الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثاني عشر: في وجوب اعتقاد أن اللّه تعالى أبدع على غير مثال سبق عكس ما عليه عباده

فإن أحدا منهم لا يقدر بإرادة اللّه على اختراع شيء إلا أنشأه في نفسه أولا عن تدبر ثم بعد ذلك تبرزه القوة العملية إلى الوجود الحسي على شكل ما يعلم له مثل وهذا محال في حق الحق تعالى فلم يزل الحق تعالى عالما بخلقه أزلا كما مر في المبحث قبله.

* - قال الشيخ محيي الدين: ولا يجوز أن يقال إن الخلق كانوا على صورة لا يوصف الحق تعالى بأنه عالم بها قبل اختراعهم لأن ذلك يؤدي إلى أنه تعالى اخترع شيئا لم يعلمه وقد ثبت بالأدلة القاطعة أنه عالم بكل شيء أزلا وأبدا فثبت لنا أن اختراع الحق تعالى لجميع العالم بالفعل على غير مثال سبق وخرجنا للوجود على حد ما كنا في علمه تعالى ولو قدر أنا لم نكن كذلك في علمه لخرجن

للوجود على حد ما لم يعلمه اللّه تعالى وذلك محال لأن ما لا يعلمه لا يريده وما لا يعلمه ولا يريده لا يوجده فنكون إذن نحن موجودين بأنفسنا أو بحكم الاتفاق وإذا كان وجودنا بأنفسنا أو بحكم الاتفاق فلا يصح وجودنا عن عدم وقد ثبت بالبرهان القاطع وجودنا عن عدم أي إضافي لا عدم محض كما مر بيانه في المبحث قبله

(فإن قلت) فعلى هذا التقرير إن قلنا إننا موجودون من عدم صدقنا أو من وجود يعني في العلم صدقن

(فالجواب) نعم والأمر كذلك كما أشار إليه الشيخ في شعره في الباب الثامن والتسعين ومائة من "الفتوحات" بقوله:

فلو رأيت الذي رأينا * لما نفيت الذي رأيت

فظاهر الأمر كان قولي * وباطن الأمر أنت كنت

قد أثبت الشيء قول ربي * لو لم يكن ذاك ما وجدت

فالعدم المحض ليس فيه * ثبوت عين فقل صدقت

لو لم تكن ثم يا حبيبي * إذ قال كن لم تكن سمعت

فأي شيء قبلت منه * الكون أو كون أنت أنت

:

وقد أشار الشيخ أيضا إلى نحو هذا المعنى بقوله في شعره أيضا في الباب الثامن والثلثمائة

عجبي من قائل كن لعدم * والذي قيل له لم يك ثم

ثم إن كان فلم قيل له * ليكن والقول ما لا ينقسم

فلقد أبطل كن قدرة من * دل بالعقل عليها وحكم

كيف للعقل دليل والذي * قد بناه العقل بالكشف هدم

فنجاة النفس في الشرع فلا * تك إنسانا رأى ثم حرم

واعتصم بالشرع في الكشف فقد * فاز بالخير عبيد قد عصم

أهمل الفكر لا تحفل به * واتركنه مثل لحم ووضم

كل علم شهد الشرع له * هو علم فيه فلتعتصم

وإذا خالفك العقل فقل * طورك الزم مالكم فيه قدم

مثل ما قد جهل اللوح الذي * خط فيه الحق من علم القلم

إلى آخر ما قال والنكتة في التعجب كون الحق تعالى أضاف التكوين إلى الشيء دون قدرته الإلهية بقوله للشيء كن وجعله موجودا حين قوله له كن (وإيضاح ذلك) لا يذكر إلا مشافهة لأهله واللّه تعالى أعلم، (فإن قلت) فما فمعنى قوله تعالى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون: 14] فإنه يوهم أن ثم خالقين ولكن اللّه تعالى أحسنهم خلقا فما الفرق بين خلق الخلق بإرادة اللّه وخلق الخلق بلا واسطة (فالجواب) كما قال الشيخ في الباب الثالث والستين وأربعمائة إن الفرق بين الخلقين أن اللّه تعالى إذا أراد أن يخلق خلقا خلقه عن شهود في علمه فيكسوه ذلك الخلق حلة الوجود بعد أن كان معدوما في شهود الخلق وأما العبد فإذا خلق بإذن اللّه شيئا كعيسى عليه السلام فلا يخلقه إلا عن تقدم تصور وتدبر من أعيان موجودة يريد أن يخلق مثلها أو يبدع مثلها فما خلقها العبد إلّا عن مثال سبق بخلاف خلق اللّه تعالى بلا واسطة فحصل بذلك الفرق بين الخلق المضاف إلى اللّه بلا واسطة والمضاف إلى الحق بواسطة وسيأتي بسط هذه المسألة في مبحث خلق الأفعال إن شاء اللّه تعالى فراجعه في المبحث الرابع والعشرين وتقدم في المبحث الثاني في حدوث العالم بعد كلام طويل قول الحق جل وعلا وما خلقت لك عينين إلا لتشهدني بالواحدة وظلمتك يعني إمكانك بالأخرى واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!