الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث التاسع والخمسون: في بيان أن جميع ملاذ الكفار في الدنيا من أكل وشرب وجماع وغير ذلك كله استدراج من اللّه تعالى

حيث يلذه مع علمه بإصراره على الكفر إلى الموت فهي نقمة عليه يعذب به عذابا زائدا على عذاب الكفر، وقالت المعتزلة إنها نعمة يترتب عليها الشكر. وقال بعض المحققين جميع ما يرزقه اللّه للكافر ليس لكرامة ولا إهانة وإنما ذلك لسبق العلم بأنه رزقه ما به قوام بدنه حتى يفعل جميع ما كتبه له أو عليه انتهى. قالو وجميع ما يفعله الكافر من الخيرات يجازيه اللّه عليه في دار الدنيا من صحة في البدن وتوسعة في الرزق وغير ذلك وليس له في الآخرة من نصيب فإنه تعالى أخبر أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا لوسع كرمه ثم إن ختم اللّه لذلك الكافر بالإسلام أثيب على كل عمل لا يشترط فيه النية كحفر الآبار للعطش وإطعام الجائع وقرى الضيف وصلة الرحم والعتق زيادة على ثواب الأعمال الإسلامية كما قال صلى اللّه عليه وسلم لحكيم بن حزام حين أسلم أسلمت على ما سلف لك من خير وكان قد سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذه الأمور وأنه تبر ربها في الجاهلية وهذا ما عليه الجمهور. وقال الآمدي في الأذكار لا نعلم خلافا بين أصحابنا أنه تعالى ليس له على من علم إصراره على الكفر نعمة دينية أبدا وأما النعمة الدنيوية فللأشعري فيها قولان وميل القاضي أبي بكر إلى الإثبات ثم أشار إلى أن الخلاف لفظي فمن نفى النعم لا ينكر الملاذ في الدنيا وتحقيق أسباب الهداية غير أنه لا يسميها نعما لما يعقبها من الهلاك، ومن أثبت كونها نعما لا ينازع في تعقيب الهلاك لها غير أنه سماها نعما للصورة، وكان أبو العباس الساري رضي اللّه عنه يقول: عطاء الحق للمؤمن على نوعين كرامة واستدراج فما أبقاه عليك فهو كرامة وما أزاله عنك تبين أنه استدراج قالوا والألم يقابل اللذة واختلفوا فيه هل هو وجودي أو عدمي ولكل منهما وجه قالوا: وأعلى اللذات اللذة العقلية وهي الحاصلة بسبب معرفة الأشياء والوقوف على حقائقها وهي اللذة على الحقيقة، وعلى هذا فاللذة محصورة في المعارف. وقال أبو زكريا الطبيب: إن اللذة أمر عدمي وهو الخلاص من الألم وضعف هذا القول أن الإنسان قد يلتذ بالشيء من غير سبق ألم كما إذا وقع بصره على صورة حسنة فإنه يلتذ بأبصارها مع أنه لم يكن له شعور بها حتى تجعل تلك اللذة مخلصة من ألم الشوق إليها وكذلك من وقف على مسألة علم أو كنز مال فجاءه من غير خطور ذلك بالبال وألم الشوق إليهما. وقال السمرقندي في " الصحائف ": الحق أن الإدراك ليس هو نفس اللذة بل ملزومها وفي المحصول أن الصواب أنها لا تحد لأنها من الأمور الوجدانية وعليه مشى في الطوالع، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هذا مخصص بدار المحنة وأما دار الكرامة التي هي الجنة فإن اللذة تحصل فيها من غير ألم يتقدمها أو يقترن بها لأن العادات خرقت فيها فيجد أهل الجنة فلذة الشرب من غير عطش ولذة الطعام من غير جوع وكذلك القول في العقوبات فإن أقل عقوبات الآخرة لا يبقى معها في هذا الدار حياة وأما الدار الآخرة فيأتي أحدهم أسباب الموت من كل مكان وم هو بميت واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!