الفتوحات المكية

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السابع: في وجوب اعتقاد أن اللّه تعالى لا يحويه مكان كما لا يحده زمان لعدم دخوله في حكم خلقه

فإن المكان يحويهم والزمان يحدهم وقد قدمنا أنه مباين لخلقه في سائر المراتب فإنه كان ولامكان ولا زمان وذاته تعالى لا تقبل الزيادة ولا النقصان وهو الذي أنشأ الزمان وخلق

المتمكن والمكان فلا أينية له تعالى (فإن قلت) فما المراد بقوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4] فإنه يوهم الأينية عند ضعفاء العقول (فالجواب) كما قاله سيدي محمد المغربي الشاذلي أنه لا إيهام لأن الأينية في هذه الآية راجعة إلى الخلق لأنهم هم المخاطبون في الأين اللازم لهم لا له تعالى فهو تعالى مع كل صاحب أين بلا أين لعدم مماثلته لخلقه في وجه من الوجوه انتهى. وسيأتي بسط ذلك في المبحث بعده إن شاء اللّه تعالى .

* - وقال الشيخ في الباب الثاني والسبعين من "الفتوحات": ليس الحق تعالى لنا بأين لأن من لا أينية له لا يقبل المكان. قال: وذلك نظير قولهم المكان لا يقبل المكان فإذا كان لا أين لمن له أين فكيف يكون الأين لمن لا أين له يعقل انتهى.

* - وقال أيضا في الباب الثامن والأربعين منها: إنما أمر اللّه تعالى عباده بالسجود وجعله مقام قربه في قوله: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19] وبقوله صلى اللّه عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد إعلاما لنا بأنه تعالى في نسبة الفوقية إليه كنسبة التحتية إليه فالساجد يطلب السفل بوجهه كما أن القائم يطلب الفوق بوجهه ويرفع يديه إلى السماء في حال الدعاء فلا يكاد القائم يطلب من اللّه تعالى شيئا قط من جهة السفل فما جعل اللّه تعالى السجود حال قربه أقرب وقريبا من الحق إلا لينبه عباده على أنه لا يقيد تعالى الفوق عن التحت ول التحت عن الفوق لتنزهه عن صفات خلقه انتهى. وسيأتي بسط ذلك في المبحث بعده إن شاء اللّه تعالى .

(خاتمة) رأيت في كتاب " البهجة " المنسوبة لسيدي الشيخ عبد القادر الجيلي رضي اللّه تعالى عنه ما نصه اعلموا أن عباداتكم لا تدخل الأرض وإنما تصعد إلى السماء قال تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] فربنا سبحانه وتعالى في جهة العلو: اللّه على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء بدليل سبع آيات في القرآن العظيم في هذا المعنى لا يمكنني ذكرها لأجل جهل الجاهل ورعونته انتهى. فلا أدري أذلك الكلام دس على الشيخ في كتابه أم وقع في ذلك في بدايته ورجع عنه لما دخل في الطريق فإن من المعلوم عند كل عارف باللّه تعالى أنه تعالى لا يتحيز. والشيخ قد شاعت ولايته في أقطار الأرض فيبعد من مثله القول بالجهة قطعا. وقد ذكر الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه اللّه أنه لا يلزم من قوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: 10] أن يكون تعالى في جهة الفوق

دون غيرها بدليل قوله تعالى وهو اللّه في السماوات وفي والأرض ظرفية تليق بجلاله وأجمع المحققون أن شهود الحق تعالى في حال السجود صعود وإن كان السجود في أسفل سافلين وأما قوله تعالى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 5] أي يخافون ربهم أن ينزل عليهم عذابا من فوق رؤوسهم هذا هو الاعتقاد الحق. قلت ويصح حمل قول السيد عبد القادر الجيلي السابق إنه تعالى في جهة العلو على أن مراده بجهة العلو الجهة التي قصد العبد قضاء حاجته منها عند الحق وإن كانت في السفليات هذا لا يبعد على مقام الشيخ انتهى واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!