شاء من عباده من هذا الحضرة فهو إما علم يكون متعلقة نسبة العالم إلى الله وإما علم يكون متعلقه نسبة الله إلى العالم وإما علم بارتفاع النسبة بين العالم والذات وإثباتها بين العالم والأسماء وإما علم بإثبات النسبة بين العالم والذات وهو علم القائلين بالعلة والمعلول وإما علم إثبات النسبة شرط لا علة وإما علم يتعلق بالصورة التي خلق الله العالم عليها كله وإما علم بالصورة التي خلق الإنسان عليها وإما علم بالبسائط وإما علم بالمركبات وإما علم بالتركيب وإما علم بالتحليل وإما علم بالأعيان الحاملة مركبة كانت أو بسائط وإما بالأعيان المحمولة وإما علم بإلهيات وإما علم بالأوضاع وإما علم بالمقادير وإما علم بالأوقات وإما علم بالاستقرارات وإما علم بالانفعالات وإما علم بالعين المؤثرة اسم فاعل المؤثرة فيها اسم مفعول وأنواع الآثار بالتوجهات والقصد أو بالمباشرة هذا كله مما يكون للعالم به أو ببعضه من هذه الحضرة العلمية فمن دخل هذه الحضرة ذوقا فقد حاز كل علم ومن دخلها بالفكر فإنه ينال منها على قدر ما هو فيه ومن هذه الحضرة يحيط بعض الخلق بعلم ما لا يتناهى من أعيان أشخاص نوع نوع من الممكنات على حد ما يعلم في العامة تضاعف العدد إلى ما لا يتناهى ولا يقدر أحد على إنكاره من نفسه إنه يعلم ذلك ولا يخطئ فيه ثم لتعلم إن مسمى العلم ليس سوى تعلق خاص من عين تسمى عالما لهذا التعلق وهو نسبة تحدث لهذه الذات من المعلوم فالعلم متأخر عن المعلوم لأنه تابع له هذا تحقيقه فحضرة العلم على التحقيق هي المعلومات وهو بين العالم والمعلوم وليس للعلم عند المحقق أثر في المعلوم أصلا لأنه متأخر

عنه فإنك تعلم المحال محالا ولا أثر لك فيه من حيث علمك به ولا لعلمك فيه أثر والمحال لنفسه أعطاك العلم به أنه محال فمن هنا تعلم أن العلم لا أثر له في المعلوم بخلاف ما يتوهمه علماء أصحاب النظر فإيجاد أعيان الممكنات عن القول الإلهي شرعا وكشفا وعن القدرة الإلهية عقلا وشرعا لا عن العلم فيظهر الممكن في عينه فيتعلق به علم الذات العالمة بأنه ظاهر كما تعلق به أنه غير ظاهر بذلك العلم فظهور المعلوم وعدم ظهوره أعني وجوده أعطى العلم فهو حضرة المعلوم ينوع العلم من العالم بما هو عليه في ذاته أعني المعلوم هذا في كل موصوف بالعلم فالصفات المعنوية كلها على الحقيقة نسب غير أنه ثم نسبة تتقدم كالقول بالإيجاد على الموجود ونسبة تتأخر كالعلم والمعلوم فإذا فهمت ما ذكرته لك في هذه الحضرة علمت الأمر العلمي على ما هو عليه والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!