الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الخامس عشر: في وجوب اعتقاد أن أسماء اللّه تعالى توقيفية

فلا يجوز لنا أن نطلق على اللّه تعالى اسما إلا إن ورد في الشرع وقالت المعتزلة يجوز لنا أن نطلق عليه الأسماء اللائق معناها به تعالى وإن لم يرد به شرع ومال إلى ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني قال الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في حاشيته وليس الكلام في أسمائه الأعلام الموضوعة في اللغات وإنما الخلاف في الأسماء المأخوذة من الصفات والأفعال كما نبه عليه السيّد في " شرح المواقف " وقال المولى سعد الدين في " المقاصد " محل النزاع ما اتصف الباري جل وعلا بمعناه ولم يرد لن إذن به وكان مشعرا بالجلال والتعظيم من غير وهم إخلال انتهى.

* - قال الشيخ كمال الدين والقيد الأخير للاحتراز عن إطلاق ما يوهم إطلاقه أمرا لا يليق بكبرياء اللّه تعالى كلفظ عارف مثلا لأن المعرفة قد يكون المراد به علما يسبقه غفلة وكلفظ فقيه فإن الفقه فهم غرض المتكلم من كلامه ولولا كلامه ما فهم منه شيء وذلك يشعر بسابقة جهل

وكلفظ عاقل فإن العقل علم مانع من الإقدام على ما لا ينبغي مأخوذ من العقال ونحو ذلك انتهى.

هذا ما رأيته من كلام المتكلمين، وأما كلام المحققين من الصوفية فقال الشيخ محيي الدين رضي اللّه تعالى عنه: اعلم أنه لا يجوز إجماعا أن نشتق له اسم من نحو اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ [البقرة: 15] ولا من نحو قوله: وَمَكَرُو وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران: 54] ولا من نحو قوله وَهُوَ خادِعُهُمْ [النساء: 142] ولا من نحو قوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] وإن كان تعالى هو الذي أضاف ذلك إلى نفسه في القرآن فنتلوه على سبيل الحكاية فقط أدبا معه سبحانه وتعالى ونخجل منه من حيث تنزله تعالى لعقولنا ومخاطبتنا بالألفاظ اللائقة بنا لا به ثم أنشد:

إن الملوك وإن جلت مناصبها * لها مع السوقة الإسرار والسمر

فعلم أن تنزل الحق تعالى لعباده من جملة عظمته وجلاله يزداد بذلك تعظيما في قلب العارف به قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] يعني الواردة في الكتاب والسنة وماثم إلا حسنى لأنه لا يصلح أن يكون له مقابل انتهى. وقد مر ذلك في المبحث قبله.

 

* - وقال في الباب السابع والسبعين ومائة: أليس لأهل الأدب مع اللّه تعالى أن يشتقوا له اسما ولو حسنا في العرف سواء كان طريقهم إلى ذلك الكشف أو النظر الصحيح وقال أيضا في كتاب القصد لا يجوز لنا أن نسمي اللّه تعالى إلا بما سمى به نفسه على ألسنة رسله فما أطلقه على نفسه أطلقناه وما لا فلا فإنما نحن به وله وقال في باب الأسرار وغيره لا يجوز أن يقال في الحق تعالى إنه مصدر الأشياء وإن كان له وجه بعيد إلى الصحة لأنه قد يفهم العاقل منه أن العالم منفصل من ذات الحق بل صرح بعضهم بذلك وهو كفر وقد ضرب بعض الخلفاء عنق من قال في شعره:

قطعت الورى من نفس ذاتك قطعة * ولا أنت مقطوع ولا أنت قاطع

* - وقال الشيخ في كتاب " القصد ": لا ينبغي أن يقال في الحق تعالى قديم وإن كان هو بمعنى اسمه تعالى الأول ومثله الأزلي والأبدي قال وكذلك لا ينبغي أن يقال الحق تعالى ذو حياة وإنما يقال إنه تعالى حي كما ورد وذلك لقول اللّه تعالى: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك: 2]

وما خلقه تعالى لا يوصف به وكذلك لا يقال إنه تعالى اخترع العالم إل بوجه ما وذلك لأن العالم كله كان ثابتا في علمه تعالى قبل بروزه إلى عالم الشهادة وما كان ثابتا كذلك لا يقال إنه اخترعه وإنما يقال أبرزه على وفق ما سبق به العلم قال وكذلك لا يقال يجوز للحق تعالى أن يفعل كذا ويجوز أن يفعله لأن إطلاق الجواز على اللّه لم يرد لنا في كتاب ولا سنة ولا دل عليه عقل مع أن الجواز يفتقر إلى المرجح بوقوع أحد الجائزين وماثم فاعل إلا اللّه وقد افتقد أهل هذه المذاهب إلى إثبات إرادة حتى يكون الحق تعالى يرجح بها غير إرادته القديمة ولا يخفى ما في هذه المذاهب من الغلط لأنه يصير الحق تعالى محكوما عليه بما هو زائد على ذاته وهو عين ذات أخرى انتهى.

* - وقال الشيخ محيي الدين في الباب العشرين وأربعمائة: والذي نقول به إن إطلاق الجواز على الحق تعالى جائز للعارف الذي علمه اللّه تعالى ضرب الأمثال للّه تعالى وذلك لأن العين المخلوقة من حيث كونها ممكنة تقبل الوجود وتقبل العدم فجائز أنه يخلقها وجائز أن لا يخلقها فلا موجود ثم إذا وجدت فبالمرجح وهو اللّه وإذا لم توجد فبالمرجح وهو اللّه أيضا ولا حاجة إلى تكلف إرادة زائدة وبذلك يستقيم كلام أهل هذه المذاهب وإن كان الأدب مع اللّه أكمل وأتم بل أوجب انتهى. (قلت) والذي ذهب إليه القلانسي وعبد اللّه بن سعيد أنه لا يجوز إطلاق الجواز على اللّه عز وجل كأن يقال يجوز أن يكون اللّه يفعل كذا واتفق أصحاب القلانسي وعبد اللّه بن سعيد على قولهم إنه تعالى يجوز أن يرى نفسه وبه جماعة من منكري الرؤية واللّه أعلم (فإن قلت) فهل الأولى الأدب أن تسمى الصفات أسماء كما ورد (فالجواب) نعم الأولى ذلك قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] ما قال الصفات الحسنى وقال الشيخ في باب الأسرار من الأدب أن تسمى الصفات اسما لأن اللّه تعالى قال وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] وما قال فصفوه بها فمن عرفه حق المعرفة الممكنة للعالم سماه تعالى ولم يصفه قال ولم يرد لنا خبر في الصفات لما فيها من الآفات ألا ترى من جعله موصوفا كيف يقول إن لم يكن كذلك كان موقوفا وما علم من وصفه تعالى أن الذات إذا توقف كما لها على الوصف حكم عليها بالنقص الصرف وفي كلامهم من لم يكن كماله لذاته افتقر بالدليل في حصول الكمال إلى صفاته، وصفاته تعالى ليست عينه فقد جهل هذا القائل

بالصفات كونه والمشاركة في الصفات دليل على تباين الذوات وقد قال تعالى: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) [الصافات: 180] فنزه نفسه في هذه الآية عن الصفة لا عن الاسم فهو المعروف بالاسم لا بالصفة انتهى. وكذلك لا يقال أدبا: إن اللّه تعالى شيء إلا في المحل الذي ورد فيه ذلك ول ينبغي القياس وقد قال الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من "الفتوحات" سمعت في بعض الهواتف الربانية ما نصه لست بشيء لأني لو كنت شيئا لجمعتني الشيئية فيقع التماثل وأنا لا أماثل انتهى. وكذلك لا يقال الحق تعالى بخيل وإن كان هو بمعنى الاسم المانع وقس على ذلك المنع كل ما لم يطلقه تعالى على نفسه واللّه تعالى يتولى هداك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!