الفتوحات المكية

الحضرات الإلهية والأسماء ءالحسنى

وهو الباب 558 من الفتوحات المكية

(حضرة الحضرات الجامعة للأسماء الحسنى)

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[101] - (حضرة الحضرات الجامعة للأسماء الحسنى)

قال الله تعالى ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏

[إن أسماء الله منها معارف ومنها مضمرات ومنها أسماء تدل عليها الأفعال‏]

فاعلم إن أسماء الله منها معارف كالاسماء المعروفة وهي الظواهر ومنها مضمرات مثل كاف الخطاب وتائه تاء المتكلم ويائه وضمير الغائب وضمير التثنية من ذلك وضمير الجمع مثل نَحْنُ نَزَّلْنَا ونون الضمير في الجمع مثل إِنَّا نَحْنُ وكلمة أنا وأنت وهو ومنها أسماء تدل عليها الأفعال ولم يبن منها أسماء مثل سَخِرَ الله مِنْهُمْ ومثل الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ومنها أسماء النيابة هي لله ولكن نابوا عن الله منابه مثل قولنا سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وكل فعل منسوب إلى كون ما من الممكنات إنما ذلك المسمى نائب فيه عن الله لأن الأفعال كلها لله سواء تعلق بذلك الفعل ذم أو حمد فلا حكم لذلك التعلق بالتأثير فيما يعطيه العلم الصحيح فكل ما ينسب إلى المخلوق من الأفعال فهو فيه نائب عن الله فإن وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح فإن الله يحب أن يمدح كذا ورد في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وإن تعلق به ذم لم ننسبه إلى الله أو لحق به عيب مثل المحمود قول الخليل فَهُوَ يَشْفِينِ وقال في المرض إِذا مَرِضْتُ ولم يقل أمرضني وما أمرضه إلا الله فمرض كما أنه شفاه وكذلك فأردت أَنْ أَعِيبَها فكنى العالم العدل الأديب عن نفسه إرادة العيب وقال في المحمود فَأَرادَ رَبُّكَ في حق اليتيمين‏

وقال في موضع الحمد والذم فَأَرَدْنا بنون الجمع لما فيه من تضمن الذم في قتل الغلام بغير نفس ولما فيه من تضمن الحمد في حق ما عصم الله بقتله أبويه فقال فَأَرَدْنا وما أفرد ولا عين هكذا حال الأدباء ثم قال وما فَعَلْتُهُ يعني ما فعل عَنْ أَمْرِي بل الأمر كله لله فإذا كنى الحق عن نفسه بضمير الجمع فلأسمائه لما في ذلك المذكور من حكم أسماء متعددة وإذا ثنى فلذاته ونسبة اسم خاص وإذا أفرد فلاسم خاص أو ذات وهي المسمى إذا كنى بتنزيه فليس إلا الذات وإذا كنى بفعل فليس إلا الاسم على ما قررناه وانحصر فيما ذكرناه جميع أسماء الله لا بطريق التعيين فإنه فيها ما ينبغي أن يعين وما ينبغي أن لا يعين وقد جاء من المعين مثل الفالق والجاعل ولم يجي‏ء المستهزئ والساخر وهو الذي يستهزئ بمن شاء من عباده ويكيد ويسخر ممن شاء من عباده حيث ذكره ولا يسمى بشي‏ء من ذلك ولا بأسماء النواب ونوابه لا يأخذهم حصر ولكن انظر إلى كل فعل منسوب إلى كون من الأكوان فذلك المسمى هو نائب عن الله في ذلك الفعل كآدم والرسل خلفاء الله على عباده ومن أطاع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله فلننبه من ذلك على يسير يكون خاتمة هذا الباب لنفيد المؤمنين بما فيه سعادتهم لأن السعادة كلها في العلم بالله تعالى‏

[إن من الأفعال ما علق الله الذم بفاعله ومن الأفعال ما علق الله المدح والحمد بفاعله‏]

فنقول إن من الأفعال ما علق الله الذم بفاعله والغضب عليه واللعنة وأمثال ذلك ومن الأفعال ما علق الله المدح والحمد بفاعله كالمغفرة والشكر والايمان والتوبة والتطهير والإحسان وقد وصف نفسه بأنه يحب المتصفين بهذا كله كما أنه لا يحب الموصوفين بالأفعال التي علق الذم بفاعلها مع قوله والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ والأمر كله لله وقال أَلا لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ فأخبر أنه يحب الشاكرين والمحسنين والصابرين والتوابين والمتطهرين والذين اتقوا ولا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ويغفر لهم ولا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ولا الظالمين وما جاء في القرآن من صفة من لا يحبه عز وجل فالأدب من العلماء بالله أن تكون مع الله في جميع القرآن وما صح عندك أنه قول الله في خبر وارد صحيح فما نسب إلى نفسه بالإجمال نسبناه مجملا لا نفصله وما نسبه مفصلا نسبناه إليه مفصلا وعيناه بتفصيل ما فصل فيه لا نزيد عليه وما أطلق لنا التصرف فيه تصرفنا فيه لنكون عبيدا واقفين عند حدود سيدنا ومراسمه‏

فإنه الرب ونحن العبيد *** فنبتغي بالشكر منه المزيد

لكوننا بالفقر في فاقة *** أولها حال حصول الوجود

وبعد ذا استمراره دائما *** إلى مقامات الفناء في الشهود

لأنه سبحانه فاعل *** يفعل في أعياننا ما يريد

ولا يريد الحق إلا الذي *** أعطاه في التحقيق حال العبيد

وما يزيد الله في علمه *** فجودهم منهم عليهم يعود

وننسب الجود إليه لما *** له من الخير الذي لا يبيد

فكل خيرنا لنا حادث *** نعيمنا منا فما نستزيد

بنا نعمنا لا به فانظروا *** في قولنا فنحن عين الحدود

فما نعمنا إلا بحادث فبنا نعمنا لأنه يستحيل تنعمنا به ويستحيل قيام الحوادث به فتنعمه وابتهاجه بذاته وكماله فإنه الغني عن العالمين فما رأى راء سوى نفسه لا رؤية علم ولا رؤية حس فانظر ما ذا ترى وأنظر من ذا يرى وأنظر ما يحصل عن كل رؤية في نفس الرائي فإن اقتضى ذلك الحاصل حكم رضي رضي وإن اقتضى حكم سخط وغضب سخط وغضب كان ذلك الرائي من كان ذلك بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ الله فقد أسخطوا الله وأغضبوه فعاد وبال ذلك الغضب على من أغضبه فلو لا شهود ما أغضبه ما غضب وما أسخطه ما سخط وما أرضاه ما رضي فإن الأصل التعري والتنزيه عن الصفات ولا سيما في الله إذا كان أبو يزيد يقول لا صفة لي فالحق أولى أن يطلق عن التقييد بالصفات لغناه عن العالم لأن الصفات إنما تطلب الأكوان فلو كان في الحق ما يطلب العالم لم يصح كونه غنيا عما هو له طالب‏

[إن ملك الله هي الممكنات وهي أعياننا]

واعلم أن هذه الحضرة الجامعة للحضرات تتضمن ملك الله وليس ملك الله سوى الممكنات وهي أعياننا فنحن ملكه وبناء كان ملكا وهو القائل لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الثناء على الله إنه رب كل شي‏ء

ومليكه‏

فجاء بلفظة شي‏ء وهي تنطلق على الأعيان الثابتة والوجودية فما وجد منها فهو متناه وما لم يوجد فلا يوصف بالتناهي ثم أنظر في الخبر الإلهي الثابت الصحيح قوله لو أن أولكم وآخركم وما له آخر لأن الأمر لا يتناهى فلا يظهر الآخر إلا فيما وجد ثم يوجد آخر فيزول عن ذلك حكم الآخر وينتقل إلى هذا الذي وجد هكذا إلى ما لا يتناهى وقد يتناهى الأمر في نوع خاص كالإنسان فإن أشخاص هذا النوع متناهية لا أشخاص العالم ولا يتناهى أيضا خلق أشخاص النوع الإنساني بوجه آخر لا يعثر عليه كل أحد وهو في قوله تعالى بَلْ هُمْ في لَبْسٍ من خَلْقٍ جَدِيدٍ فعين كل شخص يتجدد في كل نفس لا بد من ذلك فلا يزال الحق فاعلا في الممكنات الوجود ويدل على ذلك اختلاف الأحكام على الأعيان في كل حال فلا بد أن تكون تلك العين التي لها هذه الحال الخاص ليست تلك العين التي كان لها ذلك الحال الذي شوهد مضيه وزواله فيما شوهد من ذلك ثم قال وإنسكم وجنكم وهو ما تبصرون وما لا تبصرون وجاء بلو وهي كلمة امتناع لامتناع أي لو وقع هذا لكان الحكم فيه كما قرره ثم قال كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا وهو الصحيح لأن ذلك عين ملكه فما زاد شي‏ء في ملكه بل يقبل الزيادة ملك الوجود وهو إنما أراد ملك الثبوت فالنقص والزيادة في الوجود

ثم قال ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا

وكيف ينقص منه والكل عين ملكه‏

ثم قال لو أن أولكم لكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ثم سألوا فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا

لأن المعطى والمعطي إياه ما هو سوى عين ملكه فما خرج شي‏ء عن ملكه إلا أن ملكه منه ما هو موصوف بالوجود ومنه ما هو موصوف بالثبوت فالثبوت والوجود منه لا بد أن يكون متناهيا والثابت لا نهاية له وما لا نهاية له لا يتصف بالنقص لأن الذي حصل منه في الوجود ما هو نقص في الثبوت لأنه في الثبوت لعينه في حال وجوده إلا إن الله كساه حلة الوجود بنفسه فالوجود لله الحق وهو على ثبوته ما نقص ولا زاد فما كسي منه حلة الوجود كأنه تعين وتخصص وحده مما لا يتناهى حد المخيط إذا غمسته في اليم فانظر ما يتعلق به فإنا نعلم أن المثال صحيح فإنا نعلم أن من الأعيان الثابتة ما يتصف بالوجود كما نعلم أن المخيط قد تعلق به من اليم في الغمس ونسبة ما تعلق من الماء بالمخيط من اليم ما هو في الدرجة مثل ما اكتسى من الأعيان الثابتة حلة الوجود لأن اليم محصور يأخذه العدد والتناهي لوجوده والأعيان الثابتة لا نهاية لها وما لا يتناها لا يأخذه حد ولا يحصيه عدد مع صحة المثال بلا شك وهكذا مثل الخضر لموسى بنقر الطائر في البحر بمنقاره وهو على حرف السفينة فقال له الخضر تدري ما يقول هذا الطائر وكان الخضر قد أعطى منطق الطير فكان نقره كلاما عند الخضر لا علم لموسى بذلك وكان الخضر قد ذكر لموسى عليه السلام أنه على علم علمه الله لا يعلمه موسى وموسى على علم علمه الله لا يعلمه خضر مع العلم الكثير الذي كان عند كل واحد منهما فقال ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا بقدر ما نقر هذا الطائر

ومعلوم أنه قد حصل شيئا من الماء في نقره كذلك حصل بما علمه موسى والخضر من العلم شركه مع الله في ذلك القدر فعلمنا من علم الله شيئا مما يعلمه الله فحقق ما حصل لك وما بقي ولم يحصل لك فوقع التشبيه الصحيح من جهة ما حصل لا من جهة ما لم يحصل لأن الذي لم يحصل من اليم متناه والذي لم يحصل من العلم لموسى والخضر غير متناه فلذلك جاء ضرب المثل من جهة ما حصل خاصة فإنا لا نشك في أنه حصل شي‏ء في نفس الأمر إلا أن حصول المعاني في النفوس بأي نوع كان حصولها لا يتصف من حصلت منه ومن كان موصوفا بها أنه نقص منه بقدر ما حصل عند المتعلم منه بل هو عنده كما هو عند من حصل له وإنما لما ظهر ذلك المعنى في محلين كأنه وقع فيه الاشتراك وفي المثال المحسوس ما يؤيد هذا وهو أخذ النور من السراج بالفتائل فتتقد به فتائل لا تتناهى ولا ينتقص منه شي‏ء وإنما حصل ذلك باستعداد القابل أن يقبل واستعداد لمأخوذ منه أن لا يمتنع والسراج سراج على حاله وقد ملأ العالم سرجا كذلك العلم والتعلم فإذا كان المحسوس بهذه السعة وعلى هذه الحقيقة فما ظنك بالمعاني ثم لتعلم إن لنا أحكاما في حضرة الحق تضاف إليها بها من موالاة وعبادة وسؤال وغير ذلك مما لا يحصى كثرة إذا تتبع الإنسان أحوال نفسه مع ربه ولهذا وصف نفسه بأن له أسماء وأخلاقا وهي معلومة عند علماء الرسوم ألفاظها ومعانيها وعند أهل الله الاتصاف بها حتى أطلق عليهم منها

أعيان أسمائها كما قال عن نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ووصف نفسه بأنه أَحْسَنُ الْخالِقِينَ وخير الشاكرين وخَيْرُ النَّاصِرِينَ وكل ذلك اتصف به أهل الله على السنة المشروعة والطريقة الإلهية الموضوعة فاتخذوا ذلك قربة إلى الله فالله يجعلنا من أهله فإنا من هذه الأهلية إلهية واليناه ومن كونه مجيبا لما يطلبه منه عباده حين ينادونه سألناه ومن كونه نزل إلينا في ألطافه الخفية وسأل منا أمورا وردت بها الأخبار الإلهية بالسنة الشرائع بادرنا إلى ذلك وقبلناه ومن كونه إذا تقربنا إليه بنوافل الخيرات وأحبنا فكان سمعنا وبصرنا وجميع قوانا بهويته كنا ومن كونه خلقنا دون جميع صور العالم على صورته وما بقي اسم ورد إلا وظهرنا به حتى أضيف إلينا وسعناه ومن كونه أعطانا الانفعال عنا والتأثير في الأكوان علمنا ما حصل لنا من ذلك منه وحققناه ومن استنادنا إلى ذات موجدة لها غنى عنا ولنا إليها افتقار ذاتي لإمكاننا عرفناه ومن كون هذا الأمر الذي استندنا إليه له نسبة إلينا بها ظهرت أعياننا بما نحن عليه من جميع ما يقوم بنا ونتصف به علمناه وبتجليه في صورة كل شي‏ء من العالم في قوله يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله خشعنا له وشهدناه ومن اسمه الظاهر في المظاهر فلا فاعل في الكون إلا هو رأيناه ومن كونه يطلب آثار عباده وما يكون منهم وإن كان ذلك خلقا له كما قال ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ طالعناه ومن كونه وصف نفسه بصفات المحدثات تنزلا لنا آمنا بذلك القول إذ نسبه إلى نفسه واعتقدناه ومن كونه‏

أوحى إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يقول لنا اعبد الله كأنك تراه‏

وإن الله في قبلة المصلي إذا هو ناجاه تخيلناه‏

ومن قوله الله نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ من شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‏ نُورٍ شبهناه ومن كونه قال فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله ومع هذا أمرنا باستقبال جهة خاصة سماها القبلة جعل نفسه لنا فيها

فقال عليه السلام إن الله في قبلة المصلي‏

وأمرنا باحترامها وأن نستقبلها في مجالسنا وأداء صلواتنا وأن لا نستقبلها بغائط ولا بول فإن اضطررنا إلى هذه القاذورات انحرفنا عنها قليلا قدر الطاقة واستغفرنا الله مثلناه ومن كونه‏

قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم عند سفره عن أهله أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل‏

وأمرنا أن نتخذه وكيلا وكلناه ومن كونه أقرب إلينا من حَبْلِ الْوَرِيدِ ولكن لا نبصره كبرناه ومن كونه أمرنا أن نعظم شعائر الله لدلالتها عليه وحرمات الله عظمناه وعن ملابسته إيانا في حركاتنا وسكناتنا مع شهودنا إياه فيها أجللناه ومن أمره إيانا في الإهلال بالحج بتوحيده نفينا الشريك عنه تعالى وأثبتناه وبتهليله في قولنا لا إله إلا الله هللناه ومن دعائه بأمره لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في قوله وأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجِّ الآيات لبيناه ومن كونه ظهر فينا بنا وإلينا عنا وكان أقرب إلينا منا كما أخبرنا آمنا بذلك كله ثم قال إنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ صدقناه ونزهناه وبقوله قال الله في غير موضع من كتابه ووعده ووعيده وتجاوزه عن سيئاتنا في خطابه وإضافة الكلام إليه صدقناه ومن كونه أمرنا أن نعلمه ونصب الأدلة لنا محررة على الوصول إلى العلم به والبحث عنه لنتبين أنه الحق في قوله سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الْآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ لنستدل بما ذكره عليه طلبناه ولما علمنا أنه ما طلبنا ولا طلب منا أن نطلبه إلا ولا بد أن نجده إما بالوصول إليه أو بالعجز عن ذلك وعلى كلا الأمرين فوجدناه فلما ظفرنا به في زعمنا وأردنا أن نقره على ما وجدناه تحول سبحانه لنا في غير الصورة التي ظفرنا به فيها ففقدناه ومن قوله أَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً علمنا بتقييد القرض بالحسن أنه يريد أن نرى النعمة منه وإنها نعمته فعلى هذا الحد من المعرفة بالإنعام والنعم أقرضناه ولما ظهر لنا سبحانه عند صور التجلي في صور العالم لنحكم عليه بما تعطيه حقائق ما ظهر فيها من الصور وقد ظهر في صور تقتضي الملل وأخبر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن الله لا يمل حتى تملوا

فأشار إن ملل الإنسان ملله فأثبته للإنسان ونفاه وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى‏ ومع هذا التعريف مللناه وبما أطلعنا عليه من أسراره في عباده واطلع على أسرار عباده بما أطلعوه عليه من ذلك من هذه النسبة لا من كونه عالما بها من غير نسبة اطلاعنا إياه عليها كاشفناه ومن كونه غيورا كما

ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في حديث الغيرة في خبر سعد إن الله غيور ومن غيرته حرم الفواحش سترناه‏

ومن قوله تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ‏

ومن كونه من ورائنا محيطا حجبناه ومن كونه أنزل نفسه منا منزلة السر وأخفى مع شدة ظهوره بكونه صورة كل شي‏ء وقال قُلْ سَمُّوهُمْ علمنا أنه يريد الإخفاء فأخفيناه ومن كونه يقول في نزوله هل من داع دعونا وهل من تائب ومن سائل ومن مستغفر وأمثال هذا نازلناه ومن كونه أعلمنا أنه معنا أينما كنا بطريق الشهود والحفظ صاحبناه ومن كونه أظهرنا بكل صورة ظهر بها لا نزيده عليها في الحال الذي يظهر به في عباده وافقناه ومن كونه صادق القول فقال نَسُوا الله مع علمه بأن العالم منا يعلم أنه هوية كل شي‏ء نسيناه ومن كونه أنزل قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ نسبا له عند قول اليهود لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم انسب لنا ربك فنسبناه ومن كونه سمى نفسه لنا بأسماء تطلب معانيها تقوم به ما هي عين ذاته من حيث ما يفهم منها مع اختلافها وصفناه ومن كونه سمى نفسه بأسماء لا يفهم منها معان تقوم به بل يفهم منها نسب وإضافات كالأول والآخر والظاهر والباطن والغني والعلي وأمثال ذلك نعتناه ومن قوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا فنبه على العلة وحدناه ومن كونه في عماء وعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ وجعلنا على أحوال نطلب بها نزول الذكر إلينا وهو كلامه والصفة لا تفارق الموصوف فإذا نحن لضعفنا نزلناه فإذا نزل إلينا لما طلبناه له بقلوبنا أنزلناه ولما أنزلناه في آنية مخصوصة معينة عينها سبحانه لنفسه حصرناه وباستمرار بقائه بالأين الذي أنزلناه به مع الأناة وصفنا بأنا مسكناه ومن كونه حيا وسمى نفسه المحيي وجعلنا بلدا ميتا دعوناه إلى إحيائه وسقيناه ولما عرضنا هذه الصفات التي نسبنا إليه مع ما تقرر عندنا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وكل تسبيح ورد عن الله تعالى وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنكرناه ولما آية بنا من مكان قريب وبعيد لحكمة يريد ظهورها فينا أجبناه وبما استعمله منا في ابتلائنا أعلمناه ومن كونه عند عبده في لسانه إذا مرض وقلبه والتجائه واضطراره إليه عدناه وباستسقاء الظمآن الذي تخيل السراب ماء فلما جاءه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً سقيناه وباستطعام الجائع أطعمناه وإلى كل ملمة ونازلة مهمة ليرفعها عن الضعفاء دعوناه وبقولنا في دعائنا إياه عن أمره اغفر لنا وارحمنا وانصرنا أمرناه وبقولنا لا

تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِنا رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا به نهيناه وبقولنا إنه لن يعيدنا كما بدأنا كذبناه وبقولنا إن له صاحبة وولدا شتمناه وبتكذيبه وشتمه آذيناه وباستفهامه إيانا عن أمور يعلمها أخبرناه وبتلاوتنا كلامه العزيز بالنهار حدثناه وبه في ظلام الليل سامرناه وفي الصلاة عند ما نقول ويقول ناجيناه وعند سفرنا في أهلنا استخلفناه وعند طلبه منا نصرة دينه نصرناه وإذا لم نطلب سواه شاهد أو غائبا واعتمدنا عليه في كل حال حصلناه وبمحاسبتنا نفوسنا وهو السريع الحساب سابقناه وبأسمائنا التي أدخلتنا عليه وأعطتنا الحظوة لديه كالخاشع والذليل والفقير قابلناه وبكونه سمعنا سمعناه وبصرنا أبصرناه ورأيناه وبما أوجدنا له بلام العلة عبدناه وفي اعتمارنا الذي شرع لنا زرناه وفي بيته الذي أذن فينا بالحج إليه قصدناه وأملناه ولنيل جميع أغراضنا أردناه وذلك لما نسب إلى نفسه من الأسماء الحسنى دون غيرها من الأسماء وإن كانت أسماء له في الحقيقة إلا أنه عراها عن النعت بالحسنى فهو عز وجل الله من حيث هويته وذاته الرحمن بعموم رحمته التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ الرحيم بما أوجب على نفسه للتائبين من عباده الرب بما أوجده من المصالح لخلقه الملك بنسبة ملك السموات والأرض إليه فإنه رب كل شي‏ء ومليكه القدوس بقوله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وتنزيهه عن كل ما وصف به السلام بسلامته من كل ما نسب إليه مما كره من عباده أن ينسبوه إليه المؤمن بما صدق عباده وبما أعطاهم من الأمان إذ أوفوا بعهده المهيمن على عباده بما هم فيه من جميع أحوالهم مما لهم وعليهم العزيز لغلبة من غالبه‏

إذ هو الذي لا يغالب وامتناعه في علو قدسه أن يقاوم الجبار بما جبر عليه عباده في اضطرارهم واختيارهم فهم في قبضته المتكبر لما حصل في النفوس الضعيفة من نزوله إليهم في خفي ألطافه لمن تقرب بالحد والمقدار من شبر وذراع وباع وهرولة وتبشيش وفرح وتعجب وضحك وأمثال ذلك الخالق بالتقدير والإيجاد البارئ بما أوجده من مولدات الأركان المصور بما فتح في الهباء من الصور وفي أعين المتجلي لهم من صور التجلي المنسوبة إليه ما نكر منها وما عرف وما أحيط بها وما لم يدخل تحت إحاطة الغفار بمن ستر من عباده المؤمنين‏

الغافر بنسبة اليسير إليه الغفور بما أسدل من الستور من أكوان وغير أكوان القهار من نازعه من عباده بجهالة ولم يتب الوهاب بما أنعم به من العطاء لينعم لا جزاء ولا ليشكر به ويذكر الكريم المعطي عباده ما سألوه منه الجواد المعطي قبل السؤال ليشكروه فيزيدهم ويذكروه فيثيبهم السخي بإعطاء كل شي‏ء خلقه وتوفيته حقه الرزاق بما أعطى من الأرزاق لكل متغذ من معدن ونبات وحيوان وإنسان من غير اشتراط كفر ولا إيمان الفتاح بما فتح من أبواب النعم والعقاب والعذاب العليم بكثرة معلوماته العالم بأحدية نفسه العلام بالغيب فهو تعلق خاص والغيب لا يتناهى والشهادة متناهية إذا كان الوجود سبب الشهود والرؤية كما يراه بعض النظار وعلى كل حال فالشهادة خصوص فإن من يقول إن العلة في الرؤية استعداد المرئي فما ثم مشهود إلا الحق وما وجد من الممكنات وما لم يوجد وبقي المحال معلوما غيبا لم يدخل تحت الرؤية ولا الشهادة القابض بكون الأشياء في قبضته والأرض جميعا قبضته وكون الصدقة تقع بيد الرحمن فيقبضها الباسط بما بسطة من الرزق الذي لا يعطي البغي بسطة وهو القدر المعلوم وإنه تعالى يقبض ما شاء من ذلك لما فيه من الابتلاء والمصلحة ويبسط ما شاء من ذلك لما فيه من الابتلاء والمصلحة الرافع من كونه تعالى بيده الميزان يخفض القسط ويرفعه فيرفع ليؤتي الملك من يشاء ويعز من يشاء ويغني من يشاء الخافض لينزع الملك ممن يشاء ويذل من يشاء ويفقر من يشاء بيده الخير وهو الميزان فيوفي الحقوق من يستحقها وفي هذه الحال لا يكون معاملة الامتنان فإن استيفاء الحقوق من بعض الامتنان أعم في التعلق المعز المذل فأعز بطاعته وأذل بمخالفته وفي الدنيا أعز بما أتى من المال من أتاه وبما أعطى من اليقين لأهله وبما أنعم به من الرئاسة والولاية والتحكم في العالم بإمضاء الكلمة والقهر وبما أذل به الجبارين والمتكبرين وبما أذل به في الدنيا بعض المؤمنين ليعزهم في الآخرة ويذل من أورثهم الذلة في الدنيا لإيمانهم وطاعتهم السميع دعاء عباده إذا دعوه في مهماتهم فأجابهم من اسمه السميع فإنه تعالى ذكر في حد السمع فقال ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وهُمْ لا يَسْمَعُونَ ومعلوم إنهم سمعوا دعوة الحق بآذانهم ولكن ما أجابوا ما دعوا إليه وهكذا يعامل الحق عباده من كونه سميعا البصير بأمور عباده كما قال لموسى وهارون إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى‏ فقال لهما لا تَخافا فإذا أعطى بصره الأمان فذلك معنى البصير لا أنه يشهده ويراه فقط فإنه يراه حقيقة سواء نصره أو خذله أو اعتنى به أو أهمله الحكم بما يفصل به من الحكم يوم القيامة بين عباده وبما أنزل في الدنيا من الأحكام المشروعة والنواميس الوضعية الحكمية كل ذلك من الاسم الحكم العدل بحكمه بالحق وإقامة الملة الحنيفية قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ فهو ميل إليه إذ قد جعل للهوى حكما من اتبعه ضل عن سبيل الله اللطيف بعباده فإنه يوصل إليهم العافية مندرجة في الأدوية الكريهة فأخفى من ضرب المثل في الأدوية المؤلمة المتضمنة الشفاء والراحة لا يكون فإنه لا أثر لها في وقت الاستعمال مع علمنا بأنها في نفس استعمال ذلك الدواء ولا نحس بها للطافتها ومن باب لطفه سريانه في أفعال الموجودات وهو قوله والله خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ ولا نرى الأعمال إلا من المخلوقين ونعلم أن العامل لتلك الأعمال إنما هو الله فلو لا لطفه لشوهد الخبير بما اختبر به عباده ومن اختباره قوله حَتَّى نَعْلَمَ فنرى هل ننسب إليه حدوث العلم أم لا فانظر أيضا هذا اللطف ولذلك قرن الخبير باللطيف فقال اللطيف الخبير الحليم هو الذي أمهل وما أهمل ولم يسارع بالمؤاخذة لمن عمل سوءا بجهالة مع تمكنه أن لا يجهل وأن يسأل وينظر حتى يعلم العظيم في قلوب العارفين به الشكور لطلب الزيادة من عباده مما شكرهم عليه وذكرهم به من عملهم بطاعته والوقوف عند حدوده ورسومه وأوامره ونواهيه وهو يقول لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فبذلك يعامل عباده فطلب منهم بكونه شكورا أن يبالغوا فيما شكرهم عليه العلي في شأنه وذاته عما يليق بسمات الحدوث وصفات المحدثات الكبير بما نصبه المشركون من الآلهة ولهذا قال الخليل في‏

معرض الحجة على قومه مع اعتقاده الصحيح أن الله هو الذي كسر الأصنام المتخذة آلهة حتى جعلها جذاذا مع دعوى عابديها بقولهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى الله زُلْفى‏ فنسبوا الكبر له تعالى على آلهتهم فقال إبراهيم عليه السلام بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وهنا الوقف ويبتدئ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ فلو نطقوا لاعترفوا بأنهم‏

عبيد وأن الله هو الكبير العلي العظيم الحفيظ بكونه بكل شي‏ء محيط فاحتاط بالأشياء ليحفظ عليها وجودها فإنها قابلة للعلم كما هي قابلة للوجود فمن شاء سبحانه أن يوجده فأوجده حفظ عليه وجوده ومن لم يشأ أن يوجد وشاء أن يبقيه في العدم حفظ عليه العدم فلا يوجد ما دام يحفظ عليه العدم فأما أن يحفظه دائما أو إلى أجل مسمى المقيت بما قدر في الأرض من الأقوات وبما أوحى في السماء من الأمور فهو سبحانه يعطي قوت كل متقوت على مقدار معلوم الحسيب إذا عدد عليك نعمه ليريك منته عليك لما كفرت بها فلم يؤاخذك لحلمه وكرمه وبما هو كافيك عن كل شي‏ء لا إله إلا هو العليم الحكيم الجليل لكونه عز فلم تدركه الأبصار ولا البصائر فعلا ونزل بحيث إنه مع عباده أينما كانوا كما يليق بجلاله لي أن بلغ في نزوله أن‏

قال لعبده مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني‏

فأنزل نفسه من عباده منزلة عباده من عباده فهذا من حكم هذا الاسم الإلهي الرقيب لما هو عليه من لزوم الحفظ لخلقه فإن ذلك لا يثقله وليعلم عباده أنه إذا راقبهم يستحيون منه فلا يراهم حيث نهاهم ولا يفقدهم حيث أمرهم المجيب من دعاه لقربه وسماعه دعا عباده كما أخبر عن نفسه وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فوصف نفسه بأنه متكلم إذ المجيب من كان ذا إجابة وهي التلبية الواسع العطاء بما بسط من الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وهي مخلوقة فرحم بها كل شي‏ء وبها أزال غضبه عن عباده فانظر فهنا سر عجيب في قوله ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وقوله كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ الحكيم بإنزال كل شي‏ء منزلته وجعله في مرتبته ومن أوتي الحكمة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وقد قال عن نفسه أن بيده الخير وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم له والخير كله بيديك‏

فلم يبق منه شيئا

والشر ليس إليك‏

الْوَدُودُ الثابت حبه في عباده فلا يؤثر فيما سبق لهم من المحبة معاصيهم فإنها ما نزلت بهم إلا بحكم القضاء والقدر السابق لا للطرد والبعد لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ فسبقت المغفرة للمحبين اسم المفعول المجيد لما له من الشرف على كل موصوف بالشرف فإن شرف العالم بما هو منسوب إلى الله إنه خلقه وفعله فما هو شرفه بنفسه فالشريف على الحقيقة من شرفه بذاته وليس إلا الله الباعث عموما وخصوصا فالعموم بما بعث من الممكنات إلى الوجود من العدم وهو بعث لم يشعر به كل أحد إلا من قال بأن للممكنات أعيانا ثبوتية وإن لم يعثر على ما أشرنا إليه القائل بهذا ولما كان الوجود عين الحق فما بعثهم إلا الله بهذا الاسم خاصة ثم خصوص البعث في الأحوال كبعث الرسل والبعث من الدنيا إلى البرزخ نوما وموتا ومن البرزخ إلى القيامة وكل بعث في العالم في حال وعين فمن الاسم الباعث فهو من أعجب اسم تسمى الحق به تعريفا لعباده الشهيد لنفسه بأنه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ولعباده بما فيه الخير والسعادة لهم بما جاءوا به من طاعة الله وطاعة رسوله وبما كانوا عليه من مكارم الأخلاق وشهيد عليهم بما كانوا فيه من المخالفات والمعاصي وسفساف الأخلاق ليريه منة الله وكرمه بهم حيث غفر لهم وعفا عنهم وكان مالهم عنده إلى شمول الرحمة ودخولهم في سعتها إذ كانوا من جملة الأشياء وإن تلك الأشياء المسماة مخالفة لم يبرزها الله من العدم إلى الوجود إلا برحمته فهي مخلوقة من الرحمة وكان المحل الذي قامت به سببا لوجودها لأنها لا تقوم بنفسها وإنما تقوم بنفس المخالف وقد علمت أنها مخلوقة من الرحمة ومسبحة بحمد خالقها فهي تستغفر للمحل الذي قامت به حتى ظهر وجود عينها لعلمها بأنها لا تقوم بنفسها الحق الوجود الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ وهو العدم من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ فمن بين يديه من قوله لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ومن خلفه‏

لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ليس وراء الله مرمى‏

فنسب إليه الوراء وهو الخلف فهو وجود حق لا عن عدم ولا يعقبه عدم بخلاف الخلق فإنه عن عدم ويعقبه العدم من حيث لا يشعر به فإن الوجود والإيجاد لا ينقطع فما ثم في العالم من العالم إلا وجود وشهود دنيا وآخرة من غير إنهاء ولا انقطاع فأعيان تظهر فتبصر الوكيل الذي وكله عباده على النظر في مصالحهم فكان من النظر في مصالحهم أن أمرهم بالإنفاق على حد معين فاستخلفهم فيه بعد ما اتخذوه وكيلا فالأموال له بوجه فاستخلفهم فيها والأموال لهم بوجه فوكلوه في النظر فيها فهي لهم بما لهم فيها من المنفعة وهي له بما هي عليه من تسبيحه بحمده فمن اعتبر التسبيح قال إن الله ما خلق العالم إلا لعبادته ومن راعى المنفعة قال إن الله ما خلق العالم إلا لينفع بعضه بعضا أول المنفعة فيهم للإيجاد فأوجد المحال لينتفع بالوجود من لا يقوم من الموجودات إلا بمحل وأوجد من لا قيام له بنفسه‏

لينتفع به من لا يستغني عن قيام الحوادث به ولا يعري عنها فوجود كل واحد منهما موقوف على صاحبه من وجه لا يدخله الدور فيستحيل الوقوع القوي المتين هو ذُو الْقُوَّةِ لما في بعض الممكنات أو فيها مطلقا من العزة وهي عدم القبول للاضداد فكان من القوة خلق عالم الخيال ليظهر فيه الجمع بين الأضداد لأن الحس والعقل يمتنع عندهما الجمع بين الضدين والخيال لا يمتنع عنده ذلك فما ظهر سلطان القوي ولا قوته إلا في خلق القوة المتخيلة وعالم الخيال فإنه أقرب في الدلالة على الحق فإن الحق هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ قيل لأبي سعيد الخراز بم عرفت الله قال بجمعه بين الضدين ثم تلا هذه الآية وإن لم تكن من عين واحدة وإلا فما فيها فائدة فإن النسب لا تنكر فإن الشخص الواحد قد تكثر نسبه فيكون أبا وابنا وعما وخالا وأمثال ذلك وهو هو لا غيره فما حاز الصورة على الحقيقة إلا الخيال وهذا ما لا يسع أحدا إنكاره فإنه يجده في نفسه ويبصره في منامه فيرى ما هو محال الوجود موجودا فتنبه لقوله إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ الولي هو الناصر من نصره فنصرته مجازاة ومن آمن به فقد نصره فالمؤمن يأخذ نصر الله من طريق الوجوب فإنه قال وكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ مثل وجوب الرحمة عليه سوء قال تعالى كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لمن عمل سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ من بَعْدِهِ وأَصْلَحَ وأين هذا من اتساعها فنصرة الله تشبه رحمة الوجوب وتفارق رحمة الامتنان الواسعة فإنه ما رأينا فيما أخبرنا به تعالى نصرة مطلقة وإنما رأيناها مقيدة إما بالإيمان وإما بقوله إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وهنا سر من أسرار الله تعالى في ظهور المشركين على المؤمنين في أوقات فتدبره تعثر عليه إن شاء الله فما ورد حتى نؤمن به إلا أن الايمان إذا قوى في صاحبه بما كان فله النصر على الأضعف والميزان يخرج ذلك وقولي هذا ما كان لقوله والَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ فسماهم مؤمنين ولكن تحقق في إيمانهم بالباطل إنهم ما آمنوا به من كونه باطلا وإنما آمنوا به من كونهم اعتقدوا فيه ما اعتقد أهل الحق في الحق فمن هنا نسب الايمان إليهم وبما هو في نفس الأمر على غير ما اعتقدوه سماه الحق لنا باطلا لا من حيث ما توهموه الحميد بما هو حامد بلسان كل حامد وبنفسه وبما هو محمود بكل ما هو مثنى عليه وعلى نفسه فإن عواقب الثناء عليه تعود المحصي كل شي‏ء عددا من حروف وأعيان وجودية إذ كان التناهي لا يدخل إلا في الموجودات فيأخذه الإحصاء فهذه الشيئية شيئية الوجود وفي قوله وأَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً المبدئ هو الذي ابتدأ الخلق بالإيجاد في الرتبة الثانية وكل ما ظهر من العالم ويظهر فهو فيها وما ثم رتبة ثالثة فهي الآخر والأولى للحق فهو الأول فالخلق من حيث وجوده لا يكون في الأول أبدا وإنما له الآخر والحق معه في الآخر فإنه مع العالم أَيْنَ ما كانُوا وقد تسمى بالآخر

[المعيد إذا خلق شيئا وفرغ خلقه عاد إلى خلق آخر]

فاعلم المعيد عين الفعل من حيث ما هو خالق وفاعل وجاعل وعامل فهو إذا خلق شيئا وفرغ خلقه عاد إلى خلق آخر لأنه ليس في العالم شي‏ء يتكرر وإنما هي أمثال تحدث وهي الخلق الجديد وأعيان توجد المحيي بالوجود كل عين ثابتة لها حكم قبول الإيجاد فأوجدها الحق في وجوده المميت في الزمان الثاني فما زاد من زمان وجودها فمفارقتها وانتقالها لحال الوجود الذي كان لها موت وقد يرجع إلى حكمها من الثبوت الذي كان لها فمن المحال وجودها بعد ذلك حتى تفرغ وهي لا تفرغ لعدم التناهي فيها فافهم وفي تقييدي هذا الباب في هذه المسألة سمعت منشدا ينشد من زاوية البيت لا أرى له شخصا لكني أسمع الصوت ولا أدري لمن يخاطب بذلك الكلام وهو

أوص فإنك رائح *** لمنزل أنت رابح‏

فيه لأنك ممن *** له قبول النصائح‏

قد صاح في جانب *** الدار للمنية صائح‏

وقد دعاك إليه *** فلا تجب بالنوائح‏

وقد أتاك رسول *** منه بخير المنائح‏

لقاء ربك فيها *** وفيه كل المصالح‏

فهو بالنسبة إلى رؤية الله قريب وقد يكون بالنسبة إلينا بعيد مثل قوله في المعارج إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً ونَراهُ قَرِيباً الحي لنفسه لتحقيق ما نسب إليه مما لا يتصف به إلا من من شرطه أن يكون حيا القيوم لقيامه على كل نفس بما كسبت الواجد بالجيم لما طلب فلحق فلا يفوته هارب كما لا يلحقه في الحقيقة طالب معرفته الواحد

من حيث ألوهته فلا إله إلا هو الصمد الذي يلجأ إليه في الأمور ولهذا اتخذناه وكيلا القادر هو النافذ الاقتدار في القوابل الذي يريد فيها ظهور الاقتدار لا غير المقتدر بما عملت أيدينا فالاقتدار له والعمل يظهر من أيدينا فكل يد في العالم لها عمل فهي يد الله فإن الاقتدار لله فهو تعالى قادر لنفسه مقتدر بنا المقدم المؤخر من شاء لما شاء ومن شاء عما شاء الأول الآخر بالوجوب وبرجوع الأمر كله إليه الظاهر الباطن لنفسه ظهر فما زال ظاهر أو عن خلقه بطن فما يزال باطنا فلا يعرف أبدا البر بإحسانه ونعمه وآلائه التي أنعم بها على عباده التواب لرجوعه على عباده ليتوبوا ورجوعه بالجزاء على توبتهم المنتقم ممن عصاه تطهيرا له من ذلك في الدنيا بإقامة الحدود وما يقوم بالعالم من الآلام فإنها كلها انتقام وجزاء خفي لا يشعر به كل أحد حتى إيلام الرضيع جزاء العفو لما في العطاء من التفاضل في القلة والكثرة وأنواع الأعطيات على اختلافها لا بد أن يدخلها القلة والكثرة فلا بد أن يعمها العفو فإنه لا بد من الأضداد كالجليل الرءوف بما ظهر في العباد من الصلاح والأصلح لأنه من المقلوب وهو ضرب من الشفقة الوالي لنفسه على كل من ولي عليه فولى على الأعيان الثابتة فأثر فيها الإيجاد وولي على الموجودات فقدم من شاء وأخر من شاء وحكم فعدل وأعطى فأفضل المتعالي على من أراد علوا في الأرض وادعى له ما ليس له بحق المقسط هو ما أعطى بحكم التقسيط وهو قوله وما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وهو التقسيط الجامع بوجوده لكل موجود فيه الغني عن العالمين بهم المغني من أعطاه صفة الغني بأن أوقفه على إن علمه بالعالم تابع للمعلوم فما أعطاه من نفسه شيئا فاستغنى عن الأثر منه فيه لعلمه بأنه لا يوجد فيه إلا ما كان عليه البديع الذي لم يزل في خلقه على الدوام بديعا لأنه يخلق الأمثال وغير الأمثال ولا بد من وجه به يتميز المثل عن مثله فهو البديع من ذلك الوجه الضار النافع بما لا يوافق الغرض وبما يوافقه النور لما ظهر من أعيان العالم وإزالة ظلمة نسبة الأفعال إلى العالم الهادي بما أبانه للعلماء به مما هو الأمر عليه في نفسه المانع لإمكان إرسال ما مسكه وما وقع الإمساك إلا لحكمة اقتضاها علمه في خلقه الباقي حيث لا يقبل الزوال كما قبلته أعيان الموجودات بعد وجودها فله دوام الوجود ودوام الإيجاد الوارث لما خلفناه عند انتقالنا إلى البرزخ خاصة الرشيد بما أرشد إليه عباده في تعريفه إياهم بأنه تعالى عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ في أخذه بناصية كل دابة فما ثم إلا من هو على ذلك الصراط والاستقامة ما لها إلى الرحمة فما أنعم الله على عباده بنعمة أعظم من كونه آخذا بناصية كل دابة فما ثم إلا من مشى به على الصراط المستقيم الصبور على ما أوذى به في قوله إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله ورَسُولَهُ فما عجل لهم في العقوبة مع اقتداره على ذلك وإنما أخر ذلك ليكون منه ما يكون على أيدينا من رفع ذلك عنه بالانتقام منهم فيحمدنا على ذلك فإنه ما عرفنا به مع اتصافه بالصبور إلا لندفع ذلك عنه ونكشفه فهذا بعض ما أعطته حضرة الحضرات من هذا الباب فإنه باب الأسماء وأما الكنايات فنقول فيها لفظا جامعا وهو إذا جاءت في كلام الرسول عن الله تعالى أو في كتاب الله فلننظر القصة والضمير ونحكم على تلك الكناية بما يعطيه الحال في القصة المذكورة لا يزاد في ذلك ولا ينقص منه والباب يتسع المجال فيه فلنقتصر منه على ما ذكرنا والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى السفر الثالث والثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم‏


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!