الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثاني والأربعون: في بيان أن الولاية وإن جلت مرتبتها وعظمت فهي آخذة عن النبوة شهود ووجود

فلا تلحق نهاية الولاية بداية النبوة أبدا ولو أن وليا تقدم إلى العين التي أخذ منها الأنبياء لاحترق وغاية أمر الأولياء أنهم يتعبدون بشريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم، قبل الفتح عليهم وبعده ومتى ما خرجوا عن شريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم، هلكوا وانقطع عنهم الإمداد فلا يمكنهم أن يستقلوا بالأخذ عن اللّه أبدا. وقد تقدم في المباحث السابقة أن جميع الأنبياء والأولياء مستمدون من محمد صلى اللّه عليه وسلم، ويؤيد ذلك أنه صلى اللّه عليه وسلم، كان يتعبد قبل رسالته بشريعة إبراهيم عليه السلام، أو غيره على خلاف في ذلك فلما جاءه الوحي انقطع عن ذلك التعبد واتبع ما أوحي به إليه وكذلك القول في الولي غايته الإلهام الموافق لشريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم، بعد الفتح فلا يعمل به مستقلا لأن نبوة التشريع قد انقطعت بموت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيصير ملك الإلهام يفهم ذلك الولي شريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم، ويطلعه على أسرارها حتى كأنه أخذها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بلا واسطة، فإذا صح للولي قدم الأخذ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، من غير واسطة فهناك يصح أن يرشد الأمة المحمدية ويتصدر لدعائهم إلى اللّه عزّ وجلّ بحكم النيابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108] الآية. فقد بان لك أن الولاية لا تلحق النبوة أبدا، ومن قال من العارفين أن مقام الولاية أكمل وأتم من مقام الرسالة فمراده كما قاله الشيخ محيي الدين في "الفتوحات": إن مقام ولاية النبي في نفسه أتم وأكمل من مقام رسالته وذلك لشرف المتعلق ودوامه فإن الولاية يتعلق حكمها باللّه تعالى ، ولها الدوام في الدنيا والآخرة. والرسالة بتعلق حكمها بالخلق وينقطع بزوال زمن التكليف فليس مراد أحد من القوم بما قالوه نصب الخلاف من مطلق الولاية ورسالة الأنبياء فإن هذا لا يقوله إلا الجاهلون باللّه تعالى الذين لم يقربوا من حضرته ولم يعرفوا أهلها وحاشا الأولياء من ذلك. وقد سئل بعضهم عن ولاية غير النبي هل يصح أنها تفضل ولاية نبي. فقال: لم يرد لنا في ذلك شيء والذي نميل إليه أن ولاية كل نبي فاضلة على ولاية أعظم الأولياء وهو الذي يليق بمقامهم لأن الولاية آخذة عن النبوة كما مر.

واعلم أن من جملة ما أشيع عن الشيخ محيي الدين أنه يقول: مقام الولاية أتم من مقام الرسالة على الإطلاق والشيخ رضي اللّه عنه، بريء من ذلك، فقد قال في الباب الرابع عشر من "الفتوحات": اعلم أن الحق تعالى قصم ظهور الأولياء بانقطاع النبوة والرسالة بعد موت محمد صلى اللّه عليه وسلم، وذلك لفقدهم الوحي الرباني الذي هو قوت أرواحهم ولو أن أحدا من الأولياء كان في مقام نبي فضلا عن كونه قد فضله ما قصم ظهره، ولا احتاج إلى وحي على لسان غيره، وإنما غاية لطف اللّه تعالى بالأولياء أنه أبقى عليهم وحي المبشرات في المنام ليستأنسوا برائحة الوحي انتهى. وقال أيضا في الكلام على التشهد من "الفتوحات": اعلم أن اللّه تعالى قد سد باب الرسالة عن كل مخلوق بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم، إلى يوم القيامة وأنه لا مناسبة بيننا وبينه صلى اللّه عليه وسلم، لكونه في مرتبة لا ينبغي أن تكون لن انتهى. وقال في " شرحه لترجمان الأشواق ": اعلم أن مقام النبي ممنوع لنا دخوله وغاية معرفتنا به من طريق الإرث النظر إليه كما ينظر من هو في أسفل الجنة إلى من هو في أعلى عليين وكما ينظر أهل الأرض إلى كواكب السماء. وقد بلغنا عن الشيخ أبي يزيد أنه فتح له من مقام النبوة قدر خرم إبرة تجليا لا دخولا فكاد أن يحترق.

* - وقال في الباب الثاني والستين وأربعمائة، من "الفتوحات": اعلم أنه لا ذوق لنا في مقام النبوة لنتكلم عليه وإنما نتكلم على ذلك بقدر ما أعطينا من مقام الإرث فقط لأنه لا يصح لأحد منا دخول مقام النبوّة وإنما نراه كالنجوم على الماء.

* - وقال في الباب السابع والستين وثلاثمائة: لقد أعطيت من مقام العبودية التي اختص بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مقدار الشعرة الواحدة من جلد الثور فما استطعت القيام به انتهى. فهذه نصوص الشيخ محيي الدين رحمه اللّه تكذب من افترى عليه أنه يقول: الولاية أعظم من النبوة واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!